نقد جوديت لازار - الصـورة.. ت: حميد سلاسي

1- ما هي الصورة ؟

يتعلق الأمر حسب تعريف روبير>بإعادة إنتاج طبق الأصل أو تمثل مشابه لكائن أولشيء<. ويشير هذا المصطلح -حسب اشتقاق قديم- في نفس الوقت إلى وظيفة التمثل ومقولة التشابه. والواقع أن الفعل اللاتيني imitar يعني >إعادة الإنتاج بالتقليد<. إن هذا التعريف يبدو أقل غموضا.

يمكن للصورة أن تكون فقط معطى حسيا للعضو البصري حسب (Fulchignoni) أي إدراكا مباشرا للعالم الخارجي في مظهره المضيء، أو تمثلا ذاتيا لهذا العالم الخارجي بمنأى عن كل مكون حسي. لقد كتب (Thibault-Lauban) -متخصص في نظرية التواصل- أثناء دراسته للغة الصورة ما يلي : >إن الصورة هي أولا تكرار وقلب<. لقد ارتبطت الصورة على الدوام وعبرالقرون بالحضارة. وعلى العموم يدين تصور الإنسان الحديث عن الميزوبوتامي واليونان القديمة أوالعصر الوسيط إلى البصر، أي إلى الصورة عوض القراءة. ومع ذلك نميل إلى القول بأن الصورة لا أهمية لها في غياب النص. إذ هي ليست إلا رسما أو توضيحا بسيطا. ومع ذلك فإن إسناد دور ثانوي للصور-باعتبارها رسما عاديا- مسألة لا سند لها الآن حيث يعرف كل الأطفال في سن السادسة أنه في البداية كانت الصورة.

ومن منظور تاريخي يتضح لنا أن الصورة حظيت بسبق كبير عن الكتابة. وهكذا كان للعصر الحجري القديم صوره السحرية في غياب لوجود الكتابة. ولم تكن الكتابة في البداية إلا رسما بيانيا وهو وما تشهد عليه الحضارة الصينية. وحتى بعد ظهور الكتابة -التي كانت حكرا على طبقة محظوظة- ظلت الصور تنمو بكيفية مزدهرة.

وغالبا ما ننسى الدور الذي لعبته الصورة عبر القرون. لقد كانت الصورة الشعبية تعبيراعن ثقافة شعبية. كما اعتبر التخيل في الفلسفة الكلاسيكية >خطأ وزيف< يضاف إلى ذلك أن الصورة والتخيل ليسا وحدهما الذين تعرضا للنقد، بل كل ما يخرج عن نطاق العقل. إن خوف وحذر المربون والكتاب الأخلاقيون أيضا تجاه الأشكال الحديثة للصورة ما هو في الواقع إلا صدى للخوف السلطوي مما هو مجهول أوصعب التحديد.

لقد ارتبط كل من العجائبي والمقدس دوما بالصورة. ويكفي أن نذكر أن الرسوم الهادفة إلى تزيين التماثيل الملكية في الأهرام كانت خاضعة لمراقبة حازمة. إن الوظيفة الترفيهية للصورة حديثة نسبيا، فهي لم تظهر إلا في المجتمع الإمبراطوري الروماني. وعندما أصبحت الصورة تدريجيا أكثر قربا من الإنسان، احتلت دعامة أكثر مرونة (...)

يمكن اعتبار تاريخ دمقرطة الصورة هو نفسه بالتقريب تاريخ دمقرطة الكتابة. لقد شكل القرن 18 منعطفا أساسيا في تاريخ الطباعة بحيث أتاحت هذه الأخيرة إمكانية النشر الجماهيري. وهنا بالضبط نلاحظ ظهور الصحافة والرسوم الشعبية والروزنامة والموسوعة التي تعتبر أول محاولة لجمع ونقل المعارف بلغة واضحة ومرفوقة بالرسوم البيانية. وعليه، يمكن القول بأن هذا التغير يرجع إلى نمو التقنية، إذ بفضل هذه الأخيرة أصبح كل من الأدب وفن الرسم والمسرح متداولا في الشارع.

لقد طبع ظهور الصورة المطبوعة مرحلة مهمة جدا في تاريخ البشرية حيث زالت الحواجز بين الطبقات المحظوظة وبين الشعب من جهة، وبين المعرفة والجهل وبين الغني والفقرمن جهة أخرى. إن خروج الصورة المطبوعة إلى الشارع عمل على تغيير مظهرها حيث أصبحت لاذعة وفظة.

أما القرن التاسع عشر فقد عرف ميلاد الإعلان، كما فقدت الصورة مظهرها المقدس وباتت مألوفة (...)، ومع نهاية القرن 19، وبموازاة مع ظهور صور Epinal خرجت إلى الوجود القصص المصورة الأولى من نوعها. لقد تميزت سنة 1893 بميلاد آلة التصوير Daguerréotype حيث سمحت لأول مرة في التاريخ بإمكانية النسخ الميكانيكي للواقع، وهكذا وحتى بعد ظهور الصورة الشمسية كانت هذه الأخيرة حكرا على أفراد ميسورين حيث ارتبط النجاح الاجتماعي ،على مدى قرون طويلة، برسم الصور الفوتوغرافية.

تمثل الصورة الشمسية، ضمن دمقرطة الصورة، المرحلة المهمة الأولى إذ تمكن كل من الفقراء والأغنياء من تحقيق رغبتهم في الخلود. كما استغلت الصورة بسرعة من قبل الصناعة بناء على الإمكانات المتعددة التى أبانب عنها الصورة الشمسية.(...). >هكذا لم يعد للصورة أدنى قداسة كما اختفى إجلال الصور، وباتت هذه الأخيرة خطابا أيقونيا (صور تدرك كمجموعة من اللحظات البصرية) مشابه لنص خطي ومستمر<.

2- من يملك سنن الصورة ومتى يتم ذلك ؟

أولا وقبل كل شيء يجب تفنيد الادعاء التالي :لنسارع إلى توضيح اعتقاد خاطئ يرى أن الصورة في متناول الناس جميعا >ويتم إدراكهما بكيفية فورية<. إن الصورة ليست انعكاسا بسيطا للواقع، وتتم قراءتها بشكل مباشر. إنها على العكس من ذلك غير مستوعبة مباشرة، بل تفرض جهدا إدراكيا وتأويلا لا تسمح به الثقافة التقليدية بتاتا.

إن الصورة بالفعل واقع مدرك، إلا أننا نعرف أن الإدراك غير مستقل عن أي تأثير ثقافي، يضاف إلى ذلك أن الإدراك نفسه مؤسس. كما أن هناك خاصية ثانية للصورة تتمثل في كونها تعمل وفق سنن أيقوني خاص بها، وعليه تكون الصورة مرموزة بكيفية مزدوجة. لكي نقدر القيمة الحقيقية للصورة يجب أن نستوعب أكبر قدر من المعارف التي تدخـل في تقويم الأدب. بناء على ذلك، فإن الاستقبال الصحيح لرسالة بصريةما ، يفترض وجود رصيد اجتماعي وثقافي ومكتسبات فكرية.

إن فعل "أدرك" يعني امتلاك "الكليات" و"الأشياء" المسماة بدقة، والمطابقة للكلمات كوحدات ضمن فكرنا كما ذهب إلى ذلك Moles. والمثال الذي قدمه هذا الأخير "بصدد الكرسي" يروم توضيح مامعناه : إن الكرسي على سبيل المثال "شيء" محدد بأربعة أرجل ومسند، ومتداول ثقافيا، ومعطى أولى بالإحساس إلا أنه يحتاج إلى زمن معين من التعليم والتربية كي نكتسب كلياته. والواقع أن هذا جهد صعب لإرساء علاقة الكائن مع العالم .

عين

منطقة

الإدراك = البصر + جهاز عصبي + حركات العين

تبئير مركز

يمكن أن نعيد بناء الشيء عندما نعرف كيفية امتلاكه وبهذا الصدد نجد أن ما أوردهWallon في ملاحظته المتبصرة يشير إلى هذه البنية. تسجل المقارنة مرحلة أساسية للمعرفة، إلا أنها تفترض مواقف يفتقر الطفل إليها في البداية... إن عملية المقارنة تفترض سلطة التمييز العقلي للإمساك بنسقين من الصور وذلك بمنأى عن كل غموض متبادل، وعن كل إرسال متقابل أيضا، مع الاحتفاظ بالوضوح - كمقوم يطبق عليهما ويقاس عليه تطابقهما أوانعدامه -وهي خاصيته - لكي تعرف بأنها مشتركة بينهما-لابد من انفصالهما عنهما. وهكذا يظهر ان فهم دلالات الصور يتم عبر نشاطات كل من المقارنة والتقابل اللذان يعتبرن أساس كل عملية الترميز وفك الترميز!(...)

3- قراءة الصورة

تتميز الصورة بالغموض كما تحمل معاني متعددة، يضاف إلى ذلك أن الرسالة التي تنقلها لا يمكن فك رموزها توا. على النقيض من ذلك نجد أن الرسالة اللسانية قادرة على تحقيق تواصل خال من اللبس.

فيما يتعلق بغموض الرسالة البصرية نقول إن غموضها يعتبر على الأجدر ميزة أكثر مما هو عيب. كما أن غموض الصور يشكل غناها، فالصور تنقل دلالات ومن الصعب أن نعرف ماذا تعني، وكيف تقوم بذلك.

لقد وفرت السميولوجيا الأيقونية -كعلم حديث نسبيا-إمكانية دراسة الصورة في ذاتها. ترتكز سميولوجية الصورة على مناهج تحليل مستعارة من اللسانيات، مادامت هذه الأخيرة قد بلغت درجة من النضج العلمي : إنها تعتبر الصورة كنسق يحمل في نفس الوقت الدلالة والتواصل. وعليه فإنها تعالج الصورة كنسق يمكن أن نتحكم علميا في قوانين اشتغاله.

هكذا يمكن أن نعتبر الصورة كالإشارة، أي أداة تكمن وظيفتها في نقل الرسائل، وهو ما يفترض وجود سنن تنتج بمقتضاه تلك الرسائل. إن فك رموز الرسائل يحتم امتلاك سنن وبدونه لن نتقدم بخطى حثيثه في قراءة الصورة.

هناك موقفان متناقضان، حسب تصور Thibault-Laulan، من الصورة، فمن جهة هناك التأمل الذي يحيل على المظهرالصوري للصورة، وهناك من جهة أخرى الفعل الذي يرتكز على فهم وتشخيص وفك رموز الرسالة، وهو الأمر الذي يحيل على مضمون الرسالة.

يتعلق الأمر في الحالة الأولى بالقراءة الإيستتيقية ما هو ظاهر وباد. وهو ما نسميه في اللسانيات بالإيحاء، أما في الحالة الثانية فإننا نتحدث عن قراءة دلالية (ما معنى هذا).

نجد هذين المستوين من القراءة ضمن كل أشكال التواصل بالصور، سواء تعلق الأمر بالإعلان الإشهارى أوبالقصص المصورة أوبالتلفزة. إن لغات الصورة كيفما كانت، لها جميعها نقطة انطلاق مشتركة : الارتكاز على الإدراك البصري.

بيد أننا لا نكتفي أبدا، أمام صورة أوفيلم، باستعمال الإدراك البصري وحده، إذ أن هذا النشاط يكون مرفوقا دائما باستثمار خيالي-أقل أو أكثر قوة- يعمل على استكمال النظرة الخالصة.

لا توجد قواعد لغة خاصة بالصورة الخالصة لأن اللغة الأيقونية غير مختزلة في سنن موحد قابل لأن يطبق على كل الرسائل السمعية البصرية؛ ففي الحد الذي يفك فيه رمز الصورة على كل من المستوى الأيقوني والمستوى الاجتماعي تتجاوز الصورة الإطار الصوري. إن الموضوع السمعي البصري يقدم للمتفرج كنسيج، يستقبل منه في بداية الأمر إدراكا بصريا عاما، بعد ذلك يبحث عن تشخيص الدلالات المعروفة سابقا. ومع ذلك ، فإنه يقوم، في الواقع، باكتشاف متدرج للعلامات.(...). ترتكز كل رسالة سمعية بصرية على عدد كبير من الرموز التي توجد بمعزل عن الرسالة، ومجموع ذلك يكون الرسالة. وهناك صنفان كبيران من الرموز :

أ- الرموز التخصيصية، وهي الرموز المختصة بنمط التعبير المستعمل، مثال ذلك :"الكرة" في القصة المصورة.

ب- الرموز غير التخصيصية (غير المحددة)، وهي الرموز الحاملة لدلالات تعدل بواسطة نمط التعبير الذي يقع عليه الاختيار ومن ثم فهي تشكل على الخصوص رموزا "سوسيوثقافية" مثال ذلك : سيارة، لباس، بحيث يحيلان مباشرة علي قيمة اجتماعية وثقافية.

في الفوتوغرافيا تعكس الصورة في كليتها الواقع، كما يصعب فصل كل ما يدخل في صياغة الدلالات عن هذا التمثيل. يتعلق الأمر بضبط الصورة وبالضوء وبزاوية التقاط الصورة وبعمق المجال إلخ. هكذا لانجد دائما الواقع في الرسالة الأيقونية، وإنما نجد الدلالات التماثلية للواقع التي يعاد اشتغالها بواسطة الرموز التخصيصية. وعليه يظهر معنى الرسالة الأيقونية عندما يصبح المشاهد قادرا على ترجمة الرسالة وإعادة المجهول معلوما وجمع المعطيات البصرية ضمن معرفة موجودة سابقا.

* النص مأخوذ من كتاب:

Judith Lazar : Ecole, Communication, Télévision ,ed P U F , Paris 1991

من ص 126 الى ص 135


* منقول عن مجلة علامات للدكتور سعيد بنكراد
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...