قصة قصيرة ايفو اندريتش - الشاعر والسلطة (قصة يابانية) - ت: حسونة المصباحي

في الزمن الذي كانت تحكم فيه الإمبراطورة اوو -يونغ ، حُكم على الثلاثمائة وخمسين متآمرا بالإبعاد، وكان الشاعر موري ايبو واحدا منهم. على مدى ثلاثة أعوام عاش في بيت من القصب على أصغر جزيرة من بين الجزر السبع. لكن في الأثناء سقطت الإمبراطورة اوو-يونغ مريضة، لتعاين أن سلطتها تضعف وتتدهور يوما بعد آخر.ومثل الثلاثمائة وخمسين ، خاطر موري ايبو بوضع حد لإبعاده وعاد الى ايدو ليقيم غير بعيد عن المدينة في معبد خصص له الكهنة جناحا فيه.

والمواطنون الذين أغاظتهم السلطة الدموية لامبراطورتهم القاسية والمسعورة ، أظهروا حبهم وتقديرهم للشاعر الذي كان قد أضحى الرفيق الملازم للثلاثمائة وخمسين. وكان هؤلاء ينقلون من يد الى يد أخرى مقطوعاته الشعرية الصغيرة عن الشجاعة وعن الموت . وكانت لآبتسامته المشرقة الكلمة الأخيرة في نقاشاتهم.ثم جاء يوم فيه توفيت فجأة الإمبراطورة مسمّمة بالحقد الذي كانت تغذيه مثيرة دهشة الجميع.والمقربون من حاشيتها فرّوا، تاركين إيّاها منتفخة ، ممددة على سريرها، وحيدة في قصرها الفارغ، ولا أحد كان مهتما بدفنها.

وبعد جلسة طارئة، سيطر الثلاثمائة وخمسون على السلطة، وتقاسموا المراتب والأوسمة ونشروا سلطتهم على كامل الجزر السبع. لكن عندما أراد الثلاثمائة وخمسون عقد أول آجتماع في قصر الإمبراطورة الرااحلة، تبين لهم أن الشاعر موري ايبو لم يكن بينهم. لذلك رفضوا عقد الجلسة من دونه ، وأرسلوا عبدا وعربة لجلبه. لكن بعد مضيّ وقت قصير عادالعبد بالعربة فارغة معلنا أن الشاعر حسب ما يبدو له ، سافر، تاركا رسالة موجهة الى الثلاثمائه وخمسين. عندئذ أمسك أكبرهم سنّا بالرسالة وفتحها ثم قدمها الى رئيس الكتبة ليقرأها.ففعل هذا الأخير ذلك بصوت عال:

موري ايبو في لحظة المغادرة يحيّي أصدقاءه،أعضاء المجلس!

وأنا أبارككم ،يا رفاقي في الإختلاف،وفي العقيدة وفي النصر وأتوسل اليكم ان تغفروا لي عدم تقاسم السلطة معكم ،مثلما تقاسمت النضال. غير أنّ الشعراء ،عكس الناس الاخرين،لا يكونون اوفياء إلاّ في الشقاء وهو يتركون أصدقاءهم عندما تظهر لهم تباشير الثروة.نحن الشعراء خلقنا للنضال.نحن صيّادون متحمسون لا يتذقون لحم الفريسة.والحاجز الذي يفصل بيني وبينكم يمكن الاّ يدرك بعين الإنسان العادي لشدة رهافته،لكن أليس نصل السيف المشحوذ جيدا رهيف هو أيضا ،مع ذلك هو قاتل؟لن يكون بآستطاعتي أن أقفز فوق هذا الحاجز من دون مخاطرة إذ أنه بإمكاننا أن نتحمل كل شيء إلاّ السلطة.لهذا السبب أنا أترككم يا أعضاء المجلس،يا رفاقي القدماء،سأمضي عبر العالم بحثا عن مكان اعثر فيه على فكرة غيرمكتملة أو لم تكتسب بعد.وبالنسبة لكم ،احكموا ،وأنا أتمنى لكم النجاح،والحكمة ،ولكن إذا ما جاء يوم وعاد البؤس الى جزرنا السبع ،وإذا ما أنتم آحتجتم الى يد لتشارككم النضال،أو الى قلب ليواسيكم ،فلا تغفلوا عن طلبي رجاء"

بعد هذه الكلمات،قطع رئيس المجلس الذي كان يعاني من صعوبة في السماع،قراءة الرسالة وأعلن بصوت متعب،وبهيجان الشيخ الفاقد للصبر:

-أي بؤس يمكن أن يهدد امبراطورية تُسيّر شؤونها الحكومة الشرعية والليبيرالية للثلاثمائة وخمسين؟

الجميع وافقوا بإشارة من الرأس.والاقدمون منهم تبادلوا آبتسامات تنمّ عن الإحتقار والشفقة.”البؤس حقّا!”.ومن دون اكمال قراءة الرسالة ،آنتقل أعضاء المجلس الى التصويت على قوانين التجارة الخارجية.

وحده رئيس الكتبة الذي قرأ حتى آخر سطر من الرسالة،طوى صفحاتها،ومن دون ان ينطق بكلمة،حملها الى أرشيف الإمبراطورة الراحلة.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...