نقوس المهدي
كاتب
يداكِ النَّصُّ- ولا تلاوةَ-، آيٌ مبطون/
تقولُ يدٌ:
خُذني، أيُّها اللامُسمَّى، فاتحةً
نوِّر لي الأسافِلَ بعُريٍ غير ممسوس
ولسوفَ نحرُثُ، الليلةَ، الكُرةَ
تحتَ هذا اللحاف-
ويدٌ تقول:
خُذني، إن شئتَ، بقيَّةَ الكتاب
شكِّلِ الكَلِمَ من وردِ أعضائنا
ولسوفَ ننشئُ فوقَ لحمِنا
الغيمَ الخِفاف/
*
أنتَ، بابُ العاجِ/ قوسُ اللَّوز-
فيكَ، من تحتكَ
دخلَ بشرٌ وأبقارٌ وغيوم
والموتى دخلوكَ أيُّها المهبلُ المقلوبُ،
الكُلُّ في بهجةِ ارتفاعاتٍ أُخرى
تُرى، كيفَ أوهمتَهُم أنَّ باطنَكَ قشرةُ الظَّاهرِ
وأنَّ ظاهرَكَ الجوهرُ اللُّبُّ المُلقَّح؟-
بورتا إيبورنيا/ أركو دِلَّا ماندورلا
في الخارج، مازالتْ العوالمُ تدورُ دورتها التَّامَّة،
وأنتَ مواصِلٌ، وحيداً، في الخطِّ المُنكَسِر/
*
صمتٌ. جوفٌ مزهوٌّ بكائناتِه-
نجمةٌ تسلُكُ بياتزا دانتي معي،
والوقتُ رضاعاتٌ لا تنتهي.
ما عسايَ أسمِّي ما ليسَ جسماً
وما ليسَ، كذلكَ، من جنس الهيولى
غيرَ الاشتهاءَ المُشتهَى والمُشتهِي/
*
امرأةٌ مدارُ نفسِها،
مُقنطرَةٌ مُقبَّبةٌ مُقرنَصَةٌ مُبَوَّبةٌ
مثلَ مدينة-
يندلقُ من سُرَّتِها نهرٌ لا يهبِطُ،
يصعدُ نحوَ فضاء الملائكِ
ثُمَّ ها أنا فيها،
أُصَعِّدُ أُهَبِّطُ أُقَوِّسُ أُقَوِّم-
خطواتي تنبشُ السَّماءَ
ودوراني يُخَلِّطُ الكواكبَ ببعضِها،
تسألُني المرأةُ، أو لعلَّها المدينة:
متى أيُّها الضَّائعُ
تلِجُ في الفَجِّ السَّالِكِ؟/
*
ذا هوَ قمرٌ تامٌّ ضرْعٌ غيرُ محلوب
يترنَّحُ في موسيقى توسوسُ المخيِّلة،
لكأنَّ الكونَ مأخوذٌ في فَلكِ الشَّهوةِ الواحِدْ-
سأُغنِّي:
آه يا ليلَ بيرودجا الخَنَّاس
آه يا منخسَ الغوايةِ الموَضَّأ
آه يا ضوء اللذَّةِ الرَّجَّاج
آه يا مَجَرَّ الرَّعشةِ المُقَزَّح
آه يا قَزَحَ الذُّروةِ النَّوَّار
آه يا نور الجسدِ الموَلَّهِ
الفاقدِ الواجِدْ/
*
كَونٌ حائلٌ لأجلِ عَدَمٍ مُكوَّن،
لَكَم هو المعنى- خفيَّاً- كليمٌ-،
-الموتُ -بهيَّاً -يتغسَّقُ
-الغَسَقُ -ميتاً -يبهو
-البهاءُ -غسيقاً -يموتُ
هكذا هوَ الغروبُ هنا،
يفعلُ لتَتَعَزَّى الأشياء/
*
هوَ حنجُرَتُهُ مَعْرَجُ ذاتِه-
صوتُهُ الذي بُحَّ على جدارِ كنيسةِ
سانتا إلِزابيتا- موزاييكِهِ
لم يبقَ منهُ غير الرَّجعِ الأسودِ المُفَكِّر،
لا شيءَ غير هيكلِ ماعزٍ
ومنقارِ غرابٍ كانَ فيما مضى
ينقرُ برقَّةٍ رُكبةَ المُغنِّي-،
أوَّاه أورفيو،
خُذني في التَّغييبِ النَّاعمِ
بعيداً بعيداً
عن أرضنا التي تتعمَّقُ في قطرةِ الدَّمِ/
*
الثَّانيةُ صباحاً في شارع غاريبالدي:
الضَّوء يُتوِّجُ عُريَ الأشياء،
عُريٌ من غيرِ تورية-
أمشي، لستُ ذاتي ولا طِباقَها،
وحدتي تنقُرُ جوفَ الليلِ المعدنيِّ
-رنينٌ باردٌ كأصابعَ تستحلبُ الظَّلام-
لا أريدُ، الآنَ، غير ظلِّي
هذا الرَّفيقُ القديمُ الذي يحضنُني،
حقَّاً، ظِلِّي كُرسيِّي وفِراشي-،
الثَّانية صباحاً في شارع غاريبالدي:
العزلةُ تُنشئُني في المجموع وتُهَدِّمُني،
وأنا، لستُ ذاتي ولا طِباقَها،
لكنَّني أشدُّ خلوصاً أشدُّ خلوصاً/
*
لامٌ-
هذا الجمالُ المُنثَلِث
لَهْوَ
عُريٌ عارٍ يَعرى-،
بينَ حوضِها والضَّباب
لغةٌ لا يمكنُ إملاؤها،
نصٌّ مُباطِنٌ لِنصٍّ مُباطِنٌ لِنصٍّ
مُباطِنٌ لِنصّ- لكأنِّي فيهِ
مُحَوَّطٌ بالمبيضِ الأوَّليِّ للكون،
بريءٌ مُطْلَقٌ صرفٌ ومغسول
من نُطَفِ الشَّرِّ والخير-
أجَل، أيُّها العدَمُ النَّاضِجُ الرَّخيّ/
*
هيَ- ليلُها فضائي ووعائي،
يأخذُني في التَّخطِّي -مُثَنَّىً-
ويطلِقُني، أحَدَاً، في المُرسَلات
آهٍ لهُيامي الموسوسِ بالنُّجوم
لعزلتي المتوهِّجة برفقةٍ لا تُضاهى
لعتمة بياتزا دانتي الوقَّادة:
عتمةٌ/ حبرٌ ينوِّرُ رئةَ الرَّأس-،
ألا، تجمَّعي عَلَيَّ
يا أطيافي وأشباحي وأوهامي،
لأنِّي سآخذُ السَّديمَ، كلَّهُ، في رئتي
بنَفَسٍ واحد/
*
اللمعانُ رَعَّاشٌ-،
كأنَّ المُنيراتِ انفلَقَتْ
فوقَ مدينةٍ- عهدُها
تنامُ في بطنِ الأفُق
وتصحو على متنِ قَوس
اللمعانُ رَعَّاشٌ-،
اهجُمي الآنَ
مقوَّسَةً في أجناسِ المكعَّبات
دائرةً فيما انثَلَثَ انرَبَعَ استوى
كوني السَّماءَ القُبَّةَ العُمْقَ
لا تلكَ المُسَطَّحة/
*
بيرودجا، يا بيرودجا
يا نصفَ مُجمَلِ الخَفيِّ
ونصفَ مُجمَلِ الجسد،
احميني في العبورِ منِّي إلى نفْسِي
أنا المُتَرحِّلُ ذاتُهُ
هواءُ ذاتِهِ
جناحا ذاتِهِ
وأنا العبورُ ذاتُهُ-،
بيرودجا،
احميني احميني-
ليكُنْ خفيُّكِ رَحمُ ظاهري
ليكُنْ جسدُكِ لحمُ باطني
عرِّيني لأكتسي بكِ
اكسيني لأعرى فيكِ،
هيَ ذي جراحي خواتيمُ نَفْسي
فارفعي فواتيحَكِ عالياً- لأنِّي
سأمرُّ تحتَ قوسِ غلمتِكِ/
*
بونتِه سان جيوڤانِّي،
جسرٌ- مرقاةٌ إلى المُخَيَّل:
عَدَمٌ حنونٌ مِن مستوى القَدَم
يؤهِّلُ لي مراكبَ الظَّنِّ،
ويقذفُني خفيفاً خفيفاً
ضدَّ أرضِ القياسْ-
بونتِه سان جيوڤانِّي،
جسرٌ- مرقاةٌ ضدَّ الذَّات:
عَدَمٌ يتنوَّرُ وحدتي التي
تتنوَّرُ العَدَمَ الذي
يتنوَّرُها-
إذن قولي، هل تكونينَ يا غيومُ
قبري، ولا يكونُ اليَبَاسْ؟/
*
اقرئي-
قد فتحتُ لكِ خُطاطةَ الرِّيح
على ما دُوِّنَ مِن ظَنِّي،
فاقرئي عليهم أنَّ:
صمتي مَهَبُّ دخيلتي في رئةِ الفراغ
وألمي يتنفَّسُ مِن كُلِّ النَّوافِذ/
*
إنْ هوَ المتوسِّطُ فيكِ
إلَّا في تَخْمٍ
بينَ أفُقَين-،
كيفَ، وما لجسدي منسولاً فيكِ
ألفَ دغلِ عتمةٍ
منبثقٌ فيَّ ألفَ غابةِ ضوء-
ما لَهُ كُلَّما مُسَّ بِدَمْغَةٍ
مِن هجسِكِ أشَعَّ
كَمَن عاشَرَ ملاكاً أو ما يُضيء،
لكن لكن،
جسدي فيكِ بُرْكَةٌ
يخرجُ من منتصفِها الأفقُ عموداً
على التَّراتُبِ القديمْ
جسدُكِ علَيَّ موجةٌ لا تُقيمْ/
*
طَيفٌ هُنا- إصغاءٌ أعمى
يُفَجِّرُني في الهسيسِ الإتروسكيِّ الرَّائع-،
أحارُ-
هل أنَّكَ في وَتَرٍ مِن دائرةِ انخطافي
سانت إركولانو،
أم أنَّني في قوسٍ مِن دائرةِ البروج-
ولماذا، كُلَّما نُفِثْتُ فيكَ
عريتُ من الزَّمنِ المرهونِ للتَّرادُف
والتبستُ البرقَ- انفلاتَهُ وانفرادَه،
لماذا،
يبطَلُ جسدي المادَّةَ
ويصيرُ طيفاً يستوضِحُ الجَسَد؟/
*
إسمُها بَرْزَخٌ طفيفٌ
يكادُ لا يُفقَه
بينَ غموضِ جسمي ووضوحِ جسمِها-
نهرٌ مُسْتَتِرٌ واصِلٌ
ألوهةَ الصُّورةِ بنبوَّةِ الفِكرَةْ،
إسمُها، في كلِّ رجيجٍ، منطوقٌ
كأنَّهُ يُقالُ لأوَّلِ مرَّةٍ
بفَمِ الفِطرَةْ/
*
تحتَ قُبَّةِ سان سِڤِرو
تنهضُ المدينةُ مِن طبوغرافيَّتِها
المسترخيةِ للزَّمَنِ والضَّوء-
إلى داخلِ الألَقِ الشَّاملِ للأشياء
خفيفةً خفيفة
بلا شكلٍ ولا بُنيةٍ ولا حَجْم/
*
وتحتَ قُبَّةِ سان سِڤِرو
أدخُلُكِ -أنا الأحاديُّ الجنسِ-
أيَّتُها المدينةُ،
ذكراً وأنثى باتِّحاد/
*
ما أرَقَّ إنشاءَكَ
أيُّها الإهليلجُ البابيُّ
للعَمَارِ الدَّورانيِّ المُفرَد
لمعبدِ سانت أنجِلو،
بابٌ- وُصْلَةٌ إلى الغيمِ
كأنِّي بهِ
يُخرِجُ حَيَواني مِن مَوَاتي
ويُصَرِّفُ مَوَاتي مِنَ الحَيَوان-
: لا أمِيزُ لهُ مَخرَجي مِنْ مَوْلِجي/
*
أشهَدُ أنْ:
ليست بيرودجا جسداً كمثلِ الجسد
وأنَّها الجسدُ ليسَ كمثلِهِ جسد-
هذه المدينةُ
ثدِيَّةٌ ترتَضِعُ ذاتَها.
* Perugia مدينة في إيطاليا درسَ فيها الشَّاعر اللغة الإيطالية.
**
· أمارجي، شاعر سوري
· وُلدَ بمدينة اللاذقية الواقعة على المتوسِّط سنة 1980
· درس اللغة الإيطاليَّة في جامعة بيرودجا في إيطاليا
· حازَ شهادتَي ماجستير من جامعتَي كاتانيا، وبيرودجا في إيطاليا حولَ التَّواصل الثَّقافي وتدويل النُّظم بين دول البحر الأبيض المتوسِّط
· الجائزة الأولى في الشِّعر خلال مهرجان آذار الثَّامن عشر للأدباء الشَّباب 2001
· صدرَ له ديوان بعنوان "ن" عن دارَي مواقف في لبنان وبدايات في سوريا 2008
· صدر ديوانه الثَّاني بعنوان "بيرودجا: النَّصُّ- الجسَد" عن دار مواقف في لبنان 2009
· صدرت ترجمته لكتاب "أفكار" للشاعر الإيطالي جاكومو ليوباردي عن هيئة أبو ظبي للتراث والثقافة، مشروع كلمة للترجمة 2009
· تُرجِمَ ديوانه الثاني "بيرودجا: النَّصُّ-الجسد" إلى اللغة الإيطاليَّة، ويصدر قريباً في إيطاليا، وقد قام بالترجمة الباحث المغربي ردَّاد الشرَّاطي
.
تقولُ يدٌ:
خُذني، أيُّها اللامُسمَّى، فاتحةً
نوِّر لي الأسافِلَ بعُريٍ غير ممسوس
ولسوفَ نحرُثُ، الليلةَ، الكُرةَ
تحتَ هذا اللحاف-
ويدٌ تقول:
خُذني، إن شئتَ، بقيَّةَ الكتاب
شكِّلِ الكَلِمَ من وردِ أعضائنا
ولسوفَ ننشئُ فوقَ لحمِنا
الغيمَ الخِفاف/
*
أنتَ، بابُ العاجِ/ قوسُ اللَّوز-
فيكَ، من تحتكَ
دخلَ بشرٌ وأبقارٌ وغيوم
والموتى دخلوكَ أيُّها المهبلُ المقلوبُ،
الكُلُّ في بهجةِ ارتفاعاتٍ أُخرى
تُرى، كيفَ أوهمتَهُم أنَّ باطنَكَ قشرةُ الظَّاهرِ
وأنَّ ظاهرَكَ الجوهرُ اللُّبُّ المُلقَّح؟-
بورتا إيبورنيا/ أركو دِلَّا ماندورلا
في الخارج، مازالتْ العوالمُ تدورُ دورتها التَّامَّة،
وأنتَ مواصِلٌ، وحيداً، في الخطِّ المُنكَسِر/
*
صمتٌ. جوفٌ مزهوٌّ بكائناتِه-
نجمةٌ تسلُكُ بياتزا دانتي معي،
والوقتُ رضاعاتٌ لا تنتهي.
ما عسايَ أسمِّي ما ليسَ جسماً
وما ليسَ، كذلكَ، من جنس الهيولى
غيرَ الاشتهاءَ المُشتهَى والمُشتهِي/
*
امرأةٌ مدارُ نفسِها،
مُقنطرَةٌ مُقبَّبةٌ مُقرنَصَةٌ مُبَوَّبةٌ
مثلَ مدينة-
يندلقُ من سُرَّتِها نهرٌ لا يهبِطُ،
يصعدُ نحوَ فضاء الملائكِ
ثُمَّ ها أنا فيها،
أُصَعِّدُ أُهَبِّطُ أُقَوِّسُ أُقَوِّم-
خطواتي تنبشُ السَّماءَ
ودوراني يُخَلِّطُ الكواكبَ ببعضِها،
تسألُني المرأةُ، أو لعلَّها المدينة:
متى أيُّها الضَّائعُ
تلِجُ في الفَجِّ السَّالِكِ؟/
*
ذا هوَ قمرٌ تامٌّ ضرْعٌ غيرُ محلوب
يترنَّحُ في موسيقى توسوسُ المخيِّلة،
لكأنَّ الكونَ مأخوذٌ في فَلكِ الشَّهوةِ الواحِدْ-
سأُغنِّي:
آه يا ليلَ بيرودجا الخَنَّاس
آه يا منخسَ الغوايةِ الموَضَّأ
آه يا ضوء اللذَّةِ الرَّجَّاج
آه يا مَجَرَّ الرَّعشةِ المُقَزَّح
آه يا قَزَحَ الذُّروةِ النَّوَّار
آه يا نور الجسدِ الموَلَّهِ
الفاقدِ الواجِدْ/
*
كَونٌ حائلٌ لأجلِ عَدَمٍ مُكوَّن،
لَكَم هو المعنى- خفيَّاً- كليمٌ-،
-الموتُ -بهيَّاً -يتغسَّقُ
-الغَسَقُ -ميتاً -يبهو
-البهاءُ -غسيقاً -يموتُ
هكذا هوَ الغروبُ هنا،
يفعلُ لتَتَعَزَّى الأشياء/
*
هوَ حنجُرَتُهُ مَعْرَجُ ذاتِه-
صوتُهُ الذي بُحَّ على جدارِ كنيسةِ
سانتا إلِزابيتا- موزاييكِهِ
لم يبقَ منهُ غير الرَّجعِ الأسودِ المُفَكِّر،
لا شيءَ غير هيكلِ ماعزٍ
ومنقارِ غرابٍ كانَ فيما مضى
ينقرُ برقَّةٍ رُكبةَ المُغنِّي-،
أوَّاه أورفيو،
خُذني في التَّغييبِ النَّاعمِ
بعيداً بعيداً
عن أرضنا التي تتعمَّقُ في قطرةِ الدَّمِ/
*
الثَّانيةُ صباحاً في شارع غاريبالدي:
الضَّوء يُتوِّجُ عُريَ الأشياء،
عُريٌ من غيرِ تورية-
أمشي، لستُ ذاتي ولا طِباقَها،
وحدتي تنقُرُ جوفَ الليلِ المعدنيِّ
-رنينٌ باردٌ كأصابعَ تستحلبُ الظَّلام-
لا أريدُ، الآنَ، غير ظلِّي
هذا الرَّفيقُ القديمُ الذي يحضنُني،
حقَّاً، ظِلِّي كُرسيِّي وفِراشي-،
الثَّانية صباحاً في شارع غاريبالدي:
العزلةُ تُنشئُني في المجموع وتُهَدِّمُني،
وأنا، لستُ ذاتي ولا طِباقَها،
لكنَّني أشدُّ خلوصاً أشدُّ خلوصاً/
*
لامٌ-
هذا الجمالُ المُنثَلِث
لَهْوَ
عُريٌ عارٍ يَعرى-،
بينَ حوضِها والضَّباب
لغةٌ لا يمكنُ إملاؤها،
نصٌّ مُباطِنٌ لِنصٍّ مُباطِنٌ لِنصٍّ
مُباطِنٌ لِنصّ- لكأنِّي فيهِ
مُحَوَّطٌ بالمبيضِ الأوَّليِّ للكون،
بريءٌ مُطْلَقٌ صرفٌ ومغسول
من نُطَفِ الشَّرِّ والخير-
أجَل، أيُّها العدَمُ النَّاضِجُ الرَّخيّ/
*
هيَ- ليلُها فضائي ووعائي،
يأخذُني في التَّخطِّي -مُثَنَّىً-
ويطلِقُني، أحَدَاً، في المُرسَلات
آهٍ لهُيامي الموسوسِ بالنُّجوم
لعزلتي المتوهِّجة برفقةٍ لا تُضاهى
لعتمة بياتزا دانتي الوقَّادة:
عتمةٌ/ حبرٌ ينوِّرُ رئةَ الرَّأس-،
ألا، تجمَّعي عَلَيَّ
يا أطيافي وأشباحي وأوهامي،
لأنِّي سآخذُ السَّديمَ، كلَّهُ، في رئتي
بنَفَسٍ واحد/
*
اللمعانُ رَعَّاشٌ-،
كأنَّ المُنيراتِ انفلَقَتْ
فوقَ مدينةٍ- عهدُها
تنامُ في بطنِ الأفُق
وتصحو على متنِ قَوس
اللمعانُ رَعَّاشٌ-،
اهجُمي الآنَ
مقوَّسَةً في أجناسِ المكعَّبات
دائرةً فيما انثَلَثَ انرَبَعَ استوى
كوني السَّماءَ القُبَّةَ العُمْقَ
لا تلكَ المُسَطَّحة/
*
بيرودجا، يا بيرودجا
يا نصفَ مُجمَلِ الخَفيِّ
ونصفَ مُجمَلِ الجسد،
احميني في العبورِ منِّي إلى نفْسِي
أنا المُتَرحِّلُ ذاتُهُ
هواءُ ذاتِهِ
جناحا ذاتِهِ
وأنا العبورُ ذاتُهُ-،
بيرودجا،
احميني احميني-
ليكُنْ خفيُّكِ رَحمُ ظاهري
ليكُنْ جسدُكِ لحمُ باطني
عرِّيني لأكتسي بكِ
اكسيني لأعرى فيكِ،
هيَ ذي جراحي خواتيمُ نَفْسي
فارفعي فواتيحَكِ عالياً- لأنِّي
سأمرُّ تحتَ قوسِ غلمتِكِ/
*
بونتِه سان جيوڤانِّي،
جسرٌ- مرقاةٌ إلى المُخَيَّل:
عَدَمٌ حنونٌ مِن مستوى القَدَم
يؤهِّلُ لي مراكبَ الظَّنِّ،
ويقذفُني خفيفاً خفيفاً
ضدَّ أرضِ القياسْ-
بونتِه سان جيوڤانِّي،
جسرٌ- مرقاةٌ ضدَّ الذَّات:
عَدَمٌ يتنوَّرُ وحدتي التي
تتنوَّرُ العَدَمَ الذي
يتنوَّرُها-
إذن قولي، هل تكونينَ يا غيومُ
قبري، ولا يكونُ اليَبَاسْ؟/
*
اقرئي-
قد فتحتُ لكِ خُطاطةَ الرِّيح
على ما دُوِّنَ مِن ظَنِّي،
فاقرئي عليهم أنَّ:
صمتي مَهَبُّ دخيلتي في رئةِ الفراغ
وألمي يتنفَّسُ مِن كُلِّ النَّوافِذ/
*
إنْ هوَ المتوسِّطُ فيكِ
إلَّا في تَخْمٍ
بينَ أفُقَين-،
كيفَ، وما لجسدي منسولاً فيكِ
ألفَ دغلِ عتمةٍ
منبثقٌ فيَّ ألفَ غابةِ ضوء-
ما لَهُ كُلَّما مُسَّ بِدَمْغَةٍ
مِن هجسِكِ أشَعَّ
كَمَن عاشَرَ ملاكاً أو ما يُضيء،
لكن لكن،
جسدي فيكِ بُرْكَةٌ
يخرجُ من منتصفِها الأفقُ عموداً
على التَّراتُبِ القديمْ
جسدُكِ علَيَّ موجةٌ لا تُقيمْ/
*
طَيفٌ هُنا- إصغاءٌ أعمى
يُفَجِّرُني في الهسيسِ الإتروسكيِّ الرَّائع-،
أحارُ-
هل أنَّكَ في وَتَرٍ مِن دائرةِ انخطافي
سانت إركولانو،
أم أنَّني في قوسٍ مِن دائرةِ البروج-
ولماذا، كُلَّما نُفِثْتُ فيكَ
عريتُ من الزَّمنِ المرهونِ للتَّرادُف
والتبستُ البرقَ- انفلاتَهُ وانفرادَه،
لماذا،
يبطَلُ جسدي المادَّةَ
ويصيرُ طيفاً يستوضِحُ الجَسَد؟/
*
إسمُها بَرْزَخٌ طفيفٌ
يكادُ لا يُفقَه
بينَ غموضِ جسمي ووضوحِ جسمِها-
نهرٌ مُسْتَتِرٌ واصِلٌ
ألوهةَ الصُّورةِ بنبوَّةِ الفِكرَةْ،
إسمُها، في كلِّ رجيجٍ، منطوقٌ
كأنَّهُ يُقالُ لأوَّلِ مرَّةٍ
بفَمِ الفِطرَةْ/
*
تحتَ قُبَّةِ سان سِڤِرو
تنهضُ المدينةُ مِن طبوغرافيَّتِها
المسترخيةِ للزَّمَنِ والضَّوء-
إلى داخلِ الألَقِ الشَّاملِ للأشياء
خفيفةً خفيفة
بلا شكلٍ ولا بُنيةٍ ولا حَجْم/
*
وتحتَ قُبَّةِ سان سِڤِرو
أدخُلُكِ -أنا الأحاديُّ الجنسِ-
أيَّتُها المدينةُ،
ذكراً وأنثى باتِّحاد/
*
ما أرَقَّ إنشاءَكَ
أيُّها الإهليلجُ البابيُّ
للعَمَارِ الدَّورانيِّ المُفرَد
لمعبدِ سانت أنجِلو،
بابٌ- وُصْلَةٌ إلى الغيمِ
كأنِّي بهِ
يُخرِجُ حَيَواني مِن مَوَاتي
ويُصَرِّفُ مَوَاتي مِنَ الحَيَوان-
: لا أمِيزُ لهُ مَخرَجي مِنْ مَوْلِجي/
*
أشهَدُ أنْ:
ليست بيرودجا جسداً كمثلِ الجسد
وأنَّها الجسدُ ليسَ كمثلِهِ جسد-
هذه المدينةُ
ثدِيَّةٌ ترتَضِعُ ذاتَها.
* Perugia مدينة في إيطاليا درسَ فيها الشَّاعر اللغة الإيطالية.
**
· أمارجي، شاعر سوري
· وُلدَ بمدينة اللاذقية الواقعة على المتوسِّط سنة 1980
· درس اللغة الإيطاليَّة في جامعة بيرودجا في إيطاليا
· حازَ شهادتَي ماجستير من جامعتَي كاتانيا، وبيرودجا في إيطاليا حولَ التَّواصل الثَّقافي وتدويل النُّظم بين دول البحر الأبيض المتوسِّط
· الجائزة الأولى في الشِّعر خلال مهرجان آذار الثَّامن عشر للأدباء الشَّباب 2001
· صدرَ له ديوان بعنوان "ن" عن دارَي مواقف في لبنان وبدايات في سوريا 2008
· صدر ديوانه الثَّاني بعنوان "بيرودجا: النَّصُّ- الجسَد" عن دار مواقف في لبنان 2009
· صدرت ترجمته لكتاب "أفكار" للشاعر الإيطالي جاكومو ليوباردي عن هيئة أبو ظبي للتراث والثقافة، مشروع كلمة للترجمة 2009
· تُرجِمَ ديوانه الثاني "بيرودجا: النَّصُّ-الجسد" إلى اللغة الإيطاليَّة، ويصدر قريباً في إيطاليا، وقد قام بالترجمة الباحث المغربي ردَّاد الشرَّاطي
.