نقوس المهدي
كاتب
يعد الزمن واحداً من المقاييس النقدية الهامة التي كان يعتمد عليها في الموازنة بين الشعر والشعراء ، وتفضيل هذا الشاعر على ذاك،أو تقديم هذه الأبيات على تلك، من قِبَل العديد من البيئات الثقافية، كالرواة واللغويين والبلاغيين والنقاد وغيرهم، يقول ابن رشيق : " كل قديم من الشعراء فهو محدث في زمانه بالإضافة إلى من كان قبله" فكل إنسان في هذه الحياة قديم محدث، فهو قديم بالنسبة إلى أخلافه وحديث بالنسبة إلى أأسلافه, ومذهب ابـن رشيق تفضيل الحديث كما سنرى لاحقاً، ويمكن تقسيم الاتجاهات عند أبي رشيق إلى قسمين رئيسين:
الأول: نلمح فيه نقضاً لشعر القديم على المحدث وتنكراً لأشكال الحسن والجودة في أشعار المحدثين ويمثله الرواة وعلماء اللغة بشكل أساسي .
والثاني: نقع فيه على نظرات حاولت أن تنصف الشعر المحدث ،وتعترف له ببعض الفضل، وتنظر إليه بعين العدل والإنصاف وممثلوا هذا الاتجاه في أغلبهم النقاد .
أما الاتجاه الأول فإننا نقع فيه على الكثير من الموازنات النظرية والتطبيقية التي تعكس لنا وجهة نظر ممثليـه, والتي تتلخص بتفضيل الشعر القديم بكافة أشكاله وبغض النظر عن قائله, فذهب ابن رشيق في أن الذين فضلـوا القديم على الحديث كانوا من المشتغلين بالدراسات اللغوية المتصلة باللغة نحوها وصرفها ومتنها، كأبي عمرو بن العلاء والأصمعي, والأسباب التي حدت هؤلاء الرواة واللغويين إلى تفضيل القديم والتعصب ،له هو مجرد التقدم في الزمان, وسبق المتقدمين إلى المعاني واستنفاذها, وغلبة الطبع على أشعارهم
وأما الاتجاه الثاني , فإننا نجدأصحابه هم النقاد وقد نظروا إلى الشعر المحدث نظرة عادلة منصفة وأعطوه مرتبةالحقيقية التي يستحقها , وبينوا ما لهذا الشعر وما عليه وحاول الكثيرون منهم أن يبتعدوا عن العصبية والهوى في نقدهم, وفي مواقفهم من الشعر القديم والحديث، ومن هؤلاء النقاد ابن قتيبة .
ومع هذا فإن ابن رشيق لا يمتنع من أن يجعل الشعراء أربع طبقات جاهلي، وقديم, ومخضرم, وإسلامي, ومحدث ثم صار المحدثون طبقات أولى وثانية على التدريج وهكذا في الهبوط. ونلمح من خلال ذلك ميلاً إلى تأخر الشاعر بالزمان, وإذا صح ذلك يكون ابن رشيق قد نسخ مذهبه في تفضيل الحديث، لكنا حين نمعن النظر نرى أن مساق هذا التقسيم جاء ليحمل المحدثين على الوقوف على شعر المتقدمين ليفيدوا منه .
وكلام ابن رشيق يقوم على الموضوعية في نقد الشعر ,فهولم يفضل شعراً لقائله أو لزمانه ويؤيد هذا الكلام قول علي (رضي الله عليه ) :" لولا أنّ الكلام يعادلنفذ"، لأنه لا أحد أحق بالكلام من أحد ، وإنما السبق والشرف في المعنى ، فقد تختلف المقامات والأزمنة والبيئة ، فاستعملت في بلد ألفاظ لا تستعمل كثيراً من غيره ، كاستعمال أهل البصرة بعض كلامأهل فارس في أشعارهم ونوادر حكايتهم .
وترتبط قضية القدماء والمحدثين في مذاهب افتتاح القصائد، لما فيه من عطف القلوب بحسب ما في الطباع من حسن الغزل,فقصائد أهل البادية فيها الرحيل والانتقال وتوقع البين, والاشفاق فيه، وأكثر أهل الحاضرة يأتي نغزلهم في ذكر الصدود والهجران والواشين والرفقاء وذكر الشراب والندامى، فكل هذا يأتي من أثر المكان في البادية والحاضرة, كما هو أثر الزمان في القدماء والمحدثين .
أما الأبواب الأخرى المذكورة في كتاب ابن رشيق، فهي تتحدث عن مقام يذكر دائماً, فقد كانت القبيلة من العرب إذا نبغ منها شاعراًأتت القبائل تهنئها بذلك، وصنعت الأطعمة واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر, كما يصنعن العرائس, لأن الشاعر يقوم بحماية أعراضهم ويذب عن أجسامهم ويخلد مآثرهم ويشيد بذكرهم, أما باب من فأل الشعر وطيرته, فقد كان متأثراً بالحديث النبوي الشريف الذي يقول: "أنه- يعني الرسول عليه الصلاة والسلام- كان يحب التفاؤل ويكره الطيرة", فالملدوغ من العقرب يسمى سليما تفاؤلاً بسلامته.
أما باب من منافع الشعر ومضاره، فلقد جاء ابن رشيق بنبذٍ ترسم الكتاب، لأن الناس أكثروا من هذا الفن فالقلوب تحب الرغبة تحسين الحسن والتزيد منه، وتقبيح القبيح والنهي عنه, وهذا يوازن قول عائشة ( رضي الله عنها ) والصحابة التابعون في الشعر من أنه: " كلام يحسن فيه ما يحسن في الكلام، ويقبح منه ما يقبح من الكلام".
أما باب تعرُّض الشعراء , فإن هذا الباب قد ذكر فيه العورات والسوءات، والأصل في الشاعر أن يكف منطقه، ويقلل من عثرات لسانه، لما رزق القدرة على الكلام، والعفو من القادر أحسن، قال تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل*إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق}.
أحمد الصانع
الجامعة الأردنية- قسم اللغة العربية
الأول: نلمح فيه نقضاً لشعر القديم على المحدث وتنكراً لأشكال الحسن والجودة في أشعار المحدثين ويمثله الرواة وعلماء اللغة بشكل أساسي .
والثاني: نقع فيه على نظرات حاولت أن تنصف الشعر المحدث ،وتعترف له ببعض الفضل، وتنظر إليه بعين العدل والإنصاف وممثلوا هذا الاتجاه في أغلبهم النقاد .
أما الاتجاه الأول فإننا نقع فيه على الكثير من الموازنات النظرية والتطبيقية التي تعكس لنا وجهة نظر ممثليـه, والتي تتلخص بتفضيل الشعر القديم بكافة أشكاله وبغض النظر عن قائله, فذهب ابن رشيق في أن الذين فضلـوا القديم على الحديث كانوا من المشتغلين بالدراسات اللغوية المتصلة باللغة نحوها وصرفها ومتنها، كأبي عمرو بن العلاء والأصمعي, والأسباب التي حدت هؤلاء الرواة واللغويين إلى تفضيل القديم والتعصب ،له هو مجرد التقدم في الزمان, وسبق المتقدمين إلى المعاني واستنفاذها, وغلبة الطبع على أشعارهم
وأما الاتجاه الثاني , فإننا نجدأصحابه هم النقاد وقد نظروا إلى الشعر المحدث نظرة عادلة منصفة وأعطوه مرتبةالحقيقية التي يستحقها , وبينوا ما لهذا الشعر وما عليه وحاول الكثيرون منهم أن يبتعدوا عن العصبية والهوى في نقدهم, وفي مواقفهم من الشعر القديم والحديث، ومن هؤلاء النقاد ابن قتيبة .
ومع هذا فإن ابن رشيق لا يمتنع من أن يجعل الشعراء أربع طبقات جاهلي، وقديم, ومخضرم, وإسلامي, ومحدث ثم صار المحدثون طبقات أولى وثانية على التدريج وهكذا في الهبوط. ونلمح من خلال ذلك ميلاً إلى تأخر الشاعر بالزمان, وإذا صح ذلك يكون ابن رشيق قد نسخ مذهبه في تفضيل الحديث، لكنا حين نمعن النظر نرى أن مساق هذا التقسيم جاء ليحمل المحدثين على الوقوف على شعر المتقدمين ليفيدوا منه .
وكلام ابن رشيق يقوم على الموضوعية في نقد الشعر ,فهولم يفضل شعراً لقائله أو لزمانه ويؤيد هذا الكلام قول علي (رضي الله عليه ) :" لولا أنّ الكلام يعادلنفذ"، لأنه لا أحد أحق بالكلام من أحد ، وإنما السبق والشرف في المعنى ، فقد تختلف المقامات والأزمنة والبيئة ، فاستعملت في بلد ألفاظ لا تستعمل كثيراً من غيره ، كاستعمال أهل البصرة بعض كلامأهل فارس في أشعارهم ونوادر حكايتهم .
وترتبط قضية القدماء والمحدثين في مذاهب افتتاح القصائد، لما فيه من عطف القلوب بحسب ما في الطباع من حسن الغزل,فقصائد أهل البادية فيها الرحيل والانتقال وتوقع البين, والاشفاق فيه، وأكثر أهل الحاضرة يأتي نغزلهم في ذكر الصدود والهجران والواشين والرفقاء وذكر الشراب والندامى، فكل هذا يأتي من أثر المكان في البادية والحاضرة, كما هو أثر الزمان في القدماء والمحدثين .
أما الأبواب الأخرى المذكورة في كتاب ابن رشيق، فهي تتحدث عن مقام يذكر دائماً, فقد كانت القبيلة من العرب إذا نبغ منها شاعراًأتت القبائل تهنئها بذلك، وصنعت الأطعمة واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر, كما يصنعن العرائس, لأن الشاعر يقوم بحماية أعراضهم ويذب عن أجسامهم ويخلد مآثرهم ويشيد بذكرهم, أما باب من فأل الشعر وطيرته, فقد كان متأثراً بالحديث النبوي الشريف الذي يقول: "أنه- يعني الرسول عليه الصلاة والسلام- كان يحب التفاؤل ويكره الطيرة", فالملدوغ من العقرب يسمى سليما تفاؤلاً بسلامته.
أما باب من منافع الشعر ومضاره، فلقد جاء ابن رشيق بنبذٍ ترسم الكتاب، لأن الناس أكثروا من هذا الفن فالقلوب تحب الرغبة تحسين الحسن والتزيد منه، وتقبيح القبيح والنهي عنه, وهذا يوازن قول عائشة ( رضي الله عنها ) والصحابة التابعون في الشعر من أنه: " كلام يحسن فيه ما يحسن في الكلام، ويقبح منه ما يقبح من الكلام".
أما باب تعرُّض الشعراء , فإن هذا الباب قد ذكر فيه العورات والسوءات، والأصل في الشاعر أن يكف منطقه، ويقلل من عثرات لسانه، لما رزق القدرة على الكلام، والعفو من القادر أحسن، قال تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل*إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق}.
أحمد الصانع
الجامعة الأردنية- قسم اللغة العربية