الأنطولوجيا
كاتب
مثلما يحدث عندما تشاكس الفتى لواعج الهيام في وهلاتها الأولى، قد تنبثق الرغبة في الكتابة عشقا في مراحل مبكرة من عمره، يعلن عن ميوله إليها بصيغة أو بأخرى، في شكل حالات نصية انكتابية أولية، قد يخفيها ويسرها،ولا يعرف أخبارها إلا قلة من المقربين ، وقد يأنس من نفسه الجرأة الكافية وبعض الإطمئنان إلى ما يخط قلمه،فيعرض بعض حصيلته على من يتوسم فيه بعض دراية ومعرفة ، عسى أن يستأنس بملاحظات وتوجيهات تحسن الدفع بأشرعة قاربه إلى الضفة اللائقة. وغالبا ما يشكل المدرس هذا الملاذ ،وقد أنعمت علي عدة ظروف بأن ألعب هذا الدور،فأطلع وأقرأ نصوصا أولى لعديد من تلاميذي الأعزاء، فلا يسعني سوى التشجيع على المضي قدما في طرقات هذا العشق الجميل ، اقتناعا أوليا بما يكتبون ،واستشرافا لغد كتابي ممكن. والشواهد عديدون، والحال ينطبق على عدة تلاميذ ناوشوا الكتابة أعوام مرحلة تعليمهم الثانوي ، وربما قبل ذلك، وحرصوا على توطيد الصلات بها، في المراحل اللاحقة، وتمكنوا من إصدار بعض أعمالهم في الشعر، النقد، القصة القصيرة... والرواية.ومن هؤلاء طبعا، وبدون مزايدة مجانية ،الكاتب محمد اعويدات،الذي أذكر مناوشاته الأولى للكلمة، والتي كانت تتناغم مع حسن ما يدبج في مادة الإنشاء، وفي الحالتين كنت كنت أحدس لديه قوة هذه النشوة، وإصراره على مزيد من القراءة والبحث، وبالتالي الرغبة في التجديد والتجدد...والولوج بسلاسة إلى عوالم الكتابة...لقد أصر على المشي في نفس الدرب فوصل، والحصيلة عدة كتب إبداعية، منها الصادر في سنوات سابقة شأن :
- طريق الإحتراق ( رواية ).
- على حافة الإنتظار( مجموعة قصصية ).
- باب السوق (رواية ).
ومنها الذي قيد الطبع : في الزجل، في القصة القصيرة بنوعيها وفي الرواية.
إنه إصرار جميل على التواصل مع الإبداع بكل أنماطه، وتأكيدا مع القارئ، باعتبار ما ترسخ لديه، وما اطمأن إليه من قناعات في جدوى الكتابة ووظائفها الممكنة، وفي صدارتها دورها الإحتمالي في تعرية عورات واقع معيش مهترئ بكل المقاييس، معلنا عن رفضه وإدانته وتشريح الأعراض المرضية التي تنخره، والتي تقيد حركته وتمنعه من التغييروالتزحزح، والإنفلات من شرنقات التقاليد البالية وما تآكل من الأعراف .
وإذا كان انخراطه في سلك التربية والتعليم يملي عليه أن يحارب الجهل والأمية بكل مسؤولية واعية، فإنه يرى في النص الإبداعي موقعا موازيا يرخص له في أداء نفس الفعالية، موسعا من دائرة الإشتغال والإنشغال، من حيز الدرس و المتمدرس، إلى حيز المجتمع في أرحب تمظهراته وتجلياته، معلنا عن انتسابه المستدام إلى صفة الإلتزام بالقضايا الإجتماعية، وهي قضايا ترفض الإندفان والإختفاء، وتؤكد أن المجتمع لا يزال يترنح تحت وطأة نفس الأحوال و الحالات وأن( الماضي لم يدفن) بعد، وأن جراثيمه الخفية والظاهرة، لا زالت تجذر حضورها، وتكرس أفاعيلها المأسوية، وتجسد بؤرة التقوقع و التشرنق في نفس المدى المجتمعي المتردي المهترئ. رغم أن الشأن الزمني يتعلق بالقرن الواحد والعشرين. وليؤكد ذلك، بنى روايته هذه (الزاوية والعتبة) بناء دلاليا متشابه الوضعية البدئية والنهائية، بل أن الخاتمة أشد قساوة وألما ووجعا من الأولى، وبينما ارتأى الروائي محمد اعويدات طرح رؤاه وقناعاته، عبر مجموعة أحداث ووقائع،تأتلف روافدها وتصب في نفس المجرى القضوي الإجتماعي، الذي تشكل المرأة محوره الأساس، ومرتكزه الرئيس. هي من نوع القضايا التي يفترض أن تنخمد شعلاتها منذ زمن بعيد، لكن معاينة الواقع تؤكد أن دار لقمان لا زالت على حالها، ولم تتزحزح قيد أنملة عما عايشه السابقون إلا قليلا. إنها المرأة التي ترغب أن تعيش زمنها الآن وهنا، أن تعيش هويتها بكل منطلقاتها وتطلعاتها، حالاتها وتحولاتها، أن تنسلك في المجتمع وفق قناعات واختيارات قد تبلغ مبلغ التمرد على ما يرتئيه الآباء، غير أن قراراتها كانت دائما خارج طريق السداد والصواب، بسبب أميتها وجهلها وافتقارها إلى مستوى تعليمي لائق تستأنس به ويرشدها، فتعيش مكرهة معاناة مستدامة، هي حصيلة هذا الإختيارالإستعجالي الذي لا يستند إلى عتبة صحيحة. إنه حال (فاطم) في هذه الرواية، وحيدة أبويها ، والتي ستعيش تجربتي زواج فاشلتين، بسبب تصلب موقفها، وعدم الأخذ برأي الوالدين. والحصيلة مأساوية... إن وضعية( فاطم) في هذه الرواية هي نتيجة منطقية لواقع معيش تنخره منظومة قيم سلبية وسالبة،الجهل الأمية، الخداع، النفاق، الدجل، الخرافة...مجتمع يشيء المرأة ويبخسها، ينظر إليها بتعال وازدراء، يحصر وظيفتها في استفراغ نزوات الرجال، وآلة لتفريخ الأبناء، أنثى السرير والمتعة ليس إلا...وخاصة عندما ينشرخ المألوف ، ويتبادل الرجال والنساء أحيانا مواقع السلطة والتسلط والقرار والتسيير، ويتأرجح موقف كل منهما بين القوة والضعف، بين الضحية والجلاد...و استثمار السياقات و استغلالها بحثا عن المنفعة والمصلحة في الدرجات الأولى من الإعتبار...
إن الروائي محمد اعويدات في هذه الرواية يدين مجتمعا منخورا بمثل هذا الوضع، يفضح تقاليده وأعرافه المهترئة، يدين الرجولة المنشرخة، رجولة المظهر الزائف، الضائع المضيع، المسلوب الإرادة، الذي تخلي عن دوره الفطري أبا أو زوجا، وينتصر لإنسانية المرأة، وإعادة الإعتبار إليها، وإخراجها من دونيتها والموقع الذي ينزلها الرجل، ويرى أن الوسطية الإستشارية والتعلم ينبغي أن يشكلا مرجعيتين أساسيتين يمكنهما أن يعيدا الحق إلى نصابه، مثلما يرى وجوب محاربة القيم البالية المهترئة للنهوض بوضع المرأة، وبالتالي الوضع الإجتماعي عامة.
إن اللعب على ثنائية الرجل والمرأة، المدينة والبادية، الغنى والفقر، الضعف و القوة، الإرادة واللاإرادة، المثيروالإستجابة...أكسب النص الروائي نكهات تفاعلية جديرة بالرصد والتقييد، وهو ما يمكن الوقوف عنده بشأن كبير في قراءة نقدية بعدية...
وبقدر انشغال الروائي محمد اعويدات في هذا العمل بهذه القضية الإجتماعية الإنسانية، انشغل بجمالية البناء الفني، مما أضفى على النص قيمة مضافة تهفو إلى أن يبصم إبداعه ببصماته الخاصة، وفي هذا الإطار يمكن أن يخلص القارئ بعد القراءة الإنطباعية الأولية إلى أن هذا العمل الإبداعي يندرج في باب ما يصطلح عليه بالرواية الواقعية الإجتماعية، غير أن التمعن أكثر في جنباته وخطوط طوله وعرضه يأذن في تسجيل إضافات فنية أخرى، ذلك أن الكاتب استطاع أن ينفلت من أسر مقتضيات هذا النوع الروائي،ويطعمه بأشكال حكائية أخرى، وبالتالي استطاع أن يبني روايته في مزيج عذب وجميل رائق، حيث الإنزياح إلى ما تقتضيه رواية الشخصية من حضورلبطل محوري من أول النص إلى آخره، فاعلا ومفعولا، منفعلا ومتفاعلا مع تدابير الزمان والمكان والإنسان، وما تستلزمه الرواية السيكلوجية من تتبع للحالات النفسية ل(فاطم) منذ البدء إلى النهاية، من أمل وإحباط، رغبة ورهبة، إقدام وإحجام، موجود ومنشود، في شكل تداعيات حرة، وحواريات داخلية، مسجورة بمختلف التساؤلات والحيرة والتردد، وبها وعبرها يستكشف القارئ الخط الإرتقائي السيكلوجي للشخصية المحورية...يراهن على هذه التركيبة الثلاثية، عبر نسق لغوي سلس موظف بعناية رائقة ، يعلن الكاتب من خلاله أنه يمتلك ميكانيزمات الكتابة بامتياز، وأنه حريص على التجديد والتجدد، إن معنى أو مبنى...
إن الأمر هنا يتعلق بمجرد تقديم، والتقديم يراهن على الإجمال لا التفصيل، فالتفصيل موعده مع قراءة آتية تثبت هذه القرائن وجوانب جمالية أخرى، بالشاهد والدليل...وأختم بالقول : إن محمد اعويدات مبدع بالفعل، لا بالقوة، وقراءة أعماله شاهد أكيد ومؤكد، وأتمنى أن يستمر مجترحا فعل الكتابة بكل هذه الرغبة الرائقة، وبهذا الطموح الذي هو حصيلة زواج كاتوليكي بالإبداع، لا يهدأ ولا يفتر، ولا تنطفئ شعلاته...
- طريق الإحتراق ( رواية ).
- على حافة الإنتظار( مجموعة قصصية ).
- باب السوق (رواية ).
ومنها الذي قيد الطبع : في الزجل، في القصة القصيرة بنوعيها وفي الرواية.
إنه إصرار جميل على التواصل مع الإبداع بكل أنماطه، وتأكيدا مع القارئ، باعتبار ما ترسخ لديه، وما اطمأن إليه من قناعات في جدوى الكتابة ووظائفها الممكنة، وفي صدارتها دورها الإحتمالي في تعرية عورات واقع معيش مهترئ بكل المقاييس، معلنا عن رفضه وإدانته وتشريح الأعراض المرضية التي تنخره، والتي تقيد حركته وتمنعه من التغييروالتزحزح، والإنفلات من شرنقات التقاليد البالية وما تآكل من الأعراف .
وإذا كان انخراطه في سلك التربية والتعليم يملي عليه أن يحارب الجهل والأمية بكل مسؤولية واعية، فإنه يرى في النص الإبداعي موقعا موازيا يرخص له في أداء نفس الفعالية، موسعا من دائرة الإشتغال والإنشغال، من حيز الدرس و المتمدرس، إلى حيز المجتمع في أرحب تمظهراته وتجلياته، معلنا عن انتسابه المستدام إلى صفة الإلتزام بالقضايا الإجتماعية، وهي قضايا ترفض الإندفان والإختفاء، وتؤكد أن المجتمع لا يزال يترنح تحت وطأة نفس الأحوال و الحالات وأن( الماضي لم يدفن) بعد، وأن جراثيمه الخفية والظاهرة، لا زالت تجذر حضورها، وتكرس أفاعيلها المأسوية، وتجسد بؤرة التقوقع و التشرنق في نفس المدى المجتمعي المتردي المهترئ. رغم أن الشأن الزمني يتعلق بالقرن الواحد والعشرين. وليؤكد ذلك، بنى روايته هذه (الزاوية والعتبة) بناء دلاليا متشابه الوضعية البدئية والنهائية، بل أن الخاتمة أشد قساوة وألما ووجعا من الأولى، وبينما ارتأى الروائي محمد اعويدات طرح رؤاه وقناعاته، عبر مجموعة أحداث ووقائع،تأتلف روافدها وتصب في نفس المجرى القضوي الإجتماعي، الذي تشكل المرأة محوره الأساس، ومرتكزه الرئيس. هي من نوع القضايا التي يفترض أن تنخمد شعلاتها منذ زمن بعيد، لكن معاينة الواقع تؤكد أن دار لقمان لا زالت على حالها، ولم تتزحزح قيد أنملة عما عايشه السابقون إلا قليلا. إنها المرأة التي ترغب أن تعيش زمنها الآن وهنا، أن تعيش هويتها بكل منطلقاتها وتطلعاتها، حالاتها وتحولاتها، أن تنسلك في المجتمع وفق قناعات واختيارات قد تبلغ مبلغ التمرد على ما يرتئيه الآباء، غير أن قراراتها كانت دائما خارج طريق السداد والصواب، بسبب أميتها وجهلها وافتقارها إلى مستوى تعليمي لائق تستأنس به ويرشدها، فتعيش مكرهة معاناة مستدامة، هي حصيلة هذا الإختيارالإستعجالي الذي لا يستند إلى عتبة صحيحة. إنه حال (فاطم) في هذه الرواية، وحيدة أبويها ، والتي ستعيش تجربتي زواج فاشلتين، بسبب تصلب موقفها، وعدم الأخذ برأي الوالدين. والحصيلة مأساوية... إن وضعية( فاطم) في هذه الرواية هي نتيجة منطقية لواقع معيش تنخره منظومة قيم سلبية وسالبة،الجهل الأمية، الخداع، النفاق، الدجل، الخرافة...مجتمع يشيء المرأة ويبخسها، ينظر إليها بتعال وازدراء، يحصر وظيفتها في استفراغ نزوات الرجال، وآلة لتفريخ الأبناء، أنثى السرير والمتعة ليس إلا...وخاصة عندما ينشرخ المألوف ، ويتبادل الرجال والنساء أحيانا مواقع السلطة والتسلط والقرار والتسيير، ويتأرجح موقف كل منهما بين القوة والضعف، بين الضحية والجلاد...و استثمار السياقات و استغلالها بحثا عن المنفعة والمصلحة في الدرجات الأولى من الإعتبار...
إن الروائي محمد اعويدات في هذه الرواية يدين مجتمعا منخورا بمثل هذا الوضع، يفضح تقاليده وأعرافه المهترئة، يدين الرجولة المنشرخة، رجولة المظهر الزائف، الضائع المضيع، المسلوب الإرادة، الذي تخلي عن دوره الفطري أبا أو زوجا، وينتصر لإنسانية المرأة، وإعادة الإعتبار إليها، وإخراجها من دونيتها والموقع الذي ينزلها الرجل، ويرى أن الوسطية الإستشارية والتعلم ينبغي أن يشكلا مرجعيتين أساسيتين يمكنهما أن يعيدا الحق إلى نصابه، مثلما يرى وجوب محاربة القيم البالية المهترئة للنهوض بوضع المرأة، وبالتالي الوضع الإجتماعي عامة.
إن اللعب على ثنائية الرجل والمرأة، المدينة والبادية، الغنى والفقر، الضعف و القوة، الإرادة واللاإرادة، المثيروالإستجابة...أكسب النص الروائي نكهات تفاعلية جديرة بالرصد والتقييد، وهو ما يمكن الوقوف عنده بشأن كبير في قراءة نقدية بعدية...
وبقدر انشغال الروائي محمد اعويدات في هذا العمل بهذه القضية الإجتماعية الإنسانية، انشغل بجمالية البناء الفني، مما أضفى على النص قيمة مضافة تهفو إلى أن يبصم إبداعه ببصماته الخاصة، وفي هذا الإطار يمكن أن يخلص القارئ بعد القراءة الإنطباعية الأولية إلى أن هذا العمل الإبداعي يندرج في باب ما يصطلح عليه بالرواية الواقعية الإجتماعية، غير أن التمعن أكثر في جنباته وخطوط طوله وعرضه يأذن في تسجيل إضافات فنية أخرى، ذلك أن الكاتب استطاع أن ينفلت من أسر مقتضيات هذا النوع الروائي،ويطعمه بأشكال حكائية أخرى، وبالتالي استطاع أن يبني روايته في مزيج عذب وجميل رائق، حيث الإنزياح إلى ما تقتضيه رواية الشخصية من حضورلبطل محوري من أول النص إلى آخره، فاعلا ومفعولا، منفعلا ومتفاعلا مع تدابير الزمان والمكان والإنسان، وما تستلزمه الرواية السيكلوجية من تتبع للحالات النفسية ل(فاطم) منذ البدء إلى النهاية، من أمل وإحباط، رغبة ورهبة، إقدام وإحجام، موجود ومنشود، في شكل تداعيات حرة، وحواريات داخلية، مسجورة بمختلف التساؤلات والحيرة والتردد، وبها وعبرها يستكشف القارئ الخط الإرتقائي السيكلوجي للشخصية المحورية...يراهن على هذه التركيبة الثلاثية، عبر نسق لغوي سلس موظف بعناية رائقة ، يعلن الكاتب من خلاله أنه يمتلك ميكانيزمات الكتابة بامتياز، وأنه حريص على التجديد والتجدد، إن معنى أو مبنى...
إن الأمر هنا يتعلق بمجرد تقديم، والتقديم يراهن على الإجمال لا التفصيل، فالتفصيل موعده مع قراءة آتية تثبت هذه القرائن وجوانب جمالية أخرى، بالشاهد والدليل...وأختم بالقول : إن محمد اعويدات مبدع بالفعل، لا بالقوة، وقراءة أعماله شاهد أكيد ومؤكد، وأتمنى أن يستمر مجترحا فعل الكتابة بكل هذه الرغبة الرائقة، وبهذا الطموح الذي هو حصيلة زواج كاتوليكي بالإبداع، لا يهدأ ولا يفتر، ولا تنطفئ شعلاته...