نقوس المهدي
كاتب
يذكر احمد صبحي منصور : أحمد علي المقريزى (المعروف بإسم تقي الدين المقريزي، 1364-1442 ميلادية، 764-845 هجرية) بعبقريته المتفردة خرج عن المألوف وسجّل في كتابه ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والاثار او إختصارا الخطط) لمحات عن الحياة الاجتماعية للانسان البسيط. يقول في كتابه عن المصريين فى ذلك العصر:
( ومن أخلاقهم الانهماك فى الشهوات والامعان فى الملاذ وكثرة الاستهتار وعدم المبالاة ، وقال لى شيخنا عبدالرحمن بن خلدون ان أهل مصر كأنما فرغوا من الحساب " . أى فرغ حسابهم فى الآخرة وضمنوا الجنة ولم يعودوا ملتزمين بأى التزام خلقى أو دينى. وسجل المقريزى تعجب شيخه ابن خلدون حين فوجىء بمظاهر الانحلال المعتاد و الطاغى فى شوارع القاهرة دون ان يستنكره أحد من علماء الشرع وقتها، فقال متعجبا عن القاهرة " ولا ينكر فيها اظهار أوانى الخمر ولا آلات الطرب..ولا تبرج النساء العواهر ولا غير ذلك مما ينكر فى بلاد المغرب).
تأثر المقريزى بتلك الملاحظة التى قالها شيخه عبد الرحمن بن خلدون فحكى بعض عجائب الانحلال الخلقى فى ( الخطط المقريزية ) وقت أن كان النقاب هو الرداء الشرعى للمرأة ، ولا سبيل لخروجها بدونه، وتحت النقاب كان فجور المرأة علنا فى الشوارع طالما لا يتعرف عليها أحد. يقول المقريزى فى الخطط : ولقد كنا نسمع ان من الناس من يقوم خلف الشاب أو المرأة عند التمشى بعد العشاء بين القصرين ، ويجامع ( أى يمارس الجنس مع المرأة أو الشذوذ الجنسى مع الشاب ) حتى يقضى وطره وهما ماشيان من غير أن يدركهما أحد لشدة الزحام واشتغال كل أحد بلهوه ..).
6 ـ وهنا ندخل على نوع آخر من الكتابة التى لم يقصد منها أن تكون تاريخا ولكن سجلت بدون قصد ملامح لحياة اجتماعية لم يهتم بتسجيل دقائقها المؤرخون المحليون مثل ابن الصيرفى .قبل مجىء ابن خلدون جاء لمصر فقيه مغربى آخر هو ( ابن الحاج العبدرى ) ( ت سنة 737 ) وكتب فيها أروع الكتب الفقهيه وهو ( المدخل ) فى ثلاثة أجزاء ، واتبع فيه ما أسميته بالفقه الوعظى, أى ان الفقيه لا يتكلم فى الفقه بالمنهج التصورى والتخيلى مثل ( من فعل كذا فحكمه كذا ) ولكن بالمنهج الواقعى ، حيث ينظر الفقيه الى ما يجرى فى الواقع ويذكره ويعلق عليه منبها على خروجه عن الشرع مستخدما لغة الوعظ والارشاد. والفقه الوعظى بهذه الطريقة سجل الكثير من خفايا الحياة الاجتماعية التى اعتاد تجاهلها المؤرخون المتخصصون. ولذلك فان كتاب ( المدخل ) فى الفقه لابن الحاج يحوى بين سطوره معلومات تاريخية ثمينة عن الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية فى مصر المملوكية. ومنها مظاهر الانحلال الاخلاقى الذى كان يجرى تحت النقاب وهو الزى الرسمى والشعبى للمرأة فى العصرالمملوكى فى مصر وخارجها. وطبقا لما ذكره فى معرض الاحتجاج والوعظ فإن المرأة فى القاهرة المملوكية كانت لها حرية الخروج من بيتها كل أيام الاسبوع عدا يوم واحد ، وانها كانت تخرج من بيتها متنقبة فاذا ابتعدت عنه أسفرت عن وجهها وخالطت،اى صاحبت الرجال حيث لايعرفها أحد، فاذا عادت واقتربت من بيتها تنقبت .وأقول إنه من هذه الحال الفريدة جاء التعبير المصرى عن المرأة الفاجرة ( دايرة على حل شعرها ) أى طالما هى فى المجتمع الذى يعرفها فهى متنقبة ، فاذا خرجت من نطاقه خلعت النقاب ودارت هنا وهناك تبحث عن صيد من الرجال و حلّت شعرها لدى أول طالب لها. وكان هذا حال معظم النساء التى تحدث عنهن ابن الحاج وغيره فى العصر المملوكى، وبالنقاب كانت المراة تخرج الى الموالد والافراح والى القرافة ( أى مدافن القاهرة ) وحفلات الأذكار الموسيقية التى يختلط فيها الذكر الصوفى بالرقص والطرب وتناول الحشيش و ممارسة الفواحش العادية والشاذة. وكانت تلك مفردات الحياة الاجتماعية المملوكية ، ظاهرها التدين باقامة الموالد والأذكار وزيارة الأولياء الأحياء وأضرحة الموتى منهم وقبورهم المقدسة، وباطنها الانحلال الخلقى . وفى هذه المسرحية العبثية كان البطل الأعظم هو النقاب الذى يعلن الفضيلة ويخفى الرذيلة..
وندخل بهذا الى دور المؤسسات الدينية الصوفية فى نشر الانحلال الخلقى حيث كانوا يتخذونها وكرا للتلاقى ، والمصدر الذى يؤكد هذا هو وثائق الوقف على تلك المؤسسات التى لم تقصد التسجيل التاريخى ، ولكن بسبب شهرة إتخاذ تلك المؤسسات الدينية الصوفية وكرا للإنحلال الخلقى فقد كانت وثاق الوقف عليها تشترط تعيين خفراء لطرد راغبى المتعة الحرام منها !!!
ثم نأتى لأهم مصدر لتسجيل الحياة الاجتماعية التى أهملها المؤرخون المحليون ومنهم ابن الصيرفى . وهو كتابات الرحالة. فالرحالة يأتى يحمل ثقافته ووطنه فى داخله ، ويدخل البلد الجديد بعقل مفتوح وعين ترصد كل شىء واستعداد لتسجيل كل ما يراه مخالفا لثقافته، وهو يركز على الشارع والمجتمع وليس على السلطان. ومع أنه لا يقصد أن يكتب تأريخا لهذا البلد بل مجرد تسجيل لرحلته ، فإنّ كتابات الرحالة زاد ثمين فى التاريخ الاجتماعى يعوّض نقص تاريخ ابن الصيرفى وغيره. من الظواهر الاجتماعية فى الانحلال الخلقى فى المجتمعات الشرقية والتى نتجت عن عادة النقاب للمرأة أنه ترسب فى شعور الشرقيات أن أهم الالتزامات الخلقية هو إخفاء الوجه دون تقيد كبير بعفة الجسد أو حتى بتغطيته، وظل ذلك سائدا حتى العصر العثمانى وسجله الرحالة كارستن نيبور الذى زار مصر فى القرن الثانى عشر الهجرى وسجل ملاحظاته يقول ( ويبدو أن النساء المسلمات لايعلقن على قطعة أخرى من ملابسهن أهمية أكثر من تلك التى يعلقنها على القطعة التى يغطين بها وجوههن إذا اقترب منهن رجل ، وقد فاجأ أحد الإنجليز ذات مرة امرأة كانت تستحم فى الفرات قرب البصرة فوضعت يدها على وجهها ولم تهتم بغيره مما أتيح للغريب رؤيته.. وقد حكت لى إحدى الآنسات الأجنبيات فى القسطنطنية أنها كانت بباب حجرة الاستقبال فى الحمام وأتت صاحبة الحمام لاستقبالها وإذا برجل يظهر فجأة فما كان من المرأة التركية إلا أن أخفت وجهها بالإحرام ، والفلاحون فى مصر نادرا مايلبسون بناتهم قبل السابعة أو الثامنة من عمرهن قميصا ولكنهم يعطونهن دائما منديلا طويلا ضيقا يلففنه حول رؤوسهن ويسحبنه على وجوههن إذا اقترب منهن رجل غريب، ولقد رأيت بنفسى فى مصر بنات فلاحات أقبلن نحونا ليروننا وكن عاريات تماما ، ولكنهن غطين وجوههن قبل أن يأتين) . إذن فالمهم هو تغطية الوجه وإخفاء الشخصية وتعرية الجسد!! )
( ومن أخلاقهم الانهماك فى الشهوات والامعان فى الملاذ وكثرة الاستهتار وعدم المبالاة ، وقال لى شيخنا عبدالرحمن بن خلدون ان أهل مصر كأنما فرغوا من الحساب " . أى فرغ حسابهم فى الآخرة وضمنوا الجنة ولم يعودوا ملتزمين بأى التزام خلقى أو دينى. وسجل المقريزى تعجب شيخه ابن خلدون حين فوجىء بمظاهر الانحلال المعتاد و الطاغى فى شوارع القاهرة دون ان يستنكره أحد من علماء الشرع وقتها، فقال متعجبا عن القاهرة " ولا ينكر فيها اظهار أوانى الخمر ولا آلات الطرب..ولا تبرج النساء العواهر ولا غير ذلك مما ينكر فى بلاد المغرب).
تأثر المقريزى بتلك الملاحظة التى قالها شيخه عبد الرحمن بن خلدون فحكى بعض عجائب الانحلال الخلقى فى ( الخطط المقريزية ) وقت أن كان النقاب هو الرداء الشرعى للمرأة ، ولا سبيل لخروجها بدونه، وتحت النقاب كان فجور المرأة علنا فى الشوارع طالما لا يتعرف عليها أحد. يقول المقريزى فى الخطط : ولقد كنا نسمع ان من الناس من يقوم خلف الشاب أو المرأة عند التمشى بعد العشاء بين القصرين ، ويجامع ( أى يمارس الجنس مع المرأة أو الشذوذ الجنسى مع الشاب ) حتى يقضى وطره وهما ماشيان من غير أن يدركهما أحد لشدة الزحام واشتغال كل أحد بلهوه ..).
6 ـ وهنا ندخل على نوع آخر من الكتابة التى لم يقصد منها أن تكون تاريخا ولكن سجلت بدون قصد ملامح لحياة اجتماعية لم يهتم بتسجيل دقائقها المؤرخون المحليون مثل ابن الصيرفى .قبل مجىء ابن خلدون جاء لمصر فقيه مغربى آخر هو ( ابن الحاج العبدرى ) ( ت سنة 737 ) وكتب فيها أروع الكتب الفقهيه وهو ( المدخل ) فى ثلاثة أجزاء ، واتبع فيه ما أسميته بالفقه الوعظى, أى ان الفقيه لا يتكلم فى الفقه بالمنهج التصورى والتخيلى مثل ( من فعل كذا فحكمه كذا ) ولكن بالمنهج الواقعى ، حيث ينظر الفقيه الى ما يجرى فى الواقع ويذكره ويعلق عليه منبها على خروجه عن الشرع مستخدما لغة الوعظ والارشاد. والفقه الوعظى بهذه الطريقة سجل الكثير من خفايا الحياة الاجتماعية التى اعتاد تجاهلها المؤرخون المتخصصون. ولذلك فان كتاب ( المدخل ) فى الفقه لابن الحاج يحوى بين سطوره معلومات تاريخية ثمينة عن الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية فى مصر المملوكية. ومنها مظاهر الانحلال الاخلاقى الذى كان يجرى تحت النقاب وهو الزى الرسمى والشعبى للمرأة فى العصرالمملوكى فى مصر وخارجها. وطبقا لما ذكره فى معرض الاحتجاج والوعظ فإن المرأة فى القاهرة المملوكية كانت لها حرية الخروج من بيتها كل أيام الاسبوع عدا يوم واحد ، وانها كانت تخرج من بيتها متنقبة فاذا ابتعدت عنه أسفرت عن وجهها وخالطت،اى صاحبت الرجال حيث لايعرفها أحد، فاذا عادت واقتربت من بيتها تنقبت .وأقول إنه من هذه الحال الفريدة جاء التعبير المصرى عن المرأة الفاجرة ( دايرة على حل شعرها ) أى طالما هى فى المجتمع الذى يعرفها فهى متنقبة ، فاذا خرجت من نطاقه خلعت النقاب ودارت هنا وهناك تبحث عن صيد من الرجال و حلّت شعرها لدى أول طالب لها. وكان هذا حال معظم النساء التى تحدث عنهن ابن الحاج وغيره فى العصر المملوكى، وبالنقاب كانت المراة تخرج الى الموالد والافراح والى القرافة ( أى مدافن القاهرة ) وحفلات الأذكار الموسيقية التى يختلط فيها الذكر الصوفى بالرقص والطرب وتناول الحشيش و ممارسة الفواحش العادية والشاذة. وكانت تلك مفردات الحياة الاجتماعية المملوكية ، ظاهرها التدين باقامة الموالد والأذكار وزيارة الأولياء الأحياء وأضرحة الموتى منهم وقبورهم المقدسة، وباطنها الانحلال الخلقى . وفى هذه المسرحية العبثية كان البطل الأعظم هو النقاب الذى يعلن الفضيلة ويخفى الرذيلة..
وندخل بهذا الى دور المؤسسات الدينية الصوفية فى نشر الانحلال الخلقى حيث كانوا يتخذونها وكرا للتلاقى ، والمصدر الذى يؤكد هذا هو وثائق الوقف على تلك المؤسسات التى لم تقصد التسجيل التاريخى ، ولكن بسبب شهرة إتخاذ تلك المؤسسات الدينية الصوفية وكرا للإنحلال الخلقى فقد كانت وثاق الوقف عليها تشترط تعيين خفراء لطرد راغبى المتعة الحرام منها !!!
ثم نأتى لأهم مصدر لتسجيل الحياة الاجتماعية التى أهملها المؤرخون المحليون ومنهم ابن الصيرفى . وهو كتابات الرحالة. فالرحالة يأتى يحمل ثقافته ووطنه فى داخله ، ويدخل البلد الجديد بعقل مفتوح وعين ترصد كل شىء واستعداد لتسجيل كل ما يراه مخالفا لثقافته، وهو يركز على الشارع والمجتمع وليس على السلطان. ومع أنه لا يقصد أن يكتب تأريخا لهذا البلد بل مجرد تسجيل لرحلته ، فإنّ كتابات الرحالة زاد ثمين فى التاريخ الاجتماعى يعوّض نقص تاريخ ابن الصيرفى وغيره. من الظواهر الاجتماعية فى الانحلال الخلقى فى المجتمعات الشرقية والتى نتجت عن عادة النقاب للمرأة أنه ترسب فى شعور الشرقيات أن أهم الالتزامات الخلقية هو إخفاء الوجه دون تقيد كبير بعفة الجسد أو حتى بتغطيته، وظل ذلك سائدا حتى العصر العثمانى وسجله الرحالة كارستن نيبور الذى زار مصر فى القرن الثانى عشر الهجرى وسجل ملاحظاته يقول ( ويبدو أن النساء المسلمات لايعلقن على قطعة أخرى من ملابسهن أهمية أكثر من تلك التى يعلقنها على القطعة التى يغطين بها وجوههن إذا اقترب منهن رجل ، وقد فاجأ أحد الإنجليز ذات مرة امرأة كانت تستحم فى الفرات قرب البصرة فوضعت يدها على وجهها ولم تهتم بغيره مما أتيح للغريب رؤيته.. وقد حكت لى إحدى الآنسات الأجنبيات فى القسطنطنية أنها كانت بباب حجرة الاستقبال فى الحمام وأتت صاحبة الحمام لاستقبالها وإذا برجل يظهر فجأة فما كان من المرأة التركية إلا أن أخفت وجهها بالإحرام ، والفلاحون فى مصر نادرا مايلبسون بناتهم قبل السابعة أو الثامنة من عمرهن قميصا ولكنهم يعطونهن دائما منديلا طويلا ضيقا يلففنه حول رؤوسهن ويسحبنه على وجوههن إذا اقترب منهن رجل غريب، ولقد رأيت بنفسى فى مصر بنات فلاحات أقبلن نحونا ليروننا وكن عاريات تماما ، ولكنهن غطين وجوههن قبل أن يأتين) . إذن فالمهم هو تغطية الوجه وإخفاء الشخصية وتعرية الجسد!! )