نقوس المهدي
كاتب
ان الادب الاجتماعي الذي انتجه علي الورديَ حول صراع القيم في المجتمع العراقي صار اشبه بالمرآة التي يرى فيها كثير من الافراد صورتهم الاجتماعية، بل انَ حالات الاخفاق الحضاري والسياسيَ وما يتبع ذلك تجد تفسيرها الجاهز عند علي الورديَ، وحتى الادعاءات الحالية - الديموقراطية والعراق الجديد.. وهكذا - لا تفلت من كونها انعكاساَ لمرآة التناشُز التي افترضها الورديَ وقام بتقييدها بالوضع الانتقالي المتدرَج الذي تتأخَر فيه القيم عن المظاهر المادية سريعة التداول. وقد كان كتابه الواسع "لمحات اجتماعية.. " بديلاَ عن تاريخ العراق الحديث لدى القارئ العام، وقد لعب هذا الكتاب دوراَ في اقتراح شخصيَة فردية ذات امتداد اجتماعي إطاري، لامجال فيه للفرد العراقي.. أن يتحرك بعيداَ عن تناشزه.
ان ادب الورديَ يستحقَ العرض، كما يستحقَ النقد، ولن يكون في مكنتي تقديم ذلك الا بنحو من الاشارات المنسجمة مع طبيعة الاسئلة المثارة منذ المقالتين السابقتين في ايلاف ( "ردهة الانتظار" و"أنتائج ام علل؟")، مع اعترافي بثقل ادب علي الورديَ الذي يأخذ على عاتقه النظر في 45% من تاريخ العراق الاسلاميَ كما سأوضح، وفي هذا وحده ما يكفي دليلاَ على وزن الضغط الذي مارسه لاقناع القارئ، فتاريخ متقادم – متواصل يمثَل استمرارية تاريخية اكثر من كونه خصوصية تاريخية فيها ما فيها من الانفصال، وبهذا يكون الزمان قد تكاثف بصيغة قدريَة في هذا المكان بحيث صار الانسان في قبضة القدر الذي لا بدَ من التماشي معه، ولا حيلة في الفرار الى قدر ثانِ أو ثالث... (من قدر الله الى قدر الله كما جاء في أثر اسلامي تنويهاَ بمعنى ايجابي لأصل الاختيار..).
في ندوة "ازمة التطوَر الحضاري في الوطن العربي" - الكويت - 1974 وفرَالوردي ثلاث قواعد خلفيَة لموضوعية اطروحته عن التناشز الاجتماعي، بدأها بالجغرافيا، حيث تشكَل بادية العراق جزءاَ من اكبر امتداد صحراوي في العالم، ثم الاضطراب المدني (اهمال الحكومة للرعية) الذي رافق واعقب العهد المغولي التركي والذي استمر زهاء 600 عام، ثمَ الواقع السكاني حيث اعتمد على احصاء تخميني من القرن 19 مفاده: ان 35% من السكان هم بدو و41% قبائل ريفية و24% سكان مدن، وقام بتوحيد البدو مع الريفيين فصارت نسبة البدو ثلاثة ارباع السكان.
أضاف الورديَ الى هذه القواعد الخلفية للاطروحة وجهة نظر مستمدَة من حادثة قابيل وهابيل (الزراعة والرعي) اعتماداَ على التوراة في نشأة الصراع، بتفسير توينبي، وحدَد ثلاث خصائص للبداوة: الغزو والعصبية القبلية وتقدير المروءة، يقابلها في الحضارة: المهنة والسلطة الحكومية وتقدير المال. وبينما كان المجتمع خاضعاَ للمدَ البدويَ فاجأه تياَر حضاري قادم من اوربا. هناك اجزاء يمكن اقتباسها بسرعة: السكن، اللباس، حقوق المحكوم تجاه الحاكم، اما قيم السلوك وعلاقات الناس فيما بينهم فانها تجئ بالتدرَج البطئ جدَاَ، وفي هذا الموقع الانتقالي تنشأ ظاهرة التناشز الاجتماعي: وسيكون هجوم البداوة متقابلاَ: فالغزو يهاجم المهنة ويفرض عليها اخلاقه، والعصبية تشوَه السلطة الحكومية وتتغلب عليها في عقر دارها، وتتفوق المروءة البدوية وتتحول الى نفوذ يضيع فيه الحقَ في المال باعتباره مقابل اداء الواجب او العمل. وأخيراَ يعتقد الوردي: "الامَة العربية تريد ان تسابق الزمن في تبنيَ الحضارة الحديثة... وقد اصبحت البداوة عقبة في طريقها.. وهيَ مضطرَة اذن الى التخلص من تلك القيم قبل فوات الاوان". وفي ختام تعليقه على النقاشات قال: "نحن نريد الحضارة،....، وامَا ان نتحضَر أو نبقى في الصحراء".
في سياق الوصف والمعطيات التي قدمها الوردي تبدو خاتمته متطرفة في كونها منحازة الى الحضارة، فليس من الممكن، وفي ظل ّ السياق، فهم السبيل الى تلبية الضرورة في التخلص من قيم البداوة التي تجعل مجتمع المدينة متناشزاً. لقد استعمل احياناَ كلمة "التفاعل " ولكنّه لم ينقلها الى مستوى التغير الاجتماعي، ومن الواضح ان حرجه من تاثير الفكر الوظيفي وبعض الاتجاهات المحافظة في علم الاجتماع الاميركي، قد جعله يقول بكلمة قطعيّة: امّا.. أو.. فكيف يمكن دمج الاطراف وهي مزدوجة الولاء دون ان ينتج عن ذلك مصاحبات خطيرة كما يقول دانيال شيروت؟
الآن نبدأ من الأخير، من التناشز، فالصيغة هي مصدر، معناه العجمي التباعُد من ارض مشتركة، كتناشز الزوجين، وقد يدل الفعل المأخوذ منه على: المشاركة او المطاوعة، وهما ايضا من معاني صيغة "اجتمع" الذي يشتق منها "المجتمع"، لكنّ ادبيات الوردي تفرد المطاوعة بجزء من المجتمع، وهو الحضري الذي يطاوع البدوي في قيمه، كما ان التناشز يظهر في المدينة لا في البادية، وفي معنى كل من الكلمتين تكون المشاركة محذوفة من البادية، فالبدوي فاعل في المدينة. وهنا ينشأ السؤال: الا يعاني البدو من التناشز؟ هل هم موحًدون؟. متجانسون؟ الا يغزو البدويّ بدوياً؟. ثم هل التناشز قيمة بدوية أعرابية فقط؟. ام انّ الازدواج حالة موجودة في ايما مجتمع؟. كما انه توجد في اي مجتمع قواعد للعيش المشترك؟ وهل تكفي مثل هذه الفرضية لتفسير وضع اجتماعي ما تنقصه درجة معينة من التجانس؟ وهل يبلغ عدم التجانس الاجتماعي حد تعطيل التحضّر؟ انّ امرجدية هذه الاسئلة او عدم جديتها متعلق بالخصوصية التاريخية (الاقتصاد، المجتمع، السياسة، الدين...) فالشعور الايديولوجي بعدم التجانس قد ينشا عن الايمان الصوفي الذي يكون قناعا للولاء الطارد للوعي، كما حصل في الفاشية، وقد ينشأ عن دراسة التفاوت بين المدن والارياف صراعات من نوع اخر تؤدي الى تطوير بنى الانتاج الاقتصادي والزراعي والفن... الخ؟. وكما يقول دوركهايم فان طريقة واحدة في رؤية الاشياء هي طريقة في العجز عن الرؤيا. ففي السوسيولوجيا، او في الخيال السوسيولوجي، كما هو عنوان ميلز، يصاحب المرونة شئ من المواهب الداخلية للباحث دون ان يقاطعها تطرف المعّلمين او لجاجة الوضوح. الا يمكن ان يشترك البدو والمتحضرون العرب بصراع قيمي انتجه عنصر اخر غير البداوة والحضارة الداخليتين؟ او اكثر من عنصر؟ كالسياسة المتعلقة بعدم القدرة على التمييزبين الديني والدنيوي، بين العبادات والمعاملات؟. بين الناموس والفقه؟ بين الدين والمذهب؟. اننا لحد اليوم لا نستطيع ان نتصور مسلما الا ومعه محايثته للمذهب ؛ فهل يشكل هذا انشقاقا؟. هل يضيف هذا شيئا الى الدين نفسه؟. وهل ينضاف التاويل الى النص لمناسبة وغير مناسبة؟. ام يتناقص الطرفان في حالة الاضافة؟. كل هذا له علاقة من قريب وبعيد بالبداوة اسلاميا، فقد انتقد الاسلام (القرآن والحديث...) البدو، وكان الأعراب :) البدو)من الذين شملتهم سورة التوبة بالتقريع الشديد، واستثنت اقلية منهم (يراجع تفسير القرطبي للسورة المذكورة وهي من اواخر ما نزل من القران وقلَ فيها المنسوخ..) كما ان الحديث اعتبر التعرّب:) ترك المدن والارياف الى البادية) من الكبائر ولم يقبل شهادة اعرابي على ابن قرية.. (اخذ به مالك.. تراجع مادة عرب في النهاية لابن الاثير..) وكان " الاعرابي اذا قيل له: يا عربيّ ! فرح لذلك وهشّ له. والعربي اذا قيل له: يا اعرابي ّ غضب له " - لسان العرب مادة عرب. فالاسلام دين مدينة، فلماذا تم تحول البدو الى مؤثرين في مجتمعات المدن الاسلامية لا متأثرين بها؟. وهل هذا سؤال جدي على مستوى بناء التصورات. كان احد التعقيبات على بحث الدكتور الوردي يشيد برومانتيكيته، الا انني ارى ان البحث في البداوة والحضارة، الآن، يرجع بنا الى التأمل الادبي في العاطفة فلسفيا، كما حدث في القرن الثامن عشر في اوربا حين تناول فولتير الهوروني (هندي احمر) بطل كتاب "الساذج ".
نعود الى بداية هذه الملاحظات، فقد زاول الدكتور الوردي مهمة المؤرخ الذي اتخذ من حوادث اجتماعية مادة لتاريخ ما، وقد كان عمل كثير من علماء الاجتماع، قبل ماكس فيبر، ان يلتقطوا ما اسقطه المؤرخون، وكان هؤلاء مشغولين بالتركيز على الفترات الطويلة وكأنهم يبحثون في " الاشباع البطيء " بتعبير فوكو، ولكن كلما توغلنا في اعمالهم سنجد خلفها " تواريخ لا يكاد يتبينها النظر مثل:.. تاريخ الجفاف والري والاراضي، تاريخ التوازن الذي يقيمه البشر بين الرفاهية والحاجة.. "يضيف فوكو: " في داخل اي جدول زمني واسع، يمكن تعيين مجاميع لحوادث متباينة.. " لكن علماء الاجتماع كثيرا ما حشروا انفسهم في التاريخ العام الطويل. وقد حان الوقت الذي اوقف فيه ماركس ما يسمى الاستمرارية الزمانية وحدد اهميَة تعيين الخصوصية التاريخية، ثم تفرغ فيبر لدراسة علاقة البروتستانتية بالرأسمالية، والطوائف البروتستانتية في اميركا، والاقتصاد والمجتمع، والى اخره من الجهود التي مازالت تتكامل وتتجادل حتى الآن، مرورا باطروحة فوكو عن اولوية المنفصل، وبنقد بول فين للتصور السوسيولوجي عن التاريخ الكامل.
ما اكرره هو: انّ 45% من تاريخ العراق الاسلامي، باعتباره تاريخ صراع سميك للقيم تسيطر فيه البداوة، مع مساحة صحراوية غالبة، واكثرية سكانية بدوية ( وهذا من معطيات الوردي) لن يترك مجالا للحضارة ان تناور او تتقدم.
ولكن هل هذه المعطيات صحيحة؟ او متساوية القوة؟ الم تتعرض، اذا كانت صحيحة جميعها، الى تغييرات بنيوية واجتماعية؟ ام هي الواقع البنيوي الثابت المطابق لوصيّة سليم الاول عام 1516 القاضية ببقاء نظام الارض، التراتب الاجتماعي، سياسة الدولة، دور الدين.. على حالها؟.
ففي العهد المغولي التركي جرت تحولات كثيرة في تجمعات القبائل واماكنها وعلاقتها البينية وبالحكومات (انظر وضع العشائر في فصل السياسة الداخلية من كتاب محمد صالح القزاز - الحياة السياسة في العراق في عهد السيطرة المغولية) وبصدد العلاقة بالارض فلاشك ان الوضع الطبيعي والقانوني والريعي قد تغيرّ ايضاً (يراجع كتاب البادية لعبد الجبار الراوي مع كتاب تاريخ مشكلة الاراضي في العراق لعماد الجواهري وداود باشا لعبد العزيز نوار وتأريخ العراق الاقتصادي لعبد العزيز الدوري) امّا حقيقة السكان فليس من الصحيح دمج الارياف بالبادية لا لغويا ولا فعليا ( يذكر محمد سلمان في كتابه _ دراسات في الاقتصاد العراقي - وهو كتاب ذو اهمية خاصة في مناسبة ملاحظاتنا، يذكر ان التغييرات الكلية والاقليمية في التركيب البدوي - الريفي - المدني لسكان العراق منذ 1867 يمكن الركون اليها، ففي اواسط القرن التاسع عشر كان عدد سكان العراق لا يزيد على المليون وربع المليون، نصف المليون من العشائر البدوية، اكثر قليلا من نصف المليون من سكان الريف، اقل من ثلث المليون من الذين يكتسبون معاشهم في المدن الصغيرة والكثيرة، لكن هذه الارقام تغيرت بشكل واضح في اواسط القرن العشرين.. حسب كتاب حسن ولا حاجة الى تنبيه القارىء الى التخمينات التي اوردها الوردي والتي تتناول الفترة نفسها والدمج القاطع وغير المبرر بين سكان البادية والارياف.)
اما تغيير طابع البادية حديثا فهو مثبت في القوانين والوقائع، ويمكن العودة الى كتاب الراوي المذكور وكتاب عبد الجبار الجسام الجسام " 30 سنة في الوظيفة "وهما مطبوعان في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي على التوالي ويتناولان موضوع تثبيت السلطة الملكية امنياَ حيث كانل من مؤسسي قوات الدرك.
ان الوضع الاجتماعي للمدن سيكون مائلا للعيان منذ حكم فيصل الاول، في التعليم، الزراعة، الادارة، النقل، التنظيمات النقابية والفنية والدينية والساسية، الخ.. ولكن هل يعني ذلك التجانس الاجتماعي وعدم وجود ازدواج او تناقض.. في المراتب الحضرية والاجتماعية.. الخ. هنا لابد ان نسمع الى الدكتور الوردي.. ولكن بعد فحص ما سميناه القواعد الخلفية لفرضيته. ان صدمته جذرية وكأنه كان يريد ان نصحوا على تكاليف التغيير الاجتماعي الحقيقية ونتهيأ لها بكاملنا.، فقد كان محميا باستقلالية تحبَذ لنا الثقة بنيَاته، بغض النظر عن الاختلاف في المنهج فالمجتمع الذي ينتج ثقافة الافراد يكون ايضاَ ذا قابلية على تلقي هذه الثقافة التي انتجها والتأثر بها حين يعيد الافراد انتاج ثقافتهم. (العلاوة اللغوية على التناشز والمجتمع هي: انّ التناشز مصدر للفعل تناشَزَ ومن معانيه التشريك بين اكثر من طرف فيكون كل منها فاعلاً في اللفظ مفعولا في المعنى، اما المجتمع فهي كلمة لها حمل اعلامي مضاعَف: فقد تكون اسما للزمان اوللمكان او مصدرا ميميا او اسما للمفعول فاذا اخترنا معنى المطاوعة للفعل: جمعه فاجتمع فذلك يعني قبول تاثير الغير. _ شذا العرف للحملاوي).
ان الاسئلة المتبقية تتعلق بعدد من الهوامش والمتون في المجتمع العراقي بعد فترة صعود الاقطاع وبداية التطلعات الاجنبية الفعلية دبلماسيا وتجاريا ودينيا في العصر الحديث ( تكفل حنا بطاطو بقياس ذلك تمهيدا لدراسة الاحزاب..). ثم توليد الدولة في اعقاب الحرب الاولى ضمن تقسيمات الحلفاء. ثم ما ترتب على ذلك حسب الخطط والرؤى البريطانية (يراجع تقرير مس بل واتقرير الاستخباري البريطاني العشائر والسياسة وكتاب لونكريك " اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث " لتكوين فكرة عامة عن وجهة نظر الانتداب في المستقبل السياسي والاجتماعي للعراق).
وهكذا تضي التداعيات الانتقالية منذ حل مجلس النواب 1954 والحكم بسياسة المراسيم حتى بداية الجمهورية.
وقد حصل من الناحية المدنية في اثناء ذلك، اي ابتداءا بالانتداب، شيء كثير من قبيل: وضع المرأة، التعليم، الادارة، فوارق الاجيال، النقاشات الجذرية حول النص الديني والمصلحة (خاصة الرصافي الذي تجاوب مع تنوير مصر في موضوع ذلك النقاش والذي تبناه الازهر فيما بعد - انظر كتاب مصطفى صبري "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين")، الاقتصاد، سياسات الري، نشوء المراتب الاجتماعية والاقتصادية وتضمينها اشكالا ووظائف سياسية من خلال الاحزاب، التوسع الحضري، الاعلام، الاثار التجديدية في الفن والادب والعمارة والتربية، الاقتراحات المدنية على الطبيعة: زراعة بعض مناطق البادية توظيف البدو، بناء الطرق وبعض المراكز الحكومية، توطين بعض البيوتات البدوية.
ان نشوء الاحزاب الحديثة هو احدى الصور المهمة للحراك السياسي والاجتماعي، وكانت النوادي والجمعيات والنقابات والاتحادات صورا اخرى، لكن الحياة اليومية للمواطن في الاسواق والفلكلور الترفيهي العائلي والمشترك وشعائر العبادات وما يلحق بها كانت تغذي حياة مدنية بمضمون كامل تقريبا، ليست غريبة عن مدينة ذات هوية اسلامية ولها علاقات بحداثة عالمية بدرجة ملحوظة، وكانت التناقضات جزءا من جدال الحداثة في بيئة ملموسة (نستطيع ان نضم البصرة والموصل الى بغداد... ويمكن ذكر عدد اخر من مدن اخرى يقل فيها التفاوت بين المدنية والطابع المختلط للارياف او تركيز الصورة الدينية للقداسة).
اخيرا، اريد مصارحة القارىء: الى الان وانا لاانوي الذهاب بعيدا عن الدكتور علي الوردي، في القليل من الناحية الوجدانية، لانه يمكن للسؤال ان يقف امامنا دائما مثل ضمير مؤنِّب: هل لتاريخنا اسم؟ هل لمجتمعنا زمان؟ هل عراقيُ اليوم كائن ام شخص؟ التجربة الحالية لا يمكنها ان تساعد على تقديم جواب، والمرجو الا تذهب هدرا مثل " ظاهرة ثانوية " مع ان التجربة تحفر اخايد في الواقع، فهل يبقى من المحرك شيء اخر غير صوته؟.. وهل نستطيع مع الاميركان تصديق "هيوم" في انه لا وجود الا للظواهر؟ وان نلتزم بترتيب اسئلة الغزالي في "معيار العلم"؟ وان نتعرف على عمق عدم تناهي الواقع بالقياس الى النص المتناهي وهذا ايضا درس الغزالي في "فضائح الباطنية"؟ وان نتفقّه في مراعاة الخلاف كما هي الحفريات النظرية في "موافقات" الشاطبي؟ انها اسئلة ثقافية لا تذهب بعيدا عن الوردي لو قمنا بتوجيه التناشز نحو النخبة
المصدر : almalafpress.
ان ادب الورديَ يستحقَ العرض، كما يستحقَ النقد، ولن يكون في مكنتي تقديم ذلك الا بنحو من الاشارات المنسجمة مع طبيعة الاسئلة المثارة منذ المقالتين السابقتين في ايلاف ( "ردهة الانتظار" و"أنتائج ام علل؟")، مع اعترافي بثقل ادب علي الورديَ الذي يأخذ على عاتقه النظر في 45% من تاريخ العراق الاسلاميَ كما سأوضح، وفي هذا وحده ما يكفي دليلاَ على وزن الضغط الذي مارسه لاقناع القارئ، فتاريخ متقادم – متواصل يمثَل استمرارية تاريخية اكثر من كونه خصوصية تاريخية فيها ما فيها من الانفصال، وبهذا يكون الزمان قد تكاثف بصيغة قدريَة في هذا المكان بحيث صار الانسان في قبضة القدر الذي لا بدَ من التماشي معه، ولا حيلة في الفرار الى قدر ثانِ أو ثالث... (من قدر الله الى قدر الله كما جاء في أثر اسلامي تنويهاَ بمعنى ايجابي لأصل الاختيار..).
في ندوة "ازمة التطوَر الحضاري في الوطن العربي" - الكويت - 1974 وفرَالوردي ثلاث قواعد خلفيَة لموضوعية اطروحته عن التناشز الاجتماعي، بدأها بالجغرافيا، حيث تشكَل بادية العراق جزءاَ من اكبر امتداد صحراوي في العالم، ثم الاضطراب المدني (اهمال الحكومة للرعية) الذي رافق واعقب العهد المغولي التركي والذي استمر زهاء 600 عام، ثمَ الواقع السكاني حيث اعتمد على احصاء تخميني من القرن 19 مفاده: ان 35% من السكان هم بدو و41% قبائل ريفية و24% سكان مدن، وقام بتوحيد البدو مع الريفيين فصارت نسبة البدو ثلاثة ارباع السكان.
أضاف الورديَ الى هذه القواعد الخلفية للاطروحة وجهة نظر مستمدَة من حادثة قابيل وهابيل (الزراعة والرعي) اعتماداَ على التوراة في نشأة الصراع، بتفسير توينبي، وحدَد ثلاث خصائص للبداوة: الغزو والعصبية القبلية وتقدير المروءة، يقابلها في الحضارة: المهنة والسلطة الحكومية وتقدير المال. وبينما كان المجتمع خاضعاَ للمدَ البدويَ فاجأه تياَر حضاري قادم من اوربا. هناك اجزاء يمكن اقتباسها بسرعة: السكن، اللباس، حقوق المحكوم تجاه الحاكم، اما قيم السلوك وعلاقات الناس فيما بينهم فانها تجئ بالتدرَج البطئ جدَاَ، وفي هذا الموقع الانتقالي تنشأ ظاهرة التناشز الاجتماعي: وسيكون هجوم البداوة متقابلاَ: فالغزو يهاجم المهنة ويفرض عليها اخلاقه، والعصبية تشوَه السلطة الحكومية وتتغلب عليها في عقر دارها، وتتفوق المروءة البدوية وتتحول الى نفوذ يضيع فيه الحقَ في المال باعتباره مقابل اداء الواجب او العمل. وأخيراَ يعتقد الوردي: "الامَة العربية تريد ان تسابق الزمن في تبنيَ الحضارة الحديثة... وقد اصبحت البداوة عقبة في طريقها.. وهيَ مضطرَة اذن الى التخلص من تلك القيم قبل فوات الاوان". وفي ختام تعليقه على النقاشات قال: "نحن نريد الحضارة،....، وامَا ان نتحضَر أو نبقى في الصحراء".
في سياق الوصف والمعطيات التي قدمها الوردي تبدو خاتمته متطرفة في كونها منحازة الى الحضارة، فليس من الممكن، وفي ظل ّ السياق، فهم السبيل الى تلبية الضرورة في التخلص من قيم البداوة التي تجعل مجتمع المدينة متناشزاً. لقد استعمل احياناَ كلمة "التفاعل " ولكنّه لم ينقلها الى مستوى التغير الاجتماعي، ومن الواضح ان حرجه من تاثير الفكر الوظيفي وبعض الاتجاهات المحافظة في علم الاجتماع الاميركي، قد جعله يقول بكلمة قطعيّة: امّا.. أو.. فكيف يمكن دمج الاطراف وهي مزدوجة الولاء دون ان ينتج عن ذلك مصاحبات خطيرة كما يقول دانيال شيروت؟
الآن نبدأ من الأخير، من التناشز، فالصيغة هي مصدر، معناه العجمي التباعُد من ارض مشتركة، كتناشز الزوجين، وقد يدل الفعل المأخوذ منه على: المشاركة او المطاوعة، وهما ايضا من معاني صيغة "اجتمع" الذي يشتق منها "المجتمع"، لكنّ ادبيات الوردي تفرد المطاوعة بجزء من المجتمع، وهو الحضري الذي يطاوع البدوي في قيمه، كما ان التناشز يظهر في المدينة لا في البادية، وفي معنى كل من الكلمتين تكون المشاركة محذوفة من البادية، فالبدوي فاعل في المدينة. وهنا ينشأ السؤال: الا يعاني البدو من التناشز؟ هل هم موحًدون؟. متجانسون؟ الا يغزو البدويّ بدوياً؟. ثم هل التناشز قيمة بدوية أعرابية فقط؟. ام انّ الازدواج حالة موجودة في ايما مجتمع؟. كما انه توجد في اي مجتمع قواعد للعيش المشترك؟ وهل تكفي مثل هذه الفرضية لتفسير وضع اجتماعي ما تنقصه درجة معينة من التجانس؟ وهل يبلغ عدم التجانس الاجتماعي حد تعطيل التحضّر؟ انّ امرجدية هذه الاسئلة او عدم جديتها متعلق بالخصوصية التاريخية (الاقتصاد، المجتمع، السياسة، الدين...) فالشعور الايديولوجي بعدم التجانس قد ينشا عن الايمان الصوفي الذي يكون قناعا للولاء الطارد للوعي، كما حصل في الفاشية، وقد ينشأ عن دراسة التفاوت بين المدن والارياف صراعات من نوع اخر تؤدي الى تطوير بنى الانتاج الاقتصادي والزراعي والفن... الخ؟. وكما يقول دوركهايم فان طريقة واحدة في رؤية الاشياء هي طريقة في العجز عن الرؤيا. ففي السوسيولوجيا، او في الخيال السوسيولوجي، كما هو عنوان ميلز، يصاحب المرونة شئ من المواهب الداخلية للباحث دون ان يقاطعها تطرف المعّلمين او لجاجة الوضوح. الا يمكن ان يشترك البدو والمتحضرون العرب بصراع قيمي انتجه عنصر اخر غير البداوة والحضارة الداخليتين؟ او اكثر من عنصر؟ كالسياسة المتعلقة بعدم القدرة على التمييزبين الديني والدنيوي، بين العبادات والمعاملات؟. بين الناموس والفقه؟ بين الدين والمذهب؟. اننا لحد اليوم لا نستطيع ان نتصور مسلما الا ومعه محايثته للمذهب ؛ فهل يشكل هذا انشقاقا؟. هل يضيف هذا شيئا الى الدين نفسه؟. وهل ينضاف التاويل الى النص لمناسبة وغير مناسبة؟. ام يتناقص الطرفان في حالة الاضافة؟. كل هذا له علاقة من قريب وبعيد بالبداوة اسلاميا، فقد انتقد الاسلام (القرآن والحديث...) البدو، وكان الأعراب :) البدو)من الذين شملتهم سورة التوبة بالتقريع الشديد، واستثنت اقلية منهم (يراجع تفسير القرطبي للسورة المذكورة وهي من اواخر ما نزل من القران وقلَ فيها المنسوخ..) كما ان الحديث اعتبر التعرّب:) ترك المدن والارياف الى البادية) من الكبائر ولم يقبل شهادة اعرابي على ابن قرية.. (اخذ به مالك.. تراجع مادة عرب في النهاية لابن الاثير..) وكان " الاعرابي اذا قيل له: يا عربيّ ! فرح لذلك وهشّ له. والعربي اذا قيل له: يا اعرابي ّ غضب له " - لسان العرب مادة عرب. فالاسلام دين مدينة، فلماذا تم تحول البدو الى مؤثرين في مجتمعات المدن الاسلامية لا متأثرين بها؟. وهل هذا سؤال جدي على مستوى بناء التصورات. كان احد التعقيبات على بحث الدكتور الوردي يشيد برومانتيكيته، الا انني ارى ان البحث في البداوة والحضارة، الآن، يرجع بنا الى التأمل الادبي في العاطفة فلسفيا، كما حدث في القرن الثامن عشر في اوربا حين تناول فولتير الهوروني (هندي احمر) بطل كتاب "الساذج ".
نعود الى بداية هذه الملاحظات، فقد زاول الدكتور الوردي مهمة المؤرخ الذي اتخذ من حوادث اجتماعية مادة لتاريخ ما، وقد كان عمل كثير من علماء الاجتماع، قبل ماكس فيبر، ان يلتقطوا ما اسقطه المؤرخون، وكان هؤلاء مشغولين بالتركيز على الفترات الطويلة وكأنهم يبحثون في " الاشباع البطيء " بتعبير فوكو، ولكن كلما توغلنا في اعمالهم سنجد خلفها " تواريخ لا يكاد يتبينها النظر مثل:.. تاريخ الجفاف والري والاراضي، تاريخ التوازن الذي يقيمه البشر بين الرفاهية والحاجة.. "يضيف فوكو: " في داخل اي جدول زمني واسع، يمكن تعيين مجاميع لحوادث متباينة.. " لكن علماء الاجتماع كثيرا ما حشروا انفسهم في التاريخ العام الطويل. وقد حان الوقت الذي اوقف فيه ماركس ما يسمى الاستمرارية الزمانية وحدد اهميَة تعيين الخصوصية التاريخية، ثم تفرغ فيبر لدراسة علاقة البروتستانتية بالرأسمالية، والطوائف البروتستانتية في اميركا، والاقتصاد والمجتمع، والى اخره من الجهود التي مازالت تتكامل وتتجادل حتى الآن، مرورا باطروحة فوكو عن اولوية المنفصل، وبنقد بول فين للتصور السوسيولوجي عن التاريخ الكامل.
ما اكرره هو: انّ 45% من تاريخ العراق الاسلامي، باعتباره تاريخ صراع سميك للقيم تسيطر فيه البداوة، مع مساحة صحراوية غالبة، واكثرية سكانية بدوية ( وهذا من معطيات الوردي) لن يترك مجالا للحضارة ان تناور او تتقدم.
ولكن هل هذه المعطيات صحيحة؟ او متساوية القوة؟ الم تتعرض، اذا كانت صحيحة جميعها، الى تغييرات بنيوية واجتماعية؟ ام هي الواقع البنيوي الثابت المطابق لوصيّة سليم الاول عام 1516 القاضية ببقاء نظام الارض، التراتب الاجتماعي، سياسة الدولة، دور الدين.. على حالها؟.
ففي العهد المغولي التركي جرت تحولات كثيرة في تجمعات القبائل واماكنها وعلاقتها البينية وبالحكومات (انظر وضع العشائر في فصل السياسة الداخلية من كتاب محمد صالح القزاز - الحياة السياسة في العراق في عهد السيطرة المغولية) وبصدد العلاقة بالارض فلاشك ان الوضع الطبيعي والقانوني والريعي قد تغيرّ ايضاً (يراجع كتاب البادية لعبد الجبار الراوي مع كتاب تاريخ مشكلة الاراضي في العراق لعماد الجواهري وداود باشا لعبد العزيز نوار وتأريخ العراق الاقتصادي لعبد العزيز الدوري) امّا حقيقة السكان فليس من الصحيح دمج الارياف بالبادية لا لغويا ولا فعليا ( يذكر محمد سلمان في كتابه _ دراسات في الاقتصاد العراقي - وهو كتاب ذو اهمية خاصة في مناسبة ملاحظاتنا، يذكر ان التغييرات الكلية والاقليمية في التركيب البدوي - الريفي - المدني لسكان العراق منذ 1867 يمكن الركون اليها، ففي اواسط القرن التاسع عشر كان عدد سكان العراق لا يزيد على المليون وربع المليون، نصف المليون من العشائر البدوية، اكثر قليلا من نصف المليون من سكان الريف، اقل من ثلث المليون من الذين يكتسبون معاشهم في المدن الصغيرة والكثيرة، لكن هذه الارقام تغيرت بشكل واضح في اواسط القرن العشرين.. حسب كتاب حسن ولا حاجة الى تنبيه القارىء الى التخمينات التي اوردها الوردي والتي تتناول الفترة نفسها والدمج القاطع وغير المبرر بين سكان البادية والارياف.)
اما تغيير طابع البادية حديثا فهو مثبت في القوانين والوقائع، ويمكن العودة الى كتاب الراوي المذكور وكتاب عبد الجبار الجسام الجسام " 30 سنة في الوظيفة "وهما مطبوعان في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي على التوالي ويتناولان موضوع تثبيت السلطة الملكية امنياَ حيث كانل من مؤسسي قوات الدرك.
ان الوضع الاجتماعي للمدن سيكون مائلا للعيان منذ حكم فيصل الاول، في التعليم، الزراعة، الادارة، النقل، التنظيمات النقابية والفنية والدينية والساسية، الخ.. ولكن هل يعني ذلك التجانس الاجتماعي وعدم وجود ازدواج او تناقض.. في المراتب الحضرية والاجتماعية.. الخ. هنا لابد ان نسمع الى الدكتور الوردي.. ولكن بعد فحص ما سميناه القواعد الخلفية لفرضيته. ان صدمته جذرية وكأنه كان يريد ان نصحوا على تكاليف التغيير الاجتماعي الحقيقية ونتهيأ لها بكاملنا.، فقد كان محميا باستقلالية تحبَذ لنا الثقة بنيَاته، بغض النظر عن الاختلاف في المنهج فالمجتمع الذي ينتج ثقافة الافراد يكون ايضاَ ذا قابلية على تلقي هذه الثقافة التي انتجها والتأثر بها حين يعيد الافراد انتاج ثقافتهم. (العلاوة اللغوية على التناشز والمجتمع هي: انّ التناشز مصدر للفعل تناشَزَ ومن معانيه التشريك بين اكثر من طرف فيكون كل منها فاعلاً في اللفظ مفعولا في المعنى، اما المجتمع فهي كلمة لها حمل اعلامي مضاعَف: فقد تكون اسما للزمان اوللمكان او مصدرا ميميا او اسما للمفعول فاذا اخترنا معنى المطاوعة للفعل: جمعه فاجتمع فذلك يعني قبول تاثير الغير. _ شذا العرف للحملاوي).
ان الاسئلة المتبقية تتعلق بعدد من الهوامش والمتون في المجتمع العراقي بعد فترة صعود الاقطاع وبداية التطلعات الاجنبية الفعلية دبلماسيا وتجاريا ودينيا في العصر الحديث ( تكفل حنا بطاطو بقياس ذلك تمهيدا لدراسة الاحزاب..). ثم توليد الدولة في اعقاب الحرب الاولى ضمن تقسيمات الحلفاء. ثم ما ترتب على ذلك حسب الخطط والرؤى البريطانية (يراجع تقرير مس بل واتقرير الاستخباري البريطاني العشائر والسياسة وكتاب لونكريك " اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث " لتكوين فكرة عامة عن وجهة نظر الانتداب في المستقبل السياسي والاجتماعي للعراق).
وهكذا تضي التداعيات الانتقالية منذ حل مجلس النواب 1954 والحكم بسياسة المراسيم حتى بداية الجمهورية.
وقد حصل من الناحية المدنية في اثناء ذلك، اي ابتداءا بالانتداب، شيء كثير من قبيل: وضع المرأة، التعليم، الادارة، فوارق الاجيال، النقاشات الجذرية حول النص الديني والمصلحة (خاصة الرصافي الذي تجاوب مع تنوير مصر في موضوع ذلك النقاش والذي تبناه الازهر فيما بعد - انظر كتاب مصطفى صبري "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين")، الاقتصاد، سياسات الري، نشوء المراتب الاجتماعية والاقتصادية وتضمينها اشكالا ووظائف سياسية من خلال الاحزاب، التوسع الحضري، الاعلام، الاثار التجديدية في الفن والادب والعمارة والتربية، الاقتراحات المدنية على الطبيعة: زراعة بعض مناطق البادية توظيف البدو، بناء الطرق وبعض المراكز الحكومية، توطين بعض البيوتات البدوية.
ان نشوء الاحزاب الحديثة هو احدى الصور المهمة للحراك السياسي والاجتماعي، وكانت النوادي والجمعيات والنقابات والاتحادات صورا اخرى، لكن الحياة اليومية للمواطن في الاسواق والفلكلور الترفيهي العائلي والمشترك وشعائر العبادات وما يلحق بها كانت تغذي حياة مدنية بمضمون كامل تقريبا، ليست غريبة عن مدينة ذات هوية اسلامية ولها علاقات بحداثة عالمية بدرجة ملحوظة، وكانت التناقضات جزءا من جدال الحداثة في بيئة ملموسة (نستطيع ان نضم البصرة والموصل الى بغداد... ويمكن ذكر عدد اخر من مدن اخرى يقل فيها التفاوت بين المدنية والطابع المختلط للارياف او تركيز الصورة الدينية للقداسة).
اخيرا، اريد مصارحة القارىء: الى الان وانا لاانوي الذهاب بعيدا عن الدكتور علي الوردي، في القليل من الناحية الوجدانية، لانه يمكن للسؤال ان يقف امامنا دائما مثل ضمير مؤنِّب: هل لتاريخنا اسم؟ هل لمجتمعنا زمان؟ هل عراقيُ اليوم كائن ام شخص؟ التجربة الحالية لا يمكنها ان تساعد على تقديم جواب، والمرجو الا تذهب هدرا مثل " ظاهرة ثانوية " مع ان التجربة تحفر اخايد في الواقع، فهل يبقى من المحرك شيء اخر غير صوته؟.. وهل نستطيع مع الاميركان تصديق "هيوم" في انه لا وجود الا للظواهر؟ وان نلتزم بترتيب اسئلة الغزالي في "معيار العلم"؟ وان نتعرف على عمق عدم تناهي الواقع بالقياس الى النص المتناهي وهذا ايضا درس الغزالي في "فضائح الباطنية"؟ وان نتفقّه في مراعاة الخلاف كما هي الحفريات النظرية في "موافقات" الشاطبي؟ انها اسئلة ثقافية لا تذهب بعيدا عن الوردي لو قمنا بتوجيه التناشز نحو النخبة
المصدر : almalafpress.