إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
(ذو الرمة)
بين عامي 77 و177 من الهجرة عاش ذو الرمة سني حياته الأربعين، أكثر ما تراه على ظهر قلوصه يذرع الصحراء ويعتسف البيد، وهو أشعث أغبر:
صريع تنائفٍ ورفيق صرعى ... تُوفٌّوا قبل آجال الحمام
سروا حتى كأنهمو تساقوْا ... على راحاتهم...
لم تسلك الألغاز سبيلها إلى النثر الفني كغرض من أغراضه إلا في عصور الأدب المتأخرة عندما انحط الشعر والنثر جميعاً. فخاض الأول مجارى ضحلة من الأفكار والأخيلة والأساليب، وتهافت إلى معان ضئيلة ليس أدل على مبلغ ضؤولتها من أنهم لم يكونوا يصوغونها في أكثر من أبيات لا تتجاوز في تحديدها (البضع)؛ يضمنونها...
ألغاز الفقهاء والنحويين
(1) كان الفقه الإسلامي في نموه، وانشعاب فروعه من أصوله، أشبه شيء بالدوحة العظيمة أنشبت في الأرض جذورها ثم تطاولت إلى السماء بهيكلها، وأرسلت أفنانها مكتسيات بالورق النضر في كل متجه فلم تدع تحتها مكاناً ضاحياً أو موضعاً غير ظليل
وفي العصر العباسي وما تلاه من عصور التدوين...
كلف العرب من قديم بهذا الضرب من التعبيرات الغامضة، وعرفوا قيمته. وكانت تسعدهم على ذلك فطنة ولقانة وسرعة بديهة طبعوا عليها؛ حتى لتؤثر عنهم في هذا الصدد أقاصيص معجبة لا تخلو في نظر المدقق من المبالغة والتهويل - وإن بقى لها كامل دلالتها على تأصل هذا الفن فيهم - كالذي يروى عن العنبري الذي أسر في بكر...
قد يبدو لأول وهلة أن الألغاز فن مستحدث تسرب إلى أدبنا العربي في عصوره المتأخرة، فلهج به المتخلفون من الأدباء حتى أصبح فناً قائماً بذاته، وغرضاً في النثر وفي الشعر تنصرف إليه الغاية، وتصاغ فيه الرسائل والمقطعات، كما نرى ذلك في العصر التركي وما تلاه من عهود الانحطاط
على أن النظرة الشاملة تنفى عن...