جبران الشداني
كاتب
دراسة جديدة حول الأمور غير المحتشمة في الكتاب المقدس وكيفية معالجة الكتاب المقدس للزنا والطلاق والحب المثلي.
تصف القصيدة عاشقـَيْن اثنين يئنان رغبة. والهاجس مشترك وجسدي وكامل. يتأمل الرجل طويلاً في عيني معشوقته وشعرها وأسنانها وشفتيها وصدغيها وعنقها وثدييها حتى يصل إلى " جبل المر ". ويقول جذلاً: " كل ما فيك جميل يا حبيبتي ". ثم يقول: "لا يوجد فيك عيب".
وترد الفتاة شبقه بشبق فتقول: " حبيبي مد يده من الكوة، فأنـّت عليه أحشائي ".
توجد هذه القصيدة حول الاكتمال الجنسي في - أنحاء - الكتاب المقدس. فهي نشيد الأناشيد، القصيدة التي قد تعود أصولها إلى أناشيد الحب الوثني في مصر قبل أكثر من 1200 سنة على ولادة المسيح (عليه السلام). وقد حاول مفسرو الكتاب المقدس عبر آلاف السنين التخفيف من حرارتها بقولهم أن معناها الباطن أعمق من معناها الظاهر. فقالوا أنها تدور حول حب الله لبني إسرائيل، أو أنها تدور حول حب " يسوع " للكنيسة. ولكن أياً كانت الطبقات الأخرى التي قد يحتوي عليها النشيد، فهو في ظاهره يعد عملاً أدبياً قديماً عن الأمور الجنسية واحتفاءاً بتحقيق الرغبة الجنسية.
فما الذي يقوله الكتاب المقدس حقاً عن الجنس؟ يحاول كتابان قام باحثان جامعيان بتأليفهما لعامة الناس أن يجيبا عن هذا السؤال. فبعد أن شعرا بالغيظ من هيمنة مسيحيين محافظين في المجالات العامة يصرون على أن الكتاب المقدس بما لا يقبل الجدل يدعم الجنس ضمن حدود " الزواج التقليدي "، نجد هذين الكاتبين يحاولان إثبات عكس ذلك. فتقوم " جنيفر رايت كنوست " و" مايكل كوغان " بتفجير الكتاب المقدس بسبب حكاياته غير المصقولة والمتعذر تفسيرها حول الجنس - " يفتاح " الذي نذر ابنته العذراء محرقة للرب، و" نـُعمي " و" راعوث " اللتان أقسمتا على أن تحبا بعضهما حتى الموت - ليبيـّنا أن تعاليم الكتاب المقدس حول الجنس ليست مترابطة منطقياً على النحو الذي يود اليمين المتدين أن يعتقده الناس. ففي قراءة "كنوست" نجد أن نشيد الأناشيد عبارة عن أنشودة للجنس خارج قيود الزواج، خارج عرف الأسرة والمجتمع. حيث تقول في كتابها (
نصوص غير محمية: تناقضات الكتاب المقدس المثيرة للدهشة حول الجنس والرغبة):
" لقد سئمتُ من رؤية أولئك الذين يُفترض بهم العناية بالكتاب المقدس يختزلون قصصه وتعاليمه إلى شعارات ".
وسيظهر كتابها خلال الشهر الجاري [شباط / فبراير 2011 - المترجم].
أما كتاب " كوغان " (الله والجنس: ما يقوله الكتاب المقدس حقاً) فقد نشر في الخريف الماضي [خريف 2010 - المترجم].
يقول النقاد المحافظون أن الترابط المنطقي هو بالتحديد ما يقدمه الكتاب المقدس حول الجنس. فبقراءته في سياق التقليد المسيحي وبإدراك أنه نص جاء " بوحي إلهي " - أي وصل إلى الناس من الله مباشرة - يمكن أن يصل المؤمن إلى استنتاج واحد فقط حول مسائل الجنس والزواج. فيقول " رتشارد مو"، عميد معهد فولر اللاهوتي في باسادينا، كاليفورنيا: " العلاقة الجنسية خارج الإلتزام العلني والمستمر مدى الحياة بين الرجل والمرأة لا ينسجم مع أغراض الرب في الخلق والخلاص". ويقول علماء الدين المحافظون أن الليبراليين يرغبون في أن يكون الكتاب المقدس أكثر تساهلاً بشأن الجنس، ولكنه ليس كذلك.
وبالطبع فإن المعارك حول التفسير " الصحيح " قديمة قدم الكتاب المقدس نفسه. ففي الحروب الثقافية الحالية يقوم اليمين المسيحي باستخدام الكتاب المقدس - وخصوصاً جدل " الرجل الواحد والمرأة الواحدة " من سفر التكوين - لمعارضة زواج المثليين. وقد أدى هذا الصراع، فضلاً عن حالات الصراع الأخرى حول فعالية مدارس التعليم التقشفي والنزاعات ضمن الطوائف حول الدور الصحيح للمرأة في القيادات الكنسية، أدى بالعديد من الأمريكان (ثلثاهم نادراً ما يقرأ الكتاب المقدس) إلى الاعتقاد بأن الكتاب المقدس لا يتحدث إليهم. فـ " كنوست " تعمل أستاذة للدين في جامعة بوسطن، كما إنها كاهنة مرسمة في الطائفة المعمدانية الأمريكية. أما " كوغان "، وهو مدير المنشورات في المتحف السامي في جامعة هافرد، فقد تلقى تدريباً فيما سبق كقس يسوعي. وهما يأملان بكتابيهما أن يسرقا الحديث حول الجنس والكتاب المقدس من اليمين المتدين. فتكتب " كنوست ": " لا ينبغي أن يقوم الكتاب المقدس بالانتهاك، بحيث يقوم بإخضاع الأجساد والإرادات لآرائه ومطالبه ". كما تقول: " يمكن كذلك أن يكون شريكاً في الرقص المعقد الرامي إلى اكتشاف معنى العيش في أجساد مليئة بالرغبة ". وأدناه نعرض المناظرات باختصار:
الكتاب المقدس نص قديم لا ينطبق في تفاصيله على العالم الحديث.
لا وجود لـ " الزواج التقليدي " في الكتاب المقدس. فـ " إبراهيم " ينجب أطفالاً من " سارة " ومن خادمته " هاجر ". و" يعقوب " يتزوج " راحيل " وأختها " ليا "، وكذلك خادمتيهما " بلها " و" زلفا "؟ أما " يسوع " فقد كان أعزباً، وكذلك " بولص ".
كان الأزواج أساساً يملكون زوجاتهم، كما كان الآباء يملكون بناتهم كذلك. وكان الأب هو الذي يحمي عذرية الفتاة - ويتخلى عنها عند أية نزوة. ولهذا يعرض " لوط " إبنتيه العذراوين إلى الحشد الغاضب الذي يحيط بمنزله في سدوم. ونجد سفر التثنية يفرض الموت على الزانيات، أما " بولص " فيقترح أن " النساء يجب أن يسكتن في الكنائس" (وهو الأساس المنطقي لدى بعض الطوائف المحافظة لمنع النساء عن المنبر).
يقول " كوغان ": " يحتوي الكتاب المقدس على إنحياز ذكوري في جميع أنحائه ". ومن الأفضل تجاهل الخصوصيات وقراءة الكتاب المقدس في تعاليمه حول الحب والحنان والتسامح. وإذا نظرنا إليه بصورة كلية " يمكن فهم الكتاب المقدس كسجل لبدء الحركة المتواصلة نحو هدف الحرية والمساواة الكاملتين للجميع".
الجنس في الكتاب المقدس مخفي أحياناً.
أولئك الذين يتابعون المناظرات حول زواج المثليين قد يكونون مطلعين على بعض أمور الكتاب المقدس. فهناك آيتان من سفر اللاويين تصفان الجنس بين الرجال على أنه " أمر بغيض " (في ترجمة الملك جيمس). وثمة آية أخرى في رسالة روما تدين الرجال " المشتعلين شهوة لبعضهم البعض ". غير أن " كوغان " يبدي ملاحظة بارعة حين يقول: " يوجد جنس في كل صفحة من الكتاب المقدس، لو كنتم تعرفون فقط أين تنظرون ". فالفهم الكامل لتعاليم الكتاب المقدس حول الجنس يتطلب عيناً مدربة.
عندما يريد مؤلفو الكتاب المقدس الحديث عن الأعضاء التناسلية، فإنهم يتحدثون أحياناً عن " الأيدي "، كما هو الحال في نشيد الأناشيد، وأحيناً يتحدثون عن " الأقدام ". ويورد " كوغان " فقرة يولد فيها طفل " بين قدمي أمه ". كما يورد فقرة أخرى يتعهد فيها النبي " أشعيا " بأن الرب الذي ينزل العقوبات سوف يحلق الشعر عن رؤوس وأذقان و" أقدام " بني إسرائيل. وعندما تمسح " راعوث " نفسها بالزيت، في العهد القديم، وتضطجع بعد حلول الظلام إلى جانب " بوعز " - وهو الرجل الذي تأمل في أن تجعله زوجاً لها - فإنها " تكشف عن قدميه ". فيستيقظ " بوعز " جافلاً، ويسألها: " من أنتِ؟ " فتعرّف " راعوث " عن نفسها وتمضي الليل "عند قدميه".
ومن هنا يقوم " كوغان" بخطوة تفسيرية حسية. فيقول أنه عند تدريسه طلبة الجامعة، لابد أن يطرح أحد الطلبة سؤالاً عن المشهد في إنجيل " لوقا " والذي تغسل فيه إمرأة قدمي يسوع - ثم تقوم بتجفيفهما بشعرها. هل يتحدث ذلك المؤلف عن " الأقدام "؟ أم الأقدام؟ ويقول " كوغان ": كما تشير التفاصيل الحديثة والقديمة، فإن التلميح الجنسي قد يكون موجوداً ". ويتفق العلماء على أنه في هذه الحالة قد يكون القدم مجرد قدم.
الممنوع مباح
الكتاب المقدس صارم وانتقادي حيال الجنس. فهو يمنع البغاء والزنا وممارسة المرأة الجنس قبل الزواج واللواطة. غير أن " كنوست " تشير إلى وجود استثناءات في كل حالة. فنجد " تامار"، وهي أرملة ليس لديها أطفال، تظهر كبغي وتغوي حماها - لكي يمكن أن " يدخل فيها ". فرغبتها في تحسين حالها إذ لا أطفال لديها يفوق حظر البغاء. كما تبرهن " كنوست" - بشكل استفزازي - على أن " الملك داود " " حصل على الإشباع الجنسي " مع صديقه " يوناثان ". فنجد " داود " ينوح على " يوناثان" عند موته قائلاً: "كان حبك لي رائعاً، يتجاوز حب المرأة".
الطلاق مباح في العهد القديم - غير أنه ممنوع في الإنجيل. فهو لم يكن يرق لـ " يسوع ": وهذا يكفي. فيقول في إنجيل " مرقص ": " كل من يطلق زوجته ويتزوج من أخرى يرتكب الزنا معها، وإذا تطلق زوجها وتتزوج من آخر فإنها ترتكب الزنا". أما في رواية " متى " فإن " يسوع " يخفف من موقفه قليلاً ويترك منفذاً لأزواج النساء غير الوفيات. فتقول " كنوست ": عندما يصل الأمر إلى الجنس، نجد الكتاب المقدس منقسماً على نفسه في الغالب".
التفاسير المقبولة خاطئة أحياناً.
وكما يعرف الجميع فإن قصة سدوم وعمورة هي قصة حكم الله على اللواطة والاتصال الجنسي غير الشرعي والأنواع الأخرى من الجنس المحرم. غير أن " كنوست " تبرهن خلاف ذلك. إنها قصة تدور حول خطر ممارسة الجنس مع الملائكة. ففي عالم الكتاب المقدس كان الناس يؤمنون بالملائكة، وكانوا يخشونهم، لأن الجنس مع الملائكة كان يؤدي إلى الموت والدمار الحتميين. ففي قصة " نوح "، يرسل الله الطوفان لإبادة ذرية " بنات الإنسان " (النساء) و" أبناء الله " (الملائكة، كما في بعض التفسيرات). وتتحدث النصوص اليهودية المعترف بها Canonical عن الملائكة، الذين يطلق عليهم إسم المراقبين، والذين ينزلون إلى الأرض ويحبّلون النساء البشريات فيلدن أطفالاً رهيبين - وبهذا يستحثون الإنتقام الشديد من الله. وتبرهن "كنوست" على أن الله لم يمحُ سدوم لأن ذكورها يمارسون الجنس مع بعضهم، كما يعظ العديد من الكهنة المعاصرين، ولكن أحد الأسباب هو أن رجال المدينة كانوا يعتزمون إغتصاب ملائكة الله المحتمين في منزل " لوط ". وعندما يقول " بولص الرسول " للنساء ألا يكشفن رؤوسهن في الكنيسة، فإنه يصدر تحذيراً من إثارة شهوة الملائكة، فتقول " كنوست ": " قد يكون الملائكة ينظرون".
إن "كوغان" و"كنوست" ليسا أول عالمين يقدمان قراءات بديلة لتعاليم الكتاب المقدس حول الجنس. غير أن ما يميزهما عن غيرهما هو شعبيتهما. فمن خلال العناوين الاستفزازية ودور النشر الرائجة يتضح بأنهما يأملان في بيع الكتابين. إلا أن قضيتهما الأكبر هي مع الصراع ضد التفسيرات " الرسمية ". فـ " كنوست "، التي تدربت في منزل مسيحي محافظ، تتذكر بحماس قراءتها الكتاب المقدس مع أمها على الأريكة وحديثها جهاراً - بخليط من الإيمان والشك - عما يمكن أن يعنيه. وهي تشجع القراء أن يفعلوا الأمر ذاته مع كتابها.
فتاة لوحدها على الأريكة مع الكتاب المقدس يمكن أن يؤدي كذلك إلى بعض الاستنتاجات الخطيرة: فقد تمت قراءة الكتاب المقدس في بعض الأوقات عبر الزمن على أنه يدعم العبودية وضرب الزوجات والاختطاف وإساءة معاملة الأطفال والعنصرية وتعدد الزوجات. ولهذا السبب نجد " ألبرت مولر"، رئيس المعهد اللاهوتي المعمداني الجنوبي، معقل المحافظين المسيحيين ذاك، يصل إلى الاستنتاج القائل بأن قراءة الكتاب المقدس يجب أن تكون تحت إشراف السلطات الملائمة. فيقول أن توجّب قراءة الكتاب المقدس على الجميع " لا يعني أن الجميع مؤهلون بالتساوي لقراءته، ولا يعني أنه ينبغي استعمال النص كمرآة لأنفسنا ". ويضيف قائلاً: " كافة أنواع الهرطقات تأتي من الذين يقرأون الكتاب المقدس ويتهورون في اعتقادهم بأنهم قد فهموه على النحو الصحيح." ثم يردف قائلاً بأن الكتاب المقدس، كونه كلمة الله، غير منفتح على ذات مستوى تفسير الأوديسة أو الإلياذة.
ومع ذلك ففي الديمقراطية نجد أنه حتى المهرطقين لهم صوتهم. وفيما إذا كان القراء يقبلون تفسيرات " كوغان " و" كنوست " أم لا، فإننا نجد للمؤلفـَيْن تبريرات في إصرارهما على أن الشعب المنقسم على هذا النحو حول مسائل الجنس والأخلاق الجنسية لا يمكن - لا ينبغي - أن يترك الميدان بدون أن يستكشف أولاً ما يقوله الكتاب المقدس بالفعل. وتتفق معنا في هذا الأمر مؤرخة الكتاب المقدس البارزة، " إيلين باجيلز "، حيث تقول بأن قراءة الكتاب المقدس والتفكر فيه " يعني الإدراك بأننا ليست لدينا سلسلة من الأجوبة، بل الكثير من الأسئلة".
كاتبة المقال، "ليسا ميلر"، كاتبة أمريكية من مواليد سنة 1963. وهي محررة الشؤون الدينية في مجلة "نيوزويك"، كما تكتب في التاريخ والأديان والعقيدة الدينية.
عن: موقع مجلة نيوزويك الأمريكية بتاريخ 6 شباط / فبراير 2011.
What the Bible Really Says About Sex - Newsweek
--------------
* عن موفع النور
.
تصف القصيدة عاشقـَيْن اثنين يئنان رغبة. والهاجس مشترك وجسدي وكامل. يتأمل الرجل طويلاً في عيني معشوقته وشعرها وأسنانها وشفتيها وصدغيها وعنقها وثدييها حتى يصل إلى " جبل المر ". ويقول جذلاً: " كل ما فيك جميل يا حبيبتي ". ثم يقول: "لا يوجد فيك عيب".
وترد الفتاة شبقه بشبق فتقول: " حبيبي مد يده من الكوة، فأنـّت عليه أحشائي ".
توجد هذه القصيدة حول الاكتمال الجنسي في - أنحاء - الكتاب المقدس. فهي نشيد الأناشيد، القصيدة التي قد تعود أصولها إلى أناشيد الحب الوثني في مصر قبل أكثر من 1200 سنة على ولادة المسيح (عليه السلام). وقد حاول مفسرو الكتاب المقدس عبر آلاف السنين التخفيف من حرارتها بقولهم أن معناها الباطن أعمق من معناها الظاهر. فقالوا أنها تدور حول حب الله لبني إسرائيل، أو أنها تدور حول حب " يسوع " للكنيسة. ولكن أياً كانت الطبقات الأخرى التي قد يحتوي عليها النشيد، فهو في ظاهره يعد عملاً أدبياً قديماً عن الأمور الجنسية واحتفاءاً بتحقيق الرغبة الجنسية.
فما الذي يقوله الكتاب المقدس حقاً عن الجنس؟ يحاول كتابان قام باحثان جامعيان بتأليفهما لعامة الناس أن يجيبا عن هذا السؤال. فبعد أن شعرا بالغيظ من هيمنة مسيحيين محافظين في المجالات العامة يصرون على أن الكتاب المقدس بما لا يقبل الجدل يدعم الجنس ضمن حدود " الزواج التقليدي "، نجد هذين الكاتبين يحاولان إثبات عكس ذلك. فتقوم " جنيفر رايت كنوست " و" مايكل كوغان " بتفجير الكتاب المقدس بسبب حكاياته غير المصقولة والمتعذر تفسيرها حول الجنس - " يفتاح " الذي نذر ابنته العذراء محرقة للرب، و" نـُعمي " و" راعوث " اللتان أقسمتا على أن تحبا بعضهما حتى الموت - ليبيـّنا أن تعاليم الكتاب المقدس حول الجنس ليست مترابطة منطقياً على النحو الذي يود اليمين المتدين أن يعتقده الناس. ففي قراءة "كنوست" نجد أن نشيد الأناشيد عبارة عن أنشودة للجنس خارج قيود الزواج، خارج عرف الأسرة والمجتمع. حيث تقول في كتابها (
نصوص غير محمية: تناقضات الكتاب المقدس المثيرة للدهشة حول الجنس والرغبة):
" لقد سئمتُ من رؤية أولئك الذين يُفترض بهم العناية بالكتاب المقدس يختزلون قصصه وتعاليمه إلى شعارات ".
وسيظهر كتابها خلال الشهر الجاري [شباط / فبراير 2011 - المترجم].
أما كتاب " كوغان " (الله والجنس: ما يقوله الكتاب المقدس حقاً) فقد نشر في الخريف الماضي [خريف 2010 - المترجم].
يقول النقاد المحافظون أن الترابط المنطقي هو بالتحديد ما يقدمه الكتاب المقدس حول الجنس. فبقراءته في سياق التقليد المسيحي وبإدراك أنه نص جاء " بوحي إلهي " - أي وصل إلى الناس من الله مباشرة - يمكن أن يصل المؤمن إلى استنتاج واحد فقط حول مسائل الجنس والزواج. فيقول " رتشارد مو"، عميد معهد فولر اللاهوتي في باسادينا، كاليفورنيا: " العلاقة الجنسية خارج الإلتزام العلني والمستمر مدى الحياة بين الرجل والمرأة لا ينسجم مع أغراض الرب في الخلق والخلاص". ويقول علماء الدين المحافظون أن الليبراليين يرغبون في أن يكون الكتاب المقدس أكثر تساهلاً بشأن الجنس، ولكنه ليس كذلك.
وبالطبع فإن المعارك حول التفسير " الصحيح " قديمة قدم الكتاب المقدس نفسه. ففي الحروب الثقافية الحالية يقوم اليمين المسيحي باستخدام الكتاب المقدس - وخصوصاً جدل " الرجل الواحد والمرأة الواحدة " من سفر التكوين - لمعارضة زواج المثليين. وقد أدى هذا الصراع، فضلاً عن حالات الصراع الأخرى حول فعالية مدارس التعليم التقشفي والنزاعات ضمن الطوائف حول الدور الصحيح للمرأة في القيادات الكنسية، أدى بالعديد من الأمريكان (ثلثاهم نادراً ما يقرأ الكتاب المقدس) إلى الاعتقاد بأن الكتاب المقدس لا يتحدث إليهم. فـ " كنوست " تعمل أستاذة للدين في جامعة بوسطن، كما إنها كاهنة مرسمة في الطائفة المعمدانية الأمريكية. أما " كوغان "، وهو مدير المنشورات في المتحف السامي في جامعة هافرد، فقد تلقى تدريباً فيما سبق كقس يسوعي. وهما يأملان بكتابيهما أن يسرقا الحديث حول الجنس والكتاب المقدس من اليمين المتدين. فتكتب " كنوست ": " لا ينبغي أن يقوم الكتاب المقدس بالانتهاك، بحيث يقوم بإخضاع الأجساد والإرادات لآرائه ومطالبه ". كما تقول: " يمكن كذلك أن يكون شريكاً في الرقص المعقد الرامي إلى اكتشاف معنى العيش في أجساد مليئة بالرغبة ". وأدناه نعرض المناظرات باختصار:
الكتاب المقدس نص قديم لا ينطبق في تفاصيله على العالم الحديث.
لا وجود لـ " الزواج التقليدي " في الكتاب المقدس. فـ " إبراهيم " ينجب أطفالاً من " سارة " ومن خادمته " هاجر ". و" يعقوب " يتزوج " راحيل " وأختها " ليا "، وكذلك خادمتيهما " بلها " و" زلفا "؟ أما " يسوع " فقد كان أعزباً، وكذلك " بولص ".
كان الأزواج أساساً يملكون زوجاتهم، كما كان الآباء يملكون بناتهم كذلك. وكان الأب هو الذي يحمي عذرية الفتاة - ويتخلى عنها عند أية نزوة. ولهذا يعرض " لوط " إبنتيه العذراوين إلى الحشد الغاضب الذي يحيط بمنزله في سدوم. ونجد سفر التثنية يفرض الموت على الزانيات، أما " بولص " فيقترح أن " النساء يجب أن يسكتن في الكنائس" (وهو الأساس المنطقي لدى بعض الطوائف المحافظة لمنع النساء عن المنبر).
يقول " كوغان ": " يحتوي الكتاب المقدس على إنحياز ذكوري في جميع أنحائه ". ومن الأفضل تجاهل الخصوصيات وقراءة الكتاب المقدس في تعاليمه حول الحب والحنان والتسامح. وإذا نظرنا إليه بصورة كلية " يمكن فهم الكتاب المقدس كسجل لبدء الحركة المتواصلة نحو هدف الحرية والمساواة الكاملتين للجميع".
الجنس في الكتاب المقدس مخفي أحياناً.
أولئك الذين يتابعون المناظرات حول زواج المثليين قد يكونون مطلعين على بعض أمور الكتاب المقدس. فهناك آيتان من سفر اللاويين تصفان الجنس بين الرجال على أنه " أمر بغيض " (في ترجمة الملك جيمس). وثمة آية أخرى في رسالة روما تدين الرجال " المشتعلين شهوة لبعضهم البعض ". غير أن " كوغان " يبدي ملاحظة بارعة حين يقول: " يوجد جنس في كل صفحة من الكتاب المقدس، لو كنتم تعرفون فقط أين تنظرون ". فالفهم الكامل لتعاليم الكتاب المقدس حول الجنس يتطلب عيناً مدربة.
عندما يريد مؤلفو الكتاب المقدس الحديث عن الأعضاء التناسلية، فإنهم يتحدثون أحياناً عن " الأيدي "، كما هو الحال في نشيد الأناشيد، وأحيناً يتحدثون عن " الأقدام ". ويورد " كوغان " فقرة يولد فيها طفل " بين قدمي أمه ". كما يورد فقرة أخرى يتعهد فيها النبي " أشعيا " بأن الرب الذي ينزل العقوبات سوف يحلق الشعر عن رؤوس وأذقان و" أقدام " بني إسرائيل. وعندما تمسح " راعوث " نفسها بالزيت، في العهد القديم، وتضطجع بعد حلول الظلام إلى جانب " بوعز " - وهو الرجل الذي تأمل في أن تجعله زوجاً لها - فإنها " تكشف عن قدميه ". فيستيقظ " بوعز " جافلاً، ويسألها: " من أنتِ؟ " فتعرّف " راعوث " عن نفسها وتمضي الليل "عند قدميه".
ومن هنا يقوم " كوغان" بخطوة تفسيرية حسية. فيقول أنه عند تدريسه طلبة الجامعة، لابد أن يطرح أحد الطلبة سؤالاً عن المشهد في إنجيل " لوقا " والذي تغسل فيه إمرأة قدمي يسوع - ثم تقوم بتجفيفهما بشعرها. هل يتحدث ذلك المؤلف عن " الأقدام "؟ أم الأقدام؟ ويقول " كوغان ": كما تشير التفاصيل الحديثة والقديمة، فإن التلميح الجنسي قد يكون موجوداً ". ويتفق العلماء على أنه في هذه الحالة قد يكون القدم مجرد قدم.
الممنوع مباح
الكتاب المقدس صارم وانتقادي حيال الجنس. فهو يمنع البغاء والزنا وممارسة المرأة الجنس قبل الزواج واللواطة. غير أن " كنوست " تشير إلى وجود استثناءات في كل حالة. فنجد " تامار"، وهي أرملة ليس لديها أطفال، تظهر كبغي وتغوي حماها - لكي يمكن أن " يدخل فيها ". فرغبتها في تحسين حالها إذ لا أطفال لديها يفوق حظر البغاء. كما تبرهن " كنوست" - بشكل استفزازي - على أن " الملك داود " " حصل على الإشباع الجنسي " مع صديقه " يوناثان ". فنجد " داود " ينوح على " يوناثان" عند موته قائلاً: "كان حبك لي رائعاً، يتجاوز حب المرأة".
الطلاق مباح في العهد القديم - غير أنه ممنوع في الإنجيل. فهو لم يكن يرق لـ " يسوع ": وهذا يكفي. فيقول في إنجيل " مرقص ": " كل من يطلق زوجته ويتزوج من أخرى يرتكب الزنا معها، وإذا تطلق زوجها وتتزوج من آخر فإنها ترتكب الزنا". أما في رواية " متى " فإن " يسوع " يخفف من موقفه قليلاً ويترك منفذاً لأزواج النساء غير الوفيات. فتقول " كنوست ": عندما يصل الأمر إلى الجنس، نجد الكتاب المقدس منقسماً على نفسه في الغالب".
التفاسير المقبولة خاطئة أحياناً.
وكما يعرف الجميع فإن قصة سدوم وعمورة هي قصة حكم الله على اللواطة والاتصال الجنسي غير الشرعي والأنواع الأخرى من الجنس المحرم. غير أن " كنوست " تبرهن خلاف ذلك. إنها قصة تدور حول خطر ممارسة الجنس مع الملائكة. ففي عالم الكتاب المقدس كان الناس يؤمنون بالملائكة، وكانوا يخشونهم، لأن الجنس مع الملائكة كان يؤدي إلى الموت والدمار الحتميين. ففي قصة " نوح "، يرسل الله الطوفان لإبادة ذرية " بنات الإنسان " (النساء) و" أبناء الله " (الملائكة، كما في بعض التفسيرات). وتتحدث النصوص اليهودية المعترف بها Canonical عن الملائكة، الذين يطلق عليهم إسم المراقبين، والذين ينزلون إلى الأرض ويحبّلون النساء البشريات فيلدن أطفالاً رهيبين - وبهذا يستحثون الإنتقام الشديد من الله. وتبرهن "كنوست" على أن الله لم يمحُ سدوم لأن ذكورها يمارسون الجنس مع بعضهم، كما يعظ العديد من الكهنة المعاصرين، ولكن أحد الأسباب هو أن رجال المدينة كانوا يعتزمون إغتصاب ملائكة الله المحتمين في منزل " لوط ". وعندما يقول " بولص الرسول " للنساء ألا يكشفن رؤوسهن في الكنيسة، فإنه يصدر تحذيراً من إثارة شهوة الملائكة، فتقول " كنوست ": " قد يكون الملائكة ينظرون".
إن "كوغان" و"كنوست" ليسا أول عالمين يقدمان قراءات بديلة لتعاليم الكتاب المقدس حول الجنس. غير أن ما يميزهما عن غيرهما هو شعبيتهما. فمن خلال العناوين الاستفزازية ودور النشر الرائجة يتضح بأنهما يأملان في بيع الكتابين. إلا أن قضيتهما الأكبر هي مع الصراع ضد التفسيرات " الرسمية ". فـ " كنوست "، التي تدربت في منزل مسيحي محافظ، تتذكر بحماس قراءتها الكتاب المقدس مع أمها على الأريكة وحديثها جهاراً - بخليط من الإيمان والشك - عما يمكن أن يعنيه. وهي تشجع القراء أن يفعلوا الأمر ذاته مع كتابها.
فتاة لوحدها على الأريكة مع الكتاب المقدس يمكن أن يؤدي كذلك إلى بعض الاستنتاجات الخطيرة: فقد تمت قراءة الكتاب المقدس في بعض الأوقات عبر الزمن على أنه يدعم العبودية وضرب الزوجات والاختطاف وإساءة معاملة الأطفال والعنصرية وتعدد الزوجات. ولهذا السبب نجد " ألبرت مولر"، رئيس المعهد اللاهوتي المعمداني الجنوبي، معقل المحافظين المسيحيين ذاك، يصل إلى الاستنتاج القائل بأن قراءة الكتاب المقدس يجب أن تكون تحت إشراف السلطات الملائمة. فيقول أن توجّب قراءة الكتاب المقدس على الجميع " لا يعني أن الجميع مؤهلون بالتساوي لقراءته، ولا يعني أنه ينبغي استعمال النص كمرآة لأنفسنا ". ويضيف قائلاً: " كافة أنواع الهرطقات تأتي من الذين يقرأون الكتاب المقدس ويتهورون في اعتقادهم بأنهم قد فهموه على النحو الصحيح." ثم يردف قائلاً بأن الكتاب المقدس، كونه كلمة الله، غير منفتح على ذات مستوى تفسير الأوديسة أو الإلياذة.
ومع ذلك ففي الديمقراطية نجد أنه حتى المهرطقين لهم صوتهم. وفيما إذا كان القراء يقبلون تفسيرات " كوغان " و" كنوست " أم لا، فإننا نجد للمؤلفـَيْن تبريرات في إصرارهما على أن الشعب المنقسم على هذا النحو حول مسائل الجنس والأخلاق الجنسية لا يمكن - لا ينبغي - أن يترك الميدان بدون أن يستكشف أولاً ما يقوله الكتاب المقدس بالفعل. وتتفق معنا في هذا الأمر مؤرخة الكتاب المقدس البارزة، " إيلين باجيلز "، حيث تقول بأن قراءة الكتاب المقدس والتفكر فيه " يعني الإدراك بأننا ليست لدينا سلسلة من الأجوبة، بل الكثير من الأسئلة".
كاتبة المقال، "ليسا ميلر"، كاتبة أمريكية من مواليد سنة 1963. وهي محررة الشؤون الدينية في مجلة "نيوزويك"، كما تكتب في التاريخ والأديان والعقيدة الدينية.
عن: موقع مجلة نيوزويك الأمريكية بتاريخ 6 شباط / فبراير 2011.
What the Bible Really Says About Sex - Newsweek
--------------
* عن موفع النور
.
صورة مفقودة