جبران الشداني
كاتب
استطاع الحرف أن يتخلص من أيدي حرس القوات المساعدة بسهولة، لأنهم كانوا مشغولين بهدم خيمته على الشاطئ. اختفى خلف كثبان الرمل. ولأنه لم يشكل أية خطورة، لم يهتموا به. المدينة صغيرة، ويمكن غداً أو بعد غد مشاهدة الحرف وهو يتجول أو منعزلاً في ركن من مقهى يدخن الكيف في تأمل.
قال الضابط:
- لا تهتموا كثيراً. سوف يأتي ويقدم نفسه إلينا غداً صباحاً أو هذه الليلة. هل نهتم بمخبول؟!
قال أحدهم وهو يرفس الباش بحذائه:
- أخشى أن يرتكب حماقات أخرى هذا المساء.
قال الضابط:
- كل ما يهمنا هو أننا نود أن نعرف من أين أتى بهذه الخيمة؟ من أين له الفلوس حتى يشتري مثلها؟
كان الحرف يرى قاماتهم في الظلام، وأحياناً يميز وجوه بعضهم عندما تنفضح تحت ضوء البطاريات، وفكر بأنه يستطيع أن يتغلب على اثنين منهم على الأقل لو تشاجر معهما، ولكنهم أكثر من اثنين. أخذ يمسح الزبد عن شفتيه ويلعن في الهواء، ورآهم يتكتلون لحمل الخيمة إلى السيارة.
كان الحرف معروفاً من طرف الجميع، ولا شك أن قصته مع حرس القوات المساعدة هذه الليلة، ستنتشر في المدينة الصغيرة. سيعرفها الكل، وتبدأ التكهنات كيف يستطيع الحرف أن ينتقم من هؤلاء الحرس. إن حماقاته كثيرة وشاذة، سواء في السجن أو في مستشفى الأمراض العقلية.
وعندما ركب الحرس السيارة قال الضابط:
- إنها خيمة غالية الثمن. لا يمكن أن يشتري مثلها حتى الباشا نفسه.
- هذا الأحمق المعتوه، لا ندري من أين أتى بها؟
كان الناس يعرفون من أين أتى بها، لقد ذهب مع هيبية فرنسية إلى تاغازوت. وكانت تدعي أنها التقت بأميرها. كانت تعتقد حقاً أنه أمير. بلحيته القصيرة وبشرته السمراء. وعندما عاد من تاغازوت، حمل معه هذه الخيمة ومعطف فرو، وهذا المعطف هو الذي كان يرتديه الحرف يومياً، رغم الحرارة الشديدة. وكان يرتدي أيضاً سروالاً مقصوصاً فوق الركبتين، بحيث تبدو ساقاه المشعرتان؛ وقدماه الحافيتان المتصلبتان. كل ذلك مع معطف للفرو مرتفع الثمن، والحرارة شديدة.
عندما رأى الحرف السيارة تتحرك، دك الرمل بقدميه وأراد أن يصيح. لكن الصوت أنجس في حنجرته. ودس يده في جيب معطفه الفرو، وتحسس حزمة من الأوراق النقدية. ومشى نحو المكان الذي كانت الخيمة منصوبة فيه، وأخذ يذري الرمل كمن يبحث عن شيء. لكنه لم يعثر على ذلك الشيء. فجلس وأخذ يمضغ ريقه. وقف ثم جلس مرة أخرى ومد رجليه، وشعر بوخز تحت عجيزته، فوقف وتوجه نحو الأضواء القريبة. مر بالقرب من فندق "الجزر". وظهر له مركز الشرطة فاغراً فاه، فانسل إلى زقاق ضيق، فاراً بنفسه منهم. لو ألقوا عليه القبض لأشبعوه ضرباً ورفساً، وأبقوه أياماً في قبو مظلم يتغير زبائنه باستمرار ألا هو، لقد كانت له تجربة في ذلك المكان المظلم الذي يقضي فيه الزبائن حاجتهم أمامك وقد تدلت أعضاؤهم الجنسية. كان الحرف يقبض على حزمة الأوراق النقدية في جيبه بيد حديدية. وعندما رأى شبح أول إنسان في رأس الزقاق ارتجف ووقف في مكانه متصلباً، لكنه عندما عرف أن الأمر لا يتعلق بواحد منهم، مشى بثقة نحو المكان الذي خطر له تواً. كانت جل الحوانيت قد أغلقت أبوابها تقريباً. والقليل منها ما زالت مفتوحة، ضيقة الأبواب. وقد اصطفت كؤوس اللبن الرائب على جوانبها. مر بثلاثة أشخاص ملتقين في جلابيبهم، وسمع اسم "الحرف" يتردد على شفاههم، لكنه لم يعر أحدهم اهتماماً. كانوا يتحدثون عنه من غير شك. ووجد الحرف نفسه أخيراً أمام باب دار يعرفها جيداً ولكنه لا يزورها إلا قليلاً، طرق الباب وهو لا يزال يتحسس حزمة النقود في جيبه. طرق مرة أخرى ففتحت له امرأة عجوز على جبهتها وشم عمودي يقسمها إلى نصفين. قالت المرأة:
-الحرف، ماذا تريد؟ اذهب فتش عن مكان آخر يليق بك يا خانز.
لكنه لم يستمع إليها. بل دفع الباب بكل قوة وعنف.
- سأبيت هنا الليلة. لقد أخذوا خيمتي.
- من؟ البوليس؟ لا شك أنك عملتها يا خانز.
اجتاز باحة الدار وأصبح وسط الغرفة التي ينبعث منها الضوء. وقالت المرأة بصوت منخفض:
- لا ترفع صوتك. الجيران فوقك.
كانت ثلاث نساء ممددات. وأخذ يجيل النظر فيهن ليختار واحدة منهن. وعندما لحقت به المرأة قالت:
- أنا لا أمزح، أدفع النقود أولاً.
أخرج الحرف حزمة النقود وأراها للعجوز، فصرخت في النساء:
- ياه! أفقن فالحرف غني هذه الليلة.
وأرادت أن تخطف من يده حزمة النقود، غير أنه أعادها إلى جيبه بسرعة. وقال:
- أريد تلك.
-هي لك، هات النقود. سأعدها لك.
- إنها معدودة.
- هات يا خانز.
- الخانزة هي أمك.
وأعطاها ورقة نقدية فاختطفتها من يده وهي تقول:
- هل تكفي هذه يا مخبول؟ للشراب أم للنوم؟
دفع لها الحرف ورقة أخرى، إلا أنها أرادت أن تستزيد لكنه رفض. وجلس مجيلاً نظره في الغرفة، كانت مستطيلة، مطلية بطلاء يقترب من الأصفر الباهت. وعلى الجدران علقت بعض الصور لسيدنا علي والغول، ولحواء وهي تقدم التفاحة لآدم والأفعى بينهما وقد لوت جسدها حول جذع الشجرة، وكانت نافذة وحيدة صغيرة على شكل شبه منحرف قرب الباب، وقد اخترقها الضوء حتى انتهى وغاب في ظلام خفيف خارج الغرفة.
اقتربت إحدى النساء من الحرف:
- من التي تختار؟ أنا؟
- أريد تلك. أنت أكل جسدك الزهري، ما هذه الدمامل على شفتيك؟
- أنت أيضاً تفهم هذه الأمور يا أحمق؟!
- الحمقاء هي أمك. ابتعدي عني لا أريد خانزة مثلك.
فصاحت المرأة في العجوز:
- أمي طامو، هل جننت حتى تستقبلي في بيتك مثل هذا المخبول القذر؟
وقالت العجوز:
- أقرع وبفلوسه.
- يلعن بوها حياة.
- اسكتي أنت. إنه لا يريدك ومن حقه ذلك.
ودارت العجوز إلى الحرف وأخذت تلاطفه. بالغت في ملاطفتها له، فانتفخ الحرف مثل ديك يستعد لمعركة حقيقية أو معركة جنسية. وأرادت أن تجعل لملاطفتها ثمناً. فقالت وهي تحرك الحرف من كتفيه:
- نريد أن نسكر الليلة ونتعشى ونمرح. هات ثمن اللحم والخضر والفواكه والشراب هذه النقود ستأخذها القحبة.
- إنني لا أملك بنكاً.
أدخل يده في جيبه وأخرج ورقتين نقديتين، تناولتها العجوز مسرورة وهي تقول:
- أنت الآن رجل.
وللنساء:
- ألم أقل لكن أقرع وبفلوسه.
التفت الحرف إلى المرأة التي رغب فيها. اقترب منها ووضع كفه فوق كفها. لكنها أبدت بعض التمنع. سحبت يدها من تحت يده وهي تقول:
- هل تحبني حقاً؟
قال الحرف:
- أنا لم أرك قبل الليلة. كيف أستطيع أن أحبك؟!
-هل تحب هيبية إذن؟
- نعم. أحب كثيرات.
وقالت امرأة أخرى وهي ممددة فوق زريبة مهترئة:
- لقد أفسدت الهيبيات القذرات السوق علينا. سأذهب إلى الدار البيضاء لأصبح غسالة. وسأتزوج من عسكري.
- اسكتي يا فرتلانة، لا تعتقدي أنك ستجدين زوجاً بسهولة هناك. الفتيات كثيرات والرجال أصبحت أعينهم في السماء.
- كل زرع له كياله.
- إنك لست زرعاً. إنك حنظل.
- أقفلي فمك يا قحبة.
- القحبة هي أنت.
كانت العجوز قد غادرت الغرفة وقد التفت داخل حايك أبيض متسخ. أما الحرف فقد حاول أن يقفل فم المرأة التي بجانبه حتى لا تستمر في الشتم. ولكنها أبعدت شفتيها عن كفه، وقالت:
- قم اقض حاجتك: وابتعد عني أيها المخبول.
وأراد الحرف أن يرد عليها، لكن طرقات قوية على الباب أسكتتهم جميعاً. وتساءلت الأعين عمن يكون الطارق. وأخذت النساء في الاهتمام بأنفسهن. ربما يكون زبوناً جديداً، لكن الحرف وقف فجأة، وخرج إلى باحة الدار، وأخذ يجيل نظراته في كل مكان، استمرت الطرقات بخفة هذه المرة، فخرجت إحدى النساء الثلاث. وقبل أن تحاول فتح الباب، وضعت أذنها عليه لتستمع إلى الحديث الدائر في الخارج. كان من في الخارج قد أحس بأن شخصاً ما وراء الباب، فصرخ بصوت مرتفع:
- بوليس. افتحي يا قحبة!
صرخت المرأة صرخة مكتومة: "ناري!".
إذ ذاك أخذ الحرف يدور على نفسه. وتوجه بسرعة إلى صندوق كان موضوعاً قرب الحائط القصير. ثم قفز إلى الخارج بعيداً عن سيارة الشرطة. وسمع أصواتاً خلفه وهو يركض: "إنه الحرف. قف يا بغل! يا أحمق يا مخبول". ولم يكن يلتقط من هذه الكلمات إلا بعض الحروف. كان يركض ويركض، ولم يكن أحد يركض خلفه. وقال الضابط:
- لا تهتموا بذاك المعتوه. سنقبض عليه الليلة أو غداً صباحاً.
ثم دفعوا النساء بقوة داخل السيارة، إلى جانب نساء أخريات ورجال آخرين.
قال الضابط:
- لا تهتموا كثيراً. سوف يأتي ويقدم نفسه إلينا غداً صباحاً أو هذه الليلة. هل نهتم بمخبول؟!
قال أحدهم وهو يرفس الباش بحذائه:
- أخشى أن يرتكب حماقات أخرى هذا المساء.
قال الضابط:
- كل ما يهمنا هو أننا نود أن نعرف من أين أتى بهذه الخيمة؟ من أين له الفلوس حتى يشتري مثلها؟
كان الحرف يرى قاماتهم في الظلام، وأحياناً يميز وجوه بعضهم عندما تنفضح تحت ضوء البطاريات، وفكر بأنه يستطيع أن يتغلب على اثنين منهم على الأقل لو تشاجر معهما، ولكنهم أكثر من اثنين. أخذ يمسح الزبد عن شفتيه ويلعن في الهواء، ورآهم يتكتلون لحمل الخيمة إلى السيارة.
كان الحرف معروفاً من طرف الجميع، ولا شك أن قصته مع حرس القوات المساعدة هذه الليلة، ستنتشر في المدينة الصغيرة. سيعرفها الكل، وتبدأ التكهنات كيف يستطيع الحرف أن ينتقم من هؤلاء الحرس. إن حماقاته كثيرة وشاذة، سواء في السجن أو في مستشفى الأمراض العقلية.
وعندما ركب الحرس السيارة قال الضابط:
- إنها خيمة غالية الثمن. لا يمكن أن يشتري مثلها حتى الباشا نفسه.
- هذا الأحمق المعتوه، لا ندري من أين أتى بها؟
كان الناس يعرفون من أين أتى بها، لقد ذهب مع هيبية فرنسية إلى تاغازوت. وكانت تدعي أنها التقت بأميرها. كانت تعتقد حقاً أنه أمير. بلحيته القصيرة وبشرته السمراء. وعندما عاد من تاغازوت، حمل معه هذه الخيمة ومعطف فرو، وهذا المعطف هو الذي كان يرتديه الحرف يومياً، رغم الحرارة الشديدة. وكان يرتدي أيضاً سروالاً مقصوصاً فوق الركبتين، بحيث تبدو ساقاه المشعرتان؛ وقدماه الحافيتان المتصلبتان. كل ذلك مع معطف للفرو مرتفع الثمن، والحرارة شديدة.
عندما رأى الحرف السيارة تتحرك، دك الرمل بقدميه وأراد أن يصيح. لكن الصوت أنجس في حنجرته. ودس يده في جيب معطفه الفرو، وتحسس حزمة من الأوراق النقدية. ومشى نحو المكان الذي كانت الخيمة منصوبة فيه، وأخذ يذري الرمل كمن يبحث عن شيء. لكنه لم يعثر على ذلك الشيء. فجلس وأخذ يمضغ ريقه. وقف ثم جلس مرة أخرى ومد رجليه، وشعر بوخز تحت عجيزته، فوقف وتوجه نحو الأضواء القريبة. مر بالقرب من فندق "الجزر". وظهر له مركز الشرطة فاغراً فاه، فانسل إلى زقاق ضيق، فاراً بنفسه منهم. لو ألقوا عليه القبض لأشبعوه ضرباً ورفساً، وأبقوه أياماً في قبو مظلم يتغير زبائنه باستمرار ألا هو، لقد كانت له تجربة في ذلك المكان المظلم الذي يقضي فيه الزبائن حاجتهم أمامك وقد تدلت أعضاؤهم الجنسية. كان الحرف يقبض على حزمة الأوراق النقدية في جيبه بيد حديدية. وعندما رأى شبح أول إنسان في رأس الزقاق ارتجف ووقف في مكانه متصلباً، لكنه عندما عرف أن الأمر لا يتعلق بواحد منهم، مشى بثقة نحو المكان الذي خطر له تواً. كانت جل الحوانيت قد أغلقت أبوابها تقريباً. والقليل منها ما زالت مفتوحة، ضيقة الأبواب. وقد اصطفت كؤوس اللبن الرائب على جوانبها. مر بثلاثة أشخاص ملتقين في جلابيبهم، وسمع اسم "الحرف" يتردد على شفاههم، لكنه لم يعر أحدهم اهتماماً. كانوا يتحدثون عنه من غير شك. ووجد الحرف نفسه أخيراً أمام باب دار يعرفها جيداً ولكنه لا يزورها إلا قليلاً، طرق الباب وهو لا يزال يتحسس حزمة النقود في جيبه. طرق مرة أخرى ففتحت له امرأة عجوز على جبهتها وشم عمودي يقسمها إلى نصفين. قالت المرأة:
-الحرف، ماذا تريد؟ اذهب فتش عن مكان آخر يليق بك يا خانز.
لكنه لم يستمع إليها. بل دفع الباب بكل قوة وعنف.
- سأبيت هنا الليلة. لقد أخذوا خيمتي.
- من؟ البوليس؟ لا شك أنك عملتها يا خانز.
اجتاز باحة الدار وأصبح وسط الغرفة التي ينبعث منها الضوء. وقالت المرأة بصوت منخفض:
- لا ترفع صوتك. الجيران فوقك.
كانت ثلاث نساء ممددات. وأخذ يجيل النظر فيهن ليختار واحدة منهن. وعندما لحقت به المرأة قالت:
- أنا لا أمزح، أدفع النقود أولاً.
أخرج الحرف حزمة النقود وأراها للعجوز، فصرخت في النساء:
- ياه! أفقن فالحرف غني هذه الليلة.
وأرادت أن تخطف من يده حزمة النقود، غير أنه أعادها إلى جيبه بسرعة. وقال:
- أريد تلك.
-هي لك، هات النقود. سأعدها لك.
- إنها معدودة.
- هات يا خانز.
- الخانزة هي أمك.
وأعطاها ورقة نقدية فاختطفتها من يده وهي تقول:
- هل تكفي هذه يا مخبول؟ للشراب أم للنوم؟
دفع لها الحرف ورقة أخرى، إلا أنها أرادت أن تستزيد لكنه رفض. وجلس مجيلاً نظره في الغرفة، كانت مستطيلة، مطلية بطلاء يقترب من الأصفر الباهت. وعلى الجدران علقت بعض الصور لسيدنا علي والغول، ولحواء وهي تقدم التفاحة لآدم والأفعى بينهما وقد لوت جسدها حول جذع الشجرة، وكانت نافذة وحيدة صغيرة على شكل شبه منحرف قرب الباب، وقد اخترقها الضوء حتى انتهى وغاب في ظلام خفيف خارج الغرفة.
اقتربت إحدى النساء من الحرف:
- من التي تختار؟ أنا؟
- أريد تلك. أنت أكل جسدك الزهري، ما هذه الدمامل على شفتيك؟
- أنت أيضاً تفهم هذه الأمور يا أحمق؟!
- الحمقاء هي أمك. ابتعدي عني لا أريد خانزة مثلك.
فصاحت المرأة في العجوز:
- أمي طامو، هل جننت حتى تستقبلي في بيتك مثل هذا المخبول القذر؟
وقالت العجوز:
- أقرع وبفلوسه.
- يلعن بوها حياة.
- اسكتي أنت. إنه لا يريدك ومن حقه ذلك.
ودارت العجوز إلى الحرف وأخذت تلاطفه. بالغت في ملاطفتها له، فانتفخ الحرف مثل ديك يستعد لمعركة حقيقية أو معركة جنسية. وأرادت أن تجعل لملاطفتها ثمناً. فقالت وهي تحرك الحرف من كتفيه:
- نريد أن نسكر الليلة ونتعشى ونمرح. هات ثمن اللحم والخضر والفواكه والشراب هذه النقود ستأخذها القحبة.
- إنني لا أملك بنكاً.
أدخل يده في جيبه وأخرج ورقتين نقديتين، تناولتها العجوز مسرورة وهي تقول:
- أنت الآن رجل.
وللنساء:
- ألم أقل لكن أقرع وبفلوسه.
التفت الحرف إلى المرأة التي رغب فيها. اقترب منها ووضع كفه فوق كفها. لكنها أبدت بعض التمنع. سحبت يدها من تحت يده وهي تقول:
- هل تحبني حقاً؟
قال الحرف:
- أنا لم أرك قبل الليلة. كيف أستطيع أن أحبك؟!
-هل تحب هيبية إذن؟
- نعم. أحب كثيرات.
وقالت امرأة أخرى وهي ممددة فوق زريبة مهترئة:
- لقد أفسدت الهيبيات القذرات السوق علينا. سأذهب إلى الدار البيضاء لأصبح غسالة. وسأتزوج من عسكري.
- اسكتي يا فرتلانة، لا تعتقدي أنك ستجدين زوجاً بسهولة هناك. الفتيات كثيرات والرجال أصبحت أعينهم في السماء.
- كل زرع له كياله.
- إنك لست زرعاً. إنك حنظل.
- أقفلي فمك يا قحبة.
- القحبة هي أنت.
كانت العجوز قد غادرت الغرفة وقد التفت داخل حايك أبيض متسخ. أما الحرف فقد حاول أن يقفل فم المرأة التي بجانبه حتى لا تستمر في الشتم. ولكنها أبعدت شفتيها عن كفه، وقالت:
- قم اقض حاجتك: وابتعد عني أيها المخبول.
وأراد الحرف أن يرد عليها، لكن طرقات قوية على الباب أسكتتهم جميعاً. وتساءلت الأعين عمن يكون الطارق. وأخذت النساء في الاهتمام بأنفسهن. ربما يكون زبوناً جديداً، لكن الحرف وقف فجأة، وخرج إلى باحة الدار، وأخذ يجيل نظراته في كل مكان، استمرت الطرقات بخفة هذه المرة، فخرجت إحدى النساء الثلاث. وقبل أن تحاول فتح الباب، وضعت أذنها عليه لتستمع إلى الحديث الدائر في الخارج. كان من في الخارج قد أحس بأن شخصاً ما وراء الباب، فصرخ بصوت مرتفع:
- بوليس. افتحي يا قحبة!
صرخت المرأة صرخة مكتومة: "ناري!".
إذ ذاك أخذ الحرف يدور على نفسه. وتوجه بسرعة إلى صندوق كان موضوعاً قرب الحائط القصير. ثم قفز إلى الخارج بعيداً عن سيارة الشرطة. وسمع أصواتاً خلفه وهو يركض: "إنه الحرف. قف يا بغل! يا أحمق يا مخبول". ولم يكن يلتقط من هذه الكلمات إلا بعض الحروف. كان يركض ويركض، ولم يكن أحد يركض خلفه. وقال الضابط:
- لا تهتموا بذاك المعتوه. سنقبض عليه الليلة أو غداً صباحاً.
ثم دفعوا النساء بقوة داخل السيارة، إلى جانب نساء أخريات ورجال آخرين.