جمانة حداد - "حديث الجيم"

جيم الجسد هي. جيم الجوهرالجريح الجسور الجميل الجانح الجامح الجامع الجميع.
جيم الجديد هي. الجديدالجريء. الجريء الجادّ. الجادّ الجازم. الجازم الجهور. الجهور الجمّ. الجمّ الجذّاب. الجذّاب الجليّ. الجليّ الجلْد.
وهي جيم الجواب. جيم الجذع الجمرالجحيم. الجِسر الجناح الجنان. الجبل الجُرْف والجبهة. جيم كل جوعٍ في الجوف، وجيمالجشع في كل جوع.
وأيضاً هي: جيم الجنين الذي يخترع نوره ما إن يراه النور.
إذاً: كمثل جنينٍ يخترع نوره ما إن يراه النور، يولد، اليوم، العدد الأوّل من "جسد"، هذا المشروع الثقافي، الفكري، الأدبي، الفني، العلمي، السوسيولوجي، الذي لاسقفَ مرئياً بأمّ العين لتطلعاته، ولا حدّ قابلاً للضبط لشغفه. جنينٌ/جسدٌ يولد للتوّ لنا ولكم. بنا يولد وبكم، ومنا ومنكم. جنينٌ/ جسدٌ في نموّ دائم، وفي تطوّرمستمرّ. جسدٌ حيّ هو، يأكل ويشرب ويتنفّس، يبحث ويسائل ويزداد ويتواصل ويتحوّل ويتوالد ويتعلّم ويفكّر. جسدٌ يفكّر خصوصاً. يفكّر في جسد الحياة، جسد العقل، جسد القلب، جسد الجنس وجسد اللغة. يفكّر في جسد الأدب، جسد الفنّ، جسد العِلم، جسدالجغرافيا، وجسد المجتمع. يفكّر في جسد الجسد أيضاً: في وعي هذا الجسد، وفي لاوعيه. في ماضيه وحاضره ومستقبله. في كل جسدٍ مسلوبٍ يفكّر، وفي كل ممنوعٍ ومقموع وعالقٍ في سجن التابوهات والكليشيهات والأحكام المسبقة. متأملاً يفكّر، باحثاً، منقّباً،مختبراً، متحدياً، مسلساً، متمرداً، مستيقظاً، نائماً، حالماً، رائياً، مهلوساً،كاتباً، ناحتاً، راسماً، راقصاً، وهذا كلّه ضمن مغامرة الحرية التي لا يزال جسدنافي أوّلها، ودائماً في أوّلها، كما لغاته وتجلياته، لا تزال في أوّلها. وتظلّ.
لماذا؟ لأن كل نقصان يجب أن يُملأ، وكل توق يجب أن يتحقق. ولأن الجسد حقيقتنا جميعاً، الفردية والجماعية. وهو هويتنا، وعلامتنا الفارقة، ولغتنا،وبوصلتنا، والطريق الى كل واحد منا. ثم لأن هذا الجسد مغيّب عن حياتنا وثقافتنا ولغتنا العربية، وإذا كان يحضر فهو يحضر مهاناً، ومشوَّهاً، ومداناً، أو منتقصاً،في حين أنه كل شيء، ويمثل في كل شيء. لأجل ذلك نريد لهذه المجلة أن تعيد الاعتبارالى الجسد، الجسد الإنساني والجسد اللغوي، أن تضعهما تحت المجهر، أن تجعلهما صديقين وحبيبين لكل واحد منا، باعتبارهما مرآتنا الأولى والأخيرة.
وبعد: لننتقل من التنظير الى التطبيق: في هذا العدد الأول الذي بين الأيدي أقسام متنوعة: بدءاً من الملف الثلاثي البعد الذي سوف يفتتح كل عدد، مروراً بالحوارات والدراسات الأدبية والفنية والترجمات، ومراجعة الكتب والمعارض، والنصوص الخلاّقة، ورادار الأخبار من العالم، وصولاً الى السينما وسواها الكثير من المحطات الأدبية والفنية الثابتة. ولكنْ، مهلاً، لا تستعجلوا الركون الى ثابتٍ متحرّك: الجسد حيٌّ يرزق، قلتُ، حيٌّ يتنفّس قلتُ، ويتحوّل ويتغيّر ويزداد: تالياً ليست الأبواب المذكورة أعلاه جامدة ونهائية. بل سوف تضاف إليها في أعداد مقبلة أبواب أخرى عن الصحة، والعلوم، والدين،والرياضة، والبسيكولوجيا، والتراث، وعن كلّ ما يمكن أن تراه "جسد" مناسباً ومغنياً وداعماً لمشروعها.
أكثر: تفخر "جسد" بأن لا اسماء مستعارة فيها على الإطلاق. تفخر بأنها ترفض مبدأ الأسماء المستعارة جملة وتفصيلاً لأنه ضدّ جوهر مشروعها ورؤيته. وتفخر، خصوصاً، بجميع الكتّاب والفنانين الذين خاضوا مغامرتها بحماسة،وأعطوها ثقتهم بسخاءٍ ونبل، وأسبغوا عليها بلا تحفّظ شرف مشاركتهم في عددها الأول،من دون أن يكون لها تاريخ سابق "مطمئِن" يعتمدون عليه. هكذا فهي تدين بامتنان صادقل نحو من خمسين كاتباً - كاتبة وفناناً - فنانة ساهموا في الحصاد الأول من مختبر هذه المجلة الثقافية وتحدياتها، وهي التي تشتهي، بتواضع ولكن بحزم ومثابرة، أن تكون على الدوام بيتاً رحباً لأقلام واختبارات أدبية وفنية وفكرية وعلمية، طليعية، وخلاّقة،تخلّص جسدنا العربي من محظوراته، وتصنع من لغاته واختباراته وتجلياته، باباًمفتوحاً على الحرية.
... ثم اسمحوا لي ختاماً أن أكرّر: بيت هذا الـ"جسد" ليسمن زجاج.


* افتتاحية مجلة جسد العدد الأول

* عن موقع الف لحرية الكشف في الكتابة والانسان

.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...