ابن الرومي - يا خَلِيلَيَّ تَيَّمَتْني وَحيدُ

يا خَلِيلَيَّ تَيَّمَتْني وَحيدُ = ففؤادي بها معنَّى عميدُ
غادة ٌ زانها من الغصن قدٌّ = ومن الظَّبي مُقلتان وجِيدُ
وزهاها من فرعها ومن الخديـ = ن ذاك السواد والتوريد
أوقد الحسْنُ نارَه من وحيدٍ = فوق خدٍّ ما شَانَهُ تخْدِيدُ
فَهْيَ برْدٌ بخدِّها وسلامٌ = وهي للعاشقين جُهْدٌ جهيدُ
لم تَضِرْ قَطُّ وجهها وهْو ماءٌ = وتُذيبُ القلوبَ وهْيَ حديدُ
ما لما تصطليه من وجنتَيْها = غير تَرْشافِ رِيقِها تَبْريدُ
مثْلُ ذاك الرضابِ أطفأ ذاك ال = وَجد لَوْلا الإباءُ والتَّصرِيدُ
وغَريرٍ بحسنها قال صِفْها = قلت أمْران هَيِّنٌ وشديدُ
يسهل القول إنها أحسن الأشْ = ياءِ طُرّاً ويعْسرُ التحديدُ
شمسُ دَجْنٍ كِلا المنيرَيْن من شم = سٍ وبدْرٍ من نُورها يستفيدُ
تتجلَّى للناظرين إليها = فشقى ّ بحسنها وسعيد
ظبية تسكن القلوب وترعا = ها، وقُمْرِيَّة ٌ لها تغريدُ
تتغنّى ، كأنها لاتغنّى = من سكونِ الأوصالِ وهي تُجيدِ
لا تَراها هناك تَجْحَظُ عينٌ = لك منها ولا يَدِرُّ وريدُ
من هُدُوٍّ وليس فيه انقطاع = وسجوٍّ وما به تبليد
مَدَّ في شأو صوتها نَفَسٌ كا = فٍ كأنفاس عاشقيها مَديدُ
وأرقَّ الدلالُ والغُنْجُ منه = وبَراهُ الشَّجا فكاد يبيدُ
فتراه يموت طَوْراً ويحيا = مستلذٌّ بسيطُه والنشيد
فيه وَشْيٌ وفيه حَلْيٌ من النَّغْ = مِ مَصوغٌ يختال فيه القصيدُ
طاب فُوها وما تُرَجِّعُ فيه = كلُّ شَيْءٍ لها بذاك شهيدُ
ثغبٌ ينقع الصدى وغناءٌ = عنده يوجد السرورُ الفقيد
فلها الدَّهْرَ لاثِمٌ مُسْتَزيدٌ = ولها الدهر سامع مُسْتَعيدُ
في هوى مثْلِها يَخفُّ حَليمٌ = راجحٌ حلْمُه، ويَغْوى رشيدُ
ماتُعاطى القلوب الا أصابت = بهواها منهُنَّ حيْثُ تُرِيدُ
وَتَرُ العَزْفِ في يَدَيْها مُضَاهٍ = وَتَرَ الزَّحْف فِيهِ سهمٌ شَديدُ
وإذا أنْبَضَتْهُ للشَّرْبِ يوماً = أيقن القومُ أنها ستصيد
مَعْبَدٌ في الغناء، وابنُ سُرَيْجٍ = وهي في الضرب زلزلٌ وعقيد
عَيْبُها أنَّها إذا غنَّتِ الأحْـ = ـرَار ظلُّوا وهُمْ لديها عَبيدُ
واستزادت قلوبَهم من هواها = بِرُقاها، وما لَدَيْهِمْ مَزيدُ
وحسان عرضن لي ، قلت: مهلًا = عن وحيدٍ فحقُّها التوحيد
حسنُها في العيون حسنٌ وحيد = فلها في القلوب حبٌ وحيد
ونصيح يلومني في هواها = ضلّ عنه التوفيق والتسديد
لو رأى من يلُوم فيه لأضحى = وهو لي المستريثُ والمستزيد
ضلة للفؤاد يحنو عليها = وهي تَزْهُو حَياتَه وتَكيدُ
سحرته بمقلتيها فأضحت = عنده والذميمُ منها حميد
خُلِقَتْ فِتْنة ً: غِناءً وحُسْناً = مالها فيهما جميعاً نديد
فَهْيَ نُعْمَى يميدُ منها كَبيرٌ = وهيَ بلْوى يشيب منها وليدُ
لِيَ حيْث انصرَفتُ عنها رفيقٌ = من هواها وحيث حَلَّتْ قَعِيدُ
عن يميني وعن شمالي وقُدّا = مي وخلفي، فأين عنه أحيدُ
سدَّ شيطانُ حبّها كلَّ فجٌ = إنَّ شيطان حبِّها لَمَرِيدُ
ليت شعري إذا أدام إليها = كَرَّة َ الطَّرْف مُبدىء ٌ ومُعِيدُ
أهي شئٌ لاتسأم العين منه؟ = أم لها كلَّ ساعة تجْديدُ
بل هي العيش لا يزال متى استُعْـ = ـرِض يملي غرائباً ويُفِيدُ
مَنْظَرٌ، مَسْمَعٌ، مَعانٌ، من اللهـ = ـوعتادٌ لما يُحَبّ عتيد
لا يَدبُّ الملالُ فيها ولا يُنْـ = ـقِض من عَقْد سحْرِها تَوْكيدُ
حسنُها في العيون حسنٌ جديد = فلها في القلوب حبٌ جديد
أخذ الله يا وحيدُ لقلبي = منكِ ما يأخذ المديلُ المقيد
حَظُّ غيري من وصلكُمْ قُرَّةُ العيْ = ن وحظيِّ البكاءُ والتَّسْهيدُ
غير أني مُعَلِّلٌ منك نفسي = بعداتٍ خَلا لهنّ وعيد
ما تزالينَ نظرة ٌ منك مَوْتٌ = لي مميتٌ ، ونظرة تخليد
نتلاقى فلحْظَةٌ منك وعْدٌ = بوصال ولحظةٌ تهديدُ
قد تركْتِ الصِّحاح مرْضى يميدُو = ن نُحولاً وأنت خُوطٌ يميدُ
والهوى لا يزال فيه ضعيفٌ = بين ألحاظِهِ صريعٌ جليدُ
ضافَنِي حُبُّك الغريبُ فألوى = بالرقاد النسيب فهو طريد
عجباً لي ، إنَّ الغريبَ مقيمٌ = بين جنبى ّ ، والنسيب شريد
قد مللنا من ستر شيْ مليح = نشتهيه، فهلْ له تجريدُ
هو في القلب وهو أبعد من نجـ = ـم الثريا فهو القريب البعيد

.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...