الجنس في الثقافة العربية : فاطمة المرنيسي - الخوف من حياة المرأة الجنسية

إن النظرة إلى غريزة الاعتداء في المرأة متأثر تأثراً مباشراً بالنظرة إلى حياتها الجنسية. ففرويد يرى بأن هذه الغريزة موجهة نحو الداخل لديها، وتتوافق مع سلبيتها الجنسية وبالتالي فهي مازوشية.
إن غياب الفعالية الجنسية لدى المرأة يحيلها إلى مازوشية وسلبية، ولذا ليس من المفاجىء أن تعتبر عدوانية المرأة المسلمة الفعالة جنسياً كما لو كانت موجهة نحو الخارج. فطبيعة عدوانيتها جنسية أساساً، وهي تتوفر على جاذبية قاهرة تهزم إرادة الرجل المتمنعة، وتحيل دوره إلى دور سلبي خاضع لاخيار له، ولا يملك إلا أن ينقاد لجاذبيتها، ومن هنا هذا الجمع بين المرأة والفتنة أي بينها وبين القوى المضادة للمجتمع ولنظامه.

وقد روى الإمام مسلم:
"أن النبي (ص) رأى امرأة فدخل على زينب فقضى حاجته وخرج، وقال: "إن المرأة إذا أقبلت أقبلت في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإنها معها مثل الذي معها".

تمثل هذه الجاذبية الرباط الطبيعي بين الجنسين، وكلما واجه رجل امرأة إلا واعترضته الفتنة:
"لا يخلون رجل بامرأة، إلا وكان ثالثهما الشيطان".

وأكثر النساء خطراً هي تلك التي تتوفر على تجربة في الممارسة الجنسية، فالمرأة المتزوجة ستعاني أكثر من غيرها من الحرمان الجنسي، كما أن تلك التي تغيب عنها زوجها تشكل خطراً يتهدّد الرجال بصفة خاصة:

"لا تلجوا على المغيبات، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم".
توجد صورة المرأة المعتدية جنسياً في مجالات أخرى من الحياة الثقافية في المجتمعات الإسلامية. وفي الثقافة الشعبية المغربية يتجسّد هذا الخطر في الاعتقاد في "عائشة قنديشة" المرأة الجنية ذات الشكل المفزع، وهي تسبب الخوف بالضبط لأنها شهوانية بشفتيها وثدييها البارزين، هوايتها المفضلة هي اعتراض الرجال في الطرق والأماكن المظلمة، وحملهم على مضاجعتها لتسكن أجسامهم إلى الأبد. ويقال عنهم "مسكونين".

والخوف من عائشة قنديشة حاضر في الحياة اليومية المغربية، ذلك أن التوجس من المرأة التي تخصي الرجال إرث تقليدي يتخذ أشكالاً عدّة في المعتقدات والمسلكيات الشعبية وكذلك في الأدب الشعبي أو غيره (القصص على الأخصّ). تتضمّن الثقافة الشعبية موقفا سلبياً إزاء الأنوثة، ويوصف حب رجل لامرأة عادة بأنه ضرب من الجنون، وحالة من حالات التهديم الذاتي.

وهناك خطران يتهدّدان النظام الإسلامي: المشرك في الخارج والمرأة في الداخل: ويورد البخاري في صحيحه: "ما تركت فتنة أضرّ على الرجال من النساء".

إنه لشيء باعث على السخرية أن تصل النظريتان الإسلامية والأوروبية إلى نفس الخلاصة، فالمرأة قوّة هدّامة للنظام الاجتماعي إما لكونها فعالة تبعاً للإمام الغزالي أو سلبية في رأي فرويد. لقد أفرخ النظامان الاجتماعيان اللذان ينتمي إليهما كل من فرويد والغزالي أشكالاً مختلفة من التوتر بين الهندسة الاجتماعية والحياة الجنسية. لقد هوجم الجنس مثلا في التجربة الفرويدية للغرب المسيحي وعدّ حقيراً لارتباطه بالحيوانية وحكم عليه بأنه مضادّ للحضارة، ولذا انقسم الفرد إلى شطرين متناقضين: الروح والجسد. إن انتصار الحضارة من هذا المنظور يعني ضمنيا انتصار الروح على الجسد، والمراقب على السائب، والفكر على الجنس.

وقد نهجت المجتمعات الإسلامية نهجاً مخالفاً جدّاً حيث لم تهاجم الحياة الجنسية ولم تحط من شأنها، ولكنها هاجمت المرأة كتجسيد ورمز للفوضى، إنها الفتنة، والمركز لما لا يمكن التحكم فيه، والتجسيد الحي لأخطار الجنس وطاقته الهدّامة بلا حدود.

تختلف النظرية الإسلامية عن التسامي اختلافاً جذرياً عما نجده في التقليد الغربي المسيحي كما تصوّره النظرية الفرويدية في التحليل النفسي. فالحضارة لدى فرويد حرب ضدّ الجنس، وهي طاقة جنسية "حرفت عن هدفها الجنسي نحو أهداف اجتماعية سامية لم يعد لها طابع جنسي". والحضارة في النظرية الإسلامية نتيجة لإشباع الطاقة الجنسية، فليس العمل نتيجة للحرمان الجنسي، ولكنه نتيجة لممارسة جنسية مشبعة ومنظمة".
إن العقل في رأي الغزالي هو أثمن هبة وهبها الله للبشر، وأفضل طريقة لاستخدامه هي البحث عن المعرفة. فمعرفة المحيط البشري والأرض والمجرّات.. الخ هي جزء من معرفة الله. وبالنسبة لمؤمن مسلم تشكل المعرفة (العلم) أفضل عبادة يؤديها، ولكي يتمكّن من تسخير طاقاته لها عليه أن يتحكم في رغباته وأن لا تصرفه العناصر الخارجية أو الملذات الدنيوية عن غرضه.

والمرأة مدعاة خطيرة للهو، ولذلك يجب استعمالها لتحقيق أهداف محدّدة تتلخص في تزويد الأمة الإسلامية بالذرية والنسل وإطفاء الرغبات التي توقدها الغريزة الجنسية، ولا يجب إطلاقاً أن تغدو المرأة مثار عاطفة أو محط اهتمام مفرد لأن العاطفة والاهتمام يسخران لله وحده، ويتخذان شكل البحث عن المعرفة والتأمل والعبادة.

إذا تأملنا النظرية الغزالية نرى أن المجتمع الإسلامي في رأي الغزالي ينقسم إلى قسمين: فئة تنتج المعرفة وتطلبها كطريقة لعبادة الله وطاعته، وفئة أخرى تستهلك (بضم التاء) من طرف هذه الفئة المنتجة ثقافيا وتتكوّن من النساء. وذلك يتناقض مع روح الرسالة الإسلامية التي تحث على المساواة بين المؤمنين كمساواة مطلقة بحيث أن الإسلام لا يميز، _مبدئيا _ بين المؤمنين إلا بدرجة تقواهم. إن هذا التصور سيتجسّد في التمييز بين الجنسين ومترتباته: الوصاية على الزواج الدور المهم الذي تلعبه الأم في حياة الطفل وهشاشة الروابط الزوجية (التي تشهد عليها مؤسسات كالطلاق وتعدّد الزوجات). ويمكن اعتبار الهندسة الاجتماعية في البلدان الإسلامية من خلال الأسرة وقوانينها، محاولة لضبط هذه القدرة الهدّامة لحياة المرأة الجنسية ووصاية عليها في نفس الوقت.



 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...