نقوس المهدي
كاتب
تعاني الشعوب العربية والإسلامية من مرض عضال لا يمكن للأطباء تشخيصه وعلاجه، إنّه “الهوس بالشرف”، مرض خطير تبرز أهمّ عوارضه في خطاب الكراهية والإستنقاص من قيمة المرأة، وفي عدد الضحايا الذين سقطوا تحت طائلة مرض “الهوس بالشرف” ، إذ يمكن للوالد أن يقتل إبنته أو زوجته وأن يذبح الأخ أخته لإعادة شرفه المهدور.
للأسف، هذا المرض مرض ذكوري بإمتياز يستهدف المرأة أولا. فالمرأة وجسدها ونشاطها الجنسي ليس شأنا خاصا بل ملك للعائلة والقبيلة، والعذرية بمثابة ختم المجتمع على شرف الفتاة، وسلوك الزوجة خارج المنزل مرتبط بكرامة الرجل لا بكرامتها.
تتساهل بعض الدول العربية والإسلامية مع هذا المرض وتغض البصر على جرائمه في حقّ النساء، حتى أنّ البعض يبحث في الشريعة عن مسوغات ومبررات لهذه الجرائم الخطيرة.
قبل ثلاث سنوات نفذ تنظيم داعش جرائم كثيرة في حقّ النساء، أبشعها جريمة “الرجم”، وهي عقوبة الزنا، وقد تمّ تنفيذ العقوبة ضدّ المرأة الزانية بريف حماة وتناقل الفيديو نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي. أدان الكثيرون تنظيم داعش ولكنّهم لم يدينوا العقوبة لأنّها مضمنة في الشريعة كما قالوا، ونشير هنا إلى عقوبة الرجم هي حذف المتهم بالزنا بالحجارة حتى الموت بعد تثبيت قدميه في حفرة أعدت له مسبقا.
تعتبر رواية “المرجومة” إحدى الوثائق المهمة، التي تجاوزت حدود الأثر الأدبي لتصبح دليلا على عنف هذه الجريمة، لصاحبها الكاتب الإيراني “فريدون صاحبجام “.
وتعود أهميتها الى أن الكاتب قد تسلل إلى بلاده خلسة سنة 1987 ليتقصى الحادثة عن قرب وينقل للعالم حيثيات هذه الجريمة البشعة، والعقوبة أقرها مجلس شيوخ القرية بمباركة رجال الدين الممثلين عن الدولة واستهدفت إمرأة اتهمها زوجها زورا بالزنا، فنفذ الحكم فيها بطرق حيوانية وبربرية يعجز العقل أن يصدّقها.
مع تثبيت حكم الدولة الإسلامية سنة 1989 تمّت أسلمة الدولة والمجتمع، ففرض الحجاب على النساء، فالمرأة السافرة تعد عاهرة وغير محتشمة، والسفور دعوة صريحة إلى ممارسة الجنس..
كما تمّ إعتبار الفتيات اللواتي يتجاوزن سنّ الثامنة وتسعة أشهر نساءا بالغات يمكن أن يطبق عليهن القانون إن اتهمن بالزنا. كما تمّت مراقبة سلوك المرأة الجنسي خارج الأطر الشرعية.
وتضمن قانون العقوبات الإيراني ” المادة 83 و102 ” عقوبات بالرجم والجلد للرجال والنساء المتهمين بالزنا على حدّ السواء، الجلد للعزباء والرجم للمتزوجة.
تمّ تنفيذ حكم الرجمّ ضدّ عشرات الأفراد (70 شخصا) منذ 1980 وكانت النسبة الأعلى من الضحايا من النساء وتمّ إيقاف العمل بهذا القانون مؤقتا سنة 2002 بعد تصريح “اية الله شهرودي رئيس الجهاز القضائي لما أثاره من استهجان وانتقادات واسعة في الداخل والخارج.
مؤخرا، سنة 2013 أبقت إيران على عقوبة الرجم ولكنّها تركت حقّ الإختيار للقاضي في تغيير الرجم بطريقة أخرى للإعدام، وذلك بعد موجة الاحتجاجات ضدّ أحكام صادرة بالرجم ضدّ عدّة نساء، أشهرهن المتهمة بالزنا والقتل سكينة محمد اشتياني.
لقد تعاملت الدولة الإيرانية بطريقة تمييزية بالغة ضدّ النساء ويعود هذا إلى الثقافة الدينية الذكورية التي تستهدف النساء تحت تعلات الشرف والتي إختزلت المرأة كوعاء جنسي مفرغ من إنسانيته ومواطنته، لذا نجد أن أغلب الجرائم التي أدينت بها المرأة في إيران هي جرائم جنسية وأخلاقية بالأساس.
غير بعيد عن إيران وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط وفي عدّة دول عربية تقتل المرأة من طرف أهلها تحت مسمى “جرائم الشرف ” وهي إحدى الممارسات المنتشرة والشائعة في العائلة البطريركية والتي لا تنتقد ولا يعاقب عليها القانون بشدّة.
إنّه الهوس بالشرف الذي يلاحق المرأة ويراقبها ويحدّ من حريتها ويعاقبها في حال الإخلال بالمنظومة القيمية للثقافة الذكورية..
يمنحها أهلية الحياة إن صانت شرف العائلة ويقتلها إن دنسته في ظلّ صمت مريب من الدولة وحتى بعض النساء اللواتي يبررن هذا الهوس بالعنف بمبررات كثيرة ويحملن المرأة مسؤولية العنف والقتل..
يرتبط قتل الشرف في العالم العربي كثيرا بالأردن، التي شهدت مثل هذه الجرائم ضدّ نساء متهمات بممارسة الجنس خارج الأطر الشرعية، فكان قتلهن من طرف رجال العائلة فرصة لغسل عار الأسرة واستعادة شرفها الذي أهدر.
مازال المجتمع الأردني محكوما بسلطة القبيلة والعشائر فيما يتصل بالمرأة رغم مظاهر الحداثة التي تعتريه في الظاهر ولكنّها مازال يحتكم في باطنه إلى المنظومة الأبوية التي تتنصل من القانون في الأمور الخاصة بالشرف، ويتصل هذا المفهوم تحديدا بالمرأة دون الرجل.
نقلت بعض الإحصائيات في الأردن إرتفاع جرائم الشرف بنسبة 53 بالمائة سنة 2016 مقارنة بالسنة التي سبقتها وتعتبر العقوبات مخففة “السجن لمدّة لا تتجاوز 3 أشهر” رغم بشاعة الجريمة المرتكبة، وقد بدأ النضال ضدّ الأحكام المخففة منذ تسعينات القرن الماضي من أجل حذف المادة 340 من قانون العقوبات الأردني التي تعفي القاتل من المحاكمة. وقد رفض البرلمان الأردني حذف هذه المادّة وإنتهى الأمر بتشديد العقوبة على القاتل من سبع سنوات إلى 15 سنة سجنا بعد تدخل الملك سنة 2009.
تعيش المرأة العربية والمسلمة صنوفا من العذاب تحت مسمّيات المحافظة على الشرف والذي تتحمله لوحدها إذ لا يعاقب الرجل بمثل عقوبات المرأة رغم فعله لنفس الشيء، وهو ما يعكس إنشطار الثقافة في مجتمعاتنا: ثقافة ذكورية تجعل الرجل حاكما على النساء وخصما لهن في نفس الوقت، ثقافة عمودية تجعل العلاقة بين الجنسين معقدة وشائكة لا يمكن أن تبني مجتمعا سليما قائما على المحبة والأخوة، بل أهم مميزاته العداء والكراهية بين الجنسين، سلاح الرجل ” الشرف ” ليبتز المرأة ويساومها على حياتها.
خولة الفرشيشي
الفنانة المصرية ريهام الشامي.
للأسف، هذا المرض مرض ذكوري بإمتياز يستهدف المرأة أولا. فالمرأة وجسدها ونشاطها الجنسي ليس شأنا خاصا بل ملك للعائلة والقبيلة، والعذرية بمثابة ختم المجتمع على شرف الفتاة، وسلوك الزوجة خارج المنزل مرتبط بكرامة الرجل لا بكرامتها.
تتساهل بعض الدول العربية والإسلامية مع هذا المرض وتغض البصر على جرائمه في حقّ النساء، حتى أنّ البعض يبحث في الشريعة عن مسوغات ومبررات لهذه الجرائم الخطيرة.
قبل ثلاث سنوات نفذ تنظيم داعش جرائم كثيرة في حقّ النساء، أبشعها جريمة “الرجم”، وهي عقوبة الزنا، وقد تمّ تنفيذ العقوبة ضدّ المرأة الزانية بريف حماة وتناقل الفيديو نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي. أدان الكثيرون تنظيم داعش ولكنّهم لم يدينوا العقوبة لأنّها مضمنة في الشريعة كما قالوا، ونشير هنا إلى عقوبة الرجم هي حذف المتهم بالزنا بالحجارة حتى الموت بعد تثبيت قدميه في حفرة أعدت له مسبقا.
تعتبر رواية “المرجومة” إحدى الوثائق المهمة، التي تجاوزت حدود الأثر الأدبي لتصبح دليلا على عنف هذه الجريمة، لصاحبها الكاتب الإيراني “فريدون صاحبجام “.
وتعود أهميتها الى أن الكاتب قد تسلل إلى بلاده خلسة سنة 1987 ليتقصى الحادثة عن قرب وينقل للعالم حيثيات هذه الجريمة البشعة، والعقوبة أقرها مجلس شيوخ القرية بمباركة رجال الدين الممثلين عن الدولة واستهدفت إمرأة اتهمها زوجها زورا بالزنا، فنفذ الحكم فيها بطرق حيوانية وبربرية يعجز العقل أن يصدّقها.
مع تثبيت حكم الدولة الإسلامية سنة 1989 تمّت أسلمة الدولة والمجتمع، ففرض الحجاب على النساء، فالمرأة السافرة تعد عاهرة وغير محتشمة، والسفور دعوة صريحة إلى ممارسة الجنس..
كما تمّ إعتبار الفتيات اللواتي يتجاوزن سنّ الثامنة وتسعة أشهر نساءا بالغات يمكن أن يطبق عليهن القانون إن اتهمن بالزنا. كما تمّت مراقبة سلوك المرأة الجنسي خارج الأطر الشرعية.
وتضمن قانون العقوبات الإيراني ” المادة 83 و102 ” عقوبات بالرجم والجلد للرجال والنساء المتهمين بالزنا على حدّ السواء، الجلد للعزباء والرجم للمتزوجة.
تمّ تنفيذ حكم الرجمّ ضدّ عشرات الأفراد (70 شخصا) منذ 1980 وكانت النسبة الأعلى من الضحايا من النساء وتمّ إيقاف العمل بهذا القانون مؤقتا سنة 2002 بعد تصريح “اية الله شهرودي رئيس الجهاز القضائي لما أثاره من استهجان وانتقادات واسعة في الداخل والخارج.
مؤخرا، سنة 2013 أبقت إيران على عقوبة الرجم ولكنّها تركت حقّ الإختيار للقاضي في تغيير الرجم بطريقة أخرى للإعدام، وذلك بعد موجة الاحتجاجات ضدّ أحكام صادرة بالرجم ضدّ عدّة نساء، أشهرهن المتهمة بالزنا والقتل سكينة محمد اشتياني.
لقد تعاملت الدولة الإيرانية بطريقة تمييزية بالغة ضدّ النساء ويعود هذا إلى الثقافة الدينية الذكورية التي تستهدف النساء تحت تعلات الشرف والتي إختزلت المرأة كوعاء جنسي مفرغ من إنسانيته ومواطنته، لذا نجد أن أغلب الجرائم التي أدينت بها المرأة في إيران هي جرائم جنسية وأخلاقية بالأساس.
غير بعيد عن إيران وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط وفي عدّة دول عربية تقتل المرأة من طرف أهلها تحت مسمى “جرائم الشرف ” وهي إحدى الممارسات المنتشرة والشائعة في العائلة البطريركية والتي لا تنتقد ولا يعاقب عليها القانون بشدّة.
إنّه الهوس بالشرف الذي يلاحق المرأة ويراقبها ويحدّ من حريتها ويعاقبها في حال الإخلال بالمنظومة القيمية للثقافة الذكورية..
يمنحها أهلية الحياة إن صانت شرف العائلة ويقتلها إن دنسته في ظلّ صمت مريب من الدولة وحتى بعض النساء اللواتي يبررن هذا الهوس بالعنف بمبررات كثيرة ويحملن المرأة مسؤولية العنف والقتل..
يرتبط قتل الشرف في العالم العربي كثيرا بالأردن، التي شهدت مثل هذه الجرائم ضدّ نساء متهمات بممارسة الجنس خارج الأطر الشرعية، فكان قتلهن من طرف رجال العائلة فرصة لغسل عار الأسرة واستعادة شرفها الذي أهدر.
مازال المجتمع الأردني محكوما بسلطة القبيلة والعشائر فيما يتصل بالمرأة رغم مظاهر الحداثة التي تعتريه في الظاهر ولكنّها مازال يحتكم في باطنه إلى المنظومة الأبوية التي تتنصل من القانون في الأمور الخاصة بالشرف، ويتصل هذا المفهوم تحديدا بالمرأة دون الرجل.
نقلت بعض الإحصائيات في الأردن إرتفاع جرائم الشرف بنسبة 53 بالمائة سنة 2016 مقارنة بالسنة التي سبقتها وتعتبر العقوبات مخففة “السجن لمدّة لا تتجاوز 3 أشهر” رغم بشاعة الجريمة المرتكبة، وقد بدأ النضال ضدّ الأحكام المخففة منذ تسعينات القرن الماضي من أجل حذف المادة 340 من قانون العقوبات الأردني التي تعفي القاتل من المحاكمة. وقد رفض البرلمان الأردني حذف هذه المادّة وإنتهى الأمر بتشديد العقوبة على القاتل من سبع سنوات إلى 15 سنة سجنا بعد تدخل الملك سنة 2009.
تعيش المرأة العربية والمسلمة صنوفا من العذاب تحت مسمّيات المحافظة على الشرف والذي تتحمله لوحدها إذ لا يعاقب الرجل بمثل عقوبات المرأة رغم فعله لنفس الشيء، وهو ما يعكس إنشطار الثقافة في مجتمعاتنا: ثقافة ذكورية تجعل الرجل حاكما على النساء وخصما لهن في نفس الوقت، ثقافة عمودية تجعل العلاقة بين الجنسين معقدة وشائكة لا يمكن أن تبني مجتمعا سليما قائما على المحبة والأخوة، بل أهم مميزاته العداء والكراهية بين الجنسين، سلاح الرجل ” الشرف ” ليبتز المرأة ويساومها على حياتها.
خولة الفرشيشي
الفنانة المصرية ريهام الشامي.