بالدهشة نخطو الخطوة الأولى على طريقها الطويل، نسأل الموجود: ما أنت؟ من أين أتيت؟ وإلى أين تصير؟ لِمَ وُجِدتَ ولم تكن بالأَولى عدمًا؟ نحن جميعًا مطالَبون بالسير على هذا الطريق الذي قد لا يكون له آخر وقد لا يبدو له هدف، إنه طريق يسير عليه الإنسان ولا يدري إن كان «سيصل»، فهو لا يعرف هنا معنًى لكلمة...
لنبدأ بالكلام عن «جورج هايم».
إنه من أعمق الشعراء التعبيريين رؤيةً وأشدِّهم يأسًا وكآبة. وهو كذلك من أقلِّهم دعوةً للإنسان الجديد الذي طالما هتفوا باسمه أو انتظروا مَقْدِمَه؛ فالموت يحوم بأجنحته السود فوق أشعاره، والموت يلفها في ظلماته الكثيفة. لقد صوَّر هول المدينة الكبيرة، وتنبأ بفظائع حربَين...
كان يجري كالشبح الهائم وأنا أجري وراءه، وبدا في إطاره وهلاهيله كأنه جوادة نحيلة الجسد نحيلة الساقين. أدركته بعد أن كاد قلبي يتوقف وشددته من كم ردائه وسألت: لم تجري يا شيخ ؟
رفع الي عينين ضارعتين واسترد أنفاسه اللاهثة وقال:
- دعني يا ولدي. دعني. حاولت أن أضع يدي على كتفه فمنعتني النظرة الباكية...
رغم كل ما قرأته عن المدارس والاتجاهات النقدية من حيث تقنياتها البنيوية والجمالية ، فأنا لا زلت أميل
إلى النقد الانطباعي القائم على التحليل الموضوعي
ربما بحكم علاقتي بالإبداع الأدبي الذي لم تسمح لي الظروف إلا بنشر القليل منه ، ولذلك فأتصور أن رأيي ينبع
من الداخل ولا يأتي من الخارج ، ورؤيتي تمتح...
رأيتك يا إيكاروس عندما سقطت في الماء, رأيت رأسك الصغير كحجر بلا ملامح, أو كوجه فأر عجوز يحتضر. وسمعت - نعم سمعت - شهقة الموجة التي جاشت على سطح البحر الإيجي بعد أن ارتطم جسدك الشاب بسطح العنصر الأبدي السيّال. سألت نفسي إن كنت قد شهقت أيضًا أو تأوّهت. وتفحصت لوحة الفنان لعلي أتبيَّن دموعًا تسقط...
زارني الصبي الذي كان يومًا يحمل اسمي، وقف أمامي على حين فجأة، واستند إلى جدار المكتبة صامتًا شاحب الوجه. لم أدر كيف تسلل إلى حجرة مكتبي، بينما كنت أقرأ أو أكتب بحثًا أو أترجم نصًا أو أحاول أن أعدّ كلمة أقولها في ندوة أو مؤتمر. لكنني وجدته أمامي ولم يكن هناك مفرّ من المواجهة. راح كل منا يتأمل...