نقوس المهدي
كاتب
“إن الرجال الذين العرفُ عينّهم = هُمُ الإناثُ وهم نفسي وهم أملي”
هذا ما يقوله شيخ العارفين محي الدين ابن عربي حول مسألة الأنوثة و الذكورة، قول قد يعد غامضا بالنسبة للبعض، ولكن لا يخرج بهذا القول إلا الصوفي الذي عاش من التأمل و الفكر حياة طويلة تجعله يتعرض يتناول الأنوثة و الذكورة بهذا العمق و بعد النظر.
الأنوثة و الذكورة
حسب مؤلف كتاب سر قوة المرأة في فكر إبن العربي، نتفطن إلى قضية مركزية في تفكير سلطان العارفين ابن عربي مفادُها أن الشيء لا يُعْرف إلا بنقيضه، ويترتب على ذلك أن الوعي بالذُكورة لا يقوم إلاّ بمشاهدة الأنوثة.
ويتابع المؤلف:
“صحيح أن القضية المحورية التي شيَّد عليها ابن عربي كل تفكيره، والمتمثلة في كون الحب أساساً للوجود، وأن الوجود الكلي والجزئي لا يقومان إلاّ بحضور الذكر والأنثى. ومن هنا جاء تحيُّز ابن عربي للمرأة باعتبار أن الرّحم (وهو الخاص بالأنثى فقط وليس الرجل) هو شجنة من الرحمن، ويُعبِّر الخالق سبحانه وتعالى عن هذه الرحمة بصلة الرحم”.
والرحم صفة إلهية تسري في الوجود، ومن هذه الرحمة الواحدة السارية في العالم التي اقتضت حقيقتها أن تجعل الأم تعطف على ولدها في جميع أنواع الحيوانات. ويؤكد هذا تشابك العلاقة بين الرحمن والإنسان التي وصفها ابن عربي بالدورة التكوينية التي يلتقي فيها الأصل بالفرع، بل ذهب أبعد من ذلك فقال: “إن منزلة المرأة من الرجل في الأصل هي بمثابة منزلة الرحم من الرحمن لأنها شجنة منه، (…) فمن رحمها ولد البشر، وجاء التراحم والوُدّ بينهم…”.
في مسألة إمامة المرأة
ورغم ان كثير من الفقهاء حاولوا ان يقفوا ضد اهلية المرأة لتولي القضاء او الولاية العامة (الحكم) استنادا الى اقوال لابن عربي؛ الا انه لا ريب عندي ان ابن عربي كان يقف مع ولاية المراة السياسية؛ اذا كان يعترف لها بحق الولاية الصوفية؛ بل حق ان تكون قطب الزمان؛ والانسان الكامل .
يكتب ابن عربي في رسالته عقلة المستوفز، باب “الكمال الإنساني” التالي :((كلامنا إذًا في صورة الكامل من الرجال والنساء. فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى؛ والذكورية والأنوثية إنما هماعَرَضان، ليستا من حقائق الإنسانية)).
فلا يمكن لإبن عربي ان يرفض للمرأة بالولاية السياسية او ولاية القضاء؛ وهو اعترف لها بما هو اكثر؛ أي القطبية وتصريف شؤون الكون. ويمكن عموما أن نرجع لهذا في مقام آخر؛ الا انه يمكن الرجوع للدراسة القيمة للدكتورة د. سعاد الحكيم بعنوان ” المرأة ولية .. وأنثى .. قراءة في نصّ ابن عربي” ؛ وهي دراسة شيقة أنصح بها لمن أراد التعمق في هذه المسألة وأبعادها المختلفة.
المرأة الأم و الشيخة
كثيرًا ما ذكر إبن عربي أمه ، واسمها نور. كانت امرأة صالحة، و لم يذكر معارضتها له – كما فعل أبوه – عندما قرر الانخراط بالكامل فى طريق التصوف، بل انها شجعته على المضىّ في الدرب الذي اختاره.
ويذكر أنها كانت تزوره عند شيخته المسنّة، فاطمة بنت المثنى، وهي أول شيخة تعلم عنها الطريقة، فتقول لها فاطمة: يا نور ، هذا ولدى وهو أبوك، فبرّبه ولا تعقّيه – فلا تجد فى نفسها غضاضة مما تسمع ، وكانت تتلقاه بقبول حسن.
وقد عاشت أم ابن عربى بعد وفاة والده ، فأصبح ابن عربى مسئولا عنها، وعن أختين له، وسافر بالأسرة من الأندلس إلى مدينة فاس بالمغرب، ومن المحتمل أنها توفيت هناك.
أما ثانية الشيخات اللاتي تعلم منهن و لم ينسى ذكرهن في مجالسه، فهى شمس ، أم الفقراء، وفيها يقول ابن عربى : لم أرَ أحدًا من الرجال كان يقدر على ما تقدر عليه من العبادة. وهى من أكابر المجتهدات. كانت حاكمة على وهمها، كثيرة الوصال فى الصو ، على كبر سنها. أدركتها وهى فى عشر الثمانين سنة. كانت تتكلم على الخواطر، صحيحة المكاشفة. رأيت لها عجايب !
العلاقة الجسدية علاقة روحية
يرى إبن عربي مسألة الحب بين الرجل والمرأة من باب “حنين الشيء إلى وطنه” والوطن هنا أصل الإنسان.
فالمرأة تحنّ للرجل لأنّه أصلُها، والرجل يحنّ للمرأة لأنّها مشتقّة عنه، ويقول: “فما وقعَ الحبّ إلاّ لمن تكوّن عنه، وقد كان حبّه لمن تكوّن منه وهو الحقّ”
ولأنّ المرأة حُبّبّت للرجل من هذا الباب، طلب الرّجل “الوصلة” وهي التي تتحقّق عبرَ “النّكاح” كما يقول ابن عربي. ولأنّ النّكاح هو وصلة الحبّ فإنّ الشهوة تعمّ أجزاء البدن كلّها، ولذا فالغسل واجبٌ لجميع البدن. ويقول ابن عربي أنّ غياب هذا المعنى الوجودي في اللقاء الحميمي بين الرجل والمرأة يحيله إلى “صورة بلا روح.” فروح النّكاح إذن هو شهود هذا المعنى الإلهي.
و يقوم الفص الأخير من “فصوص الحكم” والذي عنونه بـ“فصّ حكمةٍ فرديّة في كلمة محمّدية” لمحي الدين إبن العربي على حديث التحبّب للرسول صلى الله عليه عليه و سلم عندما قال “حُبِّبَ إليّ من دنياكم ثلاث: النّساء والطيب، وجُعلت قرّة عيني في الصلاة”، وذلك لعظم شأن “الحبّ” في الفلسفة الصوفيّة، خاصّة عندما تكون على غير قصد الفاعل. وعند الصوفية، اللهُ فاعلُ كلِّ شيءٍ على الحقيقة. فهذه الثلاثة إذن: النّساء والطيب والصّلاة من “باب المحبّة التي هي أصل الموجودات” كما يقول ابن العربي.
يبدو محيي الدين إبن عربي إنسانا شديد الإعتراف بفضل المرأة في تعليمه و تربيته و قيمة وجودها بالكون وقد بسطنا في في هذا المقال فكرة عامة عن قيمة المرأة الأم و الشيخة و تكافؤ وتلاحم العلاقة الروحية بين الذكر و الأنثى، ومع هذا فقد تركنا الأفضل لمقال آخر، وهو الحبيبة عند محي الدين إبن العربي و قصة هيامه بقرة العين معشوقته “نظام”،
رحاب الخترشي
مشاهدة المرفق 5530
هذا ما يقوله شيخ العارفين محي الدين ابن عربي حول مسألة الأنوثة و الذكورة، قول قد يعد غامضا بالنسبة للبعض، ولكن لا يخرج بهذا القول إلا الصوفي الذي عاش من التأمل و الفكر حياة طويلة تجعله يتعرض يتناول الأنوثة و الذكورة بهذا العمق و بعد النظر.
الأنوثة و الذكورة
حسب مؤلف كتاب سر قوة المرأة في فكر إبن العربي، نتفطن إلى قضية مركزية في تفكير سلطان العارفين ابن عربي مفادُها أن الشيء لا يُعْرف إلا بنقيضه، ويترتب على ذلك أن الوعي بالذُكورة لا يقوم إلاّ بمشاهدة الأنوثة.
ويتابع المؤلف:
“صحيح أن القضية المحورية التي شيَّد عليها ابن عربي كل تفكيره، والمتمثلة في كون الحب أساساً للوجود، وأن الوجود الكلي والجزئي لا يقومان إلاّ بحضور الذكر والأنثى. ومن هنا جاء تحيُّز ابن عربي للمرأة باعتبار أن الرّحم (وهو الخاص بالأنثى فقط وليس الرجل) هو شجنة من الرحمن، ويُعبِّر الخالق سبحانه وتعالى عن هذه الرحمة بصلة الرحم”.
والرحم صفة إلهية تسري في الوجود، ومن هذه الرحمة الواحدة السارية في العالم التي اقتضت حقيقتها أن تجعل الأم تعطف على ولدها في جميع أنواع الحيوانات. ويؤكد هذا تشابك العلاقة بين الرحمن والإنسان التي وصفها ابن عربي بالدورة التكوينية التي يلتقي فيها الأصل بالفرع، بل ذهب أبعد من ذلك فقال: “إن منزلة المرأة من الرجل في الأصل هي بمثابة منزلة الرحم من الرحمن لأنها شجنة منه، (…) فمن رحمها ولد البشر، وجاء التراحم والوُدّ بينهم…”.
في مسألة إمامة المرأة
ورغم ان كثير من الفقهاء حاولوا ان يقفوا ضد اهلية المرأة لتولي القضاء او الولاية العامة (الحكم) استنادا الى اقوال لابن عربي؛ الا انه لا ريب عندي ان ابن عربي كان يقف مع ولاية المراة السياسية؛ اذا كان يعترف لها بحق الولاية الصوفية؛ بل حق ان تكون قطب الزمان؛ والانسان الكامل .
يكتب ابن عربي في رسالته عقلة المستوفز، باب “الكمال الإنساني” التالي :((كلامنا إذًا في صورة الكامل من الرجال والنساء. فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى؛ والذكورية والأنوثية إنما هماعَرَضان، ليستا من حقائق الإنسانية)).
فلا يمكن لإبن عربي ان يرفض للمرأة بالولاية السياسية او ولاية القضاء؛ وهو اعترف لها بما هو اكثر؛ أي القطبية وتصريف شؤون الكون. ويمكن عموما أن نرجع لهذا في مقام آخر؛ الا انه يمكن الرجوع للدراسة القيمة للدكتورة د. سعاد الحكيم بعنوان ” المرأة ولية .. وأنثى .. قراءة في نصّ ابن عربي” ؛ وهي دراسة شيقة أنصح بها لمن أراد التعمق في هذه المسألة وأبعادها المختلفة.
المرأة الأم و الشيخة
كثيرًا ما ذكر إبن عربي أمه ، واسمها نور. كانت امرأة صالحة، و لم يذكر معارضتها له – كما فعل أبوه – عندما قرر الانخراط بالكامل فى طريق التصوف، بل انها شجعته على المضىّ في الدرب الذي اختاره.
ويذكر أنها كانت تزوره عند شيخته المسنّة، فاطمة بنت المثنى، وهي أول شيخة تعلم عنها الطريقة، فتقول لها فاطمة: يا نور ، هذا ولدى وهو أبوك، فبرّبه ولا تعقّيه – فلا تجد فى نفسها غضاضة مما تسمع ، وكانت تتلقاه بقبول حسن.
وقد عاشت أم ابن عربى بعد وفاة والده ، فأصبح ابن عربى مسئولا عنها، وعن أختين له، وسافر بالأسرة من الأندلس إلى مدينة فاس بالمغرب، ومن المحتمل أنها توفيت هناك.
أما ثانية الشيخات اللاتي تعلم منهن و لم ينسى ذكرهن في مجالسه، فهى شمس ، أم الفقراء، وفيها يقول ابن عربى : لم أرَ أحدًا من الرجال كان يقدر على ما تقدر عليه من العبادة. وهى من أكابر المجتهدات. كانت حاكمة على وهمها، كثيرة الوصال فى الصو ، على كبر سنها. أدركتها وهى فى عشر الثمانين سنة. كانت تتكلم على الخواطر، صحيحة المكاشفة. رأيت لها عجايب !
العلاقة الجسدية علاقة روحية
يرى إبن عربي مسألة الحب بين الرجل والمرأة من باب “حنين الشيء إلى وطنه” والوطن هنا أصل الإنسان.
فالمرأة تحنّ للرجل لأنّه أصلُها، والرجل يحنّ للمرأة لأنّها مشتقّة عنه، ويقول: “فما وقعَ الحبّ إلاّ لمن تكوّن عنه، وقد كان حبّه لمن تكوّن منه وهو الحقّ”
ولأنّ المرأة حُبّبّت للرجل من هذا الباب، طلب الرّجل “الوصلة” وهي التي تتحقّق عبرَ “النّكاح” كما يقول ابن عربي. ولأنّ النّكاح هو وصلة الحبّ فإنّ الشهوة تعمّ أجزاء البدن كلّها، ولذا فالغسل واجبٌ لجميع البدن. ويقول ابن عربي أنّ غياب هذا المعنى الوجودي في اللقاء الحميمي بين الرجل والمرأة يحيله إلى “صورة بلا روح.” فروح النّكاح إذن هو شهود هذا المعنى الإلهي.
و يقوم الفص الأخير من “فصوص الحكم” والذي عنونه بـ“فصّ حكمةٍ فرديّة في كلمة محمّدية” لمحي الدين إبن العربي على حديث التحبّب للرسول صلى الله عليه عليه و سلم عندما قال “حُبِّبَ إليّ من دنياكم ثلاث: النّساء والطيب، وجُعلت قرّة عيني في الصلاة”، وذلك لعظم شأن “الحبّ” في الفلسفة الصوفيّة، خاصّة عندما تكون على غير قصد الفاعل. وعند الصوفية، اللهُ فاعلُ كلِّ شيءٍ على الحقيقة. فهذه الثلاثة إذن: النّساء والطيب والصّلاة من “باب المحبّة التي هي أصل الموجودات” كما يقول ابن العربي.
يبدو محيي الدين إبن عربي إنسانا شديد الإعتراف بفضل المرأة في تعليمه و تربيته و قيمة وجودها بالكون وقد بسطنا في في هذا المقال فكرة عامة عن قيمة المرأة الأم و الشيخة و تكافؤ وتلاحم العلاقة الروحية بين الذكر و الأنثى، ومع هذا فقد تركنا الأفضل لمقال آخر، وهو الحبيبة عند محي الدين إبن العربي و قصة هيامه بقرة العين معشوقته “نظام”،
رحاب الخترشي
مشاهدة المرفق 5530