نقوس المهدي
كاتب
أنت مجنونة، أصابعك مجنونة، شفتاك، عيناك، كل شيء فيك يُذكر ولا يُذكَر، مجنون.
هكذا كالسيل، لا... لم تكوني سيلاً.
اقتربتِ، ألقيتِ في قلبي ماضيك، أحلامك، فناجين قهوتك، جنونك، حواسك، وبضع زنابق.
قلتِ أن اسمك... لا، الاسم غير مهم، لا اسم لمجنونة سوى الجنون.
قلتُ. أخاف من هدير الياسمين... لماذا ضَغَطَتْ أصابعك على قلبي ؟.
قلتُ لكِ ألف مرة: أنا لا أخاف الزنابق... لماذا بكيتِ ؟.
قلتُ لك لا تزيدي بركاني دفئاً واقتربتِ أكثر.
أنا الآن بينكِ ولستُ بيني، أشتعلُ واللهيب قدري.
قبل أن أسقي أخر زنبقة لك، كنت تبكين.
قلت: «بردانة»، لملمتُ الماء من عينيك، مَنْ قال أن القبلة بئر للعيون، مَنْ قال أن للروح أصابعاً ؟.
مِنْ كل هذي الحدائق التي تأكل رمل القلب، جئتِني، اقتربتِ، اشتعلَ شيء يشبه النبض.
قلتِ: جئتكَ بلا موعد.
ـ أخافكِ ؟.
ـ لأنكَ تخافُ نفسك.
ضممتِني، لماذا اشتعل البخار في شفتّي؟ سأذكر أني عصيتُ أوامر البركان وكنتِ قاسية عليّ.
قلتِ: مالكَ؟.
ـ أحب الشمس وأخشى أن تدخلني.
ـ أنتَ معتم.
قلتُ لكِ: إني مضيءٌ بعتمتي.
أذكر أن يديك مرتْ على كتفي وأن يدي... لا... لا داع لأن أقول إنها...
قلتُ: اشتعلُ لمرآكِ... لماذا جئتِ الآن ؟.
ـ لا يعرفني أحد .
ـ عرفتكِ.
ضغطتِ على شيئي... ربما بقلبكِ...
قلتِ: برئني إذاً..
أَهلّة ونجوم، يهتزُ كل شيء، يصير هلالي في فضائك، يتوسع الكون، تلتهب الأصابع عند مفارق البراءة، صعوداً
نزولاً،
صعوداً
نزولاً.
تتصلب الأعمدة، يصير الفضاء ممطراً والينابيع تفجرتْ.
بعد حين لو تذكرين ! غطَّى المطر جسدين بينهما شيء من فيروز، مطر جاء من عطش قديم، روى الأنهار، قالوا بعد شمس أو أكثر، لكل طوفان سراً، وأن السر حبٌ وأن الحب لعبة.
نام هلالي، وهاهو المطر ينساب من فضائك نحو شقوق الروح القاحلة.
بعد عشبة أو عشبتين قالوا: الأرض امرأة... بين النهدين عشب وعلى كل نهد جورية حمراء.
كانت أصابع قدميكِ تغني، هكذا قال حذاؤكُ.
ـ كالموت أنتِ، حين قلتُها بكيتِ.
قلتِ: متْ لأبعثك من جديد.
وها أنت تبعثينني، تخرجينني منْ مغارات الوحشة إلى ضياء، قلتِ: امسكْ نور الشمس.
قلتُ: برَّأتكِ وأضئتِـني.
صحا اليوم من جديد، صحا الهلال، صار بدراً، فاض نورٌ كالأنّات... غطّى أكثر الكهوف عتمة، قام الميتون من قبورهم، غنتْ النخلات لوحدتها، فجاء الرمل بمائه.
الآن، أُحِسُّ أن الروح كانت بعيدة عن يديّ، أن الحائط الذي استندتُ عليه ألفاً من السنين، تداعى بقبلة.
لوّحَتْ الشمس لنا، بمنديلها، مسحتنِي بماء الشمس، والبقية انتشاء ووجع.
صار الوجع حباً، رياحاً تطرق أبواب المدينة السبعة، أَقْفَلَتِ العيون على أحلامها وانطفأ شيء من توق، أسموه الهول، وللهول أبواب: الحزن باب الموت، وباب المدينة ستار لحزن آخر، باب المرأة، لقاء دائم، وباب الرجل وداع، ها أنا أهيم بين بابين من خطأ. آنئذ، حملقتِ جيداً في عينيّ..
قلتُ: ألف مكان لم يستطع أن يحرك أصابع الهواء في الذاكرة.
وصار شيئاً يشبه البرْدَ، شيءٌ من ضباب آن استفاق، باحَ ولم يحكِ، حتى فصوله بلا شتاء وحطب.
هل أتعبتْ النار مدفأتنا ؟.
هذا هو الدمع أخيراً عند كل باب، تتباعد الأزمنة
ولم تأتِ الصباحات ثانية، وكنت أسألك: لماذا قطرات المطر لا تُشبهُ غيومها ؟.
وقلتِ: مجنون أنت.
وأجبتكِ: أنتِ مطهري.
أول مرة جاء النهار بك قلتُ: هول جديد.
قلتِ: خـمر قديـم.
ها أنا أريد أن يأتي الصباح، متعَبٌ هو الليل، ساكنٌ مثل كوكب يصطاد النيازك.
سأعلن صحوتي الدائمة حتى لا يجيء القمر ليسألني عن نهاره الضائع، أنا رجل بلا جواب، والسؤال ليس لي، أحلم في الصباح وأدع الصبح يحلم بي، ولأنني حلم فالليل سيدي، لهذا أنا كالصحو الدائم مثل هذا النبع... نبعك... الذي لا يبللهُ المطر لأنه سيد الماء.
ها أنا أفتح عينّي كباب مغلق لئلا تأتي النجوم كي تحدثني عنك، أفتح عيني كما أغلق الباب لئلا تتناثر دموعك في وجهي،
دعيني، إني أبتكر صَخباً يفوق مخاض الليل.
قلتِ: مدَّ يدك، غُص بي، افتحْ جرح الماء.
أبكاني الطوفان الآتي من رافديك، فرح ينساب من شعيرات الغمر ويهمي إلى الرافد الأيمن، ها هو ينساب على ضفتيك، صرتِ الثلج أخيراً.
تقولين: أنا مرَّة واحدة مثل وجه.
قلتُ: أنتشلكِ لئلا تغرقيني في قديم مائك.
ضحكتِ: اقتربتِ، قلتِ: لو لم تسدَّ بوابتي بنايك المثقوب.
تَهجيتُكِ إصبعاً، إصبعاً. قلتُ: لماذا أنت مُغَلَّفة ؟.
ضحكتِ، قلتِ: سأخلع جلدي، وخلعتهِ، أتذكرين ؟.
ذات جسدٍ، كنت وحدي، أعلنتُ قلبي سياجاً وغفوتُ خشية المداهمة، كان قلبي يَحكُّني، واقتربتِ.
بعد جسد أول عرفتُ أنكِ والبحر توأمان، لموجيكما طعم الملح والقهوة.
قلتُ: استندي إليّ واخلعي أحذيتكِ القديمة، ولم أفهم لماذا خلعتِ قدميكِ أَلِتَبقينْ؟.
ـ سأبقى، قلتِ، ولم تدري أني لن أقع بين صخرتين كنهر حائر.
أعرف أن شيطاناً رائعاً، حلواً، كطراوة وجه كارمن، يقبض بيسراه على قلبي، ويمناه ينام عليها خدي، وتعرفين أن هذا الشيطان هو أنتِ.
ولكن، أخاف أن تصيري شمساً تغرب بين شروقين، لا أحب الغروب وتذكرين ذلك.
تذكرين أيلول، وقفتِ عند الباب، لم تطلبي وقتاً، قلتِ:
ـ آتيكَ مُغلَّفة وغلافي جلدي لن يَحُكُّهُ غيرك.
وقلتُ: انتظرتكِ طويلاً كي تصيري أصابعاً ليديّ.
قلتِ: أصابعي صفراء .
قلتُ وبعدها بكيتِ: الأصفر هو صوتك، لم يأتِ ربيعك بعد.
شهقتِ كالمجنونة وارتميتِ عليّ، لماذا عضضتِني ؟
ـ كنتُ أريد أن أقول إني...
ـ تحبينني ؟.
ـ وأنتَ؟.
ـ أنتظري حتى أحب نفسي.
ـ أنت لا تكره نفسك؟
واعترفتُ أخيراً أني لا أكره نفسي لأني أحبكِ وها أنا أقف وحيداً متدثراً بآخركِ... أعلم أنه كان عليكِ أن تذهبي، أن تذهبي بعيداً كالحب.
لملمتِ أشياءك، أصابعك، مناديلك المبتلة، زنابقك، دموعك عند الشباك، لملمتِ الذي يُذكَر ولا يُذكَر، لملمتِ نفسك جيداً وكنتُ أكتبُ على ورقة أيلول:
حين أموت،
سوف أتمدد على ظهري،
وأضع كفي اليمنى على يدي اليسرى،
سأوقف تنفسي،
وأغمض عينيَّ تماماً،
تماماً،
كي أتذكر قبلتكِ الأولى.
هل تذكرين ؟ أم أنك نسيتِ كما تنسين الآن قدميكِ عندي ؟.
ألم أقل لك أنت مجنونة.
*
هكذا كالسيل، لا... لم تكوني سيلاً.
اقتربتِ، ألقيتِ في قلبي ماضيك، أحلامك، فناجين قهوتك، جنونك، حواسك، وبضع زنابق.
قلتِ أن اسمك... لا، الاسم غير مهم، لا اسم لمجنونة سوى الجنون.
قلتُ. أخاف من هدير الياسمين... لماذا ضَغَطَتْ أصابعك على قلبي ؟.
قلتُ لكِ ألف مرة: أنا لا أخاف الزنابق... لماذا بكيتِ ؟.
قلتُ لك لا تزيدي بركاني دفئاً واقتربتِ أكثر.
أنا الآن بينكِ ولستُ بيني، أشتعلُ واللهيب قدري.
قبل أن أسقي أخر زنبقة لك، كنت تبكين.
قلت: «بردانة»، لملمتُ الماء من عينيك، مَنْ قال أن القبلة بئر للعيون، مَنْ قال أن للروح أصابعاً ؟.
مِنْ كل هذي الحدائق التي تأكل رمل القلب، جئتِني، اقتربتِ، اشتعلَ شيء يشبه النبض.
قلتِ: جئتكَ بلا موعد.
ـ أخافكِ ؟.
ـ لأنكَ تخافُ نفسك.
ضممتِني، لماذا اشتعل البخار في شفتّي؟ سأذكر أني عصيتُ أوامر البركان وكنتِ قاسية عليّ.
قلتِ: مالكَ؟.
ـ أحب الشمس وأخشى أن تدخلني.
ـ أنتَ معتم.
قلتُ لكِ: إني مضيءٌ بعتمتي.
أذكر أن يديك مرتْ على كتفي وأن يدي... لا... لا داع لأن أقول إنها...
قلتُ: اشتعلُ لمرآكِ... لماذا جئتِ الآن ؟.
ـ لا يعرفني أحد .
ـ عرفتكِ.
ضغطتِ على شيئي... ربما بقلبكِ...
قلتِ: برئني إذاً..
أَهلّة ونجوم، يهتزُ كل شيء، يصير هلالي في فضائك، يتوسع الكون، تلتهب الأصابع عند مفارق البراءة، صعوداً
نزولاً،
صعوداً
نزولاً.
تتصلب الأعمدة، يصير الفضاء ممطراً والينابيع تفجرتْ.
بعد حين لو تذكرين ! غطَّى المطر جسدين بينهما شيء من فيروز، مطر جاء من عطش قديم، روى الأنهار، قالوا بعد شمس أو أكثر، لكل طوفان سراً، وأن السر حبٌ وأن الحب لعبة.
نام هلالي، وهاهو المطر ينساب من فضائك نحو شقوق الروح القاحلة.
بعد عشبة أو عشبتين قالوا: الأرض امرأة... بين النهدين عشب وعلى كل نهد جورية حمراء.
كانت أصابع قدميكِ تغني، هكذا قال حذاؤكُ.
ـ كالموت أنتِ، حين قلتُها بكيتِ.
قلتِ: متْ لأبعثك من جديد.
وها أنت تبعثينني، تخرجينني منْ مغارات الوحشة إلى ضياء، قلتِ: امسكْ نور الشمس.
قلتُ: برَّأتكِ وأضئتِـني.
صحا اليوم من جديد، صحا الهلال، صار بدراً، فاض نورٌ كالأنّات... غطّى أكثر الكهوف عتمة، قام الميتون من قبورهم، غنتْ النخلات لوحدتها، فجاء الرمل بمائه.
الآن، أُحِسُّ أن الروح كانت بعيدة عن يديّ، أن الحائط الذي استندتُ عليه ألفاً من السنين، تداعى بقبلة.
لوّحَتْ الشمس لنا، بمنديلها، مسحتنِي بماء الشمس، والبقية انتشاء ووجع.
صار الوجع حباً، رياحاً تطرق أبواب المدينة السبعة، أَقْفَلَتِ العيون على أحلامها وانطفأ شيء من توق، أسموه الهول، وللهول أبواب: الحزن باب الموت، وباب المدينة ستار لحزن آخر، باب المرأة، لقاء دائم، وباب الرجل وداع، ها أنا أهيم بين بابين من خطأ. آنئذ، حملقتِ جيداً في عينيّ..
قلتُ: ألف مكان لم يستطع أن يحرك أصابع الهواء في الذاكرة.
وصار شيئاً يشبه البرْدَ، شيءٌ من ضباب آن استفاق، باحَ ولم يحكِ، حتى فصوله بلا شتاء وحطب.
هل أتعبتْ النار مدفأتنا ؟.
هذا هو الدمع أخيراً عند كل باب، تتباعد الأزمنة
ولم تأتِ الصباحات ثانية، وكنت أسألك: لماذا قطرات المطر لا تُشبهُ غيومها ؟.
وقلتِ: مجنون أنت.
وأجبتكِ: أنتِ مطهري.
أول مرة جاء النهار بك قلتُ: هول جديد.
قلتِ: خـمر قديـم.
ها أنا أريد أن يأتي الصباح، متعَبٌ هو الليل، ساكنٌ مثل كوكب يصطاد النيازك.
سأعلن صحوتي الدائمة حتى لا يجيء القمر ليسألني عن نهاره الضائع، أنا رجل بلا جواب، والسؤال ليس لي، أحلم في الصباح وأدع الصبح يحلم بي، ولأنني حلم فالليل سيدي، لهذا أنا كالصحو الدائم مثل هذا النبع... نبعك... الذي لا يبللهُ المطر لأنه سيد الماء.
ها أنا أفتح عينّي كباب مغلق لئلا تأتي النجوم كي تحدثني عنك، أفتح عيني كما أغلق الباب لئلا تتناثر دموعك في وجهي،
دعيني، إني أبتكر صَخباً يفوق مخاض الليل.
قلتِ: مدَّ يدك، غُص بي، افتحْ جرح الماء.
أبكاني الطوفان الآتي من رافديك، فرح ينساب من شعيرات الغمر ويهمي إلى الرافد الأيمن، ها هو ينساب على ضفتيك، صرتِ الثلج أخيراً.
تقولين: أنا مرَّة واحدة مثل وجه.
قلتُ: أنتشلكِ لئلا تغرقيني في قديم مائك.
ضحكتِ: اقتربتِ، قلتِ: لو لم تسدَّ بوابتي بنايك المثقوب.
تَهجيتُكِ إصبعاً، إصبعاً. قلتُ: لماذا أنت مُغَلَّفة ؟.
ضحكتِ، قلتِ: سأخلع جلدي، وخلعتهِ، أتذكرين ؟.
ذات جسدٍ، كنت وحدي، أعلنتُ قلبي سياجاً وغفوتُ خشية المداهمة، كان قلبي يَحكُّني، واقتربتِ.
بعد جسد أول عرفتُ أنكِ والبحر توأمان، لموجيكما طعم الملح والقهوة.
قلتُ: استندي إليّ واخلعي أحذيتكِ القديمة، ولم أفهم لماذا خلعتِ قدميكِ أَلِتَبقينْ؟.
ـ سأبقى، قلتِ، ولم تدري أني لن أقع بين صخرتين كنهر حائر.
أعرف أن شيطاناً رائعاً، حلواً، كطراوة وجه كارمن، يقبض بيسراه على قلبي، ويمناه ينام عليها خدي، وتعرفين أن هذا الشيطان هو أنتِ.
ولكن، أخاف أن تصيري شمساً تغرب بين شروقين، لا أحب الغروب وتذكرين ذلك.
تذكرين أيلول، وقفتِ عند الباب، لم تطلبي وقتاً، قلتِ:
ـ آتيكَ مُغلَّفة وغلافي جلدي لن يَحُكُّهُ غيرك.
وقلتُ: انتظرتكِ طويلاً كي تصيري أصابعاً ليديّ.
قلتِ: أصابعي صفراء .
قلتُ وبعدها بكيتِ: الأصفر هو صوتك، لم يأتِ ربيعك بعد.
شهقتِ كالمجنونة وارتميتِ عليّ، لماذا عضضتِني ؟
ـ كنتُ أريد أن أقول إني...
ـ تحبينني ؟.
ـ وأنتَ؟.
ـ أنتظري حتى أحب نفسي.
ـ أنت لا تكره نفسك؟
واعترفتُ أخيراً أني لا أكره نفسي لأني أحبكِ وها أنا أقف وحيداً متدثراً بآخركِ... أعلم أنه كان عليكِ أن تذهبي، أن تذهبي بعيداً كالحب.
لملمتِ أشياءك، أصابعك، مناديلك المبتلة، زنابقك، دموعك عند الشباك، لملمتِ الذي يُذكَر ولا يُذكَر، لملمتِ نفسك جيداً وكنتُ أكتبُ على ورقة أيلول:
حين أموت،
سوف أتمدد على ظهري،
وأضع كفي اليمنى على يدي اليسرى،
سأوقف تنفسي،
وأغمض عينيَّ تماماً،
تماماً،
كي أتذكر قبلتكِ الأولى.
هل تذكرين ؟ أم أنك نسيتِ كما تنسين الآن قدميكِ عندي ؟.
ألم أقل لك أنت مجنونة.
*