دراسة داود سلمان الشويلي - " مثلث الموت " المغامرة التي ادت الى الموت المجاني

الرواية عالم خاص ينهل احداثه وشخوصه من الواقع ، فاما ان يدخل ما اخذه من الواقع مخيلة الروائي ليخرج منها نصا روائيا ، واما ان يبقى ذلك الواقع كما هو ليكون خبرا صحفيا ، او من منقولات الناس فيما بينهم ، ولا يقترب من عالم الرواية الفنية.

ان الرواية التي سنتحدث عن جانب منها في هذه السطور وهي تنقل خبر ما حدث في " مثلث الموت " بتدخل المخيلة الابداعية للروائي ، تنقل لنا هذا الواقع العراقي المأزوم بكل مفرداته و تجلياته ، فتضع الانسان العراقي بكفة والمجاميع المسلحة ( العراقية ؟؟؟) بكفة ثانية إذ يحركها فكر واحد يعود الى ما قبل 1400 سنة مضت ، انه فكر ملتبس تقدمه الكتب الصفراء التي يقرأ البعض من ( العراقيين ؟؟؟ ) فيها ما التبس من فكر ، وحوادث ، واحداث.

و " الصراع " الصراع الجسمي او النفسي بين شخوص الرواية – اية رواية – هي من عناصر الرواية الفنية ، لتتشكل جراء هذا الصراع مثلث الرواية المعتاد ، وهو : البداية والعقدة وحل العقدة .

وان تركب الصعاب يعد مغامرة بحد ذاتها ، لان ركوب الصعاب معناه ان الهدف بعيد المنال ونادر الحصول عليه الا بشق الانفس .

ومن المعاني القاموسية للمغامرة هي : رمَى النفس في الشدائد ، أي ركوب الصعاب للوصول للهدف المنشود ، و الدخول في تجربة مثيرة ، وجريئة ، وخطرة في الوقت نفسه ، وكثير من ابطال الاساطير ، و الملاحم ، والقصص ، والروايات يدخلون في عالم المغامرة للوصول الى هدف ما ، كأن يكون الحصول على الفتاة الحبيبة مثلا .

والصحافة كما هو معروف تعتبر مهنة المصاعب ، ذلك لانها تبحث عن الخبر اليقين في مصادره الاصلية ،و استقصاء الواقع لمعرفة اسبابه ، وهذا الامر يتطلب الدخول في مغامرة ولوج طريق غير سالك للوصول الى الهدف المنشود.

في رواية ( مثلث الموت ) يركب ثلاثة صحفيين صعاب المغامرة التي ودوا الدخول فيها ، وهي الحصول على الخبر اليقين من مصادره الاصلية ، الا انهم يبقون في رأي رجال الدين في انهم خونة: ((عبر الشيخ الذي لا أحد يعرف اسمه إلّا من صوته العصبي وعباءته التي تطير خلفه،عن غضبه اتجاه الإعلام، كونه لا حقيقة له وإن الاعلاميين أغلبهم عملاء للحكومة التي لا هم لها سوى تسقيط الشرفاء والوطنيين..ثم عبر عن غضبه بشدة حين راح يشتم صحفياً لم يذكر أسمه نشر تحقيقاً عن المظاهرات التي ينظمها رجال الدين كونها تسبب الأذى للناس وهي لا تهم البلاد بل هي مروجة للشخصيات..)).

و في رأي فصيل مسلح بالضد من رجال الدين فانهم : (( خونة .تبيعون الوطن ..أنتم مع الحكومة صفويين. )).

والنتيجة التي يحصلون عليها هي الموت المجاني .

ابطال الرواية هم الصحفيون " سلام وخضير وأحمد "، والحدث الذي تقدمه الرواية هو عمل هؤلاء الصحفيين للحصول على الخبر اليقين في اوضاع سياسية صعبة في بلد ملتهب كاهله بحمل أرث فكري دموي لما قبل 1400 سنة ، و احتلال يؤجج الارث هذا فيبقى المجتمع منشغل فيه ، انه مجتمع " يرقص " على صفيح ساخن ، لا يهدأ ولا يكل.

ان البلد وهو " يرقص " على صفيح ساخن يؤججه ويزيد من اتونه الاحتلال من جانب ، ومن جانب اخر رجال الدين المتصارعين الذين يحملون افكارا مضت عليها قرون عديدة ولا نعرف الصواب التي تمتلكها ، و كما تثبت الرواية ذلك ، حيث تكون الازمة قد انعقدت بين الفصائل التي يتزعمها رجال دين ((بادر ذات مرة حين حصلت مواجهات مسلحة بين فصيلين تابعين لرجلي دين..إلى الطلب من الصحفيين بعدم نشر الأخبار السرية أو أعداد القتلى..وقال لهم..إن هذا الأمر قد يثير الأتباع في محافظات أخرى وتحصل مواجهات مسلحة والخاسر هو المواطن والأمن في جميع المدن العراقية خاصة وإنهم في كل المدن..بل في داخل البيت الواحد..)) ، حيث ((الوضع العام غير مهيأ لفتح جبهات عديدة على الدولة التي تحاول بكل الإمكانات أن تدافع عن نفسها،فهي أيضا في موقع الضعف وكل هذه التيارات أقوى منها..ثم لا تنسَ إن الجماهير لا تثق بالحكومة وتثق بالمرجعيات سواء منها الدينية أو المسلحة فهي التي تسيطر الآن على حركة الناس.)).

او كما قال الضابط لسلام : ((لو أن كل رجل دين أو مرجعية أو حزب ينظم احتفالا أو تجمعاً فلن نشهد الراحة أبدا )).

اذن كان المهاد لبناء رواية فنية كاملة موجود في الحدث الذي يهم الناس ، وفي الشخوص ، الصحفيين ،وبعد ذلك فانه تابع للروائي في بناء روايته بناء فنيا ، حيث يكون لمخيال الكاتب دور كبير في بنائها من حيث المكان ( تفتقد الرواية هذه لبنية المكان كعنصر مهم من عناصر بناء الرواية )، والزمان ،و الوصف ، والحوار ، وغير ذلك من العناصر الخاصة بكتابة الرواية .

في سطورنا هذه سنتحدث عن المغامرة التي وضع الكاتب فيها شخوص الرواية انفسهم عندما بدأت الرواية تتشكل منذ سطورها الاولى .

تبدأ مغامرة الصحفيين الثلاثة ( احمد ، خضير، اضافة لسلام الذي نزل في منطقة ما و فقدانه بعد ذلك ) بعد دخولهم منطقة " مثلث الموت " في مناطق (اليوسفية والمحمودية واللطيفية ) .

تتوزع شخوص الرواية الثلاثة (احمد ، خضير، سلام )على عالم المغامرة ، وهو البحث عن الخبر اليقين في مضانه الاصلية.

تبدأ احداث المغامرة عندما يترك "سلام " صاحبيه ( احمد وخضير ) في منتصف طريق عودتهم ويذهب للبحث عن علبة سكاير(( كان سلام يحاول طرد الخوف من رأسه،مشيراً إلى خضير أن يوقف السيارة ليشتري علبة سكائر، تاركاً الاثنين فاغري أفواهما من هول ما سيفعله وهو مصمم على معرفة الحقائق بطريقة جنونية لا تمت إلى الواقع الصحفي العراقي بصلة كما قال خضير لأحمد..سار سلام وسط تراص البيوت المواجهة على الشارع العام كخط متوازٍ طويل..يحمل ارتعاشةً بدأت تتصاعد كلما وصل الى صف البيوت، مبتعداً عن رفيقيه وعن الشارع العام الذي يوصل الى بغداد..تأكد أحمد أن سلاماً لن يتراجع عما في رأسه وأن علبة السكائر كانت الخطوة الأولى التي ستفضي إلى حكايات عديدة ومواضيع مختلفة ودقائق مبعثرة ربما ستغير بعد ذلك من شأن الكتابة والقناعة والحقيقة.))، ثم نعرف ان مجموعة مسلحة تلقي القبض عليه ، وتعرف هذه المجموعة انه صحفي ، فيتصلوا برئيس تحرير الصحيفة التي يعمل فيها للاتفاتق معه لنشر ما يتفق وتوجهاتهم كي يطلقوا سراحه ، ثم تضيع اي معلومات عنه .

اما (احمد ،و خضير) فنعرف بهم كجثث بعد ان حدث لهم ما حدث ، (( لم يفهم أي منهما كيف يجيب..ولا حل للمشكلة ..فثمة أمر لا بد أن ينتهي..كان أحمد يحاول أن يبين أن الأمر ليس كما يتوقعون، من أنهما صحفيان مرموقان..فليس لهما أي تأثير حتى لو تم قتلهما..فهما هاويان يجمعان المكافآت من هذه الصحيفة وتلك..حتى أنهما يكتبان بأسماء مستعارة لكي يحصلا على قوت يومهما..لكنه شعر بلحظة أن دماً ينزل من حافة شفته..كانت الصفعة الثانية أكثر إيلاماَ ومفاجئة.. ولم يسأله ليجيب..فلزم الصمت.

- أنتم خونة .تبيعون الوطن ..أنتم مع الحكومة صفويين.

كانت الأرض أكثر سرعة..وكان صوت الكلاب يقترب أكثر من شحمة أذنيهما..وقد اعترفا أن لحظة قتلهما دنت وإنهما سيلحقان بسلام..وهما سيتمددان على مقعدٍ من دم.)) .

اما الصحفي الرابع صديقهم " منتظر " فهو لم يشترك بمغامرة البحث عن الخبر اليقين ، ليبقى لينعى اصدقائه الى اهلهم : ((لم يرد عليه..لكن المحافظ واصل الحديث.

- أريدك أن تذهب الى المشرحة..وعليك تقع مسؤولية إبلاغ عائلتيهما..

سقط منتظر على الأريكة..لكن المحافظ لم يبال.

- مثلما نشرت خبر الاختفاء عليك نشر خبر العثور على جثتين واختفاء ثالثة.

لم يعد المكان يتسع للأثنين..ثمة صور مرعبة تمر برأس منتظر وهو يحاول أن يثبت على الأرض..متشبثاً ببقايا قوة كي لا يسقط..مرتقياً حالة من الهلع والخوف..ليست المشكلة بالنسبة له، إخبار العائلتين وليس نشر الخبر، فمثل هذه الأخبار تنتظرها الوكالات والفضائيات العالمية والعربية وحتى العراقية..لكن المشكلة..هي أين اختفى سلام؟.)).

هذا ما الت اليه امور الاصدقاء الثلاثة بعد ان كانوا يبحثون عن الخبر اليقين لنشره في صحيفتهم ، اذ كان الموت في انتظارهم في " مثلث الموت " .

واذا كانت المغامرة – اية مغامرة – تستدعي اشتراك المغامر بصراع مع الاخر ، مهما كان نوع الاخر هذا ، ويسمى في الادب الشعبي " قوى الشر " ، ففي رواية " مثلث الموت " يدخل كل من الاصدقاء الصحفيين الثلاثة هذه التجربة ويشتركون في صراع مع الاخر ، حيث يدخل " سلام " في صراع مع قوى اسلامية في صراع قائم على الحوار الذي يفضي الى نوع من النتيجة النهاية الغامضة عن المتلقي وهي الموت الذي لم تعلنه الرواية لزيادة افق ترقب المتلقي .

فيما يدخل الاصدقاء " احمد وخضير " في صراع مع نفس القوى بلباس اخر ، لا يعرف المتلقي نتيجته الا من خلال زميلهم الرابع " منتظر " الذي يخبر بانهم عبارة عن جثتين عليه ان يذهب للطب العدلي و اخبار عائلتيهما .

هكذا تصوغ الرواية احداثها ، وتصوغ مغامرتها واركانها ،وشخوصها :البطل والبطل الشرير ، وما بينهما من امور ، وهو فعل الشر ، الشر الذي كان مخبأ طيلة 1400 سنة مضت ، ياتي محتل دخيل فيستقبله شلة قليلة من الشعب تعد على الاصابع بالورود ، فيما يستقبله قسم ثان منه بالرصاص ، اما القسم الثالث من ابناء الشعب وهم قلة قليلة جدا تنتفض عندهم ما يؤججه المحتل من الماضي السحيق الذي أزال عنه غبار النسيان.

------------------

(*) اعتمدت هذه القراءة على مسودة الرواية التي ارسلها لي الروائي قبل نشرها بصيغتها النهائية .

صدرت عن دار سطور للنشر والتوزيع على مدى 344 صفحة من القطع المتوسط.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...