محمد اليعقابي
كاتب
يشتمل هذا الكتاب (في طبعته الرابعة) على ثلاثة فصول. الفصل الأول عنوانه " إشكالية الإطار المرجعي للعقل العربي (عصر التدوين)".
وفيه يرد طرابيشي على رأي الجابري القائل بأن عصر التدوين هو الإطار المرجعي للعقل العربي. "يقول الجابري في نص يقتبسه من "تاريخ الخلفاء" للسيوطي: "فال الذهبي: في سنة ثلاث وأربعين (ومائة) شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير. فصنف ابن جريح بمكة، ومالك الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة. وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف هيثم والليث وابن لهيعة ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب. وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كنب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس. وقبل هذا العصر كان الناس يتكلمون من حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة". (ص 11)
يرد طرابيشي، الذي يضع "عصر التدوين" بين قوسين، أن الجابري لم يخضع للتمحيص النص الذي نقله، والذي أوقع كثيرا من الباحثين في الخطأ نفسه الذي وقع فيه، ولو أنه رجع إلى النص الأصلي للذهبي لاكتشف أنه يتحدث عن التصنيف. ففي هذه التسمية مصادرة على المطلوب لأنها تسمي العصر بما تريد أن توحي به وليس بحقيقة العملية الفكرية التي تمت في ذلك العصر. فما تم فيما يسمى "عصر تدوين" لم يكن تدوينا "بل عملية إنتاج وبناء وتنظيم للثقافة العربية الإسلامية. فما من شيء كان جاهزا، بل كان كل شيء برسم الاختراع والتأسيس والتثبيت، ثم التفعيد والتسنين. والحال أن كل ما يمكن أن يدل عليه تعبير "عصر التدوين" هو أن ثقافة بعينها – هي هنا الثقافة العربية الإسلامية – قد انتقلت في ذلك العصر من طور شفاهي إلى طور كتابي. والحال أيضا أننا بدون أن ننكر بأن شيئا من هذا القبيل قد حدث، فإننا نؤثر أن نتحدث عن إنتاج وإعادة أنتاج ثقافي. فليست الذاكرة وحدها هي التي نشطت، بل كذلك ملكة الخلق والإبداع. ولقد كان لها دور رئيسي حتى في اختراع ما أعطي له شكل ذاكري أو روائي. وبدون أن نزعم أن هذا الخلق كان من عدم، فأننا نفترض أن المادة الأولية التي اشتغل عليها "عصر التدوين" كانت من طبيعة بذرية. وتنميتها إلى شجرة، ثم تنمية الشجرة إلى غابة، كانت فعلا إبداعيا بكل ما في الكلمة من معنى. وهذا بحيث لو كان لنا الاختيار لتحدثنا، بدلا من "عصر تدوين"، عن عصر تكوين العقل العربي." (ص 14)
أما التدوين نفسه فإنه ابتدأ من عصر الرسول، على عكس الاعتقاد السائد ب "أن الحديث أو ما يطلق عليه علماء الحديث لفظ "العلم" ظل أكثر من مائة سنة يتناقله العلماء حفظا، دون أن يكتبوه" (فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي، ص 119-120). بل توجد أيضا نصوص تعود إلى الجاهلية، "فمن المعلوم أن الأخباريين العرب المتقدمين نقلوا كثيرا عن الأسفار والسجلات التي كانت معتمدة في الثغور العربية المسيحية..." (ص 48-51)
ويلاحظ طرابيشي أن الغائب الأكبر عن نص الجابري عن نص السيوطي/الذهبي هو تدوين القرآن. رغم "أن الواقعة القرآنية، أو المصحفية بتعبير أدق، كانت لا تزال في عصر ابن النديم، أي حتى منتصف النصف الثاني من القرن الرابع، قابلة للدخول في مجال المفكر به". وهكذا يجعل الجابري من تدوين الحديث، لا من تدوين القرآن، بداية مطلقة "لعصر التدوين". وهو "بقفزه فوق الواقعة القرآنية، قد فوت على نفسه وعلى قرائه فرصة ثمينة لنقد فعلي للعقل العربي المكون (بفتح الواو). فبدلا من أن يتمخض مشروع نقد العقل العربي...عن مولد فولتير عربي أو لوثر مسلم، فقد انتهى على يد الجابري إلى نقد أيديولوجي ينتصر لبعض تحيزات العقل المكون (بفتح الواو) ومطلقاته ضد بعضها الآخر (البيان ضد العرفان)، وإلى نقد طائفي ينتصر "للمعقول الديني" للأكثرية ضد "لا "معقول" الأقلية، وإلى نقد إقليمي ينتصر "للعقلانية" المغربية" ضد "اللاعقلانية المشرقية"" (ص 59-60).
وقد نتج عن تأخير الجابري ل"عصر التدوين" سكوته عن كتب واقعة المصحفة (جمع النسخ المتناثرة للقرآن في مصحف واحد تليها أطوار التنقيط والتنوين والتقسيم والتحزيب) وعن كتب القراءات والتفسير ومختلف الدراسات اللغوية المتعلقة بالقرآن، وكلها ابتدأت في القرن الأول للهجرة (ص 60-63). ويرى طرابيشي أن هذا التأخير "عملية تضليل استراتيجية" هدفها إزاحة القرآن لصالح الحديث، وتغليب الإسلام المكي على الإسلام المدني وتحويل الإسلام من "ديانة روحانية إلى شريعة، ومن حضارة كتاب إلى حضارة فقه". ويزيد في الهامش "ليس من قبيل الصدفة...أن ينتصر الجابري للرأي الذي يتأول الحضارة الاسلامية على أنها، بالتعريف، "حضارة فقه" باعتبار الفقه " إنتاج عربي محض" و"يشكل العطاء الخاص بالثقافة العربية الإسلامية"" (ص 64-65) وعلى هذا النحو تحول إسلام الفقهاء إلى مدونة أحكام وهي على الدوام، في أي دين، الجانب الأقل روحانية والأكثر عرضة للتقادم مع الزمن. وقد أدى تضخم الحديث إلى إزاحة المعقولية القرآنية وإخراجها عن مسارها البدئي. (ص66)
ومن العوامل التي جعلت من مشروع الجابري مشروعا مجهضا كونه تبنى خطيئة عصر النهضة الذي تجاهل الثورة اللاهوتية وأرجأها إلى أجل غير مسمى واستبعاده لشعار العلمانية. كما أن "تحقيبه المغلوط لعصر التدوين، وعدم استيعابه للإشكالية اللالندية عن جدلية العقل المكون (بكسر الواو) والعقل المكون (بفتحها)، وتقسيمه "البنيوي" لأنظمة المعرفة إلى بيان وعرفان وبرهان (على أساس إقليمي وقومي)، قد جعله يخطئ الهدف ويخوض معركته الفاصلة ضد أبرز ممثلي العقل المكون (بالكسر) في الحضارة العربية الإسلامية من أمثال جابر بن حيان والرازي في العلم والفارابي وابن سينا في الفلسفة وأهل القياس في اللغة والفقه وأهل الاستنباط في التصوف، منتصرا في الوقت نفسه لبعض من أبرز ممثلي العقل المكون (بالفتح) ممثلا بنصية ابن حزم وتزمتية ابن تومرت وسلفية ابن تيمية" (ص69)
الفصل الثاني يتطرق إلى "إشكالية اللغة والعقل".
وهو فصل طويل يمثل ثلثا الكتاب. وفيه يرد طرابيشي على نظرة الجابري للغة العربية والتي تطرح إشكاليتين حابستين: الأولى تتمثل في كون اللغة العربية هي من أول مكونات العقل العربي (ص 71). وبتعبير آخر: العربية سلطة مرجعية، لا شعورية ولكن قاهرة، للعقل العربي. (ص138)؛ و "الأعرابي صانع العالم العربي" أي أن اللغة العربية لغة "عالم بدوي" (ص138). فالجابري يرى أن "العربي "حيوان فصيح"؛ فبالفصاحة، وليس بمجرد "العقل"، تتحدد ماهيته" (تكوين العقل العربي ص 75)، وهو بذلك يستعيد الضدية المزعومة بين العقل العربي واليوناني، وبين الانسان العربي الذي هو مجرد "حيوان فصيح" والانسان اليوناني الذي لا تعريف له إلا بمجرد العقل. (ص 72). ثم يخصص طرابيشي عدة صفحات للرد على ما يزعم الجابري أنه خصوصية عربية، مبينا أن علاقة اليوناني أو الهندي بلغته لا تختلف عن علاقة العربي بلغته. وأن جدلية "العرب والعجم" كان عندها طابعا أقل حدة في الثقافة العربية الإسلامية مقارنة بكثير من الثقافات الأخرى. (ص 81) ويعطي أمثلة لمفكرين مسلمين رجحوا كفة العجم على العرب في مجال الثقافة، وهم الجاحظ (الذي ساوى بين الاثنين)، وصاعد الأندلسي وابن خلدون اللذان يمثلان "المركزية الإثنية السالبة" التي فضلت الأعجميين. (ص 82-92).
ثم انتقل طرابيشي إلى تدقيق مراجع الجابري في فلسفة اللغة ليكتشف أنه لم يرجع إلى المصادر الأصلية، بل إلى خلاصات طلابية ما جعله يخطئ في الدلالات التي يستنتجها. ومن هؤلاء هردر الذي شرط الفكر باللغة كما شرط اللغة بالفكر. وآدم شاف الماركسي النزعة أبعد ما يكون عن المثالية التي أسقطه فيها الجابري. وادوار سابير الذي قوله ما لم يقله. فلا أحد من هؤلاء يمكن أن يكون أساسا لنظرة الجابري للغة الغارقة في المثالية لكونه يجعل من اللغة المحدد المطلق للعقل. (ص 92-95) فالجابري "يقول بالحرف الواحد إنه ليس للإنسان من عالم سوى العالم الذي تقدمه له لغته. ولكنه في قوله هذا يحسب أنه هردري مع أنه فختوي (من فخته)". فتبعية الفكر التامة للغة هي فكرة فخته. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن ممارسة النقد باسم العقل الكوني إذا كان عقل تابع للغته الخاصة؟ (ص 110-111) كما أخطأ الجابري في قراءة فلسفة همبولت الذي يرى أن "اللغات قاطبة تصدر عن قالب واحد" (ص117)
إلا أن الجابري لا يخطئ على المستوى النظري فحسب، بل على المستوى المعجمي أيضا. فهل صحيح أن العربية فقيرة من حيث المصطلحات التي تتعلق بالثلج أو السمك؟ كما يدعي دون أن يتجشم عناء البحث في المعاجم ليتأكد من ذلك. متجاهلا أن العربية نهلت من معين لغات أخرى لبلدان مختلفة من حيث جغرافيتها، ومعجمها زاخر بالمصطلحات التي تعبر عن الثلج وكل ما يتعلق به، والأمر سواء بالنسبة للسمك (ص 124-138)
فالجابري يقول أن "المرء لا يمكن إلا أن تأخذ منه الدهشة كل مأخذ حينما يلاحظ أن اللغة العربية لا تنقل لنا أسماء الأدوات وأنواع العلاقات التي عرفها المجتمع المكي والمديني على عهد الرسول والخلفاء الأربعة وعرفها مجتمع دمشق وبغداد والقاهرة من بعد، وهي مجتمعات حضرية راقية كانت تستعمل بدون شك ما لا يحصى من الآلات والأدوات". ويرد عليه طرابيشي "أن المرء لا يمكن إلا أن تأخذ منه الدهشة كل مؤخذ، إزاء نفي مزدوج كهذا: فهو لا يمكن أن يصدر إلا عن "باحث علمي" ما تصفح قط – ولو مجرد تصفح – لا لسان العرب ولا أي قاموس آخر من قواميس العربية القديمة". (ص 140)
ويزيد طرابيشي أن التهم التي يكيلها الجابري للغة العربية هي نفسها التي كالها ارنست رينان لها بصفتها ممثلة للعرق السامي الذي يتميز بالوحدة والبساطة. إذ يقول الجابري: "لا تاريخية اللغة العربية وطبيعتها الحسية معطى واقعي تاريخي يجب أن ننظر إليه بعين النقد وليس بعين الرضى والمدح. إن العالم الذي نشأت فيه اللغة العربية، أو على الأقل جمعت منه، عالم حسي لا تاريخي: عالم البدو من العرب الذين كانوا يعيشون زمنا ممتدا كامتداد الصحراء، زمن التكرار والرتابة، ومكانا بل فضاء (طبيعيا وحضاريا وعقليا) فارغا هادئا، كل شيء فيه صورة حسية، بصرية أو سمعية. وهذا العالم هو كل ما تنقله اللغة العربية إلى أصحابها، اليوم وقبل اليوم، وسيظل هو ما دامت هذه اللغة خاضعة لمقاييس عصر التدوين وقيوده" (تكوين العقل العربي ص 86-87 مذكور في ص 192). ويرد طرابيشي أن تاريخ تكوين اللغة العربية لا يمت بصلة بهذا الوصف، وأن الحواضر (بما فيها مكة) هي الحاضنة للغة العربية. فالشعر الجاهلي كان مرتبطا بكعبات وأسواق وبلاطات العرب. وكان "محض ظاهرة حضرية. وما كان بدويا منه فقد ميزه العرب أنفسهم بأن سموه رجزا" (ص 181). وأن تاريخ اللغة العربية يفند اتهامات الجابري لها بكونها حسية (في حين أن هذا الوصف لا يمكن أن يطلق إلا على لغات بعض الشعوب البدائية المعزولة وليس على لغة مثل العربية ألفت بها كثير من العلوم النظرية). وأن لا تاريخيتها ولا تطورها وصفان يفندهما تاريخها الفعلي.
فقد عرفت اللغة العربية في تاريخها خمس طفرات: 1) الطفرة القرآنية التي حولتها من لغة شعر إلى لغة دين، وأهلتها لتكون في مرحلة تالية لغة حضارة. 2) طفرة العقل المكون (بكسر الواو) التي غطت القرون الخمسة الأولى. طفرة العقل المكون (بفتح الواو) الذي سقطت فيه العربية في مستنقع التصنيع والتصنع. 4) طفرة عصر النهضة. 5) طفرة المعاصرة. (ص 208-216)
وفي الفصل الثالث يتطرق إلى "إشكالية البنية اللاشعورية للعقل العربي".
وفيه يراجع مصادر الجابري حول مفهوم اللاشعور الثقافي التي يدعي أنه استقاه من عند فوكو وليفي ستراوس وبياجي.
فالجابري يدعي أنه يستوحي ميشال فوكو رغم غياب هذا المفهوم لديه. كما أن "الإبستمية الجابرية لا تمت بصلة إلى الإبستمية الفوكوية. بل تناقضها نقضا عنيفا...""(ص 280) "فالانفصالية الدياكرونية تقابلها وتوازنها عند فوكو اتصالية سنكرونية. والانكسارات الثقافية العمودية تعبر عن نفسها في توحدات أفقية. ومن ثم، وبقدر ما تقوم الثقافة في تاريخيتها على الاختلاف، فإنها تقوم في تبنينها على الهوية. وذلك هو في الدرس الإبستمولوجي الحديث جدل التكوين والبنية"(ص281). فالابستيمي عند فوكو لا تعدو أن تكون "خيطا هاديا" و"مبدأ ناظما" للثقافة في عصر تاريخي ما يخلع عليها، في ظل تعدد الأنواع المعرفية، نوعا من حساسية مشتركة ووحدة ضمنية (ص 286). أما الإبستمية الجابرية فإنها "تتنكر لدينامية الإبستمية الفوكوية لتقرأ تاريخ الثقافة العربية قراءة لاتاريخية، قراءة سكون وركود وموات". فالجابري يزعم "أن ما من شيء تغير في الثقافة العربية منذ الجاهلية إلى اليوم : آية ذلك أننا نشعر جميعا بأن امرئ القيس (طرابيشي يصحح في الهامش: امرأ القيس) وعمرو بن كلثوم وعنترة ولبيد والنابغة وزهير بن أبي سلمى... وابن عباس وعلي بن أبي طالب ومالك وسيبويه والشافعي وابن حنبل ... والجاحظ والمبرد والأصمعي... والأشعري والغزالي والجنيد وابن تيمية... ومن قبله الطبري والمسعودي وابن الأثير... والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن خلدون... ومن بعد هؤلاء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والعقاد، والقائمة طويلة... نشعر بهؤلاء جميعا يعيشون معنا هنا أو يقفون أمامنا على خشبة مسرح واحد، مسرح الثقافة العربية الذي لم يسدل الستار فيه بعد، ولو مرة واحدة" (ص 38، 39، 42 من تكوين العقل العربي) (ص281،282 )
فالابستمية الجابرية تتنكر لدينامية الابستية الفوكوية ولوحدويتها. فهو بدلا من أن يستفيد من الحفر الابستيمولوجي ليلأم "التاريخ الممزق" فإنه يضاعف من التمزيق الذي يحدثه فيه عموديا بآخر أفقي. فالجابري لا يكتفي بتشطير الثقافة العربية الإسلامية إلى ثلاثة قطاعات يشكل كل منها حقلا معرفيا مميزا، يكفي نفسه بنفسه ويدخل في صدام مع العوالم الأخرى (البيان والبرهان والعرفان). بل يحفر أيضا بين أنواع المعارف والعلوم خنادق غير قابلة للاجتياز، في حين أن المفترض في الباحث الابستمولوجي هو أن يمد الجسور. (ص282-283).
أما اللاشعور الثقافي عند ليفي ستراوس فلا يستعمل إلا في ميدان الأنتروبولوجيا حيث تنعدم الوثائق المكتوبة، وهو ما لا ينطبق على الثقافة العربية. (ص288)
أما بياجي فاختصاصه الأساس هو الطفل، وهو أيضا لا يستعمل هذا المفهوم. (ص 294 وما بعدها)
وسبب خطأ الجابري هو كونه لا يرجع إلى المصادر الأصلية بل إلى خلاصات غير دقيقة.
(وصل اليوم نعي المفكر جورج طرابيشي، وبرحيله تفقد الثقافة العربية أحد أبرز رموزها)
وفيه يرد طرابيشي على رأي الجابري القائل بأن عصر التدوين هو الإطار المرجعي للعقل العربي. "يقول الجابري في نص يقتبسه من "تاريخ الخلفاء" للسيوطي: "فال الذهبي: في سنة ثلاث وأربعين (ومائة) شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير. فصنف ابن جريح بمكة، ومالك الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة. وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف هيثم والليث وابن لهيعة ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب. وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كنب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس. وقبل هذا العصر كان الناس يتكلمون من حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة". (ص 11)
يرد طرابيشي، الذي يضع "عصر التدوين" بين قوسين، أن الجابري لم يخضع للتمحيص النص الذي نقله، والذي أوقع كثيرا من الباحثين في الخطأ نفسه الذي وقع فيه، ولو أنه رجع إلى النص الأصلي للذهبي لاكتشف أنه يتحدث عن التصنيف. ففي هذه التسمية مصادرة على المطلوب لأنها تسمي العصر بما تريد أن توحي به وليس بحقيقة العملية الفكرية التي تمت في ذلك العصر. فما تم فيما يسمى "عصر تدوين" لم يكن تدوينا "بل عملية إنتاج وبناء وتنظيم للثقافة العربية الإسلامية. فما من شيء كان جاهزا، بل كان كل شيء برسم الاختراع والتأسيس والتثبيت، ثم التفعيد والتسنين. والحال أن كل ما يمكن أن يدل عليه تعبير "عصر التدوين" هو أن ثقافة بعينها – هي هنا الثقافة العربية الإسلامية – قد انتقلت في ذلك العصر من طور شفاهي إلى طور كتابي. والحال أيضا أننا بدون أن ننكر بأن شيئا من هذا القبيل قد حدث، فإننا نؤثر أن نتحدث عن إنتاج وإعادة أنتاج ثقافي. فليست الذاكرة وحدها هي التي نشطت، بل كذلك ملكة الخلق والإبداع. ولقد كان لها دور رئيسي حتى في اختراع ما أعطي له شكل ذاكري أو روائي. وبدون أن نزعم أن هذا الخلق كان من عدم، فأننا نفترض أن المادة الأولية التي اشتغل عليها "عصر التدوين" كانت من طبيعة بذرية. وتنميتها إلى شجرة، ثم تنمية الشجرة إلى غابة، كانت فعلا إبداعيا بكل ما في الكلمة من معنى. وهذا بحيث لو كان لنا الاختيار لتحدثنا، بدلا من "عصر تدوين"، عن عصر تكوين العقل العربي." (ص 14)
أما التدوين نفسه فإنه ابتدأ من عصر الرسول، على عكس الاعتقاد السائد ب "أن الحديث أو ما يطلق عليه علماء الحديث لفظ "العلم" ظل أكثر من مائة سنة يتناقله العلماء حفظا، دون أن يكتبوه" (فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي، ص 119-120). بل توجد أيضا نصوص تعود إلى الجاهلية، "فمن المعلوم أن الأخباريين العرب المتقدمين نقلوا كثيرا عن الأسفار والسجلات التي كانت معتمدة في الثغور العربية المسيحية..." (ص 48-51)
ويلاحظ طرابيشي أن الغائب الأكبر عن نص الجابري عن نص السيوطي/الذهبي هو تدوين القرآن. رغم "أن الواقعة القرآنية، أو المصحفية بتعبير أدق، كانت لا تزال في عصر ابن النديم، أي حتى منتصف النصف الثاني من القرن الرابع، قابلة للدخول في مجال المفكر به". وهكذا يجعل الجابري من تدوين الحديث، لا من تدوين القرآن، بداية مطلقة "لعصر التدوين". وهو "بقفزه فوق الواقعة القرآنية، قد فوت على نفسه وعلى قرائه فرصة ثمينة لنقد فعلي للعقل العربي المكون (بفتح الواو). فبدلا من أن يتمخض مشروع نقد العقل العربي...عن مولد فولتير عربي أو لوثر مسلم، فقد انتهى على يد الجابري إلى نقد أيديولوجي ينتصر لبعض تحيزات العقل المكون (بفتح الواو) ومطلقاته ضد بعضها الآخر (البيان ضد العرفان)، وإلى نقد طائفي ينتصر "للمعقول الديني" للأكثرية ضد "لا "معقول" الأقلية، وإلى نقد إقليمي ينتصر "للعقلانية" المغربية" ضد "اللاعقلانية المشرقية"" (ص 59-60).
وقد نتج عن تأخير الجابري ل"عصر التدوين" سكوته عن كتب واقعة المصحفة (جمع النسخ المتناثرة للقرآن في مصحف واحد تليها أطوار التنقيط والتنوين والتقسيم والتحزيب) وعن كتب القراءات والتفسير ومختلف الدراسات اللغوية المتعلقة بالقرآن، وكلها ابتدأت في القرن الأول للهجرة (ص 60-63). ويرى طرابيشي أن هذا التأخير "عملية تضليل استراتيجية" هدفها إزاحة القرآن لصالح الحديث، وتغليب الإسلام المكي على الإسلام المدني وتحويل الإسلام من "ديانة روحانية إلى شريعة، ومن حضارة كتاب إلى حضارة فقه". ويزيد في الهامش "ليس من قبيل الصدفة...أن ينتصر الجابري للرأي الذي يتأول الحضارة الاسلامية على أنها، بالتعريف، "حضارة فقه" باعتبار الفقه " إنتاج عربي محض" و"يشكل العطاء الخاص بالثقافة العربية الإسلامية"" (ص 64-65) وعلى هذا النحو تحول إسلام الفقهاء إلى مدونة أحكام وهي على الدوام، في أي دين، الجانب الأقل روحانية والأكثر عرضة للتقادم مع الزمن. وقد أدى تضخم الحديث إلى إزاحة المعقولية القرآنية وإخراجها عن مسارها البدئي. (ص66)
ومن العوامل التي جعلت من مشروع الجابري مشروعا مجهضا كونه تبنى خطيئة عصر النهضة الذي تجاهل الثورة اللاهوتية وأرجأها إلى أجل غير مسمى واستبعاده لشعار العلمانية. كما أن "تحقيبه المغلوط لعصر التدوين، وعدم استيعابه للإشكالية اللالندية عن جدلية العقل المكون (بكسر الواو) والعقل المكون (بفتحها)، وتقسيمه "البنيوي" لأنظمة المعرفة إلى بيان وعرفان وبرهان (على أساس إقليمي وقومي)، قد جعله يخطئ الهدف ويخوض معركته الفاصلة ضد أبرز ممثلي العقل المكون (بالكسر) في الحضارة العربية الإسلامية من أمثال جابر بن حيان والرازي في العلم والفارابي وابن سينا في الفلسفة وأهل القياس في اللغة والفقه وأهل الاستنباط في التصوف، منتصرا في الوقت نفسه لبعض من أبرز ممثلي العقل المكون (بالفتح) ممثلا بنصية ابن حزم وتزمتية ابن تومرت وسلفية ابن تيمية" (ص69)
الفصل الثاني يتطرق إلى "إشكالية اللغة والعقل".
وهو فصل طويل يمثل ثلثا الكتاب. وفيه يرد طرابيشي على نظرة الجابري للغة العربية والتي تطرح إشكاليتين حابستين: الأولى تتمثل في كون اللغة العربية هي من أول مكونات العقل العربي (ص 71). وبتعبير آخر: العربية سلطة مرجعية، لا شعورية ولكن قاهرة، للعقل العربي. (ص138)؛ و "الأعرابي صانع العالم العربي" أي أن اللغة العربية لغة "عالم بدوي" (ص138). فالجابري يرى أن "العربي "حيوان فصيح"؛ فبالفصاحة، وليس بمجرد "العقل"، تتحدد ماهيته" (تكوين العقل العربي ص 75)، وهو بذلك يستعيد الضدية المزعومة بين العقل العربي واليوناني، وبين الانسان العربي الذي هو مجرد "حيوان فصيح" والانسان اليوناني الذي لا تعريف له إلا بمجرد العقل. (ص 72). ثم يخصص طرابيشي عدة صفحات للرد على ما يزعم الجابري أنه خصوصية عربية، مبينا أن علاقة اليوناني أو الهندي بلغته لا تختلف عن علاقة العربي بلغته. وأن جدلية "العرب والعجم" كان عندها طابعا أقل حدة في الثقافة العربية الإسلامية مقارنة بكثير من الثقافات الأخرى. (ص 81) ويعطي أمثلة لمفكرين مسلمين رجحوا كفة العجم على العرب في مجال الثقافة، وهم الجاحظ (الذي ساوى بين الاثنين)، وصاعد الأندلسي وابن خلدون اللذان يمثلان "المركزية الإثنية السالبة" التي فضلت الأعجميين. (ص 82-92).
ثم انتقل طرابيشي إلى تدقيق مراجع الجابري في فلسفة اللغة ليكتشف أنه لم يرجع إلى المصادر الأصلية، بل إلى خلاصات طلابية ما جعله يخطئ في الدلالات التي يستنتجها. ومن هؤلاء هردر الذي شرط الفكر باللغة كما شرط اللغة بالفكر. وآدم شاف الماركسي النزعة أبعد ما يكون عن المثالية التي أسقطه فيها الجابري. وادوار سابير الذي قوله ما لم يقله. فلا أحد من هؤلاء يمكن أن يكون أساسا لنظرة الجابري للغة الغارقة في المثالية لكونه يجعل من اللغة المحدد المطلق للعقل. (ص 92-95) فالجابري "يقول بالحرف الواحد إنه ليس للإنسان من عالم سوى العالم الذي تقدمه له لغته. ولكنه في قوله هذا يحسب أنه هردري مع أنه فختوي (من فخته)". فتبعية الفكر التامة للغة هي فكرة فخته. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن ممارسة النقد باسم العقل الكوني إذا كان عقل تابع للغته الخاصة؟ (ص 110-111) كما أخطأ الجابري في قراءة فلسفة همبولت الذي يرى أن "اللغات قاطبة تصدر عن قالب واحد" (ص117)
إلا أن الجابري لا يخطئ على المستوى النظري فحسب، بل على المستوى المعجمي أيضا. فهل صحيح أن العربية فقيرة من حيث المصطلحات التي تتعلق بالثلج أو السمك؟ كما يدعي دون أن يتجشم عناء البحث في المعاجم ليتأكد من ذلك. متجاهلا أن العربية نهلت من معين لغات أخرى لبلدان مختلفة من حيث جغرافيتها، ومعجمها زاخر بالمصطلحات التي تعبر عن الثلج وكل ما يتعلق به، والأمر سواء بالنسبة للسمك (ص 124-138)
فالجابري يقول أن "المرء لا يمكن إلا أن تأخذ منه الدهشة كل مأخذ حينما يلاحظ أن اللغة العربية لا تنقل لنا أسماء الأدوات وأنواع العلاقات التي عرفها المجتمع المكي والمديني على عهد الرسول والخلفاء الأربعة وعرفها مجتمع دمشق وبغداد والقاهرة من بعد، وهي مجتمعات حضرية راقية كانت تستعمل بدون شك ما لا يحصى من الآلات والأدوات". ويرد عليه طرابيشي "أن المرء لا يمكن إلا أن تأخذ منه الدهشة كل مؤخذ، إزاء نفي مزدوج كهذا: فهو لا يمكن أن يصدر إلا عن "باحث علمي" ما تصفح قط – ولو مجرد تصفح – لا لسان العرب ولا أي قاموس آخر من قواميس العربية القديمة". (ص 140)
ويزيد طرابيشي أن التهم التي يكيلها الجابري للغة العربية هي نفسها التي كالها ارنست رينان لها بصفتها ممثلة للعرق السامي الذي يتميز بالوحدة والبساطة. إذ يقول الجابري: "لا تاريخية اللغة العربية وطبيعتها الحسية معطى واقعي تاريخي يجب أن ننظر إليه بعين النقد وليس بعين الرضى والمدح. إن العالم الذي نشأت فيه اللغة العربية، أو على الأقل جمعت منه، عالم حسي لا تاريخي: عالم البدو من العرب الذين كانوا يعيشون زمنا ممتدا كامتداد الصحراء، زمن التكرار والرتابة، ومكانا بل فضاء (طبيعيا وحضاريا وعقليا) فارغا هادئا، كل شيء فيه صورة حسية، بصرية أو سمعية. وهذا العالم هو كل ما تنقله اللغة العربية إلى أصحابها، اليوم وقبل اليوم، وسيظل هو ما دامت هذه اللغة خاضعة لمقاييس عصر التدوين وقيوده" (تكوين العقل العربي ص 86-87 مذكور في ص 192). ويرد طرابيشي أن تاريخ تكوين اللغة العربية لا يمت بصلة بهذا الوصف، وأن الحواضر (بما فيها مكة) هي الحاضنة للغة العربية. فالشعر الجاهلي كان مرتبطا بكعبات وأسواق وبلاطات العرب. وكان "محض ظاهرة حضرية. وما كان بدويا منه فقد ميزه العرب أنفسهم بأن سموه رجزا" (ص 181). وأن تاريخ اللغة العربية يفند اتهامات الجابري لها بكونها حسية (في حين أن هذا الوصف لا يمكن أن يطلق إلا على لغات بعض الشعوب البدائية المعزولة وليس على لغة مثل العربية ألفت بها كثير من العلوم النظرية). وأن لا تاريخيتها ولا تطورها وصفان يفندهما تاريخها الفعلي.
فقد عرفت اللغة العربية في تاريخها خمس طفرات: 1) الطفرة القرآنية التي حولتها من لغة شعر إلى لغة دين، وأهلتها لتكون في مرحلة تالية لغة حضارة. 2) طفرة العقل المكون (بكسر الواو) التي غطت القرون الخمسة الأولى. طفرة العقل المكون (بفتح الواو) الذي سقطت فيه العربية في مستنقع التصنيع والتصنع. 4) طفرة عصر النهضة. 5) طفرة المعاصرة. (ص 208-216)
وفي الفصل الثالث يتطرق إلى "إشكالية البنية اللاشعورية للعقل العربي".
وفيه يراجع مصادر الجابري حول مفهوم اللاشعور الثقافي التي يدعي أنه استقاه من عند فوكو وليفي ستراوس وبياجي.
فالجابري يدعي أنه يستوحي ميشال فوكو رغم غياب هذا المفهوم لديه. كما أن "الإبستمية الجابرية لا تمت بصلة إلى الإبستمية الفوكوية. بل تناقضها نقضا عنيفا...""(ص 280) "فالانفصالية الدياكرونية تقابلها وتوازنها عند فوكو اتصالية سنكرونية. والانكسارات الثقافية العمودية تعبر عن نفسها في توحدات أفقية. ومن ثم، وبقدر ما تقوم الثقافة في تاريخيتها على الاختلاف، فإنها تقوم في تبنينها على الهوية. وذلك هو في الدرس الإبستمولوجي الحديث جدل التكوين والبنية"(ص281). فالابستيمي عند فوكو لا تعدو أن تكون "خيطا هاديا" و"مبدأ ناظما" للثقافة في عصر تاريخي ما يخلع عليها، في ظل تعدد الأنواع المعرفية، نوعا من حساسية مشتركة ووحدة ضمنية (ص 286). أما الإبستمية الجابرية فإنها "تتنكر لدينامية الإبستمية الفوكوية لتقرأ تاريخ الثقافة العربية قراءة لاتاريخية، قراءة سكون وركود وموات". فالجابري يزعم "أن ما من شيء تغير في الثقافة العربية منذ الجاهلية إلى اليوم : آية ذلك أننا نشعر جميعا بأن امرئ القيس (طرابيشي يصحح في الهامش: امرأ القيس) وعمرو بن كلثوم وعنترة ولبيد والنابغة وزهير بن أبي سلمى... وابن عباس وعلي بن أبي طالب ومالك وسيبويه والشافعي وابن حنبل ... والجاحظ والمبرد والأصمعي... والأشعري والغزالي والجنيد وابن تيمية... ومن قبله الطبري والمسعودي وابن الأثير... والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن خلدون... ومن بعد هؤلاء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والعقاد، والقائمة طويلة... نشعر بهؤلاء جميعا يعيشون معنا هنا أو يقفون أمامنا على خشبة مسرح واحد، مسرح الثقافة العربية الذي لم يسدل الستار فيه بعد، ولو مرة واحدة" (ص 38، 39، 42 من تكوين العقل العربي) (ص281،282 )
فالابستمية الجابرية تتنكر لدينامية الابستية الفوكوية ولوحدويتها. فهو بدلا من أن يستفيد من الحفر الابستيمولوجي ليلأم "التاريخ الممزق" فإنه يضاعف من التمزيق الذي يحدثه فيه عموديا بآخر أفقي. فالجابري لا يكتفي بتشطير الثقافة العربية الإسلامية إلى ثلاثة قطاعات يشكل كل منها حقلا معرفيا مميزا، يكفي نفسه بنفسه ويدخل في صدام مع العوالم الأخرى (البيان والبرهان والعرفان). بل يحفر أيضا بين أنواع المعارف والعلوم خنادق غير قابلة للاجتياز، في حين أن المفترض في الباحث الابستمولوجي هو أن يمد الجسور. (ص282-283).
أما اللاشعور الثقافي عند ليفي ستراوس فلا يستعمل إلا في ميدان الأنتروبولوجيا حيث تنعدم الوثائق المكتوبة، وهو ما لا ينطبق على الثقافة العربية. (ص288)
أما بياجي فاختصاصه الأساس هو الطفل، وهو أيضا لا يستعمل هذا المفهوم. (ص 294 وما بعدها)
وسبب خطأ الجابري هو كونه لا يرجع إلى المصادر الأصلية بل إلى خلاصات غير دقيقة.
(وصل اليوم نعي المفكر جورج طرابيشي، وبرحيله تفقد الثقافة العربية أحد أبرز رموزها)