نقوس المهدي
كاتب
تعود أهمية كتاب “موجز تاريخ الأرداف” لمؤلفة جان ليك هينيج وهو من مواليد فرنسا عام 1945 وعمل فى جامعة القاهرة فى الفترة من 1970 إلى 1974 بعدها انتقل الى العمل فى صحيفة ليبيراسون فى الفترة من 1974 حتى 1981 وهو متخصص فى علم النحو وله مؤلفات تصل الى الثلاثين كتابا، تعود أهمية الكتاب، فى تقديرى، إلى:
أولا: يعد إضافة هامة فى مجال الاثنولوجيا بشكل عام والاثنولوجيا الفرنسية بشكل خاص، لا من حيث الموضوع وحسب ولكن أيضا للمنهجية، ولو شئنا الدقة أكثر، فهى اللامنهجية التى يعتمدها الكتاب. وهذا المسلك الذى يسير عليه يمنح الاثنولوجيا الفرنسية تمايزا عن الأنثروبولوجيا الانجلوسكونية، فعبر هذه الطريقة التى يسلكها يمكن للاثنولوجيا الفرنسية أن تبتعد كثيرا عن الجذور الاستعمارية لهذا العلم. وتكمن الاضافة فى أنه يشتغل على ما تم إهماله فى الاثنولوجيا، وربما تحقيره لصالح ما هو تاريخى، أى الأمام/أعلى = الوجه/العقل. هذا الكتاب يجىء ضد الثنائية التى سيطرت على تاريخ العلم وتاريخ الاثنولوجيا وهى الأمام/أعلى، أى الوجه/العقل، ولا يستبدلها بثنائية أخرى تقوم على خلف/أسفل، أى ظهر/ردف، ولكن يشتغل على هذا الكل.
ثانيا: يأتى هذا الكتاب تحققا لنصوص اللذة التى اشتغل عليها رولان بارت، “فالحقيقة” الجسدية التى هى شرط لذة النص، كما يقول بارت، متوفرة هنا بجدارة، فنحن أمام، الطيات والثنايا، العتمة والضوء، الحجب والكشف، الحضور والمحو، الخطيئة والفردوس، الطهر والدنس، الفحش والتدله. نحن بإزاء “حديقة الملذات- لوحة هيرنيموس بوش”. نحن أمام نص بارتى بإمتياز.
يؤسس هينيج مغامرته اثنولوجياً، فيقول فى الفصل الأول (أفارنسيس): “تعود الأرداف إلى أقدم العصور. وقد ظهرت عندما خطر على بال الإنسان أن يقف على قوائمه الخلفية…..إن نشوء الردفين مقرون بالوقوف والمشى على الرجلين، وهذا يعود إلى ثلاثة أو أربعة مليون سنة، أى مرحلة رجل أستراليا القديم أفارنسيس الذى كان يعيش فى أثيوبيا وتنزانيا”. وبعد التأسيس الاثنولوجى الهام يذهب بمغامرته إلى تخوم بعيدة، هناك حيث يتجلى الردف بجلال، الردف فى الاستحمام”المرأة العارية ستخرج من البحر أو من سريرها” رينوار. فى الاستحمام تكون العجيزة بلا تاريخ، لطيفة وكتومة وربما، لا مبالية، هناك حيث الوجه يتلاشى والعجيزة تضحك. وبعدها يذهب الى العجيزة المحرمة، الموعودة لجحيم الظلمات الأزلية، وهنا يدور النقاش حول الشيطان والردف، حيث كان يعتقد أن المرايا هى المؤخرة الحقيقية للشيطان. ثم يجىء هينيج إلى المقطوعة الغزلية عام 1553 التى كانت مديحا فاحشا للردف، ويدخل مع تولوز لوتريك إلى الماخور، حيث العجيزة الداعرة، العجيزة المتعبة. إنها العجيزة التى لم يعد لديها ما تخسره. “أسمع دائما كلمة ماخور. ماذا فى ذلك! ليس هناك أى مكان آخر فى العالم أشعر فيه أننى فى المنزل”. لوتريك
كيف يمضغ الردف؟
كان سيلفادور دالى يقول:”لقد قلت دوما إنه إذا ماتت غالا، وأصبحت فجأة صغيرة مثل حبة الزيتون، لأكلتها”. فى عام 1981 قتل ايسى ساجاوا طالبة هولندية بطلق نارى فى الرأس واغتصبها وقطعها الى قطع صغيرة، وقام بإلتهام بعضها نيئا والبعض الأخر مطهيا، وكتب فى سيرته الذاتية “أكل اللحوم هو التعبير الأكثر اكتمالا عن الحب. أردت أن أشعر بوجودها. أن أتذوق نكهتها. كانت الأفخاذ تذوب فى فمى مثل لحم التونة”.
ثم يتعقب هينيج الردف فى العمليات الجراحية وتحت السليكون، ويلتقى بالردف الأغريقى، وهو الردف الأكثر كمالا فى التاريخ، ليس ردف المرأة فقط ولكن ردف الرجل أيضا، ويتعقب الردف فى اللغة وخاصة الفرنسية، ويقف مشدوها عندما يهتز الردف فى الرقص، فيقول:”إن الاهتزاز يمثل عاصفة الردف. يصبح الردف بواسطة الرقص سعيدا بان يكون ردفاً”.
فى مديح الردف
“لا مكان للشيطان فى هذا المكان المكتنز” الأب كلاكيو- الفرس الخضراء- 1933
“نمطك الخاص هو مؤخرتك” ليوفيرى.
“إن الردفة حركة من حركات الحب” جاك سرجين.
“من خلال المؤخرة يصبح ممكنا سبر أكبر الألغاز” سلفادور دالى.
أين يكمن جمال الردف؟
هذا السؤال لم يجب عنه هينيج، لذا علينا أن نذهب قليلا جهة التحليل النفسى. إن جمال الردف لا يكمن فى تكوره، استدارته، ليونته، تماسكه وصلابته، ولا فى اهتزازه، ولكن يكمن جماله فى أنه نشأ بعيدا عن سلطة الأب/ القانون/ الأسرة، ففى الوقت الذى يتعرض فيه الفرج لكل أساليب السيطرة والمراقبة، يبقى الردف حرا، بعيدا، خلفا. هذا الاختباء يمنحه وقتا للعب وللهرب، فيلعب بالنور وبالطقس السائد، يلعب فى كل مناسبة. لذا يتبدى الردف لنا بلا مرجع، شىء فائض، زائد، ملحق، لا أهمية له. الردف يهرب من الهوية، من النظر، من القناع، من الوجه، ويعمل لصالح اللاهوية، التلصص، العمى.
حضور الردف عربيا
لا يمكن للقارىء وهو ملتذ بهذا النص اللعوب ألا يفكر بالأرداف القريبة، الأرداف التى مرت بحياته، الأرداف التى مرت بالأغانى وبالقصائد، أى أن نفكر بأردافنا، أردافنا نحن. فيأتى الردف العربى مرتجا وعظيما ولعوبا، فيقول قيس بن الملوح:
شَكَوْتُ إليها طُولَ لَيْلِي بِعِبْرة ٍ = فأبدت لنا بالغنج دراً مفلجا
فَقُلْتُ لها مُنِّي عَلَيَّ بِقُبْلَة ٍ = أداوي بها قلبي فقالت تغنجا
بُلِيتُ بِرِدْفٍ لَسْتُ أسطِيعُ حَمْلَهُ = يُجَاذِبُ أعْضَائِي إذا ما تَرَجْرَجَا
ويقول الأعشى:
غراء فرعاء مصقول عوارضها = تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوجل
كأن مشيتها من بيت جارتها = مر السحابة لا ريث ولا عجل
وآخر يقول:
من رأى مثل حبّتي تشبه البدر إذ بدا = تدخُـــل اليوم ثم تدخل أردافها غدا!
وأخيرا نرفق قصيدة ومرتجة الأرداف- لابن الوردى
أولا: يعد إضافة هامة فى مجال الاثنولوجيا بشكل عام والاثنولوجيا الفرنسية بشكل خاص، لا من حيث الموضوع وحسب ولكن أيضا للمنهجية، ولو شئنا الدقة أكثر، فهى اللامنهجية التى يعتمدها الكتاب. وهذا المسلك الذى يسير عليه يمنح الاثنولوجيا الفرنسية تمايزا عن الأنثروبولوجيا الانجلوسكونية، فعبر هذه الطريقة التى يسلكها يمكن للاثنولوجيا الفرنسية أن تبتعد كثيرا عن الجذور الاستعمارية لهذا العلم. وتكمن الاضافة فى أنه يشتغل على ما تم إهماله فى الاثنولوجيا، وربما تحقيره لصالح ما هو تاريخى، أى الأمام/أعلى = الوجه/العقل. هذا الكتاب يجىء ضد الثنائية التى سيطرت على تاريخ العلم وتاريخ الاثنولوجيا وهى الأمام/أعلى، أى الوجه/العقل، ولا يستبدلها بثنائية أخرى تقوم على خلف/أسفل، أى ظهر/ردف، ولكن يشتغل على هذا الكل.
ثانيا: يأتى هذا الكتاب تحققا لنصوص اللذة التى اشتغل عليها رولان بارت، “فالحقيقة” الجسدية التى هى شرط لذة النص، كما يقول بارت، متوفرة هنا بجدارة، فنحن أمام، الطيات والثنايا، العتمة والضوء، الحجب والكشف، الحضور والمحو، الخطيئة والفردوس، الطهر والدنس، الفحش والتدله. نحن بإزاء “حديقة الملذات- لوحة هيرنيموس بوش”. نحن أمام نص بارتى بإمتياز.
يؤسس هينيج مغامرته اثنولوجياً، فيقول فى الفصل الأول (أفارنسيس): “تعود الأرداف إلى أقدم العصور. وقد ظهرت عندما خطر على بال الإنسان أن يقف على قوائمه الخلفية…..إن نشوء الردفين مقرون بالوقوف والمشى على الرجلين، وهذا يعود إلى ثلاثة أو أربعة مليون سنة، أى مرحلة رجل أستراليا القديم أفارنسيس الذى كان يعيش فى أثيوبيا وتنزانيا”. وبعد التأسيس الاثنولوجى الهام يذهب بمغامرته إلى تخوم بعيدة، هناك حيث يتجلى الردف بجلال، الردف فى الاستحمام”المرأة العارية ستخرج من البحر أو من سريرها” رينوار. فى الاستحمام تكون العجيزة بلا تاريخ، لطيفة وكتومة وربما، لا مبالية، هناك حيث الوجه يتلاشى والعجيزة تضحك. وبعدها يذهب الى العجيزة المحرمة، الموعودة لجحيم الظلمات الأزلية، وهنا يدور النقاش حول الشيطان والردف، حيث كان يعتقد أن المرايا هى المؤخرة الحقيقية للشيطان. ثم يجىء هينيج إلى المقطوعة الغزلية عام 1553 التى كانت مديحا فاحشا للردف، ويدخل مع تولوز لوتريك إلى الماخور، حيث العجيزة الداعرة، العجيزة المتعبة. إنها العجيزة التى لم يعد لديها ما تخسره. “أسمع دائما كلمة ماخور. ماذا فى ذلك! ليس هناك أى مكان آخر فى العالم أشعر فيه أننى فى المنزل”. لوتريك
كيف يمضغ الردف؟
كان سيلفادور دالى يقول:”لقد قلت دوما إنه إذا ماتت غالا، وأصبحت فجأة صغيرة مثل حبة الزيتون، لأكلتها”. فى عام 1981 قتل ايسى ساجاوا طالبة هولندية بطلق نارى فى الرأس واغتصبها وقطعها الى قطع صغيرة، وقام بإلتهام بعضها نيئا والبعض الأخر مطهيا، وكتب فى سيرته الذاتية “أكل اللحوم هو التعبير الأكثر اكتمالا عن الحب. أردت أن أشعر بوجودها. أن أتذوق نكهتها. كانت الأفخاذ تذوب فى فمى مثل لحم التونة”.
ثم يتعقب هينيج الردف فى العمليات الجراحية وتحت السليكون، ويلتقى بالردف الأغريقى، وهو الردف الأكثر كمالا فى التاريخ، ليس ردف المرأة فقط ولكن ردف الرجل أيضا، ويتعقب الردف فى اللغة وخاصة الفرنسية، ويقف مشدوها عندما يهتز الردف فى الرقص، فيقول:”إن الاهتزاز يمثل عاصفة الردف. يصبح الردف بواسطة الرقص سعيدا بان يكون ردفاً”.
فى مديح الردف
“لا مكان للشيطان فى هذا المكان المكتنز” الأب كلاكيو- الفرس الخضراء- 1933
“نمطك الخاص هو مؤخرتك” ليوفيرى.
“إن الردفة حركة من حركات الحب” جاك سرجين.
“من خلال المؤخرة يصبح ممكنا سبر أكبر الألغاز” سلفادور دالى.
أين يكمن جمال الردف؟
هذا السؤال لم يجب عنه هينيج، لذا علينا أن نذهب قليلا جهة التحليل النفسى. إن جمال الردف لا يكمن فى تكوره، استدارته، ليونته، تماسكه وصلابته، ولا فى اهتزازه، ولكن يكمن جماله فى أنه نشأ بعيدا عن سلطة الأب/ القانون/ الأسرة، ففى الوقت الذى يتعرض فيه الفرج لكل أساليب السيطرة والمراقبة، يبقى الردف حرا، بعيدا، خلفا. هذا الاختباء يمنحه وقتا للعب وللهرب، فيلعب بالنور وبالطقس السائد، يلعب فى كل مناسبة. لذا يتبدى الردف لنا بلا مرجع، شىء فائض، زائد، ملحق، لا أهمية له. الردف يهرب من الهوية، من النظر، من القناع، من الوجه، ويعمل لصالح اللاهوية، التلصص، العمى.
حضور الردف عربيا
لا يمكن للقارىء وهو ملتذ بهذا النص اللعوب ألا يفكر بالأرداف القريبة، الأرداف التى مرت بحياته، الأرداف التى مرت بالأغانى وبالقصائد، أى أن نفكر بأردافنا، أردافنا نحن. فيأتى الردف العربى مرتجا وعظيما ولعوبا، فيقول قيس بن الملوح:
شَكَوْتُ إليها طُولَ لَيْلِي بِعِبْرة ٍ = فأبدت لنا بالغنج دراً مفلجا
فَقُلْتُ لها مُنِّي عَلَيَّ بِقُبْلَة ٍ = أداوي بها قلبي فقالت تغنجا
بُلِيتُ بِرِدْفٍ لَسْتُ أسطِيعُ حَمْلَهُ = يُجَاذِبُ أعْضَائِي إذا ما تَرَجْرَجَا
ويقول الأعشى:
غراء فرعاء مصقول عوارضها = تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوجل
كأن مشيتها من بيت جارتها = مر السحابة لا ريث ولا عجل
وآخر يقول:
من رأى مثل حبّتي تشبه البدر إذ بدا = تدخُـــل اليوم ثم تدخل أردافها غدا!
وأخيرا نرفق قصيدة ومرتجة الأرداف- لابن الوردى