نقوس المهدي
كاتب
مُقدَّمَةُ المُترجِمَةِ
قبلَ شروعِي في ترجمةَ أيِّ كتابٍ، أحاولُ كعادتِي وبما أمكنَنِي الاطّلاعَ على ما توافرَ مِنَ الأدبيَّاتِ والمراجعِ المناظِرةِ له لجهةِ الموضوعِ والاشتغالاتِ في الُّلغةِ المَترجَمِ إليها، وهي العربيَّةُ في هذهِ الحالةِ. وكتابُ (أنثروبولوجيا الجنسِ) الذي ألَّفَهُ الباحثانِ القديرانِ هاستنغز دونان وفيونا ماغوان، ليسَ استثناءً مِنْ ذلكَ؛ وفي مسارِ بحثِي الشَّائقِ في صفحَاتِ هذهِ الأدبيَّاتِ والمراجعِ عنْ كلِّ ما يتَّصلُ بمحورِ هذا الكتابِ وشغلِهِ الشَّاغلِ، أيْ الجنسُ والجنسانيَّةُ والجنوسةُ، تعرَّفْت على أمورٍ أدهشَتنِي وأخرى استوقفَتنِي!.
ما أدهشَنِي كثيراً، ثراءُ الّلغةِ الجنسِيَّةِ عندَ العربِ قديماً وغناها وتنوّعُها مثلَما يدلُّ على ذلكَ بعضٌ مِنَ العنواناتِ الجذّابَةِ والموحيَةِ التي اختصَّت بمناقشَةِ الحياةِ والنَّزعَاتِ والرَّغبَاتِ الجنسِيَّةِ لدى الرِّجالِ والنِّساءِ مِنْ مثلِ (الرّض العاطرُ في نزهةِ الخاطرِ) للنَّفزاويِّ، و (تحفةُ العروسِ ومتعةُ النُّفوسِ) لمحمَّدٍ بنِ أحمدٍ التِّيجانِيِّ، و (نزهةُ الألبابِ فيما لا يوجدُ في كتابٍ) للقاضي أحمدٍ التِّيفاشِيِّ، و (رجوعُ الشَّيخِ إلى صِباهُ) لأحمدَ بنِ سلمانٍ بنِ كمالٍ باشا، وغيرُها الكثيرُ.
وقدْ ذكرَ صلاحُ الدِّينِ المنجدُ في كتابِهِ (الحياةُ الجنسِيَّةُ عندَ العربِ) تداوُلَ العربِ أكثرَ منْ مئةِ لفظٍ تدلُّ كلُّها على النِّكاحِ بمعنَى الجِماعِ؛ زيادةً على أسماءٍ عديدةٍ أخرى، كانَت تُستعملُ للأعضاءِ التّناسلِيَّةِ وللتَّدليلِ على الفعالياتِ الجنسِيَّةِ. وقدْ أدَّى ذلكَ بحسبِ المنجدِ إلى اندفاعٍ بعضٍ مِنْ علماءِ المسلمينَ وفقهائِهِم في محاولَةٍ منهم لتنظيمِ الحياةِ الجنسِيَّةِ والتَّعريفِ بآدابِها إلى التَّأليفِ في الموضوعِ مِنْ دونِ شعورٍ بالحرجِ أو الحاجةِ إلى التَّستُّرِ أو التَّجاهلِ، فبرزَت العديدُ مِنَ المُؤلَّفَاتِ في المُمَارَسَةِ الجنسِيَّة، والبِغاءِ، والمثلِيَّةِ بنوعَيْها الذَّكرِيِّ والأنثوِيِّ. وقدْ أسهمَت هذهِ المُؤلَّفَاتُ مُجْتَمِعَةً في التَّأسيسِ لخطابٍ عربِيٍّ قائمٍ بذاتِهِ عنْ الجنسِ والمُمُارَسَاتِ الجنسِيَّةِ، وَفْقَاً للمنجدِ.
وخلافاً للمُجْتَمَعَاتِ العربِيَّةِ في العصرِ الجاهلِيِّ والعصورِ الإسلامِيَّةِ المزدهرَةِ، تميلُ المُجْتَمَعَاتُ العربِيَّةُ المعاصرَةُ ـ وهذا ما استوقفَنِي ـ إلى إحاطةِ الجنسِ وكلِّ ما يتَّصلُ به بِسِتارٍ سميكٍ مِنَ التَّجاهلِ والارتيابِ والاستنكافِ والصَّمتِ العلمِيِّ والتَّربويِّ شبهِ التَّامِّ، فأضحى الجنسُ يقترنُ في أذهانِ النَّاسِ بما ينافِي الأدبَ أو الخُلُقَ السَّويَّ، وأضحى الحديثُ عنه في المُناسَبَاتِ والمواقعِ الاجتماعِيَّةِ والتَّربوِيَّةِ مثلاً، حيثُ يجري عادةً بصيغةِ التَّلميحِ لا التَّصريحِ تفادياً للشُّعورِ بالحرجِ ومخافةَ أنْ يُوصَمَ المتحدِّثُ بالجرأةِ وتجاوزِ حدودِ الَّلباقةِ والأدبِ. ويشيرُ فتحي سلامةُ (مقتبس في عبد الصمد الديالمي، سوسيولوجيا الجنسانية العربية، 2009) في هذا الصَّدد إلى انتقالِ مفهومِ الجنسِ إلى خارجِ الخطابِ في تاريخِ الجنسِ عندَ العربِ، بمعنى أنَّ الجنسَ لم يعدْ موضوعَ خطابٍ علمِيٍّ عندَ هذهِ المُجْتَمَعَاتِ، بل تحوَّلَ إلى موضوعِ مزاحٍ وسخريَةٍ في التَّبادلِ الكلاميِّ اليوميِّ حيثُ يقولُ: إنَّ العربَ الذينَ كانُوا يمتلكُونَ منذُ أربعةَ عشرَ قرناً خطاباً حولَ الجنسِ لم يعدْ لديْهِم اليومَ مفهومٌ للجنسِ في الُّلغةِ التي يكتبُونَها ويتكلَّمُونَ بها بلغاتٍ عديدةٍ. ومِنْ ثمَّ يستنتجُ فتحي سلامةُ أنَّ ما لا يوجدُ ـ مفهوماً ـ لا يوجدُ أبداً! فيضطرُّ إلى الدِّلالةِ على نفسِهِ في أشكالٍ قولِيَّةٍ وسلوكِيَّةٍ متنوِّعَةٍ مِنْ مثلِ المزاحِ، والنُّكتةِ، والتَّحرُّشِ، والهذيانِ… إلى آخره. (11-12)
ما زالَ الحديثُ عنْ الجنسِ في واقعِ الأمرِ ـ مِنَ التَّابوهاتِ في المُجْتَمَعَاتِ العربيَّةِ على الرَّغمِ مِنَ التَّطوُّرَاتِ التَّكنولوجِيَّةِ الهائلَةِ التي فتحَت – بضغطةِ زرٍّ- الأبوابَ مُشرَّعَةً أمامَ الملايينِ مِنَ العربِ للتَّعرُّفِ على خبايا موضوعٍ ظلَّ لوقتٍ طويلٍ حبيسَ الغرفِ والأحاديثِ الخاصَّةِ مع ما يصاحبُ ذلكَ مِنْ مخاطرِ التَّضليلِ والتَّشويهِ. ولمْ تكنْ هذهِ التَّطوُّرَاتُ وما أسفَرَت عنه مِنْ تعريفٍ بأنماطٍ وثقافَاتٍ ومَفْهُومَاتٍ ومُمُارَسَاتٍ جنسِيَّةٍ… لمْ تكنْ مُتاحةً قبلَ الآنَ – مِنْ مثلِ الجنسِ الالكترونِيِّ (السّايبرسكس) والجنسِ التِّلفونِيِّ والهويَّاتِ الجنسِيَّة الَّلانمطِيَّةِ – أدَّت بالكثيرِ إلى إعادةِ النَّظرِ في منظومةِ الجنسِ السَّائدَةِ وارتفاعِ الأصواتِ المطالبَةِ مثلاً بتدريسِ مادَّةِ الثَّقافةِ الجنسِيَّةِ لإنقاذِ الشَّبابِ منْ براثنِ الجهلِ والتَّغييبِ، وتباينِ المواقفِ تجاهَها بينَ مؤيِّدٍ متشكِّكٍ في طبيعةِ ما ينبغِي تقديمُهُ حولَ الأمورِ الجنسِيَّةِ ورافضٍ مندِّدٍ يرى في تدريسِ هذهِ المادَّةِ خطراً يُهدِّدُ الثّوابتَ في مُجْتَمَعَاتِهم التَّقليديَّةِ المحافِظَةِ.
ويتجلَّى هذا التَّباينُ كذلكَ في ردودِ أفعالِ بعضٍ مِنَ الزُّملاءِ الذينَ صرَّحْتُ لهم بنيَّتِي ترجمَةَ (أنثروبولوجيا الجنس)، فبينَما أشادَ بعضُهُم بالاختيارِ لكونِهِ جذَّاباً ـ تسويقيَّاً ـ توزَّعَت ردودُ الأفعالِ الباقيَةُ بينَ رفعِ الحاجبَيْنِ استغراباً تارةً ونصحِي بتجنُّبِ اختيارِ مَوْضُوعَاتٍ حسَّاسَةٍ مثلِ هذهِ تارةً أخرى!. وتدلُّ هذهِ المواقفُ بمُجمَلِها دِلالةً واضحَةً على أنَّ موضوعَ الجنسِ ما زالَ مِنَ المَوْضُوعَاتِ المُحرِجَةِ والشَّائقَةِ في وقتٍ واحدٍ!. وثمَّةَ أمرٌ آخرُ لا يقلُّ أهمِّيَّةً هو استخدامُ كلمةِ الجنسِ للدِّلالةِ على علاقةِ الذّكرِ بالأنثى حصراً مِنْ دونِ اهتمامٍ باشتمالِها على الفعلِ الجنسِيِّ وتعدُّدِ أبعادِهِ، وتأثُّرِهِ بجملةٍ مِنَ العواملِ المتداخلَةِ التي تتجاوزُ المستوى البيولوجيَّ وتتعدَّاه إلى المستويَاتِ النَّفسِيَّةِ، والاجتماعِيَّةِ، والاقتصادِيَّةِ، والقانونِيَّةِ، والدِّينِيَّةِ، والسِّياسِيَّةِ. ولا يُشكُّ في أنَّ هذا التَّنوُّعَ والتَّداخلَ يعنِي في أحدِ جوانبِهِ تعذُّرَ دراسةِ الجنسِ أو التَّوصُّلِ إلى فهمٍ مناسبٍ له بمعزلٍ عنْ الظُّروفِ المحيطَةِ به؛ ويمكنُ القولُ تبعاً لذلكَ: إنَّ علمَ الجنسِ (sexology) هو علمٌ متعدِّدُ التَّخصُّصَاتِ متنوِّعُ التَّوجُّهَاتِ لا يمكنُ مَعَهُ لتخصُّصٍ معرفِيٍّ واحدٍ ادِّعاءُ القدرةِ على تقديمِ فهمٍ شاملٍ ومتكاملٍ له.
إنَّ الحديثَ عنْ الجنسِ هو بالضَّرورةِ حديثٌ عنْ العلاقَاتِ بمختلِفِ أنواعِها السَّويَّةِ منها وغيرِ السَّويَّةِ، وعن السُّلوكَاتِ، والمَفْهُومَاتِ، والإفرازاتِ، والصُّورِ النَّمطيَّةِ، والبِنَى المُجْتمَعِيَّةِ والدِّينِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ والمؤسَّساتِيَّةِ، والأمراضِ، والإقصاءِ، والتَّضمينِ، وغيرِ ذلكَ مِنَ الجوانبِ. ولا بدَّ لأيَّةِ دراسةٍ عنْ الجنسِ مِنَ التَّعاملِ معَ جملةٍ منَ المَفْهُومَاتِ والمَوْضُوعَاتِ والفِكَر مِنْ مثلِ الذُّكورةِ والأنوثةِ، والجنوسةِ (gender)، والجسمِ، ومعاييرِ الجمالِ، وطرائقِ الإغواءِ الجنسِيَّةِ، والحملِ، والإجهاضِ، ووسائلِ منعِ الحملِ ودورِها في تغييرِ مَفْهُومَاتِ المتعةِ الجنسِيَّةِ، والشُّذوذِ الجنسِيِّ، والهويَّاتِ الجنسِيَّةِ النّمطِيَّةِ/الّلانمطِيَّةِ، وآليَّاتِ التَّفاوضِ على العلاقةِ الجنسِيَّة ودورِ المتغيِّرَاتِ الاقتصادِيَّةِ والاجتماعِيَّةِ والتِّكنولوجِيَّةِ والطِّبِّيَّةِ – مِنْ مثلِ تمتُّعِ النِّساءِ بالتَّمكينِ الاقتصادِيِّ بعدَ دخولِهِنَّ أسواقَ العملِ وشيوعِ مَفْهُومَاتِ الاستقلالِ والتَّحرُّرِ الجنسِيِّ والمُمَارَسَةِ الجنسِيَّةِ عنْ بعدٍ… دورِها في تغييرِ عناصرِ المُعادَلَةِ الجنسِيَّةِ بينَ الرَّجلِ والمرأةِ.
تؤلِّفُ هذهِ المَوْضُوعَاتُ وغيرُها المحاورَ الرَّئيسَةَ في (أنثروبولوجيا الجنس) الذي يأتي استكمالاً للجهودِ التي ما برحَ الباحثونَ الأنثروبولوجِيُّونَ يبذلونَها مِنْ مطلعِ سبعينِيَّاتِ القرنِ العشرينِ فصاعداً، حينَما برزَ الجنسُ والجنسانِيَّةُ بوصفِهِما أحدَ محاورِ التَّنظيرِ الرَّئيسةِ في حقلِ الأنثروبولوجيا الذي أدَّى ـ عمليَّاً ـ إلى شيوعِ تصوُّرٍ عامٍّ يفيدُ أنَّ ما يفعلُهُ هذا الحقلُ هو إعادةُ اكتشافِ هذينِ الموضوعَيْنِ وإخضاعُهُما لمزيدٍ مِنْ عمليَّاتِ المراجعَةِ والتَّنقيحِ بعدَ عقودٍ طويلةٍ كانَ الأنثروبولوجِيُّونَ فيها يشعرُونَ بالحرجِ مِنَ الحديثِ عنْ رغباتِهِم الجنسِيَّةِ في مُدَوَّناتِهِم الحقلِيَّةِ، حسبَما يخبرُنا به برونيسلاو مالينوفسكي عنْ الأنثروبولوجِيِّينَ مِنْ أبناءِ جيلِهِ، خشيةَ تعرُّضِهِم للإدانَةِ والهجومِ ووصمِ أعمالِهم بالمُبْتَذَلَةِ والرَّخيصَةِ!.
إنَّ السَّببَ في هذا الاهتمامِ المتجدِّدِ والمتنامِي بالجنسِ وعدِّهِ واحداً مِنْ أهمِّ جوانبِ الحياةِ البشرِيَّةِ وأكثرِها جوهرِيَّةً يُردُّ إلى جدِّيَّةِ التَّحدِّياتِ وكثرةِ المتغيِّرَاتِ السِّياسِيَّةِ والاجتماعِيَّةِ والصِّحِّيَّةِ التي يواجهُها البشرُ في العصرِ الرَّاهنِ والتي تتراوحُ ما بينَ الصِّراعِ ضدَّ مرضِ نقصِ المناعةِ المُكتسَبِ، ودورِ الجنسِ والجنسانِيَّةِ بينَ الجماعَاتِ المُهَمَّشَةِ والمَحرومَةِ في تغييرِ الاقتصاداتِ السَّائدَةِ خارجَ العالمِ الغربيِّ.. إلى السِّجالاتِ المحتدِمَةِ في هذا العالمِ بشأنِ طبيعةِ العملِ في قطاعِ الجنسِ والهجرةِ والإتجارِ بالبشرَ في سياقٍ ذي صلةٍ. وتتجلَّى أهمِّيَّةُ هذهِ التَّحدِّيَاتِ والمتغيِّرَاتِ في المُجْتَمَعَاتِ العربِيَّةِ في مسارعةِ بعضٍ مِنَ الحكوماتِ في أعقابِ عقودٍ طويلةٍ مِنَ التَّعتيمِ والتَّجاهلِ والإهمالِ إلى الاهتمامِ بدراسةِ هذهِ المَوْضُوعَاتِ دراسةً علمِيَّةً موضوعِيَّةً في محاولةٍ منها لإبعادِ شبحِ الإصابةِ بمرضِ الإيدزِ بينَ مواطنِيْها في ثمانينيَّاتِ القرنِ العشرينِ. وبداهةً، يُتوقَّعُ أنْ يتمخَّضَ هذا الاشتغالُ المتواصلُ عنْ تطوُّراتٍ نظرِيَّةٍ جديدةٍ في حقلِ الأنثروبولوجِيِّ بشأنِ الجنسِ والجنسانِيَّةِ، وهذا تحديداً ما تعكسُهُ صفحاتُ (أنثروبولوجيا الجنس) الذي يشكِّلُ إضافةً قيِّمةً إلى الأدبيَّاتِ الجنسِيَّةِ المُتوافِرَةِ لجهةِ تسليطِهِ الضَّوءَ على ما يمكنُ لهذا الحقلِ الإسهامُ به في تعزيزِ مَفْهُومَاتِنا العابرةِ للثَّقافاتِ عنْ هذهِ المَوْضُوعَاتِ.
وظَّفَ مؤلِّفا (أنثروبولوجيا الجنس) الكثيرَ مِنَ النَّظريَّاتِ والمَفْهُومَاتِ والخطاباتِ الشَّعبيَّةِ زيادةً على السِّجالاتِ البحثِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ والأخلاقِيَّةِ السَّائدَةِ في النِّطاقِ الأوروبِيِّ العامِّ الذي يعيشانِ ويعملانِ فيْه. وهذا الكتابُ بعدَ ذلكَ مكتوبٌ – بحسبِ وجهةِ نظري المتواضعَةِ – بإتقانٍ أكاديمِيٍّ مدعومٍ بلغةٍ مفهومَةٍ سَلِسَةٍ وصورٍ توضيحِيَّةٍ أخَّاذةٍ تأسرُ القارئَ وتغريْهِ بتقليبِ صفحَاتِ الكتابِ صفحةً صفحةً. وزيادةً على ذلك، تعكسُ عنواناتُ الفصولِ والمباحثُ الفرعِيَّةُ الجذَّابَةُ مِنْ مثلِ “رغباتٌ راقصَةٌ” و “أجسامٌ جميلةٌ” و “جرائمُ جنسِيَّةٌ” و “الجنسُ والكنيسةُ”… تعكسُ الجهودَ الحثيثةَ التي بذلَها المؤلِّفانِ ابتغاءَ تقديمِ كتابٍ ممتعٍ ومقروءٍ على الرَّغمِ مِنَ الطَّابعِ الصَّادمِ لبعضٍ مِنْ هذهِ المباحثِ كما في المبحثِ المُعَنْوَنِ بـ “مواخيرُ بلا حدودٍ” الذي يناقشُ مسألةَ بيعِ الخدمَاتِ الجنسِيَّةِ في المناطقِ الحدودِيَّةِ بينَ الولاياتِ المتَّحدةِ والمكسيكِ.
ويكتظُّ الكتابُ بعدَ ذلكَ بالكثيرِ مِنَ الأمثلةِ التّوضيحِيَّةِ عنْ جوانبِ الحياةِ الجنسِيَّةِ والجنسانِيَّةِ في العصرِ الرَّاهنِ المستنِدَةِ إلى البحثِ الاثنوغرافِيِّ المُكَثَّفِ والدِّراسَاتِ الحقلِيَّةِ الدَّقيقَةِ مِنْ مثلِ عمليَّاتِ الجذبِ والإغواءِ، وتعزيزِ المظهرِ والجاذبِيَّةِ الجنسِيَّةِ، والتَّعرِّي، والرَّقصِ، وتجميلِ الأعضاءِ التَّناسلِيَّةِ، وأوهامِ البدانةِ والنُّحولِ، ومَوْضُوعَاتٍ أخرى ساخنَةٍ ومثيرَةٍ للجدلِ مِنْ مثلِ التَّشريعاتِ الخاصَّةِ بالبغاءِ، والعملِ في النَّوادِي الَّليليَّةِ، والصِّحَّةِ الجنسِيَّةِ، والتَّقاطعَاتِ المُعقَّدَةِ القائمةِ بينَ الجنسِ والسُّلطةِ والمالِ والقرابةِ والسِّياحةِ والهجرةِ، والرَّأسمالِ الجنسِيِّ.
وبفضلِ مناقشتِهِ هذهِ الجوانبَ والمَوْضُوعَاتِ، يبرزُ (أنثروبولوجيا الجنس) بوصفِهِ أحدَ الكتبِ القليلةِ مِنْ نوعِهِا إذ يركِّزُ على تجسيداتِ الجنسِ والجسمِ الأيروسِيِّ الشّبقِيِّ المادِّيَّةِ ويطرحُ الفكرةَ الاثنوغرافِيَّةَ التي تؤكِّدُ حاجةَ الباحثينَ الجنسِيِّينَ إلى التَّخلِّي عنْ وجهةِ النَّظرِ الغربِيَّةِ في جوهرِها وتوجُّهاتِها بشأنِ العناصرِ التي تؤلِّفُ الجسمَ الجنسِيَّ والحسِّيَّ والمسوِّغَاتِ التي تبرِّرُ تعديلَهُ ابتغاءَ التَّوصُّلِ إلى فهمٍ أعمقَ لطبيعةِ هذا الجسمِ والتَّعقيداتِ التي تكتنفُ عملِيَّةَ التَّعاملِ مَعَهُ والإحساسَ به خلالَ الثَّقافاتِ وبينَها.
وممَّا يُؤسفُ له الغيابُ شبهُ الكلِّيِّ للحديثِ عنْ الجنسِ في المُجْتَمَعَاتِ العربِيَّةِ في (أنثروبولوجيا الجنس) فباستثناءِ بعضٍ مِنَ الإشاراتِ المتناثِرَةِ هنا وهناكَ عنْ مواجهاتٍ جنسِيَّةٍ مباشرةٍ (في فلسطينَ مثلاً) وغيرِ مباشرةٍ (في مصرَ والمناطقِ الحدودِيَّةِ بينَ سوريا وتركيَّا والمغربِ وإسبانيا) باستثناء ذلكَ، يميلُ المؤلِّفانِ ـ على وجهِ العمومِ ـ إلى التَّركيزِ على طيفٍ واسعٍ ومتنوِّعٍ مِنَ الأعمالِ الأنثروبولوجِيَّةِ والاثنوغرافِيَّةِ القديمةِ منها والحديثةِ توزَّعَت ما بينَ برونيسلاو مالينوفسكي و مارغريت ميد و ماري دوغلاص و كينيث ريد و بات كابلان و شيري اورتنر، و غيرُهم الكثيرُ ممّا لا يتَّسعُ المجالُ لذكرِهِم. وزيادةً على هذهِ الأعمالِ، حرصَ كلٌّ مِنْ دونان و ماغوان على الإفادةِ مِنْ مجموعةٍ واسعةٍ وثرَّةٍ مِنَ الأدبيَّاتِ والدِّراسَاتِ والبيانَاتِ التي أنتجَتْها النُّظمُ المعرفِيَّةُ الأخرى مِنْ مثلِ الاجتماعِ والتَّاريخِ والاقتصادِ والدِّراساتِ النَّسويَّةِ والدِّينيَّةِ. ولعلَّ أهمَّ ما يُحسبُ للكتاب – بفضلِ توظيفِهِ هذا الكمَّ الكبيرَ مِنَ المعارفِ والمَعلُومَاتِ – نجاحُهُ في تقديمِ مُقارَبَةٍ ثقافِيَّةٍ واجتماعِيَّةٍ للجنسِ بأسلوبٍ عابرٍ للنُّظمِ المعرفِيَّةِ. وبناءً على ذلكَ، لا يمثّلُ الكتابُ الذي بينَ أيديكُم محضَ عملٍ أنثروبولوجِيٍّ عنْ الجنسِ، بل إنَّهُ مقاربةٌ أنثروبولوجِيَّةٌ جادَّةٌ لنطاقٍ واسعٍ مِنَ البحوثِ والنَّظريَّاتِ والسِّجالاتِ العامَّةِ بشأنِ الجنسِ والجنسانِيَّةِ في عالمِنا اليومَ.
وثمَّةَ مجموعةٌ مِنَ الأهدافِ يحرصُ (أنثروبولوجيا الجنس) على تحقيقِها منها تعزيزُ فهمِ القرَّاءِ لجذورِ الجنسِ والجنوسةِ والجنسانِيَّةِ المبنِيَّةِ اجتماعِيَّاً وثقافيَّاً أثناءَ تفاعُلِها وتقاطُعِها معَ إيديولوجِيَّاتِ الطَّبقةِ، والإثنِيَّةِ، والأُمَّةِ، والعرقِ؛ وتشجيعِهِم على التَّفكيرِ مليَّاً في الرَّوابطِ القائمةِ بينَ مُمُارَسَاتِ الجنسِ والجنسانِيَّةِ الحميمِيَّةِ والسِّياقاتِ الاقتصادِيَّةِ والتَّاريخِيَّةِ والسِّياسِيَّة الأوسعِ الحاضنةِ لها. وثمَّةَ هدفانِ مهمَّانِ آخرانِ حرصِ مؤلِّفا الكتابِ على تحقيقِهِما، هما لفتُ الانتباهِ إلى العلاقةِ بينَ التَّمثيلاتِ والرَّمزيَّاتِ المعاصرَةِ ومُمُارَسَاتِ الجنوسَةِ والجنسانِيَّةِ اليومِيَّةِ، زيادةً على تعريفِ القارئِ بمجموعةٍ مِنْ تجاربِ التَّحليلِ الأنثروبولوجِيِّ المباشرةِ المُستقَاةِ مِنْ مصادِرِها الأصلِيَّةِ والمبنِيَّةِ على البحوثِ الحقلِيَّةِ الدَّقيقَةِ والمتبصِّرَةِ.
وبداهَةً، يواجِهُ المترجِمَ الذي يتصدَّى لترجمةِ نصوصٍ مِنْ هذا النَّوعِ جملةٌ مِنَ المشكلاتِ والتَّحدِّياتِ، منبعُها جدَّةُ بعضٍ مِنَ المُمُارَسَاتِ والمَفْهُومَاتِ الجنسِيَّةِ وطابعُها المحلِّيُّ الخالصُ النَّاجمُ عنْ وقوعِها في سياقاتٍ ثقافِيَّةٍ واجتماعِيَّةٍ مُختلِفَةٍ. ومِنَ الأمورِ المحزنَةِ التي لحظتُها أثناءَ ترجمتِي هذا النَّصَّ المعنِيَّ بالجنسِ والجنسانِيَّةِ التَّجاهلُ والغيابُ الكُلِّيُّ لكلِّ ما يتعلَّقُ بمشكلاتِ ترجمةِ هذهِ النُّصوصِ والأساليبِ الأمثلِ للتَّعاملِ معها وتذليلِها – خلافاً لأنواعِ النُّصوصِ الأخرى – مثلِ الأدبِيَّةِ والقانونِيَّةِ والدِّينِيَّةِ. وقدْ ارتأَت المترجمةُ إضافةَ بعضٍ مِنَ الشُّروحاتِ والتَّعليقاتِ الضَّروريَّةِ لتقديمِ نصٍّ موازٍ ومفهومٍ للقارئِ العربِيِّ، ولهذا، إنْ لحظَ القارئُ كلمةَ “المترجِمَةُ” بينَ القوسينِ ( ) في بعضٍ مِنَ الهوامشِ، فهذا يعنِي أنَّ النَّصَّ الأصليَّ بالُّلغةِ الإنكليزيَّةِ لم يكنْ يتضمَّنُ هذا الهامشَ.
وختاماً، آملُ أنْ تُشكِّلَ ترجمةُ (أنثروبولوجيا الجنس) إضافةً نوعِيَّةً لا غنى عنها للمعتنينَ بمَوْضُوعَاتِ الجنسِ، والجنوسةِ، والجنسانِيَّةِ مِنَ الأساتذةِ والطُّلَّابِ وغيرِهِم مِنَ المخْتَصِّينَ، وباللهِ التَّوفيقُ.
أنثروبولوجيا الجنس
هاستنغز دونان وفيونا ماغوان
ترجمة: د. هناء خليف غني
الناشر: المركز الأكاديمي للأبحاث
سنة الطبع:2017
* منقول عن موقع - aranthropos
قبلَ شروعِي في ترجمةَ أيِّ كتابٍ، أحاولُ كعادتِي وبما أمكنَنِي الاطّلاعَ على ما توافرَ مِنَ الأدبيَّاتِ والمراجعِ المناظِرةِ له لجهةِ الموضوعِ والاشتغالاتِ في الُّلغةِ المَترجَمِ إليها، وهي العربيَّةُ في هذهِ الحالةِ. وكتابُ (أنثروبولوجيا الجنسِ) الذي ألَّفَهُ الباحثانِ القديرانِ هاستنغز دونان وفيونا ماغوان، ليسَ استثناءً مِنْ ذلكَ؛ وفي مسارِ بحثِي الشَّائقِ في صفحَاتِ هذهِ الأدبيَّاتِ والمراجعِ عنْ كلِّ ما يتَّصلُ بمحورِ هذا الكتابِ وشغلِهِ الشَّاغلِ، أيْ الجنسُ والجنسانيَّةُ والجنوسةُ، تعرَّفْت على أمورٍ أدهشَتنِي وأخرى استوقفَتنِي!.
ما أدهشَنِي كثيراً، ثراءُ الّلغةِ الجنسِيَّةِ عندَ العربِ قديماً وغناها وتنوّعُها مثلَما يدلُّ على ذلكَ بعضٌ مِنَ العنواناتِ الجذّابَةِ والموحيَةِ التي اختصَّت بمناقشَةِ الحياةِ والنَّزعَاتِ والرَّغبَاتِ الجنسِيَّةِ لدى الرِّجالِ والنِّساءِ مِنْ مثلِ (الرّض العاطرُ في نزهةِ الخاطرِ) للنَّفزاويِّ، و (تحفةُ العروسِ ومتعةُ النُّفوسِ) لمحمَّدٍ بنِ أحمدٍ التِّيجانِيِّ، و (نزهةُ الألبابِ فيما لا يوجدُ في كتابٍ) للقاضي أحمدٍ التِّيفاشِيِّ، و (رجوعُ الشَّيخِ إلى صِباهُ) لأحمدَ بنِ سلمانٍ بنِ كمالٍ باشا، وغيرُها الكثيرُ.
وقدْ ذكرَ صلاحُ الدِّينِ المنجدُ في كتابِهِ (الحياةُ الجنسِيَّةُ عندَ العربِ) تداوُلَ العربِ أكثرَ منْ مئةِ لفظٍ تدلُّ كلُّها على النِّكاحِ بمعنَى الجِماعِ؛ زيادةً على أسماءٍ عديدةٍ أخرى، كانَت تُستعملُ للأعضاءِ التّناسلِيَّةِ وللتَّدليلِ على الفعالياتِ الجنسِيَّةِ. وقدْ أدَّى ذلكَ بحسبِ المنجدِ إلى اندفاعٍ بعضٍ مِنْ علماءِ المسلمينَ وفقهائِهِم في محاولَةٍ منهم لتنظيمِ الحياةِ الجنسِيَّةِ والتَّعريفِ بآدابِها إلى التَّأليفِ في الموضوعِ مِنْ دونِ شعورٍ بالحرجِ أو الحاجةِ إلى التَّستُّرِ أو التَّجاهلِ، فبرزَت العديدُ مِنَ المُؤلَّفَاتِ في المُمَارَسَةِ الجنسِيَّة، والبِغاءِ، والمثلِيَّةِ بنوعَيْها الذَّكرِيِّ والأنثوِيِّ. وقدْ أسهمَت هذهِ المُؤلَّفَاتُ مُجْتَمِعَةً في التَّأسيسِ لخطابٍ عربِيٍّ قائمٍ بذاتِهِ عنْ الجنسِ والمُمُارَسَاتِ الجنسِيَّةِ، وَفْقَاً للمنجدِ.
وخلافاً للمُجْتَمَعَاتِ العربِيَّةِ في العصرِ الجاهلِيِّ والعصورِ الإسلامِيَّةِ المزدهرَةِ، تميلُ المُجْتَمَعَاتُ العربِيَّةُ المعاصرَةُ ـ وهذا ما استوقفَنِي ـ إلى إحاطةِ الجنسِ وكلِّ ما يتَّصلُ به بِسِتارٍ سميكٍ مِنَ التَّجاهلِ والارتيابِ والاستنكافِ والصَّمتِ العلمِيِّ والتَّربويِّ شبهِ التَّامِّ، فأضحى الجنسُ يقترنُ في أذهانِ النَّاسِ بما ينافِي الأدبَ أو الخُلُقَ السَّويَّ، وأضحى الحديثُ عنه في المُناسَبَاتِ والمواقعِ الاجتماعِيَّةِ والتَّربوِيَّةِ مثلاً، حيثُ يجري عادةً بصيغةِ التَّلميحِ لا التَّصريحِ تفادياً للشُّعورِ بالحرجِ ومخافةَ أنْ يُوصَمَ المتحدِّثُ بالجرأةِ وتجاوزِ حدودِ الَّلباقةِ والأدبِ. ويشيرُ فتحي سلامةُ (مقتبس في عبد الصمد الديالمي، سوسيولوجيا الجنسانية العربية، 2009) في هذا الصَّدد إلى انتقالِ مفهومِ الجنسِ إلى خارجِ الخطابِ في تاريخِ الجنسِ عندَ العربِ، بمعنى أنَّ الجنسَ لم يعدْ موضوعَ خطابٍ علمِيٍّ عندَ هذهِ المُجْتَمَعَاتِ، بل تحوَّلَ إلى موضوعِ مزاحٍ وسخريَةٍ في التَّبادلِ الكلاميِّ اليوميِّ حيثُ يقولُ: إنَّ العربَ الذينَ كانُوا يمتلكُونَ منذُ أربعةَ عشرَ قرناً خطاباً حولَ الجنسِ لم يعدْ لديْهِم اليومَ مفهومٌ للجنسِ في الُّلغةِ التي يكتبُونَها ويتكلَّمُونَ بها بلغاتٍ عديدةٍ. ومِنْ ثمَّ يستنتجُ فتحي سلامةُ أنَّ ما لا يوجدُ ـ مفهوماً ـ لا يوجدُ أبداً! فيضطرُّ إلى الدِّلالةِ على نفسِهِ في أشكالٍ قولِيَّةٍ وسلوكِيَّةٍ متنوِّعَةٍ مِنْ مثلِ المزاحِ، والنُّكتةِ، والتَّحرُّشِ، والهذيانِ… إلى آخره. (11-12)
ما زالَ الحديثُ عنْ الجنسِ في واقعِ الأمرِ ـ مِنَ التَّابوهاتِ في المُجْتَمَعَاتِ العربيَّةِ على الرَّغمِ مِنَ التَّطوُّرَاتِ التَّكنولوجِيَّةِ الهائلَةِ التي فتحَت – بضغطةِ زرٍّ- الأبوابَ مُشرَّعَةً أمامَ الملايينِ مِنَ العربِ للتَّعرُّفِ على خبايا موضوعٍ ظلَّ لوقتٍ طويلٍ حبيسَ الغرفِ والأحاديثِ الخاصَّةِ مع ما يصاحبُ ذلكَ مِنْ مخاطرِ التَّضليلِ والتَّشويهِ. ولمْ تكنْ هذهِ التَّطوُّرَاتُ وما أسفَرَت عنه مِنْ تعريفٍ بأنماطٍ وثقافَاتٍ ومَفْهُومَاتٍ ومُمُارَسَاتٍ جنسِيَّةٍ… لمْ تكنْ مُتاحةً قبلَ الآنَ – مِنْ مثلِ الجنسِ الالكترونِيِّ (السّايبرسكس) والجنسِ التِّلفونِيِّ والهويَّاتِ الجنسِيَّة الَّلانمطِيَّةِ – أدَّت بالكثيرِ إلى إعادةِ النَّظرِ في منظومةِ الجنسِ السَّائدَةِ وارتفاعِ الأصواتِ المطالبَةِ مثلاً بتدريسِ مادَّةِ الثَّقافةِ الجنسِيَّةِ لإنقاذِ الشَّبابِ منْ براثنِ الجهلِ والتَّغييبِ، وتباينِ المواقفِ تجاهَها بينَ مؤيِّدٍ متشكِّكٍ في طبيعةِ ما ينبغِي تقديمُهُ حولَ الأمورِ الجنسِيَّةِ ورافضٍ مندِّدٍ يرى في تدريسِ هذهِ المادَّةِ خطراً يُهدِّدُ الثّوابتَ في مُجْتَمَعَاتِهم التَّقليديَّةِ المحافِظَةِ.
ويتجلَّى هذا التَّباينُ كذلكَ في ردودِ أفعالِ بعضٍ مِنَ الزُّملاءِ الذينَ صرَّحْتُ لهم بنيَّتِي ترجمَةَ (أنثروبولوجيا الجنس)، فبينَما أشادَ بعضُهُم بالاختيارِ لكونِهِ جذَّاباً ـ تسويقيَّاً ـ توزَّعَت ردودُ الأفعالِ الباقيَةُ بينَ رفعِ الحاجبَيْنِ استغراباً تارةً ونصحِي بتجنُّبِ اختيارِ مَوْضُوعَاتٍ حسَّاسَةٍ مثلِ هذهِ تارةً أخرى!. وتدلُّ هذهِ المواقفُ بمُجمَلِها دِلالةً واضحَةً على أنَّ موضوعَ الجنسِ ما زالَ مِنَ المَوْضُوعَاتِ المُحرِجَةِ والشَّائقَةِ في وقتٍ واحدٍ!. وثمَّةَ أمرٌ آخرُ لا يقلُّ أهمِّيَّةً هو استخدامُ كلمةِ الجنسِ للدِّلالةِ على علاقةِ الذّكرِ بالأنثى حصراً مِنْ دونِ اهتمامٍ باشتمالِها على الفعلِ الجنسِيِّ وتعدُّدِ أبعادِهِ، وتأثُّرِهِ بجملةٍ مِنَ العواملِ المتداخلَةِ التي تتجاوزُ المستوى البيولوجيَّ وتتعدَّاه إلى المستويَاتِ النَّفسِيَّةِ، والاجتماعِيَّةِ، والاقتصادِيَّةِ، والقانونِيَّةِ، والدِّينِيَّةِ، والسِّياسِيَّةِ. ولا يُشكُّ في أنَّ هذا التَّنوُّعَ والتَّداخلَ يعنِي في أحدِ جوانبِهِ تعذُّرَ دراسةِ الجنسِ أو التَّوصُّلِ إلى فهمٍ مناسبٍ له بمعزلٍ عنْ الظُّروفِ المحيطَةِ به؛ ويمكنُ القولُ تبعاً لذلكَ: إنَّ علمَ الجنسِ (sexology) هو علمٌ متعدِّدُ التَّخصُّصَاتِ متنوِّعُ التَّوجُّهَاتِ لا يمكنُ مَعَهُ لتخصُّصٍ معرفِيٍّ واحدٍ ادِّعاءُ القدرةِ على تقديمِ فهمٍ شاملٍ ومتكاملٍ له.
إنَّ الحديثَ عنْ الجنسِ هو بالضَّرورةِ حديثٌ عنْ العلاقَاتِ بمختلِفِ أنواعِها السَّويَّةِ منها وغيرِ السَّويَّةِ، وعن السُّلوكَاتِ، والمَفْهُومَاتِ، والإفرازاتِ، والصُّورِ النَّمطيَّةِ، والبِنَى المُجْتمَعِيَّةِ والدِّينِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ والمؤسَّساتِيَّةِ، والأمراضِ، والإقصاءِ، والتَّضمينِ، وغيرِ ذلكَ مِنَ الجوانبِ. ولا بدَّ لأيَّةِ دراسةٍ عنْ الجنسِ مِنَ التَّعاملِ معَ جملةٍ منَ المَفْهُومَاتِ والمَوْضُوعَاتِ والفِكَر مِنْ مثلِ الذُّكورةِ والأنوثةِ، والجنوسةِ (gender)، والجسمِ، ومعاييرِ الجمالِ، وطرائقِ الإغواءِ الجنسِيَّةِ، والحملِ، والإجهاضِ، ووسائلِ منعِ الحملِ ودورِها في تغييرِ مَفْهُومَاتِ المتعةِ الجنسِيَّةِ، والشُّذوذِ الجنسِيِّ، والهويَّاتِ الجنسِيَّةِ النّمطِيَّةِ/الّلانمطِيَّةِ، وآليَّاتِ التَّفاوضِ على العلاقةِ الجنسِيَّة ودورِ المتغيِّرَاتِ الاقتصادِيَّةِ والاجتماعِيَّةِ والتِّكنولوجِيَّةِ والطِّبِّيَّةِ – مِنْ مثلِ تمتُّعِ النِّساءِ بالتَّمكينِ الاقتصادِيِّ بعدَ دخولِهِنَّ أسواقَ العملِ وشيوعِ مَفْهُومَاتِ الاستقلالِ والتَّحرُّرِ الجنسِيِّ والمُمَارَسَةِ الجنسِيَّةِ عنْ بعدٍ… دورِها في تغييرِ عناصرِ المُعادَلَةِ الجنسِيَّةِ بينَ الرَّجلِ والمرأةِ.
تؤلِّفُ هذهِ المَوْضُوعَاتُ وغيرُها المحاورَ الرَّئيسَةَ في (أنثروبولوجيا الجنس) الذي يأتي استكمالاً للجهودِ التي ما برحَ الباحثونَ الأنثروبولوجِيُّونَ يبذلونَها مِنْ مطلعِ سبعينِيَّاتِ القرنِ العشرينِ فصاعداً، حينَما برزَ الجنسُ والجنسانِيَّةُ بوصفِهِما أحدَ محاورِ التَّنظيرِ الرَّئيسةِ في حقلِ الأنثروبولوجيا الذي أدَّى ـ عمليَّاً ـ إلى شيوعِ تصوُّرٍ عامٍّ يفيدُ أنَّ ما يفعلُهُ هذا الحقلُ هو إعادةُ اكتشافِ هذينِ الموضوعَيْنِ وإخضاعُهُما لمزيدٍ مِنْ عمليَّاتِ المراجعَةِ والتَّنقيحِ بعدَ عقودٍ طويلةٍ كانَ الأنثروبولوجِيُّونَ فيها يشعرُونَ بالحرجِ مِنَ الحديثِ عنْ رغباتِهِم الجنسِيَّةِ في مُدَوَّناتِهِم الحقلِيَّةِ، حسبَما يخبرُنا به برونيسلاو مالينوفسكي عنْ الأنثروبولوجِيِّينَ مِنْ أبناءِ جيلِهِ، خشيةَ تعرُّضِهِم للإدانَةِ والهجومِ ووصمِ أعمالِهم بالمُبْتَذَلَةِ والرَّخيصَةِ!.
إنَّ السَّببَ في هذا الاهتمامِ المتجدِّدِ والمتنامِي بالجنسِ وعدِّهِ واحداً مِنْ أهمِّ جوانبِ الحياةِ البشرِيَّةِ وأكثرِها جوهرِيَّةً يُردُّ إلى جدِّيَّةِ التَّحدِّياتِ وكثرةِ المتغيِّرَاتِ السِّياسِيَّةِ والاجتماعِيَّةِ والصِّحِّيَّةِ التي يواجهُها البشرُ في العصرِ الرَّاهنِ والتي تتراوحُ ما بينَ الصِّراعِ ضدَّ مرضِ نقصِ المناعةِ المُكتسَبِ، ودورِ الجنسِ والجنسانِيَّةِ بينَ الجماعَاتِ المُهَمَّشَةِ والمَحرومَةِ في تغييرِ الاقتصاداتِ السَّائدَةِ خارجَ العالمِ الغربيِّ.. إلى السِّجالاتِ المحتدِمَةِ في هذا العالمِ بشأنِ طبيعةِ العملِ في قطاعِ الجنسِ والهجرةِ والإتجارِ بالبشرَ في سياقٍ ذي صلةٍ. وتتجلَّى أهمِّيَّةُ هذهِ التَّحدِّيَاتِ والمتغيِّرَاتِ في المُجْتَمَعَاتِ العربِيَّةِ في مسارعةِ بعضٍ مِنَ الحكوماتِ في أعقابِ عقودٍ طويلةٍ مِنَ التَّعتيمِ والتَّجاهلِ والإهمالِ إلى الاهتمامِ بدراسةِ هذهِ المَوْضُوعَاتِ دراسةً علمِيَّةً موضوعِيَّةً في محاولةٍ منها لإبعادِ شبحِ الإصابةِ بمرضِ الإيدزِ بينَ مواطنِيْها في ثمانينيَّاتِ القرنِ العشرينِ. وبداهةً، يُتوقَّعُ أنْ يتمخَّضَ هذا الاشتغالُ المتواصلُ عنْ تطوُّراتٍ نظرِيَّةٍ جديدةٍ في حقلِ الأنثروبولوجِيِّ بشأنِ الجنسِ والجنسانِيَّةِ، وهذا تحديداً ما تعكسُهُ صفحاتُ (أنثروبولوجيا الجنس) الذي يشكِّلُ إضافةً قيِّمةً إلى الأدبيَّاتِ الجنسِيَّةِ المُتوافِرَةِ لجهةِ تسليطِهِ الضَّوءَ على ما يمكنُ لهذا الحقلِ الإسهامُ به في تعزيزِ مَفْهُومَاتِنا العابرةِ للثَّقافاتِ عنْ هذهِ المَوْضُوعَاتِ.
وظَّفَ مؤلِّفا (أنثروبولوجيا الجنس) الكثيرَ مِنَ النَّظريَّاتِ والمَفْهُومَاتِ والخطاباتِ الشَّعبيَّةِ زيادةً على السِّجالاتِ البحثِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ والأخلاقِيَّةِ السَّائدَةِ في النِّطاقِ الأوروبِيِّ العامِّ الذي يعيشانِ ويعملانِ فيْه. وهذا الكتابُ بعدَ ذلكَ مكتوبٌ – بحسبِ وجهةِ نظري المتواضعَةِ – بإتقانٍ أكاديمِيٍّ مدعومٍ بلغةٍ مفهومَةٍ سَلِسَةٍ وصورٍ توضيحِيَّةٍ أخَّاذةٍ تأسرُ القارئَ وتغريْهِ بتقليبِ صفحَاتِ الكتابِ صفحةً صفحةً. وزيادةً على ذلك، تعكسُ عنواناتُ الفصولِ والمباحثُ الفرعِيَّةُ الجذَّابَةُ مِنْ مثلِ “رغباتٌ راقصَةٌ” و “أجسامٌ جميلةٌ” و “جرائمُ جنسِيَّةٌ” و “الجنسُ والكنيسةُ”… تعكسُ الجهودَ الحثيثةَ التي بذلَها المؤلِّفانِ ابتغاءَ تقديمِ كتابٍ ممتعٍ ومقروءٍ على الرَّغمِ مِنَ الطَّابعِ الصَّادمِ لبعضٍ مِنْ هذهِ المباحثِ كما في المبحثِ المُعَنْوَنِ بـ “مواخيرُ بلا حدودٍ” الذي يناقشُ مسألةَ بيعِ الخدمَاتِ الجنسِيَّةِ في المناطقِ الحدودِيَّةِ بينَ الولاياتِ المتَّحدةِ والمكسيكِ.
ويكتظُّ الكتابُ بعدَ ذلكَ بالكثيرِ مِنَ الأمثلةِ التّوضيحِيَّةِ عنْ جوانبِ الحياةِ الجنسِيَّةِ والجنسانِيَّةِ في العصرِ الرَّاهنِ المستنِدَةِ إلى البحثِ الاثنوغرافِيِّ المُكَثَّفِ والدِّراسَاتِ الحقلِيَّةِ الدَّقيقَةِ مِنْ مثلِ عمليَّاتِ الجذبِ والإغواءِ، وتعزيزِ المظهرِ والجاذبِيَّةِ الجنسِيَّةِ، والتَّعرِّي، والرَّقصِ، وتجميلِ الأعضاءِ التَّناسلِيَّةِ، وأوهامِ البدانةِ والنُّحولِ، ومَوْضُوعَاتٍ أخرى ساخنَةٍ ومثيرَةٍ للجدلِ مِنْ مثلِ التَّشريعاتِ الخاصَّةِ بالبغاءِ، والعملِ في النَّوادِي الَّليليَّةِ، والصِّحَّةِ الجنسِيَّةِ، والتَّقاطعَاتِ المُعقَّدَةِ القائمةِ بينَ الجنسِ والسُّلطةِ والمالِ والقرابةِ والسِّياحةِ والهجرةِ، والرَّأسمالِ الجنسِيِّ.
وبفضلِ مناقشتِهِ هذهِ الجوانبَ والمَوْضُوعَاتِ، يبرزُ (أنثروبولوجيا الجنس) بوصفِهِ أحدَ الكتبِ القليلةِ مِنْ نوعِهِا إذ يركِّزُ على تجسيداتِ الجنسِ والجسمِ الأيروسِيِّ الشّبقِيِّ المادِّيَّةِ ويطرحُ الفكرةَ الاثنوغرافِيَّةَ التي تؤكِّدُ حاجةَ الباحثينَ الجنسِيِّينَ إلى التَّخلِّي عنْ وجهةِ النَّظرِ الغربِيَّةِ في جوهرِها وتوجُّهاتِها بشأنِ العناصرِ التي تؤلِّفُ الجسمَ الجنسِيَّ والحسِّيَّ والمسوِّغَاتِ التي تبرِّرُ تعديلَهُ ابتغاءَ التَّوصُّلِ إلى فهمٍ أعمقَ لطبيعةِ هذا الجسمِ والتَّعقيداتِ التي تكتنفُ عملِيَّةَ التَّعاملِ مَعَهُ والإحساسَ به خلالَ الثَّقافاتِ وبينَها.
وممَّا يُؤسفُ له الغيابُ شبهُ الكلِّيِّ للحديثِ عنْ الجنسِ في المُجْتَمَعَاتِ العربِيَّةِ في (أنثروبولوجيا الجنس) فباستثناءِ بعضٍ مِنَ الإشاراتِ المتناثِرَةِ هنا وهناكَ عنْ مواجهاتٍ جنسِيَّةٍ مباشرةٍ (في فلسطينَ مثلاً) وغيرِ مباشرةٍ (في مصرَ والمناطقِ الحدودِيَّةِ بينَ سوريا وتركيَّا والمغربِ وإسبانيا) باستثناء ذلكَ، يميلُ المؤلِّفانِ ـ على وجهِ العمومِ ـ إلى التَّركيزِ على طيفٍ واسعٍ ومتنوِّعٍ مِنَ الأعمالِ الأنثروبولوجِيَّةِ والاثنوغرافِيَّةِ القديمةِ منها والحديثةِ توزَّعَت ما بينَ برونيسلاو مالينوفسكي و مارغريت ميد و ماري دوغلاص و كينيث ريد و بات كابلان و شيري اورتنر، و غيرُهم الكثيرُ ممّا لا يتَّسعُ المجالُ لذكرِهِم. وزيادةً على هذهِ الأعمالِ، حرصَ كلٌّ مِنْ دونان و ماغوان على الإفادةِ مِنْ مجموعةٍ واسعةٍ وثرَّةٍ مِنَ الأدبيَّاتِ والدِّراسَاتِ والبيانَاتِ التي أنتجَتْها النُّظمُ المعرفِيَّةُ الأخرى مِنْ مثلِ الاجتماعِ والتَّاريخِ والاقتصادِ والدِّراساتِ النَّسويَّةِ والدِّينيَّةِ. ولعلَّ أهمَّ ما يُحسبُ للكتاب – بفضلِ توظيفِهِ هذا الكمَّ الكبيرَ مِنَ المعارفِ والمَعلُومَاتِ – نجاحُهُ في تقديمِ مُقارَبَةٍ ثقافِيَّةٍ واجتماعِيَّةٍ للجنسِ بأسلوبٍ عابرٍ للنُّظمِ المعرفِيَّةِ. وبناءً على ذلكَ، لا يمثّلُ الكتابُ الذي بينَ أيديكُم محضَ عملٍ أنثروبولوجِيٍّ عنْ الجنسِ، بل إنَّهُ مقاربةٌ أنثروبولوجِيَّةٌ جادَّةٌ لنطاقٍ واسعٍ مِنَ البحوثِ والنَّظريَّاتِ والسِّجالاتِ العامَّةِ بشأنِ الجنسِ والجنسانِيَّةِ في عالمِنا اليومَ.
وثمَّةَ مجموعةٌ مِنَ الأهدافِ يحرصُ (أنثروبولوجيا الجنس) على تحقيقِها منها تعزيزُ فهمِ القرَّاءِ لجذورِ الجنسِ والجنوسةِ والجنسانِيَّةِ المبنِيَّةِ اجتماعِيَّاً وثقافيَّاً أثناءَ تفاعُلِها وتقاطُعِها معَ إيديولوجِيَّاتِ الطَّبقةِ، والإثنِيَّةِ، والأُمَّةِ، والعرقِ؛ وتشجيعِهِم على التَّفكيرِ مليَّاً في الرَّوابطِ القائمةِ بينَ مُمُارَسَاتِ الجنسِ والجنسانِيَّةِ الحميمِيَّةِ والسِّياقاتِ الاقتصادِيَّةِ والتَّاريخِيَّةِ والسِّياسِيَّة الأوسعِ الحاضنةِ لها. وثمَّةَ هدفانِ مهمَّانِ آخرانِ حرصِ مؤلِّفا الكتابِ على تحقيقِهِما، هما لفتُ الانتباهِ إلى العلاقةِ بينَ التَّمثيلاتِ والرَّمزيَّاتِ المعاصرَةِ ومُمُارَسَاتِ الجنوسَةِ والجنسانِيَّةِ اليومِيَّةِ، زيادةً على تعريفِ القارئِ بمجموعةٍ مِنْ تجاربِ التَّحليلِ الأنثروبولوجِيِّ المباشرةِ المُستقَاةِ مِنْ مصادِرِها الأصلِيَّةِ والمبنِيَّةِ على البحوثِ الحقلِيَّةِ الدَّقيقَةِ والمتبصِّرَةِ.
وبداهَةً، يواجِهُ المترجِمَ الذي يتصدَّى لترجمةِ نصوصٍ مِنْ هذا النَّوعِ جملةٌ مِنَ المشكلاتِ والتَّحدِّياتِ، منبعُها جدَّةُ بعضٍ مِنَ المُمُارَسَاتِ والمَفْهُومَاتِ الجنسِيَّةِ وطابعُها المحلِّيُّ الخالصُ النَّاجمُ عنْ وقوعِها في سياقاتٍ ثقافِيَّةٍ واجتماعِيَّةٍ مُختلِفَةٍ. ومِنَ الأمورِ المحزنَةِ التي لحظتُها أثناءَ ترجمتِي هذا النَّصَّ المعنِيَّ بالجنسِ والجنسانِيَّةِ التَّجاهلُ والغيابُ الكُلِّيُّ لكلِّ ما يتعلَّقُ بمشكلاتِ ترجمةِ هذهِ النُّصوصِ والأساليبِ الأمثلِ للتَّعاملِ معها وتذليلِها – خلافاً لأنواعِ النُّصوصِ الأخرى – مثلِ الأدبِيَّةِ والقانونِيَّةِ والدِّينِيَّةِ. وقدْ ارتأَت المترجمةُ إضافةَ بعضٍ مِنَ الشُّروحاتِ والتَّعليقاتِ الضَّروريَّةِ لتقديمِ نصٍّ موازٍ ومفهومٍ للقارئِ العربِيِّ، ولهذا، إنْ لحظَ القارئُ كلمةَ “المترجِمَةُ” بينَ القوسينِ ( ) في بعضٍ مِنَ الهوامشِ، فهذا يعنِي أنَّ النَّصَّ الأصليَّ بالُّلغةِ الإنكليزيَّةِ لم يكنْ يتضمَّنُ هذا الهامشَ.
وختاماً، آملُ أنْ تُشكِّلَ ترجمةُ (أنثروبولوجيا الجنس) إضافةً نوعِيَّةً لا غنى عنها للمعتنينَ بمَوْضُوعَاتِ الجنسِ، والجنوسةِ، والجنسانِيَّةِ مِنَ الأساتذةِ والطُّلَّابِ وغيرِهِم مِنَ المخْتَصِّينَ، وباللهِ التَّوفيقُ.
أنثروبولوجيا الجنس
هاستنغز دونان وفيونا ماغوان
ترجمة: د. هناء خليف غني
الناشر: المركز الأكاديمي للأبحاث
سنة الطبع:2017
* منقول عن موقع - aranthropos