مرآتي هي مشكلتي... فيها أرى نفسي بدينة ... ثقيلة .. بصدري الكبير وخدودي المنفوخة .. أدورُ حول نفسي علّني أجدُ بقعة جميلة في جسدي قد تسيلُ لعابَ أحدٍ ما ... حتى لو فتحتُ أزرارَ قميصي .. حتى لو قصّرتُ ثيابي ... أبقى أنا كما أنا ... حتى لو غيّرتُ تسريحة شعري ودهنتُ أخاديدَ وجهي... أظلّ أنا...
وما كان أبي ملكاً ولا قائداً لجيشِ الفتحِ العظيم .. ولا رئيساً لحزبٍ قلب الموازين .. ولا كان عبقرياً من وادي عبقر
ولا كان غنياً ولا نبياً ولا .. ولا ..
لكنه كان أبي .. وكفى
كان عظيماً بالنسبة لي أكثر من كلّ ممّن سبق ذكرهم .. لأنه كان أبي .. أنا
وأنا الذي بكيت لفقده كما يبكي الحمل على جثمان...
عندما اتصلت بي هاتفياً لتأخذ موعداً في العيادة ، كنت غير متأكد من صوتها الذي أسمعه ..هل هو صوت رجل مخنّث أم امرأة مسترجلة ؟ ..حنجرة مبهمة الجنس تتكلّم , لكنّها أقرب إلى حنجرة امرأة .
ومعروفٌ أنني سأزعجها وقد أخسرها كمريضة لو أخطأت وعاملتها كرجل..لا بل قد يثور الرجل –إن كانت رجلاً - لو أضفت...
ماريانا هو اسمها المكتوب في موقع التواصل الاجتماعي ، وكتبوا أنّها متابعةٌ لي .. وأبدَتْ إعجاباً بصورةٍ لي سابقٌ نشرُها.
وصرْتُ متابعاً لها على نفس الموقع ولكنّها لا تنشر صوراً
إيقونة فارغة تثير التساؤل وتبقي كلّ الاحتمالات مفتوحة .. قد تكون رجلاً متخفّياً بلبوس امرأة ليصطاد بالماء العكر .. وقد...
لم يُسمَحْ لي بالإفاضة في القول ..راقبتُ تعابيرَ الوجوه ..وآثرتُ الصّمت قبل أن يبدوعليهم الانزعاج ..قالوا:
-أقوالُكَ كثيرةٌ يا هذا ...ويمكن تلخيصها بعبارة (لفّ ودوران ) فقط ... مواقفكَ زئبقيّة تفتقد إلى الميول الصّريحة..وكتاباتُكَ جميلة ٌولكنّها تتّسم بالحَذَرْ ..ككرةٍ مطاطية صغيرة ملوّنة...
سأحدّثكم عن سوسن ..
والسوسناتُ كثيراتٌ في دفتر مذكراتي .. كباقةٍ من ورداتٍ قطفتهنّ واحدةً إثر واحدة وعلى مراحل وأضفتهنّ إلى مزهريّتي .. وسقيتهنّ بمائي ليتأخّر ذبولهن ما أمكن .. وكنّ كلهنّ متشابهات إلا سوسنتي هذه كانت مختلفة .. مختلفة بطريقة تعرّفي بها وسرعة مصادقتي لها .. وسرعة تبخّرها من حياتي...
وفي اليوم الثاني أحضر معه ساعةً رملية ووضعها على الطاولة عينها .. وبدأت حُبيبات الرّمل تخرّ رويداً .. وتكرّ تباعاً مخترقة عنق الزجاجة ..
وقالت ضاحكة :
- جلستنا اليوم موقوتة على ما يبدو ..
- لا يهمّكِ .. نصفُ ساعةٍ فقط ستمرّ .. وسأقلب الزجاحة الرملية بعدها والجلسة قابلة للتمديد .. إنما...
الفصل الأول
مخطوبان منذ فترة طويلة حتى ليكادا ينسيان تاريخ خطوبتهما ..
وزواجهما موعِدُهُ بظهر الغيب مرتبطٌ بحلّ أزمتهما ..وأزمتهما جزءٌ من أزمة البلد ..وأزمة البلد جزءٌ من أزمةٍ عالمية .. والأزمة العالمية محشورة حالياً في عنق الزجاجة كما يقول المحلّلون.
ولا حلّ لها كما يرى (أحمد) في فلسفته...
( الأمسُ صفحة طُويَت وما فات َ مات ).
خسئ من قال ذلك ... فما فات لم يمُتْ بعد... والصفحة التي قُلِبَت امتدّت ذيولها إلى صفحة جديدة كأذرع الأخطبوط الهلامية تحاصرك وتخنقك..
أو كصفحات الديون المستحقّة مهما تقلّبت أو دُفِنَت في الأدراج ، فمستوجبٌ سَدادُها مع فوائدها وتراكماتها .. والحكاية...
سأشتري منكِ واحدة أخرى يا سيدتي
طيّبةٌ.. فيها عرقُ يديكِ المالح..ويتنقّط عرق جبينك فوق العجين وما من يمسحه سوى أطراف أكمامك اللانظيفة .. وهذا هو سرّ النكهة العجيبة في الخبز اليدوي
افرشي لذائذ صنعتكِ في عجينك المرقوق .. زعتراً أم جبناً أم لحماً مفروماً .. ودعيني أنتظر فأنا لست مستعجلاً
رائحة...
دقّت جرس الباب كثيراً قبل أن يَفتح .. بدا معروكاً كأنّه خرج من معركة ضارية خسِرَ فيها كل ما يملك .. ذقنُه شئزةٌ خشنة كمكنسةِ الأرض .. شعرهُ منكوشٌ داخَلَه العرق والدّهن .. رائحته مخلوطة برائحة بيته .. دخانٌ وعفنٌ وروائحَ أخرى ..
قالت :
- أعرف أنك في الدّاخل .. لذلك وضعتُ يدي على الجرس بإصرار...
الشمس خائفة من الإشراق حتى لا تنثقب صفحتها برصاصة صديقة ، فتحجّبت بإزار الليل وأطالت فترة الغسق ..والليل كستارة المسرح الكهربائية أسدِلت وانقطعت عنها الكهرباء فأرخى سدوله ..والثقوب الكثيرة في الستارة كشفت بعض ما يجري في الكواليس .. والممثلون يجب أن يظهروا ملثّمين لضروراتٍ أمنية !
وصاح الديك...
اليوم أكملتُ سنيني ..؟!
هكذا قال لي ملاك الموت :
اليوم دقّ ناقوس النهاية.. اثنان وخمسون عاماً ..بعدد أوراق اللعب ...فهل أحسنت اللعب على مسرح الحياة؟
فلا يقاسُ العمر بعدد السّنين ولكنْ بنوعيتها...هكذا أردف ملاك الموت:
( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا... )
إذا كان تمام العمر...
هل للحبّ نهاية ؟.. إن كان الجواب نعم ، فأنا أعلنُ اليومَ أنّ حبّي قد انتهى .. وولّى واضمحلّت جذوته وخبا نورهُ...
تبدأ نهاية الحب مع مخاضٍ من المشاحنات الزوجية تُردي إلى تضخّم مساوئ الشريك وتضاؤل محاسنه...
وبعد ذلك المخاض يولد الكُرْهُ كطفلٍ لقيطٍ مجهول الأب.. وتتفاقم البغضاء حيث تنقلبُ الحرارة...
بين نهديك سأدفن رأسي كالنعامة هارباً ممّا يثقل رأسي .. وأضمّهما فوق فوديّ حتى لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم .. وأنسى همومي .. وقد أبكي فلا ترين دموعي .. وتسيل في أخاديدك أرتشفها مياهاً مالحة وحلوة بنفس الوقت
- وا صديقيّ وما أحيلى احتضانكما
وقد أقبض عليهما متشبّثاً .. أعجنهما حتى يختمران .. وتؤذن...
الصباح لا يزال بعيداً في هذا الشتاء القاسي ، أو هكذا يتمنّى الدكتور حيّان أن يكونْ..
يريده ليلاً طويلاً يظلّ فيه قابعاً في الفراش بعيداً عن الذلّ والانكسار الذي يلقاه في عمله كطبيب
ويسخرمن نفسه – كلما تذكّر كلمات المرحومة أمّه – تعنُّ على باله وتجرحه عندما كانت تقول وتردّد:
-أتمنّى لو...
واللافتة التحذيرية أكثر من واضحة ..تصيح صياحاً ..هنا حقل ألغام !
والسياج الشائك يمنع حتى من لا يعرفِ القراءة ..واللوحة جمجمة وعظمتان متصالبتان ..إنها منطقة حدودية بين إقليمين فلا تحاول تخطّي الحدود إلا من المعبر المخصّص
والمعبر كان عصيّاً علينا ..إذ أنّ أوراقَنا ممهورةٌ بأختام حمراء نهائية لا...
آه لو كنت أنا غيرَ أنا ..
أريد الآن اسماً غيرَ اسمي .. و رسماً غير رسمي ...
أريد مهداً غير الذي وُلدت فيه .. وحليباً غير الذي رضعته ..
أريد أباً غير الذي تزوّج أمي ... وزوجاً غيرَ ابن عمي .
أريد أن أولدَ من جديد .. وأبدأ بداية أخرى ..
تعبتُ من معاندة الدهر .. ومكابدة القهر .. في زمن...
كانت أمّاً لأولادٍ متفوقين في مدارسهم ولكنها كانت أميّة !..لا تعرف شيئاً عن الكتابة والقراءة ولكنها تعشق العلم والمتعلّمين ، وتعتبر رتبة العلم أعلى الرتب ولا تنفكّ تزرع في أولادها تلك الخصلة ..وتشحذ فيهم الهمم ومن طلب العلا سهر الليالي ..وكانت تنقّي منهم شوائب الشتات في الفكر فلا ضياع في الوقت...
وكان لابدّ لي أن ألتقيها في ليلة الميلاد بعد طول بعاد ....وكنت أتخيّل نفسي كبابا نويل يعود بعد سنة والطفلة الجميلة تنتظره ..ينزل إليها من مدخنة البيت فيغرف لها الهدايا من كيسه ..وما أشعرتني يوماً بأنّ بابا نويل شيخٌ ولحيتُه بيضاءَ كالثلج
وكنت أظنُّ أنّ عودتي إليها كعودة المياه إلى مجاريها...
ولو كانت أكبر منه عمراً يراها صبية ..
ولو كانت مليئة القدّ يراها رشيقة..
ولو كانت مقلّة في إطلالاتها على الشرفة يراها مُلفتة لو أطلّت ..بل وجذّابة تجذبه فيسترق النظرات إليها
ولو كان لا يعرف اسمها ..يكفيه اللقب الذي يسمونها به (أمُّ ابراهيم )!..
ولو كان بنوها يتراكضون في الحي ويرمون...
وكان الإسكندر الأكبر وجيوشه الجرارة يحتفلون بالنصر قبيل المعركة لذا ما عرفوا الهزيمة وأيامهم كلها أعياد انتصار ..أما أنا فأرثي أبي وما زال حيّاً لذا فقد كان ميتاً منذ زمن.. وفي سنواته الأخيرة كان يقيم جنازته كل يوم كمشهدٍ تمثيلي نتدرّب عليه ..ووصيته كتبها آلاف المرات
وكأنّ النصرَ إحساسٌ...
ماذا سأفعل له ليهشّ ويبشّ في وجهي .. ولو قليلاً .
وكيف سأبعد حاجبيه المقطبين
وكيف أفرّج الإنقباض من عضلات وجهه .. وأكسر الحدّة في نظراته ..
كيف أحرّك الحروف في سكناته.. فأمنع التقاء الساكنين ..
كيف أخفّف الشدّة فوق حروفه ..
كيف أحذف أفعاله الآمرة والناهية والمعتلة والعليلة
كيف أضع...
كل شيء في غير مكانه ..هذه هي حياتي بالمُجمَل
وما يصحُّ دائماً هو غير الصحيح !
أنا ما كنت لحبيبتي التي أحببت ..وكان ينبغي أن أكون لغيرها بأمرٍ من القضاء والقدر ..وتلك المرأة كانت لغير ما أحبّت ولغير ما تحبّ ..
وهكذا تتزلزل الأرض وتميد لأن ذلك الجبل ليس في مكانه ..تحته غورٌ فارغٌ لابدّ من...
قصتنا اليوم – يا من تقرؤون – سيرويها أبطالها .. وهم ليسوا أبطالاً إلا لأن قصتنا تتناولهم ، هم بالحقيقة صعاليك مجهولون وفاشلون..طرطشاتٌ مائية تنقذف من برك الطريق عندما تشقها عجلات السيارات المسرعة .. ومن يأبه بتلك الطرطشات الموحلة .. بل على العكس يتحاشاها الجميع وينظفون ثيابهم لو تطرطشت بها ...
قلت لها رداً على مكالمية هاتفية :
-عيادتي للمرضى فقط بناءً على موعدٍ مُسبَق ..وإن كانتِ الحالةُ إسعافيّة فعليكِ بأحد الزملاء وما أكثرهم (والحمد لله )!..لذلك اعذريني من فضلك ..ولا داعٍ للإلحاح
قالت :
-ولكنّ أمي مريضة قديمة عندك ..وهي مصرّة عليك وإن كانت لجأت لغيرك في السنوات الماضية ، فالسبب...
بين الفينة والأخرى قد أفتح موقع الأنطولوجيا متصفّحاً .. بدءاً بالصفحة الرئيسية.. متصفّحاً كما قلت .. أو زائراً ومقلّباً الصفحات ومدوّراً فأرة الحاسوب نزولاً وصعوداً .. ولا أدري لماذا يكون مروري سريعاً؟
يومها كنت أرسلت منذ يومين مقالة على طريقة (معاينة ).. ثم ( انشر نصاً).. ووضعوني يومها أنا...
رجاءً لا تتمسّكوا بيدي وأنتم تلفظون أنفاسكم الأخيرة .. قد تسحبوني معكم.. ولست جاهزاً بعد لمواجهة حتفي .. ولست مستعدّاً للقاء ربي!
لا..لا تتشبّثوا بي .. تملّصوا منّي كمَليصٍ ذي سطوحٍ زلوقة
لا تنظروا في وجهي وأنتم في الرّمَق الأخير .. قد تنطبع صورتي في شبكية عيونكم كصورةٍ أخيرة من الدنيا الدنيئة...
فجأة وبدون سابق إنذار أصبحَتْ كئيبة .. والكآبة التي حلّت عليها ليست نوبة وقتية كما عوّدته .. كان يفسّر النوب التي تتعرّض لها بتفاسير تابعة لمكوّنات المرأة الجسدية أو النفسية أو الدورية .. فلم يلقِ بالاً لحزنٍ عابر قد يذوب ويضمحلّ من تلقاء نفسه
وكان سكوته وتجاهله لتلك النوَب يجعلها تنطفئ وتختفي...
يعود متأخراً بعد أن يجنَّ الليل .. فإذا جنّ الليل ظهر جنونه واضطرم جنانه ..
حارته ضيّقة وبيوتها متلاصقة متداخلة وكأنها بيت واحد .. سكانها يعرفون كل شيء عن بعضهم .. فإذا اختلف مع زوجته ينشرون غسيله .. والشرفات تمدّ ذقونها .. والعيون تراقب والألسن تحيك قصصاً .. لذا يجب أن يعود إلى البيت بصخب...
ليس مريضاً عادياً .. يستمرض ويتطبّب ويتداوى .. فيتعافى
إنه حالة خاصة شذّت عن تلك القاعدة
فالمريض العادي يتلقى منّا إضافة إلى الدّعم الطبي احتراماً وشفقة ومساعدة كحالةٍ إنسانية مستضعفة .. أما هذا المريض فلا يتلقى إلا اللوم والتقريع إضافة للعجز الطبي عن شفائه
فالطب مايزال إزاءه مكتوف الأيدي...
هو مهندسٌ متخصّصٌ بالجيولوجيا... مهمّتُه استكشافُ المناجم .. واستطلاع خبايا الأرض والتنقيب عن النفط .. والإشراف على الحَفْر.
خبرتُه العتيقة جعلته يعرف التربةَ من رائحتها .. من لونِها .. يستعملُ أوصافاً تليقُ بالنساء..هذه التربة سمراء غنية .. وتلك شقراء شاحبة ... احذروا الأديمَ الأحمر شيمتهُ...
كلما رأيتكِ تمشين إلى جانبه تشتعل ناري .. فأسير خلفكما متخفياً .. كأنكما تسيران على قلبي .. أسايركما من بعيد .. تتحابّان وأتحرّق .. تتشابكان وأتمزّق ..تتحدان وأتفرّق
وناري لا صوت لها ولا ألسنة لهب .. ولا بصيص جِمار ولا دخان ولا رماد .. كالمكواة الكهربائية تروح وتجيء على قلبي .. ترسم عليه...
هذه القصة حقيقية وليست من نسج الخيال .. وفيها بعض التصرّف
بطلتها ناديا وهذا اسمها .. ولقبها (نادو) لكلّ من يناديها
أبدأ قصتي بالإعتراف بتصرّفٍ قد يكون لا أخلاقياً .. لكنه حدث بمحض الصدفة.. فمنذ عشر سنوات تقريباً حدثت موجة لتركيب كاميرات المراقبة في كل مكان .. على بابكَ وفي فندقك ومطعمك ...
جاءكَ الموت قبل أن تحزمَ حقائبك وتربط سيور حذائك ..
قبل أن ترتّب سطح مكتبك .. وتصنّف أوراقكَ المبعثرة ..
جاءك الموت على حين غرّة .. لصاً داهمَك .. كان يتلصّص عليك كأفعى تنتظر بدهاء .. لها فيك لدغة واحدة ولكنْ ... قاتلة!
رحلتكَ بدأت الآن .. وما سبق من حياتك الدنيا كان استعداداً وتحضيراً...
بعد أن سمع الشيخ لتفاصيل الحلم المؤرّق ... تساءل قائلاً:
- وماذا حدث بعد ان انزلقتَ إلى حفرة الوحل؟
- حاولتُ الفكاك ونجحت
- وهل تخلّصتَ من بقاياه ؟
- نعم ولكنه علِقَ على شاربيّ فقط .. فلعقتهما وبلعتُ لعابي المخلوط بالوحل .. جفّفت نفسي ونظرتُ خلفي فرأيتها تغرِفُ من الطين وتصنع تماثيلاً على...
اليوم أكملتُ سنيني ..؟!
هكذا قال لي ملاك الموت :
اليوم دقّ ناقوس النهاية.. اثنان وخمسون عاماً .. بعدد أوراق اللعب ... فهل أحسنت اللعب على مسرح الحياة؟
فلا يقاسُ العمر بعدد السّنين ولكنْ بنوعيتها... هكذا أردف ملاك الموت:
( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ... )
إذا كان تمام...
ما كان عبدٌ أعظم من سيّده .. لا ولن يكون ... هكذا تعلّمنا
وسواد القوم دون سادتهم وأسيادهم .. فالناس مقامات
ولو كبرتَ أو استكبرت فهناك دائماً من هو أكبر منك .. تلك القواعد من محفوظاتنا أيضاً
ومن اعتلاك فانبطح تحته .. حافظ على حذائه لمّاعاً .. امسحه بأكمامك .. ويلكَ لا تتفل عليه قبل مسحه ...
هنالك أحلامٌ تتخطى الأمنيات ويتحقق فيها كل شيء .. تتجاوز المعجزات وتصل إلى حدود المستحيل .. فهل هي ممنوعة يا ترى؟
كأنْ تحلُم بأنك فتحت مغارة علي بابا .. أو حصلت على فانوس علاء الدين السحريّ .. وبالتالي أصبح لديك ماردٌ يأتمر بأمرك !
ولكن من منا يستطيع التحكّم بأحلامه ؟..
فالحلم مهما طال .. هو...
لا أريد استكمال التمثيل في هذه المسرحية .. ولو أسندتم إليّ دور البطل !.
أنا أعترض على النص الذي تبدّل عدّة مرات مذ وقّعْنا عقدَ العمل ..
كان النصُّ الذي وافقنا وتدرّبنا عليه منبثقاً من إرادة الجماهير فيتفاعلون مع الممثلين .. وينزل المسرح إلى الشارع أو يصعد الشارع إلى المسرح ...فالمسرح نبض...
أصبحتُ أتكلّمُ كثيراَ بلا شكّ في الآونةِ الأخيرة ... وأُثرثرْ ... وأقولُ ما يُقال وما لا يقال... مع أنني بنتُ مجتمعٍ رضِعَ قلّة الكلام مع لبن الأمّهات..فالكلامُ السياسيّ عندنا محفوفٌ بالمخاطر .. والكلامُ الدينيّ قد ينتهي بضرب الأعناق .. وكلام الحبّ والعشقِ ترفضهُ الأعراف ... أما كلام البورصة...
أصبح للصراصير مقامٌ بيننا .. وتُعطى لها صدور المجالس ..
واصبح للصراصير وزنٌ .. فترجح كفتها أنّى حلّت ...
رحِمَ الله زماناً كانت تُقتل فيه في زوايا البيوت بالقباقيب والشباشب...
رحم الله زماناً كانت فيه الصراصير مُقرفة تبعث على الغثيان ..
إنّ العفنَ المتراكم في البيوت هو الذي دفع الصراصير...
ذلك القس يسكن في حيّنا .. وأهرب من مواجهته .. كطالبٍ كسول يرتعد من مواجهة معلّمه لأنه سيذكّره بواجباته المدرسية المتراكمة ..
ومواجهة القس أصعب من المعلّم .. فالمعلم يعاتبك مقطّباً وتكون عن نفسك مدافعاً.. أما القس فيعاتبك مبتسماً فتكون له مستسلماً..
المعلم كان يقرصني من أذني اليسرى فقط ...
تعالي نستحمّ معاً
نحن بحاجةٍ إلى الماء يطهّرنا
الوضوءُ لا يكفي .. فلن يغسل منا إلا السواعد والأقدام .. وخطايانا أكثر عمقاً
والمطرُ .. آه ٍ منه .. ما عاد كمطر أيام زمان... ماعاد كافياً يا صديقتي
والسير تحت المطر لا يغسلنا .. فقط يكللنا ويجللنا ويبللنا
شعركِ التصقت خُصُلاته .. وضاعت التفافاته ...
الخطورةُ .. كلُّ الخطورةِ تكمُنُ في (الانفصال عن الواقع )..
هي شتيمة عصرية ينعتون بها كل من قرّر الخروج عن المألوف !
الواقع يفرض عليك أن يكون مركز ثقلك في معدتك ..فلا همَّ لك إلا أن تملأها .. ولو امتلأت ينقلون مركز ثقلك نحو أعضاء مادون الحزام .. فتصبح عبداً للغريزة ..
لا يجوز لك أن ترقى...
في كل يوم قصة قصيرة أو بعض كلمات .. يكتبها مع فنجان قهوته الصباحي .. ولم تكن بضع كلمات!
بالحقيقة يكتب ما في نفسه و لنفسه .. لأنه اختار الصمت انصياعاً !
أصبح والكتابة الصباحية على موعد .. كبديلٍ عن ثرثرة الصباح العاطفية مع زوجته وهي بالواقع ثرثرة استعطافية لاستغفار هفوات الأمس وزلاته ..
ولما...
أسعدني كثيراً وزاد في كبر رأسي اعترافها بالرضوان معي .. وكأنه نوعٌ من العرفان بالجميل .. وأيُّ جميل أقدّمه لها .. كانت صديقة قديمة وتزوّجت لرجلٍ آخر منذ سنين .. وعادت مياهنا إلى مجاريها منذ سنة تقريباً .. إثر مطالبتها ببعض المال يفكُّ ضائقتها .. مع بعض الحب من خلف حدود الزوجية كأي عاشقة تمارس...
آهٍ يا كاتيا .. ويطلبون منك الكثير
يطلبون منكِ أن تكبري وأنت أكبر منهم جميعاً
- ما هكذا تجلس المرأة !..
هكذا قلن وقالوا...
قبّحكم الله جميعاً.. كاتيا بعفويتها تجلس كيفما تريد .. وجلوسها أجمل وأشرف وأصدق من جلساتكم الكاذبة
هي إن فردت ساقيها للريح ببراءة الطفلة .. لا تعرف أنّ عيونكم...
عندما يصل إليك مكتوبي أكون قد سافرت وصرت خارج مدينتك.. وخارج مدارات أفلاكك .. وخارج تغطية شبكاتك الخليوية ..
لن تطالني يدك الطولى .. ويدك ما كانت طويلة إلا إليّ
ولسانك لا يخرج من فمك .. إلا عليّ
وأظافرك ما خرمشت .. إلا بشرتي
مكبوتٌ أنت ومكتوم .. محبوسٌ ومنطوٍ على نفسك ..ظلاميٌّ وضلالي ...
في لحظةٍ ما .. ترى كلّ شيءٍ انتقاماً منك ..كأنّك مذنبٌ في حقّ الآلهة
كلّه يجري عكس ما تريد وعلى غير ما تشتهي ..
كلّها جرعاتٌ انتقامية ..فالشمس إن أشرقت تحرق جلدك .. والمطر يفيض بزرعك ويهدم بيتك من أساسه ..والبحر الجميل غدّار .. والوردة الحمراء تدميك بشوكها .. ووراء الأكمة ما وراءها...
لا يرتكسنّ البعض للعنوان .. فالمستضعفون قساةٌ أيضاً لو أتيح لهم أن يمارسوا القسوة .. نعومتهم ولطفهم ودماثتهم ما هي إلا نواتج ضعفهم .. هذا هو سلاحهم
يعلّمونهم أن اليد التي لا يمكنك أن تعضها .. قبّلها وضَعْها على رأسك .. وادعُ ربك أن يكسرها لاحقاً فهو القوي على كل قوي .. لذلك ينكبّون على الأيادي...
لماذا تعود إليّ دماء الحيض بعد طول انقطاع ؟.. لقد نسيتُ الدورة الطمثية وفقدتُ ارتباطاتي بميعادها الشهري .. فلماذا تنزف مجدّداً أيها الرحم ..أم أنها دموع الوداع؟
ما تلك الإفرازات الموشّحة بخيوط الدم المُقلق ؟
كأنه سعالٌ رحميٌّ مدمّى ..هل سمعتم سعالَ الرحم ؟
وعطاسَه يسيل مخاطاً من قيعان جسدي...
كان شعوراً مختلفاً عندما حضرت مباراة كرة القدم في ملعب برشلونا .. فرّغتُ يومي كلّه من أجلها .. واضطررتُ للذهاب قبل ساعات من موعدها إذ لم أتمكّن من الحجز المُسبق على الانترنت..
والحقيقة أنّ ثمنَ البطاقة كان باهظاً يعادل ما يكفي للحجز في فندقٍ فخم ليومٍ أو أكثر .. وبيعَ بعضها في السوق السوداء ...
كل ما سأقوله وجهة نظر
قد تختلف عن وجهاتكم وتوجّهاتكم (المُصيبة ) .. لكن اسمعوا قليلاً للفقير إلى الله
ملامحكم تغيّرت قبل أن أنبس ببنت شفة .. ودارت وجوهكم وشخصت أبصاركم وسُدّت مسامعكم .. لا لن أقول وجهة نظري
سأكتبها لكم كتابة رغم علمي بأنكم لن تقرؤون .. لكنّ الكتابة لها ما يشفع لها فلا أحد...
وجاؤوا يطلبون يدها فقط.. للزواج ولم يقولوا قدمها
وبحضور مأذونٍ له .. تتناكح يدا العريس وولي العروس أولاً تحت منديل .. لأنّ السّترَ مطلوبٌ في النكاح .. وتلتقي عيونهما ويتبادلان كلمات الوفاق والاتفاق.. وما غيرُ الأصابع يعرف ماجرى تحت المنديل ..
إنه نكاح اليد !
فعندما أضع يدي على يدها يسمونه...
لم أعُدْ أخجل من فتح المواقع الإباحية .. بل والجَهْر بأنني أستمتع بها .. وليقلْ لي أحدكم ماهو الجُرم الذي أرتكبه؟ .. وبحقِّ مَن ؟
ماالمشكلة في التحديق بلوحة إعلاناتٍ معلّقة في الشارع لحسناءَ تشرب القهوة ؟ .. ياسيدتي أنتِ جميلة وقهوتكِ طيبة ولذيذة بدون أن أشربها .. صوّروني معها لو سمحتم ...
في سن الخمسين يبدأ البعض بالنظر إلى النصف الثاني من العمر بطريقة انسحابية .. وكأنّ المخطط البياني للعمر وصل إلى ذروته وبدأ بالانحدار .. وقفةٌ عابرة أمام المرآة تجعلكَ تستشعرِ الفرق .. وكأنّ شيئاً ما بدأ بالانسلال من بين أصابعك .. إنه العمر الذي يزداد تفاقماً وبقاياه التي تتناقص انسحاباً..
أين...
كلما ضاقت بيَ السبل تذكّرتها ..
وكانت تستجيب لندائي .. تترك ما في يدها مهما كان وتأتيني.. كطبيب يلبّي نداء الإسعاف قبل أن يسأل عما يشتكيه المريض .. يحاول علاجه ولو كان المرض من غير اختصاصه .. لهفته تكفي ..مساندته تعطيك دعماً ..
وقد يسكّن الطبيب ألمك فقط .. بجرعة مخدّرة وذلك ما ترجوه منه في...
إصرار الأطباء على التنظير الهضمي يوحي بأمرٍ جلل ..وتمّ كل شيء على عجل ...و لابدّ أن تستكين وتستسلم وتسترخي وتغمض المُقل ..وتستعد للمفاجآت فلن يطول الأجل .
وهل هي بمعزل عن كل تلك الأمراض التي تسمع عنها ؟..
ها هو السرطان الذي سيقضم حياتها سريعاً..قف مكانك ..لا تتقدّم ..سأطلق النار ..ولا يخاف...
عندما تلوّنت مياه دجلة بالسواد الحبري أعلنوا يومها أن مكتبة بغداد قد انتهت .. وعامت كتبها على صفحة المياه واختلطت أوراقها .. وتمازجت كلماتها
وما اختلجت أنامل التتار يومها .. لأنهم ما كانوا ليقرؤون
والكتب أكلتها النيران جمعاً في حرائق روما ولندن وبرلين وغيرها
وهناك ثقافات بأكملها انقرضت ولم...
هذه ليلتها .. ليلة دُخلتِها .. ويقولون يدخلُ عليها .. وشرعاً يدخل بها .. إن هذا الدّخول بحدّ ذاته هو ما يُخيفها .. والإدخال يُقلقها .. بل ويؤرّقها .. أنه تداخلٌ عليها وتدخّلٌ بها .. ولذا كانت متداخلة في بعضها ..
ليس كإدخال السيف في غمده فذلك إخمادٌ للحرب .. وليس كإدخاله في الخصم فذلك طعن ٌ...
الشخشخة صوت ٌ .. وأيّ صوت .. لكنه آيلٌ للزّوال !
والله لم أخترع هذا الصوت من بنات أفكاري .. جاءت به المعاجم !
هو صوتُ القرطاس إذا انقلب .. فيُقال شخشختِ الصّفحة الورقية اذا قُلِبَتْ أو خشخشت ..
وهو صوت ٌعذب إذا ما قَلَبْتَ الصفحة في روايةٍ جذّابة تسعدُ بنهايتها ... وممتعٌ إذا ماتناهبْتَ...
- هل تعرف كم تنتظر يومياً على بابِ الفرن؟
- لم أحسب الوقت ... أصبحت عادةْ
- طيّب... هل جمعتَ ولو مرّة السّاعات التي تصرفها على باب الجمعية الاستهلاكية أو ضمن طوابير الانتظار للحصول على المواد المقنّنة ؟
- مثلي مثل بقية الخلقْ.
- ولو أضفتَ إلى ما سبق انتظارك على موقف الباص.. وانتظارك على باب...
طوفان نوح كان عقاباً إلهياً والأمر متفقٌ عليه ولا خلاف ..
واصطفى الرب يومها نوحاً وكلّ من اختاره نوح .. فنحن إذن من ذراري ركاب الفلك المُختارين
واختار يومَها نوحٌ ذكراً وأنثى من كل نوع من خلائق رب العالمين .. وهكذا استمرّت الخليقة بالرغم من الطوفان الجارف
والكون الآن في مخاضٍ قاتل بالحروب...
اعترض الملك الذي لم ينجب على تسمية أخيه كوليّ للعرش .. كان يريد الاستئثار بالحكم في ذريته وذراريه حصراً
لكنه كان عقيماً صفريّ النطاف .. مخصيّا ولو لم يُخصِه أحد ..
وفشلت كل الطرق العلاجية في استزراع طفل من صلبه .. ولو حقنوا نطافه في كل نساء المملكة ذوات الترب الخصبة
وفطن طبيبه المقرّب للأمر...
مسرحي هذا .. بُني للحب فقط .. لذلك في زمن الحرب غدا مهجوراً .. فالحب والخوف لا يجتمعان .. إلا إذا كان الحب اغتصاباً.
أبطال هذا المسرح كانوا عازفين مهرة مرهفي الحس.. لكنهم اليومَ مشغولون بالعزف على البنادق والمدافع ..
ومقطوعات البنادق ليست مكتوبة .. هي سماعية فقط وقائمة على ردّ الفعل .. وهي...
كأنكَ تمرّ بنوبة عصبية .. أو حالة اكتئابية .. أو مأزقٍ انفعاليّ
ماهذا الانحراف الذي حلّ بك ؟.. تدخل معتركاً ليس لك وملعباً ستضيع فيه ..ماذا ستفعل بين فرسان الكلمة إن امتشقوا عليك سيوفهم ؟.. حتى الآن يلعبون معك إذ لا يرونك منافساً أو ندّاً .. حافظ على ماء وجهك وابق ضيفاً بينهم .. ولا ترفع صوتك...
كانت معلّقة بين السماء والأرض على شفا جُرفٍ يقود إلى الهاوية .. فصاحت متوسّلة:
-لا تفلِت يدي أرجوووووك .
أجاب وكان واقفاً فوقها .. ممسكاً بيدها وقد خارت قواه :
-إذا لم أفلتكِ ... سنسقط سوياً !
- دخيلك ..أتوسّل إليك .. رأسي تدور عندما أنظر إلى أسفل .. لا تتركني.. ابقَ معي قليلاً .
- وأنا...
المرء بأصغريه .. قلبه ولسانه .. وهما على الخط المنصف للرجل .. وعندهما يلتقي النصفان الأيمن والأيسر للمرء..
والنصفان ليسا بحالة تعادل ولا تكافؤ .. ولا يتطابقان إلا ظاهرياً
هناك نصف أقوى من نصف .. وأكثر مهارة
ونصفٌ أكبر من نصف ..وأكثر جسارة
فالذراع الأيمن أضخم عضلياً .. وأكثر قوة .. وأدقّ...
مهلاً .. مهلاً .. لا تقلب الصفحة.. ولا تستهجن العنوان !
ليس إسفافاً وخروجاً عن آداب الحديث .. فلا حياء في الطب ..
جسدُك مبنيٌّ من أعضاءَ مزدوجة .. عينان وكليتان ونصفا الكرة المخية وغيرها .. ولكن هنالك أعضاء مفردة لا ثاني لها .. كالقلب واللسان .
فالمرء بأصغريه قلبه ولسانه ... وكم تغنّينا بهما...
عندما تداعى الأنطولوجيون (بعدَ عشر سنوات خلت ).. لإقامة محفلٍ أنطولوجي..
يومها اعترض البعض إذ ظنوا تداعى بمعنى تهاوى أي من السقوط في هاوية .. فقلت لهم صدقتم فأنا أقصدها تهاوى من الهوى والحب .. فهم يتداعون ويتهاوون فيقتربون من بعضهم بعضاً .. كالمحبين يقعون في الحب وقوعاً ويتساقطون سقوطاً...
أنا على ما أنا عليه .. محكومٌ ومسجونْ
بإسمي وجنسي وديني .. وكلها فُرِضَتْ عليّ فرضاً.. وكان لزاماً عليّ أن أتحمّل تبِعَاتها كجريمةٍ ارتكبَها أهلي
مسجونٌ أنا بعُمري الذي يلتفّ حولي كحبلٍ يزداد تعقيداً .. وكلّ عام تزداد عُراه .. كأفعى لا تلدغك وإنما تعتصركَ ولا فكاك
مسجونٌ بالزمن الصّعب الذي...
هذه محاضرة طبية .. وجمهورك من طلاب الطب فقط وبعض الزملاء الأطباء .. وسيبويه اعتذر عن الحضور .. فلماذا تجهد نفسك في ضبط مخارج الكلمات؟..
عهدنا بالطبيب أن يكون جاهلاً بالعربية وهو حريص على ذلك وقد يغالط نفسه قصداً .. وكلماته مخلوطة بين العربية والإفرنجية فيكون أكثر إقناعاً .. وخطّه وجُمَله...
تأتيني والعلكة في فمها .. كلزوم الشيء
تضعها عندما أقترب منها وكأنها بداية للحدث.. وهكذا في كل مرة .. تبقى العلكة في فمها وتصدر صوتاً رتيباً من حنكها كعدّاد الثواني .. كمؤقّت زمني يعلِكُ الوقتَ عَلكاً .. كأنّ العلكة تبتلع الكلام الذي لن تقوله .. قد تستعملها كمعطّر للأنفاس أو قد تعطيها نوعاً من...
أنتَ يا مَن تُمسِكُ قلماً وتستند بريشته على ورقتك البيضاء .. ترخي عليه أثقالك حتى ليكاد يغور في النسيج الورقي .. يترك أثراً ولا يرسم خطاً .. كأنه يبحث عن موطئ قدم .. يتلفت ذات اليمين وذات الشمال مستفهماً عن الهوامش التي يُسمح لك بالتحرك ضمنها ... انتبه لنفسك .. إذ أن الشطط خارجها ممنوع ...
صوته عبر مسماع الهاتف يثيرها ..كلمة واحدة ..ذبذبة من ذبذبات صوته ..أنفاسه بدون كلام ..كلها تبعث فيها قشعريرة غريبة
ولا يحدث ذلك لو واجَهَتْه ..على العكس من ذلك ..تحب أن يكون لقاؤهما مقتضباً ..مختصراً ..بل ومبتوراً ..لا تريد أن تلتقي عيناها بعينيه ..ولا أن تحسَّ بحرارة أنفاسه قريبة منها...
لم أكتب شيئاً في أدب المناجم ..
أصلاً لا أعرف ما هو أدب المناجم .. إذ أنني لم أتلقَّ دراسة أكاديمية في الآداب.. لكن الأمر ليس معقداً .. فالوعاء ينضح بما فيه
ولو حاولتَ الولوج مثلاً إلى أدب السجون .. فلا داع لأن تُسجن أولاً .. فقلبك مسجونٌ بين الضلوع .. وكلماتك مسجونة خلف قضبان الرقابة ..
أما...
بدأت الحكاية في يومٍ من ذلك الزمان ... عندما خلعتِ الأزاهيرُ تويجاتها وتعرّتْ من الألوان ... وتطاير الشذا في كل مكان ..لكن لم يلق إليها أحدٌ بالا ً ... وكأنها حسناء تتعرى لوحدها في غرفة مظلمة .. ولو نزعت ثيابها قطعة قطعة ..
وعندما تتعرى الوردة من تويجاتها الملونة تصبح تافهة .. كعودٍ يحمل...
قالت لرفيقتها وقد أسْقِطَ في يدها :
- هل سيكون الأمر صعباً؟
- لا ... إنها قضيّة قفلٍ ومفتاح.
- يا إلهي خُلقت الأنثى للعذاب... تتلوّث بالدّم كلّ شهرٍ .. ويخضّبون بنانها بالحنّاء ليلة عرسها .... و..
- لا تنظري إلى النصف الفارغ من الكأس... لم لا نقول خُلقنا للسّعادة... نتجدّد كل شهر... ونزدان...
جمعة الحبّ
أصبح يومُ الجمعةِ مختلفاً في الربيع العربي.... فهناك جمعةُ الغضب وجمعة الرّحيل وجمعة الكفاح وجمعة الرياح وجمعة الويل والثبور وعظائم الأمور .... وغيرها .
وكنا نتلقى إشاراتِ كلّ جمعةٍ وتعليماتها عبرَ المواقع الالكترونية ثم ننطلق كالقطيع .... ننادي بشعاراتٍ مستوحاة من التسمية التي...
الموعد من السادسة إلى التاسعة من ليل الجمعة ، اللقاء سيتمّ في مكانٍ يُدعى الجلجلة أو الجلجثة ، هناك تواعدنا (لكن بدون لصّين ).
ذهبنا لوحدنا وبدون موكبٍ يرافقنا... كان كلٌ منا قد صلّى طويلاً في بستان الزّيتون... كلّ منا قال: ( لتكن مشيئتك يارب لا مشيئتي أنا )
وانطلقنا نحو الجلجثة وأجفان الناس...
هذا الحلاق النسائي أصابعُه سحريّة .. وذاعَت شهرته بسرعة بين الحريم .. تناقلنَ أخباره .. وأصبح الخيارَ المفضّل في تلك الدار المخصصة للتجميل ..
تنتظرنه دوناً عن غيره .. وتلتزمن بمواعيده .. بالرّغم من أن تلكم الدار فيها الكثيرات ممّن تعملن بنفس الصنعة .. لكن ذلك الحلاق له طعمٌ آخر كما يبدو ...
دانييلا .. لفتت أنظاري من بين الجموع .. وكنت أزور قصر الحمراء من بقايا عرب الأندلس .
وجهٌ ملائكي ولباسٌ أشبه بلباس راهباتِ سيناء .. محتشمٌ أسود طالما هي واقفة .. لكن ما إن تخطو حتى ينشقّ إزارها إلى النصف .. وتنبلج منه ساق فخذية بيضاء كعواميد المرمر المزروعة في قصور بني الأحمر ..
حولها جوقة من...
كانت شاعرة وأديبة من أدباء الخيبة .. وما أكثرهم !
أولئك ممن يقبعون في الظلّ .. يكتبون لأنفسهم ويرصفون الكلمات ويسمّونها .. أدباً .. يصنّفونها قصصاً قصيرة .. أو خواطرَ سردية .. أو مقالاتٍ عشوائية .. أو يعجزون عن تصنيفها فيتركونها .. بدون تصنيف
ثم كرِهَتْ الكتابة .. عندما اكتشفت أنها غيرُ...
عندما ترى فناناً يرسم علانية في قارعة الطريق .. في الحدائق أوالساحات العامة .. تثق عندها أنه يرسم فناً رخيصاً .. وهو يعرف ذلك
غاية تلك اللوحات الشوارعية أنّ الفنان يريد أن يأكل .. هو يستجدي ثمن خبزه .. شحاذ عصري! ..
عندما يرسم ذلك الرجل المعجب بنفسه ليرمي له في النهاية بضعة دراهم .. هذا إن...
يظنون أنني أخطأت العنوان في زحمة العناوين .. فالعنوان المشهور يقول أن (الأسود يليق بك) لأحلام مستغانمي .. لكني كتبتها قصداً لأن انقلاب الأسود إلى أحمر هو جوهر الحكاية .
الأسود لا يليق بنا.. فنحن السواد الأعظم وكفانا سواداً واسوداداً وسوداوية .
نحن قضبان الحديد الأسود يضعونه في الأتون...
انحنى قليلاً.. ونظر في وجهي.. خلع نظارته.. قال:
-مالكِ جامدةً كالتمثال.. باردة كقطعةٍ من حجرْ..؟
أمسكني من كتفي واقتادني إلى السّرير وخرج مسرعاً, وسمعتُ صوت زجاجاتٍ تُفتح وكؤوسٍ تُملأ فأحسستُ بقشعريرةٍ وبرودة تسري في أوصالي.
عاد وهو يصفّر بتكلّفٍ.. كان يحمل صينية عليها كأسان وشمعة ٌ حَمراءَ...
اسمع هذا التقرير الطبي الإرهابي .. لقد قمنا بفتح البطن وتحرير الالتصاقات ونزح الدم وتفجير الخراج وتجريف العقد واستأصلنا شدفة من الكبد بطريقة التمزيق الإصبعي .. وبعد العملية رأينا أنّ محصول الحمل قد مات بتأثير البنج .. فقمنا بتفتيت الجنين وإخراجه قطعاً صغيرة . وعملنا ما أمكن عمله والباقي على الله...
عزوبيته إرادية .. متعمّدة.. وعن سابق تصوّر وتصميم
وعزوفه عن الزواج قرارٌ استراتيجيّ تمّ اتخاذه بكامل قواه العقلية !..
وهذا يعني أن الأمر لا رجعة عنه .
لا تجادلوه في وجوب إكمال نصف دينه .. والبحث عن نصفه الثاني .. فلن يفتّ في عضده ذلك الكلام .
هو يسخر من النساء جميعهن باعتبارهن شرّاً لابدّ...
عندما أحاطت البنادق بالمدينة كإكليل الشوك ..ودخلت الخيل بين المضارب ..واختلط الصهيل بالبكاء والعويل ..ونادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور ...كان ذلك بمثابة النفير وبوق الرحيل ..
فارحل الآن وإلا ..
أظن ساعتها أن عنترة أيضاً سيرحل ويقلّد شيبوباً ويجري هارباً ..فالعين لا تقاوم المخرز...
كنت أتردد أو ترتجف يدي عندما أرمي ورقة أو قطعة جريدة في سلة المهملات ..أقلّبها بحثاً عن كتابة ما ..بعض الكلمات مقدّسة ولا تجوز مساواتها بالقمامة ، فلا توجد جريدة إلا وفيها أحد أسماء الله الحسنى ..كعبد الرحمن وعبدالغفار وغيرها .
وبعض الجرائد فيها صور للساسة ..قد ينتشلها البعض من...
فعلاً.... لقد كانتِ الرّيحُ تعوي عندهم كذئبةٍ مفجوعة...وتلهث.. وكان وقعُ شهيقها و زفيرها على سطحِ ذلك المستوصفِ الريفي (حيث أقيم) يبعث الرّعدة والرّعشة في القلوب.. أشبه بالفحيح على لوح الصفيح.. أما شجرة الصفصاف فقد انحنت تقبّل الأرض بين يديّ الريح طالبة الصّفح...
وضعتُ كأس الشاي على الطاولة...