نقوس المهدي
كاتب
ألاحظ غالباً في الكثير من تعليقات القرّاء دهشة وشعوراً بالاستفزاز أمام قضايا في الأدب مثل التعامل مع الجنس. وهنا أحب تثبيت هذه الملاحظات أمام القراء بشكل عام ولمن يهتم:
1 ـ للأسف قبل ثلاثة عقود أو أربعة كان الأدب العربي أكثر حرية في التعامل مع موضوعات الجنس والحريات الشخصية، بسبب ان المجتمعات العربية كانت تتجه الى التحديث والانفتاح آنذاك، ولكن مع صعود الموجة الاسلامية السياسية وانهيار النظم والمجتمعات عدنا الى الخلف بمراحل غير متوقعة.
.
2 ـ في التراث الأدبي العربي مؤلفات وكتب أكثر حرية بالتعامل مع الجنس من "احفاد" أؤلئك المؤلفين، كما هو الحال مع الشيخ النفزاوي وكتابه "الروض العاطر في نزهة الخاطر".
3 ـ الذي يلتزم حصراً النظر الى العالم والحياة والفكر والثقافة من خلال منظور الدين والتقاليد الاجتماعية السائدة، عليه أن لا يقرأ الأدب، لأن الأدب والفن لا يمكن ترويضه.
لقد شتمت كل العقائد الدينية والايديولوجيات الشمولية الأدب والفن لأنه منفلت ومتمرد على منظورها للعالم. وكانت هذه العقائد والايديولوجيات تصنع دائماً بديلاً "مدجّناً" يستجيب لها، ويغدو نوعاً من البوق الدعائي لأفكارها وتوجهاتها.
الأدب والفن منذ البداية، هو منظور آخر للعالم.
إذا كنت مرتاحاً للمنظور الديني والتقاليد الاجتماعية السائدة في مجتمعك، فلا تقرب الأدب. أما اذا اردت معرفة أكثر، وتعدداً في زوايا النظر الى الحياة والعالم، فإن الأدب والفن يوفران منظوراً أرحب.
4 ـ في حياتنا اليومية، حياتي أنا وحياة الاغلبية الساحقة من الناس، ومنهم من يقرأ هذا الكلام الآن، نحاول الالتزام بالخطوط العامة لما يتوقعه المجتمع منّا. نحن نريد أن نحيا بشكل سهل وهادئ غالباً، ولا نريد خوض معارك دائمة على كل تفصيل صغير في يومياتنا.
هذا العالم "الظاهري" هو السائد، لكنه لا يكشف كل الحقيقة في عالمنا وحياتنا، وهناك عالم باطن، هو جزء من حقيقة العالم. عالم منولوجاتنا الشخصية، أحلامنا وتوهماتنا، ذكرياتنا، رغباتنا المقموعة.
في العالم الظاهري أنا اجامل زميلتي الموظفة في الدائرة واتعامل معها بكل احترام، ولكني قد أحلم ليلاً احلاماً جنسية مع هذه الزميلة.
الأدب غالباً يتلصص على عوالمنا السرّية، ويكسر الحاجز بين العالم الظاهري والآخر الباطني. لذلك هو يقدم لنا معرفة أكثر عن أنفسنا.
5 ـ الجنس ليس مجرد تجربة شخصية بين أثنين، ومع النفس [كما هو الاستمناء مثلاً] وانما تجربة اجتماعية ووجودية أساسية لدى الانسان، وفي مجتمعات كثيرة حول العالم تم تفكيك هذه التجربة وتحليلها واشباعها بالبحث وصارت موضوعة عادية جداً، ولم تعد تابو أو كائناً غامضاً، إلا في مجتمعاتنا العربية، وهذا جزء من تخلّقنا. نحن لا نعرف الجنس أو لا نريد لانفسنا أن تعرف الجنس أصلاً.
6 ـ هناك فرق جوهري بين الفنون التي تتعاطى مع الجنس، على الاقل هناك حد فاصل ما بين: البورنوغرافيا والايروتيكا.
يمكن تعريف البورنوغرافيا بانها مواد تستهدف الاثارة الجنسية المباشرة، كما هي الافلام الاباحية والصور العارية التي تظهر الاعضاء الجنسية، أما الايروتيكا فيمكن وصفها بإنها "شعرية الجنس"، أو التعامل الفني مع الجنس والاثارة الجنسية.
غالبية الاعمال الفنية والأدبية في تعاملها مع الجنس تعمل في منطق الايروتيكا.
والحدث أو الفعل الجنسي داخل العمل الفني أو الأدبي، هو دائماً لا يحيل الى نفسه فحسب، وانما يشير الى شيء أكبر أو أوسع منه [وهنا الشعرية في الموضوع].
7 ـ تحويل الايروتيكا الى بوروغرافيا هو تجربة شخصية. يعني إن أردت الاستمناء فإن صورة إمرأة منقّبة ولكن فيها تكوير بسيط للثدي بامكانها ان تغدو مادة اثارة "بورنوغرافية".
صورة وجه جميل لممثلة يمكن أن تكون موضوعاً للاستمناء، كما في التجارب الجنسية الاولى للمراهقين غالباً.
الخيال الشخصي هنا هو الذي يرفع الايروتيكا الى منطقة البورنوغرافيا.
ونحن لا نستطيع قمع الخيال الشخصي، لأنه شأن ذاتي وغير مرئي. وبامكان الانسان ان يصنع حفلات اباحية ماجنة وهو مغمض العينين في الصالة مع عائلته من دون ان ينتبه أحد.
والعالم الذي حولنا، عالم الطبيعة والحياة الحديثة المعاصرة، مليء بالاشارات والاثارات الايروتيكية.
ملمس أرنب صغير يذكرني بحبيبتي. عيون غزال أو غرّة فرس، كما في الاحالات الغنية في الأدب العربي والشعر بالذات الى الاستعارات الانثوية من عالم الحيوانات.
صورنا على الفيسبوك، رجالاً ونساءً، بوعي أو دون وعي منا، تتحرك ضمن منطقة الايروتيكا.
8 ـ قمع البورنوغرافيا يؤدي الى تحويل الايروتيكيا الى بورنوغرافيا بديلة، وقمع الايروتيكا أمر مستحيل.
لا أعرف هل كلامي مفهوم أو لا. ولكن الفكرة الاساسية: التجربة الحسيّة، ومنها التجربة الجنسية متنوعة الاطياف مع العالم [وليس مع إنسان أخر فحسب] أمر أساسي وجوهري كياننا البشري. كلما فهمناه أكثر، كلما غدونا إنسانيين أكثر، وبشراً أكثر. وإن كان هذا الموضوع لا يعجب الاعراف السائدة ولا الدين، فهذه ليست مشكلة الفن والأدب بشكل عام.
والسلام.
(*) مدونة كتبها الروائي العراقي #أحمد_سعداوي ضمن مجموعة "أنفي يطلق الروايات".
1 ـ للأسف قبل ثلاثة عقود أو أربعة كان الأدب العربي أكثر حرية في التعامل مع موضوعات الجنس والحريات الشخصية، بسبب ان المجتمعات العربية كانت تتجه الى التحديث والانفتاح آنذاك، ولكن مع صعود الموجة الاسلامية السياسية وانهيار النظم والمجتمعات عدنا الى الخلف بمراحل غير متوقعة.
.
2 ـ في التراث الأدبي العربي مؤلفات وكتب أكثر حرية بالتعامل مع الجنس من "احفاد" أؤلئك المؤلفين، كما هو الحال مع الشيخ النفزاوي وكتابه "الروض العاطر في نزهة الخاطر".
3 ـ الذي يلتزم حصراً النظر الى العالم والحياة والفكر والثقافة من خلال منظور الدين والتقاليد الاجتماعية السائدة، عليه أن لا يقرأ الأدب، لأن الأدب والفن لا يمكن ترويضه.
لقد شتمت كل العقائد الدينية والايديولوجيات الشمولية الأدب والفن لأنه منفلت ومتمرد على منظورها للعالم. وكانت هذه العقائد والايديولوجيات تصنع دائماً بديلاً "مدجّناً" يستجيب لها، ويغدو نوعاً من البوق الدعائي لأفكارها وتوجهاتها.
الأدب والفن منذ البداية، هو منظور آخر للعالم.
إذا كنت مرتاحاً للمنظور الديني والتقاليد الاجتماعية السائدة في مجتمعك، فلا تقرب الأدب. أما اذا اردت معرفة أكثر، وتعدداً في زوايا النظر الى الحياة والعالم، فإن الأدب والفن يوفران منظوراً أرحب.
4 ـ في حياتنا اليومية، حياتي أنا وحياة الاغلبية الساحقة من الناس، ومنهم من يقرأ هذا الكلام الآن، نحاول الالتزام بالخطوط العامة لما يتوقعه المجتمع منّا. نحن نريد أن نحيا بشكل سهل وهادئ غالباً، ولا نريد خوض معارك دائمة على كل تفصيل صغير في يومياتنا.
هذا العالم "الظاهري" هو السائد، لكنه لا يكشف كل الحقيقة في عالمنا وحياتنا، وهناك عالم باطن، هو جزء من حقيقة العالم. عالم منولوجاتنا الشخصية، أحلامنا وتوهماتنا، ذكرياتنا، رغباتنا المقموعة.
في العالم الظاهري أنا اجامل زميلتي الموظفة في الدائرة واتعامل معها بكل احترام، ولكني قد أحلم ليلاً احلاماً جنسية مع هذه الزميلة.
الأدب غالباً يتلصص على عوالمنا السرّية، ويكسر الحاجز بين العالم الظاهري والآخر الباطني. لذلك هو يقدم لنا معرفة أكثر عن أنفسنا.
5 ـ الجنس ليس مجرد تجربة شخصية بين أثنين، ومع النفس [كما هو الاستمناء مثلاً] وانما تجربة اجتماعية ووجودية أساسية لدى الانسان، وفي مجتمعات كثيرة حول العالم تم تفكيك هذه التجربة وتحليلها واشباعها بالبحث وصارت موضوعة عادية جداً، ولم تعد تابو أو كائناً غامضاً، إلا في مجتمعاتنا العربية، وهذا جزء من تخلّقنا. نحن لا نعرف الجنس أو لا نريد لانفسنا أن تعرف الجنس أصلاً.
6 ـ هناك فرق جوهري بين الفنون التي تتعاطى مع الجنس، على الاقل هناك حد فاصل ما بين: البورنوغرافيا والايروتيكا.
يمكن تعريف البورنوغرافيا بانها مواد تستهدف الاثارة الجنسية المباشرة، كما هي الافلام الاباحية والصور العارية التي تظهر الاعضاء الجنسية، أما الايروتيكا فيمكن وصفها بإنها "شعرية الجنس"، أو التعامل الفني مع الجنس والاثارة الجنسية.
غالبية الاعمال الفنية والأدبية في تعاملها مع الجنس تعمل في منطق الايروتيكا.
والحدث أو الفعل الجنسي داخل العمل الفني أو الأدبي، هو دائماً لا يحيل الى نفسه فحسب، وانما يشير الى شيء أكبر أو أوسع منه [وهنا الشعرية في الموضوع].
7 ـ تحويل الايروتيكا الى بوروغرافيا هو تجربة شخصية. يعني إن أردت الاستمناء فإن صورة إمرأة منقّبة ولكن فيها تكوير بسيط للثدي بامكانها ان تغدو مادة اثارة "بورنوغرافية".
صورة وجه جميل لممثلة يمكن أن تكون موضوعاً للاستمناء، كما في التجارب الجنسية الاولى للمراهقين غالباً.
الخيال الشخصي هنا هو الذي يرفع الايروتيكا الى منطقة البورنوغرافيا.
ونحن لا نستطيع قمع الخيال الشخصي، لأنه شأن ذاتي وغير مرئي. وبامكان الانسان ان يصنع حفلات اباحية ماجنة وهو مغمض العينين في الصالة مع عائلته من دون ان ينتبه أحد.
والعالم الذي حولنا، عالم الطبيعة والحياة الحديثة المعاصرة، مليء بالاشارات والاثارات الايروتيكية.
ملمس أرنب صغير يذكرني بحبيبتي. عيون غزال أو غرّة فرس، كما في الاحالات الغنية في الأدب العربي والشعر بالذات الى الاستعارات الانثوية من عالم الحيوانات.
صورنا على الفيسبوك، رجالاً ونساءً، بوعي أو دون وعي منا، تتحرك ضمن منطقة الايروتيكا.
8 ـ قمع البورنوغرافيا يؤدي الى تحويل الايروتيكيا الى بورنوغرافيا بديلة، وقمع الايروتيكا أمر مستحيل.
لا أعرف هل كلامي مفهوم أو لا. ولكن الفكرة الاساسية: التجربة الحسيّة، ومنها التجربة الجنسية متنوعة الاطياف مع العالم [وليس مع إنسان أخر فحسب] أمر أساسي وجوهري كياننا البشري. كلما فهمناه أكثر، كلما غدونا إنسانيين أكثر، وبشراً أكثر. وإن كان هذا الموضوع لا يعجب الاعراف السائدة ولا الدين، فهذه ليست مشكلة الفن والأدب بشكل عام.
والسلام.
(*) مدونة كتبها الروائي العراقي #أحمد_سعداوي ضمن مجموعة "أنفي يطلق الروايات".