ل
لا أحد
[SIZE=6]الجنس في الجاهلية[/SIZE]
تمتلك الشعوب الكلاسيكية، ونعني أصحاب الحضارات المؤثرة أربعة كتب أساسية في الحب الجنسي أو الفن الايروتيكي، الشبقي. وهذه الكتب -الملاحم تمثل الطراز الرفيع الذي ارتفعت إليه الحضارات التي ابتدعتها في التعامل مع المسألة الجنسية التي يرى فرويد أنها الدافع الغريزي الأساسي للأفعال الإنسانية العامة.
والكتب على التوالي حسب العرف الغربي الذي احتضنها هي ملحمة أوفيدovidus، فن الهوى. الملحمة الفارسية اناتغرافياAnagaranga.الملحمة الهندية الشهيرة كاماسوتراkamasutra.ثم كتاب الشيخ النفزاوي "الروض العاطر في نزهة الخاطر" أو المعروف بـThe Perfumed Gardenعند كل قارئ غربي.
ولم يتبلور الأدب الإيروتيكي كفن خاص رغم النشاط الجنسي الحر تقريباً قبل الإسلام إلا بعد مرور بضعة قرون على ظهور الإسلام ووضعه لأسس تحدد هذا النشاط وتنظمه. وهو إسوة بغيره من علوم التدوين قام على أساس القرآن والسنة النبوية.
إن ظهور المؤلفات الجنسية في العالم العربي والإسلامي يرجع إلى بداية القرن الثالث الهجري ورغم أن أسباب ظهور هذا النوع من الكتابات متنوعة ومختلفة، فإنه يمكن إجمالها في النقط التالية:
1- تطور الحضارة العربية والإسلامية وامتزاجها بالحضارات الشرقية، الهندية والفارسية على وجه الخصوص. وقد أدى التثاقف إلى حركة ترجمة واسعة شملت المؤلفات الجنسية كذلك.
2- قدوم الجواري من مختلف أنحاء الإمبراطورية الإسلامية مما يعني قدوم تقنيات وعادات وممارسات جنسية جديدة ودخيلة، مختلفة ومتنوعة.
3- تطور الذوق فيما يتعلق بجمال المرأة. فمقاييس الجمال اختلفت باختلاف المراحل الإسلامية وباختلاف الشعوب الإسلامية.
4- وجود طبقة مترفة تعيش في البذخ والمجون، وفي بحث مستمر عن الجديد في الميدان الجنسي، وهذا ما يبين أن معظم المؤلفات الجنسية كتبت استجابة لرغبة الملوك والأمراء والأعيان.
هذه العوامل أدت مجتمعة إلى انتشار وازدهار الخطاب الجنسي والمعروف منه يمتد من الجاحظ إلى حسن خان على الأقل، أي على ألف سنة تقريباً.
أنواع النكاح قبل الإسلام
تقول عائشة: أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنواع، فنكاح منها: نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليّته أو ابنته فيدفع صداقها ثم ينكحها.
ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرْت من طمثها "اذهبي إلى فلان فأستبضعي منه"، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في إنجاب الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع.
ونكاح آخر: هو نكاح "الرهط" وسنأتي على تفصيله لاحقاً.
ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة لا تمانع من جاءها وهنّ البغايا. كنّ ينصبن على أبوابهن رايات، تكون علماً لمن أرادهن دخل عليهن. فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة (الشبيه) ثم الحقوا ولدها بالذي يرون. فالتاط (التحق) به ودُعي ابنه، لا يتمنع من ذلك، فلما بُعث محمد عليه افضل الصلوات والسلام بالحقّ هدم نكاح الجاهلية كلّه إلا نكاح الناس اليوم.
وفي الواقع فإن الرسول لم يهدم هذه الانكحة فقط، بل انكحة أخرى فات عائشة أن تذكرها، عائداً، وكما في مجمل تشريعاته الدنيوية لتنظيم الحياة الجنسية، إلى تلك القوانين اليهودية التي سنّها موسى في التوراة قبل آلاف السنين، لحصر النشاط الجنسي الإسلامي بأنظمة رسمية صارمة قد تؤدي، وقد أدت بمن يتجاوزها إلى قصاص مريع: الموت رجماً.
ويمكن، عموماً اجمال الانشطة الجنسية التي كانت سائدة في العصر الجاهلي وحرمها الاسلام فيما بعد، بما يلي :
نكاح الاستبضاع
نكاح انتقائي مؤقت كان الرجل يدفع زوجته اليه، بعد ان يكون قد حسم اختياره للرجل -العيّنة الذي ستتصل به زوجته جنسياً، بعد انقطاع دورتها الشهرية مباشرة. وغالباً ما يكون هذا النموذج شاعراً او فارساً رغبة منه في تحسين النسل او انجاب الولد.
ومعنى البُضع في اللغة: النكاح او فرج المرأة والمباضعة: المجامعة.
ويروي ابن منظور نقلاً عن ابن الاثير، ان الاستبضاع نوع من نكاح الجاهلية، وهو استفعال من البضع(الجماع) وذلك ان تطلب المرأة جماع الرجل لتنال منه الولد فقط، كان الرجل منهم يقول لأمَته او امرأته: "اذهبي الى فلان فاستبضعي منه"، ويعتزلها فلا يمسها حتى يتبين حملها وانما يفعل ذلك رغبة في انجاب الولد .
ويقال ان عادة الاستبضاع والتي تسمى ايضاً بالاستفحال قد انتقلت من العرب الى اهل افغانستان الذين كانوا اذا رأوا فارساً من العرب "خلّوا بينه وبين نسائهم رجاء ان يولد لهم مثله، والارجح ان هذه العادة قد انتقلت اليهم بعد دخول المسلمين الى افغانستان.
ومن المؤكد ان هذا النكاح ذو اصول بدائية -نسلية وليست اشباعية ، شهوانية، تضرب في التاريخ قبل الاسلام. فمن المأثور الاسطوري العربي ان اخت لقمان بن عاد ، وكانت امرأة ضعيفة النسل، قد قالت لإحدى نساء لقمان: "هذه ليلة طهري وهي ليلتك، فدعيني انم في مضجعك، فإن لقمان رجل منجب، فعسى ان يقع عليّ فأنجب". فوقع على اخته فحملت بلُقيم.
ان هذا النمط من النكاح يوغل في التاريخ الماقبل اسلامي بآلاف السنين. فمن جملة التحريمات الاسلامية الجنسية في التوراة ورد في الاصحاح الثامن عشر من سفراللاوين ما نصه: "لا تجعل مع امرأة صاحبك مضجعك لزرعٍ فتتنجس بها. ولا تعط من زرعك للإجازة لمولاك لئلا تدنس اسم الهك"، والزرع هنا بمعنى النطفة للنسل، والنص كما يبدو يشير بشكل واضح الى نكاح الاستبضاع وإن لم يسمّه.
نكاح المخادنة
المخادنة: الصداقة، والخدين: الصاحب او الصديق. وفي القرآن الكريم (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) فقد كانت المرأة قبل الاسلام ، تمتلك حق الصداقة مع رجل آخر، غير زوجها، يكون لها بمثابة العشيق او الصديق بالمفهوم الاجتماعي المعاصر، لا يمتلك الزوج حق الاعتراض او منعها عنه. واغلب الظن ان هذا العرف استمر حتى بعد الاسلام، وإن بشكل سري، رغم النهي القرآني الصريح عنه، فقد سأل الاصمعي ذات مرة امرأة من بني عذرة قائلاً: "ما هو العشق؟".. فقالت: "الغمزة والقبلة والضمة"... لكن ذلك لا يمنع وجود حالات من المخادنة الخالية من الاتصالات الجنسية المباشرة اذ كان من المتفق عليه بين العشيقين المتحابين " ان يكون له نصفها الاعلى، من سرتها الى قدميها، يصنع فيه ما يشاء، ولبعلها من سرتها الى اخمصها".. الا ان ذلك بإعتقادنا لا ينسحب على اهل المدن والحواضر بل ربما اختص به اهل البادية الذين يتصفون بصفات روحية اشد من اهل المدن، فقد قيل لإعرابي: "اتعرف الزنا؟"، فقال :"وكيف لا؟" قيل: "وما هو؟"، قال: " مص الريقة ولثم العشيقة والاخذ من الحديث بنصيب" وهذه اشارة واضحة الى عدم قيام الاتصال الجنسي المباشر.
ومن معاني المخادنة: الرفقة في كل امر، الظاهر منه والباطن، وخدن الجارية (المرأة): محدثها. وعموماً فقد كانت العرب تتغاضى عنه طالما كان منستراً وتقول: "ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لؤم".
نكاح البدل
وفيه يتم تبادل الزوجات، بشكل مؤقت، بين الرجلين لغرض المتعة والتغيير فقط، دون الحاجة الى اعلان طلاق او عقد، وقد اخرج الدارقطني من حديث ابو هريرة قوله: " إن البدل في الجاهلية ان يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك وانزل لك عن امرأتي وازيدك".
نكاح المضامدة
وهو ان تتخذ المرأة زوجاً اضافياً، زيادة على زوجها، لأسباب اغلبها اقتصادية فعن الفرّاء: " الضماد أن تصادق المرأة اثنين او ثلاثة في القحط لتأكل عند هذا وهذا لتشبع"
والضمد في اللغة: ان يُخالّ الرجل المرأة ومعها زوج. او ان يخالّها خليلان، وقد قال ابو ذؤيب الهذلي في امرأة خانته مع ابن عمه خالد بن زهير:
تريدين كيما تضمديني وخالداً
وهل يُجمع السيفان،ويحك في غمدِ؟
وحكايته ترد في هذا الكتاب بصياغة شعرية ثانية:
ومثله الضماد: ان تخالّ المرأة ذات الزوج رجلاً غير زوجها او رجلين قال مدرك الشاعر:
لا يخلص ، الدهر خليلٌ عشرا
ذات الضماد او يزور القبرا
اني رأيت الضمد شيئاً نكرا
(إي: لا يدوم رجل على امرأته ولا امرأة على زوجها إلا قدر عشر ليال، للعذر في الناس هذا العام)، ومن شعره ايضاً :
اردت لكيما تضمديني وصاحبي
ألا لا ، أحبّي صاحبي ودعيني
وهناك من يضامد، اذا كان سيداً او من الاشراف، بأن ينتقي امرأة من قومه لنفسه مانعاً غيره عنها، فمما يروى ان معاوية، أخا الخنساء ،وافى عكاظاً في موسم من مواسم العرب، فبينما هو يمشي بسوق عكاظ إذ لقي اسماء المريّة وكانت جميلة، وزعم انها كانت بغيا ،فدعاها الى نفسه فأمتنعت عليه وقالت: " أما علمت اني سيد العرب هاشم ابن حرملة؟" فقال: اما والله لأقارعنه عنك"، قالت: "شأنك وشأنه"، فرجعت الى هاشم فأخبرته بما قال معاوية وما قالت له، فقال هاشم: "فلعمري لا يريم ابياتنا حتى ننظر ما يكون من جهده" وخرجوا اليهم فأقتتلوا ساعة ولم يتركوا قتاله حتى قتلوه.
نكاح الرهط
وهو من انماط تعدد الازواج الذي مارسته المرأة قبل الاسلام، حيث يجتمع ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي بعد ان تضع حملها ارسلت اليهم فلم يستطع رجل منهم ان يمتنع حتى يجتمعوا، عندها تقول لهم: "قد عرفتم الذي كان من امركم ، وقد ولدتُ، فهو ابنك يا فلان " تسمّي من احبت بإسمه، فيلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع منه الرجل.
نكاح السر
وهو اقتران سري يعقده احد من الاشراف عادة مع من هي دونه في المنزلة الطبقية او الاجتماعية "فاذا حبلت منه أظهر ذلك وألحقها به" وقد نهى القرآن صراحة عنه في سورة البقرة (ولكن لا تواعدوهن سرا) والسر هنا بمعنى الزنا وقد تشدد فيه الخليفة عمر بن الخطاب بالقوة نفسها التي تشدد فيها الرسول " لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل " فقد اتى عمر بن الخطاب بنكاح لم يشهد عليه الا رجل وامرأة فقال "هذا نكاح السر ولا اجيزه.. ولو كنت تقدمت فيه لرجمت " اما الشيعة فقد تساهلوا فيه كثيرا واعتبروا ان وجود الشاهدين العدلين انما هو لحفظ حق الوراثة والانتساب، ففي رواية متصلة للكليني.. عن جعفر الصادق انه قال :حينما سئل عن الرجل الذي يتزوج المرأة بغير شهود: " لا بأس بتزويج البينة فيما بينه وبين الله انما جعل الشهود في تزويج البينة من اجل الولد"وفي رواية اخرى "انما جعلت البينات للنسب والمواريث".. والسر في اللغة معناه: الزنا او الجماع ومنه جاءت كلمة : السرية.. وهي الجارية المتخذة للملك والجماع.. حيث يقال للحرة اذا نكحت سرا او كانت فاجرة :سرية وهي منسوبة الى السر الجماع والاخفاء (لأن الانسان كثيرا ما يسرها ويسترها عن حرته)
ويبدو ان هذا النمط من النكاح قد تزايد مع ازدياد طبقة الأشراف وتعاظم قوة الدولة الاسلامية بعد وفاة الخلفاء الراشدين ففي رواية مسندة لأبي الفرج الاصفهاني ان محمدا بن عبدالله بن عمرو بن عثمان ابن عفان عندما ارسل الى خليدة المكية وهي قينة (جارية مغنية )ليخطبها قالت لرسوله: "انا من تعلم ،فان اراد صاحبك نكاحا مباحا او زنا صراحا فهلم الينا فنحن له".. فقال : "انه لا يدخل في الحرام ".. فقالت: "ولا ينبغي ان يستحي من الحلال فأما نكاح السر فلا والله لا فعلته".
نكاح الشغارhttp://www.aleftoday.net/upload/images/28.jpg
هو استنكاح تبادلي كانت تلجأ اليه العرب في الجاهلية بأن تتزاوج من خلال تبادل امرأتين من بنات الرجلين العازمين على الزواج او اختيهما على ان تكون المرأة المعطاة بمثابة المهر المقدم للمرأة التي سيتزوج منها..ولفظة الشغار جاءت من الشغر أي الرفع.. وهي مستمدة من شغر الكلب:اذا رفع احدى رجليه ليبول ثم استعمله الفقهاء فيما بعد كناية عن رفع المهر من عقد النكاح".. ورغم ان النبي قد نهى عنه نهيا صريحا : "لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام".. فقد ظل تأويل الصداق مثار اجتهادات مختلفة من الفقهاء اضافة الى تأويل النهي ذاته وفيما كان يقتضي ابطال النكاح ام لا؟
فالأحناف يرون بأنه يصح بمهر المثل أي اذا أوجب مهر المثل ودفعه الزوج . لأنه في هذه الحالة لا يعد شغارا وقد عللوا رأيهم بأن الأصل في التحريم.. في زواج الشغار مبني على خلو نكاح الشغار من المهر مع كون البضع صداقا ولذا فانهم شأن الجمهور .. يبطلون النكاح في هذه الحالة ولا يثبتونه الا انهم يقولون : انه في هذه الحالة يبقى نكاحا مسمى فيه ما لا يعد مهرا.. كأن يسمى في المهر الخمر والخنزير.
اما المالكية فقد أجمعوا على انه اذا شرط تزوج احداهما بالأخرى فهو شغار صريح واضح لخلوه من الصداق ولذا فالنكاح باطل وقالوا : يفسخ قبل البناء بطلاق لأنه نكاح مختلف فيه.. اما بعد البناء فيثبت بالأكثر من المهر المسمى وبصداق المثل هذا اذا وقع على الشرط اما اذا لم يقع على الشرط أي شرط الخلو من الصداق بل وقع على وجه المكافأة كما لو زوجه أخته فكافأة الآخر بمثل ذلك من غير ان يفهم توقف نكاح احداهما على الاخرى جاز النكاح وان لم يسم المهر... اما الشافعي فقد بنى حكمه على نهي النبي ورأى ان النهي هنا نهي مطلق وان الشغار لا يقتصر على ان يكون بدلا بين اختين وانما بأية انثى تقع تحت امرة القائمين بالبدل وعليه فقد حرمه مستدلا بحديث الرسول قاطعا بابطاله: "النساء محرمات الا ما أحل الله فاذا ورد النهي عن النكاح تأكد التحريم".. وهو رأي الشيعة ايضا فمما ورد عن الامام محمد الباقر انه قال " نهي عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق الا بضع صاحبتها " وقال : "لا يحل ان ينكح واحدة منهما الا بصداق ونكاح المسلمين".. وعلى اية حال ورغم التحريم الظاهري لهذا النمط من النكاح فمن الواضح انه يسود بين اوساط الفئات الفقيرة التي تعجز عن ايفاء المهور.
نكاح المساهاة
وهو نكاح ملحق بنكاح الشغار تفرد بذكره ابو حيان التوحيدي في (الامتاع والمؤانسة) بأن للعرب نكاحا يسمى : المساهاة بمعنى المسامحة وترك الاستقصاء في المعاشرة وهو ان يفك الرجل اسر الشخص ويجعل فك ذلك الأسير صداقا لأخت صاحب الأسر او ابنته او قريبته منه فيتزوج المعتق من غير صداق.
والأرجح ان هذا النوع من النكاح الافتدائي منتشر بين القبائل الضعيفة الفقيرة التي تتعرض للغزو وأسر رجالها بين حين وآخر.. دون ان تكون له القدرة على افتدائهم فقد روي ان ربيعة بن عامر أسر قومه يزيد بن الأطنابة.. فطلب من اخيه عمرو بن الأطنابة ان يفديه فاعتذر عمرو بانه لا يجد ما يفدي به أخاه.. فطلب ربيعة ان يزوجه بدل الفداء بأخته وهي فاتنة حسناء.. فرضي عمرو فتزوج ربيعة بأخت عصام وصداقها فكاك يزيد أخيها من الأسر وقد ذكر الشعراء هذه الواقعة فمما قيل فيها:
وساهى بها عمرو.. وراعى الأفال فزبد وتمر بعد ذاك كثير
(الأفال : صغار الابل)
ولما لامه الناس قال"فقد حزمي الذي هديت له وعزمي الذي أرشدت اليه".
نكاح الضيزن (المقت)
او وراثة النكاح الذي ينص في وراثة المرأة .. زوجة الاب.. او الابن.. بعد موت بعلها.. لتصير ضمن نساء الموروث.. والعرب تقول انها عادة فارسية نص القرآن بوضوح لا لبس فيه على تحريمها : "ولا تنحكوا ما نكح اباؤكم من النساء، الا ما قد سلف،انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا".
ولذلك سماه العرب بنكاح الضيزن او المقت .. والضيزن في الأصل: النخاس او الشريك في المرأة ثم صار يطلق على الذي يشارك أباه في امرأته .. يقول أوس بن حجر:
والفارسية فيهم غير منكرة .. فكلهم لأبيه ضيزن سلف
(أي : هم مثل المجوس يتزوج الرجل منهم امرأة ابيه وامرأة ابنه)
ومن اسمائه: المقت اذ انه كما يقال كان ممقوتا حتى عند اهل الجاهلية وفي الحديث : "لم يصبنا عيب من عيوب الجاهلية في نكاحها ومقتها"..والمقت في الأصل : اشد البغض ونكاح المقت: ان يتزوج الرجل امرأة ابيه اذا طلقها او مات عنها.. اما ابن سيده فعنده ان المقتي : هو الذي يتزوج امرأة أبيه.
ورغم ان القرآن حرم وراثة النكاح تحريما قطعيا في سورة النساء:(يا ايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن).
فقد اختلف المحدثون في تأويل اسباب نزول هذه الآية فمنهم من قال ان اهل الجاهلية كانوا اذا مات الرجل صار أولياؤه أحق بامرأته، ان شاء بعضهم تزوجها .. وان شاءوا زوجوها وان شاءوا لم يزوجوها.. فهم احق بها من أهلها او ان الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها(يمنعها من نكاح غيره)حتى تموت او ترد اليه صداقها،فنزلت هذه الآية .. اما ابن عباس فقد قال في تفسيرها : ان الرجل اذا مات وترك جارية.. ألقى عليها حميمه(قريبه) ثوبه.. فمنعها من الناس فان كانت جميلة تزوجها وان كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها ونقل السدي عن ابن مالك : ان المرأة في الجاهلية كانت اذا مات زوجها جاء وليها فألقى عليها ثوبا.. فان كان له ابن صغير او اخ حبسها حتى يشب او تموت فيرثها.. فان هي انفلتت فأتت اهلها...ولم يلق عليها ثوب .. نجت.
لكن الحادثة الأساسية التي أوجدت اية التحريم هي انه لما توفي ابو قيس بن الأسلت وهو رجل من الأنصار خطب ابنه قيس امرأته فقالت: "انما كنت أعدك ولدا لي وانت من صالحي قومك .. ولكني آتى رسول الله"فقالت للرسول: "ان أبا قيس توفي".. فقال عليه السلام: خيرا... ثم قالت : "ان ابنه قيسا خطبني وهو من صالحي قومه وانما كنت أعده ولدا فما ترى؟
فقال لها الرسول:ارجعي الى بيتك "...
فنزلت هذه الآية في تحريمه..
لم يكن هذا النكاح كما يبدو مطلقا عند أهل الجاهلية .. فقد وضع العرب شروطا لشرعيته منها: ان تكون المرأة أصغر سنا ممن يريد ان يخلف أباه عليها وان لا تكون قد ولدت للأب شيئا وان لا تكون أختا لأم الولد الذي يريد زواجها.. فاذا اجتمعت هذه الشروط وأحب الخلف ان يتزوجها فألقى ثوبه عليها كان أحق بها فان شاء تزوجها وراثة من غير صداق وان شاء زوجها غيره وأخذ صداقها وان شاء عضلها لتفتدي نفسها منه.
وعموما فان موقف الطوائف الاسلامية من هذا النكاح هو التحريم المطلق.. وقد بالغ بعضهم في ذلك، فالأحناف يرون ان حتى من لمس امرأة او قبلها او نظر الى فرجها بشهوة.. فقد حرمت عليه أصولها وفروعها وتحرم على أصوله وفروعه".. ويكاد فقهاء الشيعة ان يطابقوا هذا الموقف الا اننا وجدنا نصا منسوبا .. بثلاث روايات الى الامام جعفر الصادق يرد ما فيه: "ان الفرج يحل بثلاثة :نكاح بميراث ونكاح بلا ميراث ونكاح بملك اليمين".. ولا ادري ان كان يعني بهذا وراثة النكاح ام غيره؟
وأغلب الظن ان نكاح نساء الآباء تقليد لاسامي ففي الكتاب المقدس العهد القديم.. يرد ما مفاده انه "اذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه فقد كشف عورة أبيه .. انهما يقتلان كلاهما ..دمهما عليهما".
وربما كان هذا العقاب الصارم يشمل الزنا بزوجة الاب اثناء حياته.
عن مجلة الناقد بتصرف
تمتلك الشعوب الكلاسيكية، ونعني أصحاب الحضارات المؤثرة أربعة كتب أساسية في الحب الجنسي أو الفن الايروتيكي، الشبقي. وهذه الكتب -الملاحم تمثل الطراز الرفيع الذي ارتفعت إليه الحضارات التي ابتدعتها في التعامل مع المسألة الجنسية التي يرى فرويد أنها الدافع الغريزي الأساسي للأفعال الإنسانية العامة.
والكتب على التوالي حسب العرف الغربي الذي احتضنها هي ملحمة أوفيدovidus، فن الهوى. الملحمة الفارسية اناتغرافياAnagaranga.الملحمة الهندية الشهيرة كاماسوتراkamasutra.ثم كتاب الشيخ النفزاوي "الروض العاطر في نزهة الخاطر" أو المعروف بـThe Perfumed Gardenعند كل قارئ غربي.
ولم يتبلور الأدب الإيروتيكي كفن خاص رغم النشاط الجنسي الحر تقريباً قبل الإسلام إلا بعد مرور بضعة قرون على ظهور الإسلام ووضعه لأسس تحدد هذا النشاط وتنظمه. وهو إسوة بغيره من علوم التدوين قام على أساس القرآن والسنة النبوية.
إن ظهور المؤلفات الجنسية في العالم العربي والإسلامي يرجع إلى بداية القرن الثالث الهجري ورغم أن أسباب ظهور هذا النوع من الكتابات متنوعة ومختلفة، فإنه يمكن إجمالها في النقط التالية:
1- تطور الحضارة العربية والإسلامية وامتزاجها بالحضارات الشرقية، الهندية والفارسية على وجه الخصوص. وقد أدى التثاقف إلى حركة ترجمة واسعة شملت المؤلفات الجنسية كذلك.
2- قدوم الجواري من مختلف أنحاء الإمبراطورية الإسلامية مما يعني قدوم تقنيات وعادات وممارسات جنسية جديدة ودخيلة، مختلفة ومتنوعة.
3- تطور الذوق فيما يتعلق بجمال المرأة. فمقاييس الجمال اختلفت باختلاف المراحل الإسلامية وباختلاف الشعوب الإسلامية.
4- وجود طبقة مترفة تعيش في البذخ والمجون، وفي بحث مستمر عن الجديد في الميدان الجنسي، وهذا ما يبين أن معظم المؤلفات الجنسية كتبت استجابة لرغبة الملوك والأمراء والأعيان.
هذه العوامل أدت مجتمعة إلى انتشار وازدهار الخطاب الجنسي والمعروف منه يمتد من الجاحظ إلى حسن خان على الأقل، أي على ألف سنة تقريباً.
أنواع النكاح قبل الإسلام
تقول عائشة: أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنواع، فنكاح منها: نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليّته أو ابنته فيدفع صداقها ثم ينكحها.
ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرْت من طمثها "اذهبي إلى فلان فأستبضعي منه"، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في إنجاب الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع.
ونكاح آخر: هو نكاح "الرهط" وسنأتي على تفصيله لاحقاً.
ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة لا تمانع من جاءها وهنّ البغايا. كنّ ينصبن على أبوابهن رايات، تكون علماً لمن أرادهن دخل عليهن. فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة (الشبيه) ثم الحقوا ولدها بالذي يرون. فالتاط (التحق) به ودُعي ابنه، لا يتمنع من ذلك، فلما بُعث محمد عليه افضل الصلوات والسلام بالحقّ هدم نكاح الجاهلية كلّه إلا نكاح الناس اليوم.
وفي الواقع فإن الرسول لم يهدم هذه الانكحة فقط، بل انكحة أخرى فات عائشة أن تذكرها، عائداً، وكما في مجمل تشريعاته الدنيوية لتنظيم الحياة الجنسية، إلى تلك القوانين اليهودية التي سنّها موسى في التوراة قبل آلاف السنين، لحصر النشاط الجنسي الإسلامي بأنظمة رسمية صارمة قد تؤدي، وقد أدت بمن يتجاوزها إلى قصاص مريع: الموت رجماً.
ويمكن، عموماً اجمال الانشطة الجنسية التي كانت سائدة في العصر الجاهلي وحرمها الاسلام فيما بعد، بما يلي :
نكاح الاستبضاع
نكاح انتقائي مؤقت كان الرجل يدفع زوجته اليه، بعد ان يكون قد حسم اختياره للرجل -العيّنة الذي ستتصل به زوجته جنسياً، بعد انقطاع دورتها الشهرية مباشرة. وغالباً ما يكون هذا النموذج شاعراً او فارساً رغبة منه في تحسين النسل او انجاب الولد.
ومعنى البُضع في اللغة: النكاح او فرج المرأة والمباضعة: المجامعة.
ويروي ابن منظور نقلاً عن ابن الاثير، ان الاستبضاع نوع من نكاح الجاهلية، وهو استفعال من البضع(الجماع) وذلك ان تطلب المرأة جماع الرجل لتنال منه الولد فقط، كان الرجل منهم يقول لأمَته او امرأته: "اذهبي الى فلان فاستبضعي منه"، ويعتزلها فلا يمسها حتى يتبين حملها وانما يفعل ذلك رغبة في انجاب الولد .
ويقال ان عادة الاستبضاع والتي تسمى ايضاً بالاستفحال قد انتقلت من العرب الى اهل افغانستان الذين كانوا اذا رأوا فارساً من العرب "خلّوا بينه وبين نسائهم رجاء ان يولد لهم مثله، والارجح ان هذه العادة قد انتقلت اليهم بعد دخول المسلمين الى افغانستان.
ومن المؤكد ان هذا النكاح ذو اصول بدائية -نسلية وليست اشباعية ، شهوانية، تضرب في التاريخ قبل الاسلام. فمن المأثور الاسطوري العربي ان اخت لقمان بن عاد ، وكانت امرأة ضعيفة النسل، قد قالت لإحدى نساء لقمان: "هذه ليلة طهري وهي ليلتك، فدعيني انم في مضجعك، فإن لقمان رجل منجب، فعسى ان يقع عليّ فأنجب". فوقع على اخته فحملت بلُقيم.
ان هذا النمط من النكاح يوغل في التاريخ الماقبل اسلامي بآلاف السنين. فمن جملة التحريمات الاسلامية الجنسية في التوراة ورد في الاصحاح الثامن عشر من سفراللاوين ما نصه: "لا تجعل مع امرأة صاحبك مضجعك لزرعٍ فتتنجس بها. ولا تعط من زرعك للإجازة لمولاك لئلا تدنس اسم الهك"، والزرع هنا بمعنى النطفة للنسل، والنص كما يبدو يشير بشكل واضح الى نكاح الاستبضاع وإن لم يسمّه.
نكاح المخادنة
المخادنة: الصداقة، والخدين: الصاحب او الصديق. وفي القرآن الكريم (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) فقد كانت المرأة قبل الاسلام ، تمتلك حق الصداقة مع رجل آخر، غير زوجها، يكون لها بمثابة العشيق او الصديق بالمفهوم الاجتماعي المعاصر، لا يمتلك الزوج حق الاعتراض او منعها عنه. واغلب الظن ان هذا العرف استمر حتى بعد الاسلام، وإن بشكل سري، رغم النهي القرآني الصريح عنه، فقد سأل الاصمعي ذات مرة امرأة من بني عذرة قائلاً: "ما هو العشق؟".. فقالت: "الغمزة والقبلة والضمة"... لكن ذلك لا يمنع وجود حالات من المخادنة الخالية من الاتصالات الجنسية المباشرة اذ كان من المتفق عليه بين العشيقين المتحابين " ان يكون له نصفها الاعلى، من سرتها الى قدميها، يصنع فيه ما يشاء، ولبعلها من سرتها الى اخمصها".. الا ان ذلك بإعتقادنا لا ينسحب على اهل المدن والحواضر بل ربما اختص به اهل البادية الذين يتصفون بصفات روحية اشد من اهل المدن، فقد قيل لإعرابي: "اتعرف الزنا؟"، فقال :"وكيف لا؟" قيل: "وما هو؟"، قال: " مص الريقة ولثم العشيقة والاخذ من الحديث بنصيب" وهذه اشارة واضحة الى عدم قيام الاتصال الجنسي المباشر.
ومن معاني المخادنة: الرفقة في كل امر، الظاهر منه والباطن، وخدن الجارية (المرأة): محدثها. وعموماً فقد كانت العرب تتغاضى عنه طالما كان منستراً وتقول: "ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لؤم".
نكاح البدل
وفيه يتم تبادل الزوجات، بشكل مؤقت، بين الرجلين لغرض المتعة والتغيير فقط، دون الحاجة الى اعلان طلاق او عقد، وقد اخرج الدارقطني من حديث ابو هريرة قوله: " إن البدل في الجاهلية ان يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك وانزل لك عن امرأتي وازيدك".
نكاح المضامدة
وهو ان تتخذ المرأة زوجاً اضافياً، زيادة على زوجها، لأسباب اغلبها اقتصادية فعن الفرّاء: " الضماد أن تصادق المرأة اثنين او ثلاثة في القحط لتأكل عند هذا وهذا لتشبع"
والضمد في اللغة: ان يُخالّ الرجل المرأة ومعها زوج. او ان يخالّها خليلان، وقد قال ابو ذؤيب الهذلي في امرأة خانته مع ابن عمه خالد بن زهير:
تريدين كيما تضمديني وخالداً
وهل يُجمع السيفان،ويحك في غمدِ؟
وحكايته ترد في هذا الكتاب بصياغة شعرية ثانية:
ومثله الضماد: ان تخالّ المرأة ذات الزوج رجلاً غير زوجها او رجلين قال مدرك الشاعر:
لا يخلص ، الدهر خليلٌ عشرا
ذات الضماد او يزور القبرا
اني رأيت الضمد شيئاً نكرا
(إي: لا يدوم رجل على امرأته ولا امرأة على زوجها إلا قدر عشر ليال، للعذر في الناس هذا العام)، ومن شعره ايضاً :
اردت لكيما تضمديني وصاحبي
ألا لا ، أحبّي صاحبي ودعيني
وهناك من يضامد، اذا كان سيداً او من الاشراف، بأن ينتقي امرأة من قومه لنفسه مانعاً غيره عنها، فمما يروى ان معاوية، أخا الخنساء ،وافى عكاظاً في موسم من مواسم العرب، فبينما هو يمشي بسوق عكاظ إذ لقي اسماء المريّة وكانت جميلة، وزعم انها كانت بغيا ،فدعاها الى نفسه فأمتنعت عليه وقالت: " أما علمت اني سيد العرب هاشم ابن حرملة؟" فقال: اما والله لأقارعنه عنك"، قالت: "شأنك وشأنه"، فرجعت الى هاشم فأخبرته بما قال معاوية وما قالت له، فقال هاشم: "فلعمري لا يريم ابياتنا حتى ننظر ما يكون من جهده" وخرجوا اليهم فأقتتلوا ساعة ولم يتركوا قتاله حتى قتلوه.
نكاح الرهط
وهو من انماط تعدد الازواج الذي مارسته المرأة قبل الاسلام، حيث يجتمع ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي بعد ان تضع حملها ارسلت اليهم فلم يستطع رجل منهم ان يمتنع حتى يجتمعوا، عندها تقول لهم: "قد عرفتم الذي كان من امركم ، وقد ولدتُ، فهو ابنك يا فلان " تسمّي من احبت بإسمه، فيلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع منه الرجل.
نكاح السر
وهو اقتران سري يعقده احد من الاشراف عادة مع من هي دونه في المنزلة الطبقية او الاجتماعية "فاذا حبلت منه أظهر ذلك وألحقها به" وقد نهى القرآن صراحة عنه في سورة البقرة (ولكن لا تواعدوهن سرا) والسر هنا بمعنى الزنا وقد تشدد فيه الخليفة عمر بن الخطاب بالقوة نفسها التي تشدد فيها الرسول " لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل " فقد اتى عمر بن الخطاب بنكاح لم يشهد عليه الا رجل وامرأة فقال "هذا نكاح السر ولا اجيزه.. ولو كنت تقدمت فيه لرجمت " اما الشيعة فقد تساهلوا فيه كثيرا واعتبروا ان وجود الشاهدين العدلين انما هو لحفظ حق الوراثة والانتساب، ففي رواية متصلة للكليني.. عن جعفر الصادق انه قال :حينما سئل عن الرجل الذي يتزوج المرأة بغير شهود: " لا بأس بتزويج البينة فيما بينه وبين الله انما جعل الشهود في تزويج البينة من اجل الولد"وفي رواية اخرى "انما جعلت البينات للنسب والمواريث".. والسر في اللغة معناه: الزنا او الجماع ومنه جاءت كلمة : السرية.. وهي الجارية المتخذة للملك والجماع.. حيث يقال للحرة اذا نكحت سرا او كانت فاجرة :سرية وهي منسوبة الى السر الجماع والاخفاء (لأن الانسان كثيرا ما يسرها ويسترها عن حرته)
ويبدو ان هذا النمط من النكاح قد تزايد مع ازدياد طبقة الأشراف وتعاظم قوة الدولة الاسلامية بعد وفاة الخلفاء الراشدين ففي رواية مسندة لأبي الفرج الاصفهاني ان محمدا بن عبدالله بن عمرو بن عثمان ابن عفان عندما ارسل الى خليدة المكية وهي قينة (جارية مغنية )ليخطبها قالت لرسوله: "انا من تعلم ،فان اراد صاحبك نكاحا مباحا او زنا صراحا فهلم الينا فنحن له".. فقال : "انه لا يدخل في الحرام ".. فقالت: "ولا ينبغي ان يستحي من الحلال فأما نكاح السر فلا والله لا فعلته".
نكاح الشغارhttp://www.aleftoday.net/upload/images/28.jpg
هو استنكاح تبادلي كانت تلجأ اليه العرب في الجاهلية بأن تتزاوج من خلال تبادل امرأتين من بنات الرجلين العازمين على الزواج او اختيهما على ان تكون المرأة المعطاة بمثابة المهر المقدم للمرأة التي سيتزوج منها..ولفظة الشغار جاءت من الشغر أي الرفع.. وهي مستمدة من شغر الكلب:اذا رفع احدى رجليه ليبول ثم استعمله الفقهاء فيما بعد كناية عن رفع المهر من عقد النكاح".. ورغم ان النبي قد نهى عنه نهيا صريحا : "لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام".. فقد ظل تأويل الصداق مثار اجتهادات مختلفة من الفقهاء اضافة الى تأويل النهي ذاته وفيما كان يقتضي ابطال النكاح ام لا؟
فالأحناف يرون بأنه يصح بمهر المثل أي اذا أوجب مهر المثل ودفعه الزوج . لأنه في هذه الحالة لا يعد شغارا وقد عللوا رأيهم بأن الأصل في التحريم.. في زواج الشغار مبني على خلو نكاح الشغار من المهر مع كون البضع صداقا ولذا فانهم شأن الجمهور .. يبطلون النكاح في هذه الحالة ولا يثبتونه الا انهم يقولون : انه في هذه الحالة يبقى نكاحا مسمى فيه ما لا يعد مهرا.. كأن يسمى في المهر الخمر والخنزير.
اما المالكية فقد أجمعوا على انه اذا شرط تزوج احداهما بالأخرى فهو شغار صريح واضح لخلوه من الصداق ولذا فالنكاح باطل وقالوا : يفسخ قبل البناء بطلاق لأنه نكاح مختلف فيه.. اما بعد البناء فيثبت بالأكثر من المهر المسمى وبصداق المثل هذا اذا وقع على الشرط اما اذا لم يقع على الشرط أي شرط الخلو من الصداق بل وقع على وجه المكافأة كما لو زوجه أخته فكافأة الآخر بمثل ذلك من غير ان يفهم توقف نكاح احداهما على الاخرى جاز النكاح وان لم يسم المهر... اما الشافعي فقد بنى حكمه على نهي النبي ورأى ان النهي هنا نهي مطلق وان الشغار لا يقتصر على ان يكون بدلا بين اختين وانما بأية انثى تقع تحت امرة القائمين بالبدل وعليه فقد حرمه مستدلا بحديث الرسول قاطعا بابطاله: "النساء محرمات الا ما أحل الله فاذا ورد النهي عن النكاح تأكد التحريم".. وهو رأي الشيعة ايضا فمما ورد عن الامام محمد الباقر انه قال " نهي عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق الا بضع صاحبتها " وقال : "لا يحل ان ينكح واحدة منهما الا بصداق ونكاح المسلمين".. وعلى اية حال ورغم التحريم الظاهري لهذا النمط من النكاح فمن الواضح انه يسود بين اوساط الفئات الفقيرة التي تعجز عن ايفاء المهور.
نكاح المساهاة
وهو نكاح ملحق بنكاح الشغار تفرد بذكره ابو حيان التوحيدي في (الامتاع والمؤانسة) بأن للعرب نكاحا يسمى : المساهاة بمعنى المسامحة وترك الاستقصاء في المعاشرة وهو ان يفك الرجل اسر الشخص ويجعل فك ذلك الأسير صداقا لأخت صاحب الأسر او ابنته او قريبته منه فيتزوج المعتق من غير صداق.
والأرجح ان هذا النوع من النكاح الافتدائي منتشر بين القبائل الضعيفة الفقيرة التي تتعرض للغزو وأسر رجالها بين حين وآخر.. دون ان تكون له القدرة على افتدائهم فقد روي ان ربيعة بن عامر أسر قومه يزيد بن الأطنابة.. فطلب من اخيه عمرو بن الأطنابة ان يفديه فاعتذر عمرو بانه لا يجد ما يفدي به أخاه.. فطلب ربيعة ان يزوجه بدل الفداء بأخته وهي فاتنة حسناء.. فرضي عمرو فتزوج ربيعة بأخت عصام وصداقها فكاك يزيد أخيها من الأسر وقد ذكر الشعراء هذه الواقعة فمما قيل فيها:
وساهى بها عمرو.. وراعى الأفال فزبد وتمر بعد ذاك كثير
(الأفال : صغار الابل)
ولما لامه الناس قال"فقد حزمي الذي هديت له وعزمي الذي أرشدت اليه".
نكاح الضيزن (المقت)
او وراثة النكاح الذي ينص في وراثة المرأة .. زوجة الاب.. او الابن.. بعد موت بعلها.. لتصير ضمن نساء الموروث.. والعرب تقول انها عادة فارسية نص القرآن بوضوح لا لبس فيه على تحريمها : "ولا تنحكوا ما نكح اباؤكم من النساء، الا ما قد سلف،انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا".
ولذلك سماه العرب بنكاح الضيزن او المقت .. والضيزن في الأصل: النخاس او الشريك في المرأة ثم صار يطلق على الذي يشارك أباه في امرأته .. يقول أوس بن حجر:
والفارسية فيهم غير منكرة .. فكلهم لأبيه ضيزن سلف
(أي : هم مثل المجوس يتزوج الرجل منهم امرأة ابيه وامرأة ابنه)
ومن اسمائه: المقت اذ انه كما يقال كان ممقوتا حتى عند اهل الجاهلية وفي الحديث : "لم يصبنا عيب من عيوب الجاهلية في نكاحها ومقتها"..والمقت في الأصل : اشد البغض ونكاح المقت: ان يتزوج الرجل امرأة ابيه اذا طلقها او مات عنها.. اما ابن سيده فعنده ان المقتي : هو الذي يتزوج امرأة أبيه.
ورغم ان القرآن حرم وراثة النكاح تحريما قطعيا في سورة النساء:(يا ايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن).
فقد اختلف المحدثون في تأويل اسباب نزول هذه الآية فمنهم من قال ان اهل الجاهلية كانوا اذا مات الرجل صار أولياؤه أحق بامرأته، ان شاء بعضهم تزوجها .. وان شاءوا زوجوها وان شاءوا لم يزوجوها.. فهم احق بها من أهلها او ان الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها(يمنعها من نكاح غيره)حتى تموت او ترد اليه صداقها،فنزلت هذه الآية .. اما ابن عباس فقد قال في تفسيرها : ان الرجل اذا مات وترك جارية.. ألقى عليها حميمه(قريبه) ثوبه.. فمنعها من الناس فان كانت جميلة تزوجها وان كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها ونقل السدي عن ابن مالك : ان المرأة في الجاهلية كانت اذا مات زوجها جاء وليها فألقى عليها ثوبا.. فان كان له ابن صغير او اخ حبسها حتى يشب او تموت فيرثها.. فان هي انفلتت فأتت اهلها...ولم يلق عليها ثوب .. نجت.
لكن الحادثة الأساسية التي أوجدت اية التحريم هي انه لما توفي ابو قيس بن الأسلت وهو رجل من الأنصار خطب ابنه قيس امرأته فقالت: "انما كنت أعدك ولدا لي وانت من صالحي قومك .. ولكني آتى رسول الله"فقالت للرسول: "ان أبا قيس توفي".. فقال عليه السلام: خيرا... ثم قالت : "ان ابنه قيسا خطبني وهو من صالحي قومه وانما كنت أعده ولدا فما ترى؟
فقال لها الرسول:ارجعي الى بيتك "...
فنزلت هذه الآية في تحريمه..
لم يكن هذا النكاح كما يبدو مطلقا عند أهل الجاهلية .. فقد وضع العرب شروطا لشرعيته منها: ان تكون المرأة أصغر سنا ممن يريد ان يخلف أباه عليها وان لا تكون قد ولدت للأب شيئا وان لا تكون أختا لأم الولد الذي يريد زواجها.. فاذا اجتمعت هذه الشروط وأحب الخلف ان يتزوجها فألقى ثوبه عليها كان أحق بها فان شاء تزوجها وراثة من غير صداق وان شاء زوجها غيره وأخذ صداقها وان شاء عضلها لتفتدي نفسها منه.
وعموما فان موقف الطوائف الاسلامية من هذا النكاح هو التحريم المطلق.. وقد بالغ بعضهم في ذلك، فالأحناف يرون ان حتى من لمس امرأة او قبلها او نظر الى فرجها بشهوة.. فقد حرمت عليه أصولها وفروعها وتحرم على أصوله وفروعه".. ويكاد فقهاء الشيعة ان يطابقوا هذا الموقف الا اننا وجدنا نصا منسوبا .. بثلاث روايات الى الامام جعفر الصادق يرد ما فيه: "ان الفرج يحل بثلاثة :نكاح بميراث ونكاح بلا ميراث ونكاح بملك اليمين".. ولا ادري ان كان يعني بهذا وراثة النكاح ام غيره؟
وأغلب الظن ان نكاح نساء الآباء تقليد لاسامي ففي الكتاب المقدس العهد القديم.. يرد ما مفاده انه "اذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه فقد كشف عورة أبيه .. انهما يقتلان كلاهما ..دمهما عليهما".
وربما كان هذا العقاب الصارم يشمل الزنا بزوجة الاب اثناء حياته.
عن مجلة الناقد بتصرف
التعديل الأخير: