وائل رضوان

الميلاد
Nov 1, 1968 (العمر: 56)
نموذج من كتاباتك
1
رد الجمیل
نغمات موبیل أمین المھدى تطلق نفیرھا معلنة عن وصول رسالة جدیدة ..... أنھا من صدیقھ الغائب عنھ سنوات لظروف السفر والغربة التى قضاھا صدیقھ فى أحدى الدول العربیة باحثا عن الرزق ولقمة العیش...... رغم مرضھ الصعب فقد قاوم ألام المرض حتى یوفر لأسرتھ حیاة كریمة...... أمسك بتلیفونھ فرحا.... أخیرا وصلت رسالة من سعد مختار ..... قبل أن یفتح الرسالة جال بخیالھ فى ماضى بعید حین ألتقى لأول مرة بسعد ذلك الشاب المصرى الجدع الذى ھاجر إلى أمریكا وھو طالب وألتحق بالعمل كسائق تاكسى لیوفر مصاریف إستكمال دراستھ وبالفعل أستكملھا فى علوم الحاسبات وألتحق بأحد الشركات المتخصصة فى ھذا المجال ھناك..... أبتسمت الحیاة لھ فعاد لمصر فى أجازة وتزوج بنت عمھ دلال فى حفل صغیر وأخذھا بفستان فرحھا وغادر إلى بلدالمھجر...أنجب منھا ولدین كفلقة القمر .... كان دائما ما یتباھى بھم ویشبھھم بشقى القمر... مرت السنوات وسافر أمین المھدى فى مأموریة عمل وھو الضابط المتخصص فى المباحث الجنائیة .....
ھناك فى أقصى الكرة الأرضیة تعارفا حیث كان أمین المھدى یشترى ملابس من أحد المولات الشھیرة بولایة فرجینیا حیث یقطن سعد وقد أنھمك فى البحث والقیاس والأختیار حتى أنتھى الوقت المحدد للعمل بالمول فطلب منھ الأمن الذھاب إلى الكاشیر ونظر حولھ ولم یجد زبائن غیره وبعد أن حاسب على المشتریات وغادر لم یجد أى وسیلة مواصلات فقد غادر الناس المكان وأنطفأت الأنوار فى الخارج ووقف حائرا یترقب وإذا بسعد یخرج من المول دافعا سیارة مشتریات أمامھ فیسألھ أمین بالأنجلیزیة عن وجھتھ فیبتسم الشاب الأسمر النوبى الأصل ویجیب بالعربیة فیندھش أمین لفطنت وذكاء سعد فقد لمح ملامح أمین الشرق أوسطیة وراھن أن یكون عربیا بل مصریا وكان حدسھ فى محلھ....
تعارفا وأوصلھ إلى فندق الأقامھ وعرض علیھ أن یكون دلیلھ خلال جولاتھ بعد أنتھاء ساعات التدریب وكان سعدا رجل كریم فأحسن ضیافة أمین وخلال أسبوعین قضاھما فى فرجینیا أصبحا صدیقین لا یفترقا إلا للنوم والعمل وعاد أمین إلى القاھرة حاملا معھ ھدایا سعد وصارت صداقة.....یتقابلا حینما یعود سعد لزیارة الأھل والأصدقاء وظل أمین یحمل الود والخیر لصدیقھ الذى أكرمھ فى الغربھ...................
تذكر الرسالة ففتحھا وأضیقت عیناه وسقطت دمعة كخرزة اللؤلؤ على شاشة الھاتف فأحدثت صوتا وانفجرت لذرات صغیرة من الماء أفترشت سطحھ..........،
كان نص الرسالة مؤلما للغایة
- ) توفى سعد مختار منذ شھرین وأنا أتابع رسائل حضرتك الدائمة لھ وما كنت أرید أن أنعیھ لك ولكن رسالتك أمس وطلبك منھ التواصل وإستفسارك
عن سبب الأنقطاع جعلنى أبلغك بمصابنا الألیم ( .

2
- ) أعتذر جدا لعدم علمى بما حدث.....البقاء Ö......كیف حدث ھذا ( .
- ) لا أعلم إن كنت علمت بمرضھ الأخیر أم لا ولكنھ كان یردد لى ولأولاده أنك صدیقھ وأنك شخصیة محترمة وخدوم وطلب منى التواصل معك عند
عودتى للقاھرة فى حالة وفاتھ فقد كان یعلم أنھا مسألة وقت لا أكثر ( .
- ) بالطبع فقد أصاب الفقید الھدف فأنا تحت أمر حضرتك والأسرة الكریمة فى أى وقت فقد كان المرحوم سعد صاحب فضل.. وواجب علینا رد
الجمیل (.
لم یأتى رد من الطرف الأخر......كان واضحا من الحوار أنھا زوجة الفقید ولكن أمین لم یسأل حتى عن شخصیة الراسل فقد كان لا یعنیھ من؟! على قدر ما كان یعنیھ أنھ ھاتف صدیقھ وقد توفى وبالتالى فھو فى ید أرملتھ وأولاده......
مرت الأیام متشابھة وأمین یرسل رسائلھ المعتادة من الصباحات والأدعیة والأخبار كما كان یرسلھا لصدیقھ سعد وأصر على المتابعة طالما الھاتف مازال مفتوحا وھى رسالة لعائلتھ بأن أمین مستعد للمساعدة فى أى وقت......
شھور وقد نسى أصلا أنھ یرسل للھاتف یومیا فقد كان یرسل لجمیع أصدقاؤه وأقاربھ بما یقارب الألفین رسالة صباحیة أو مسائیة بعدد الموجودین عنده على البرنامج الذى یسمح بذلك على ھاتفھ المحمول...........
ذات صباح أستقبل رسالة من ھاتف المرحوم سعد - ) صباح الخیر ممكن أضایق حضرتك بطلب (. - ) طبعا یا فندم حضرتك تؤمر بس ھو اللى معایا مین بالظبط (.
- ) أنا زوجة المرحوم سعد والحقیقة لم یعد لوجودنا فى أمریكا سبب وكان لزاما علینا العودة للقاھرة وقد كان ولكنى متعثرة فى أستخراج بعض الأوراق
لمساعدة الولدین فى الألتحاق بالمدارس المصریة (.
- ) تحت أمرك یا فندم یاما كان سعد علیھ رحمة الله یساعدنى وبالذات فى زیاراتى المتعددة لأمریكا فقد كان كریما جدا(.
- ) ھذا من أصلك الكریم وأشكرك مقدما سوف أرسل لك طلباتى وحضرتك وجھنى من فضلك(.
أرسلت لأمین ما تریده وبفضل وظیفتھ المرموقة فى أحد الأجھزة الأمنیة فى ھذا الوقت ساعدھا دون أن یراھا أو یسمع صوتھا فقد كانت الوسیلة الوحیدة بینھما ھى الرسائل النصیة وقد أراد ھو ذلك أحتراما لصدیقھ المتوفى وأسرتھ الكریمة .....
أزدادت الطلبات المتعلقة بالولدین حتى أستقروا جمیعا و أصبح لا جدوى من التواصل فقد أنتھى ما كانت تطلبھ .......
ظل أمین على عھده فى إرسال الصباحات العادیة كما یفعل منذ سنوات طویلة ......
ذات یوم فوجئ برسالة
- أزیك عامل أیھ أنت غیرتنى كتیر برسایلك... رجعتنى للحیاة بعد الحزن الطویل
- طیب الحمدÖ انى أكون سبب فى رجوعك للحیاة
- أنت عارف أنى بحلم بیك
- مش فاھم والله
- یعنى بقیت بحس أنى مش عارفة أعیش من غیر رسایلك الیومیة
- لأ أنتى فاھمة غلط الرسائل دى مش خاصة دى بتوصل لألفین صدیق وصدیقة فى نفس الوقت وبالتالى فھى عامة
بدأت النبرة تتغیر وكأنھا تعرفھ منذ زمن طویل وھو مندھش من تصرفاتھا وتطوراتھا السریعة الغیر مبررة .......
تذكر صدیقھ وما كان یفعلھ من أجلھ .... تذكر أول لقاء وكیف تجلت الشھامة والجدعنة المصریة فى شخص سعد وساعده فى العوده لمقر أقامتھ بعد أن كاد یبیت لیلتھ على الرصیف ویعلم الله كیف سیكون الحال إذا لم ینتظم فى دورتھ التدریبیة للیوم التالى ... كان من الممكن أن یبلغوا وزارتھ فى القاھرة بغیابھ وبعدھا یتم إلغاء التدریب وترحیلھ للقاھرة لعدم الألتزام ........ كیف كان یستقبلھ بعدھا فى كل زیاراتھ.... لم یكشر یوما فى وجھھ رغم أن أمین ربما كان ضیفا ثقیلا فى معظم الأحیان .... لم یتذمر سعد ولم یشعره ولو مرة بعدم رغبتھ فى إستضافتھ........كان كریما مھذبا ..... نموذج للرجل المصرى الذى نتمنى أن نراه فى مجتمعنا...
كل ھذا یدور فى ذھنھ...... ھل یجارى أرملتھ دلال فى حواراتھا ...... ماذا ترید ؟!
ھو یعلم من خلال أحادیث صدیقھ أن دلال على خلق رفیع ومتدینة جدا ومنقبة ولكنھ الأن یجدھا على صفحات الرسائل منفتحة وترید التعمق ........
ھل جزاء الأحسان إلا الأحسان......................
بشھامة المصریین أتخذ أمین قراره بفتح الحوار معھا لیس لجرھا للمزید بل لتوضیح الأمور الصحیحة أمامھا وأسداء النصح والأرشاد لھا فربما یكون رد الجمیل فى محاولة الحفاظ على أرملة صدیقھ من الأندماج مع أشخاص غیر أسویاء یجرونھا لما لا یحمد عقباه.......
3
حاولت كثیرا أن تفتح أبواب متعددة مرات بالألفاظ الناعمة ومرات بنبرات شدیدة ووصلت لمرحلة التھدید الغیر محدد..........
أستحمل أمین رغم مرارة الأحتمال فقد كاد صبره ینفذ وھو رجل القانون وھى مستمرة فى إرسال كم كبیر من الرسائل التى من الممكن أن یقاضیھا بھا ویشھر بھا ولكن كیف یفعل ھذا فى أبناء صدیقھ... مھما حدث كان لابد من الأحتمال والصبر لعل الله یحدث بعد ذلك أمرا....كانت تعتقد أنھ یرید الأنفتاح فى الحدیث ولكنھ متحفظ لأمر ما...لم تكن تعلم أنھ صابرا محتسبا الأجر عند الله لعلھ یرد جزء مما حملھ بھ صدیقھ الفقید........
أتصل بأحد أصدقاؤه من الأطباء النفسیین وشرح لھ ماحدث وكان ردا قاطعا أن دلال لا تقصد كل ماتكتبھ فى تحب زوجھا المرحوم بجنون وقد كان كل حیاتھا ومحور كل شئ لدیھا وعندما فقدتھ....فقدت الحیاة وفقدت القدرة على الأحساس ..... وكانت الرسائل المصحوبة بالحكم والأدعیة تمس جنبات حیاتھا وھى غیر مقصود بھا ذلك ولكنھا فعلت .... وبالتالى وجدت سعد بین كلمات رسائل أمین..... فتھیأ لھا أنھا بالأندماج مع أمین سوف تعید سعد مرة أخرى لحیاتھا........ حوار معقد لا یفھمھ سوى المتبحرون فى علم النفس........
حاول بقدر المستطاع أن یثنیھا عن ما تریده ..... وكلما سألھا ماذا تریدین....تجیب أجابات متناقضة بأنھا أنسانة متدینة ومحافظة ولا ترید شئ خطأ أو حرام .........
لم ییأس وظل یناقشھا ویحاورھا حتى أستجابت أخیرا لنداء العقل وأقنعھا أنھ فى سن الستین الذى یعیشھ لا ینتظر إلا رضا الله وحسن الخاتمة ........
قال لھا أنھ یحترم نفسھ ویحترم أسرتھ ولا یحب أحدا سوى زوجتھ الصبورة وأبناؤه وأنھ یعلم أن العمر قد قارب على نھایتھ ولنرجوا رضا الله ونبتعد عن الشبھات حتى لو لم یكن الغرض منھا أفكار سیئة.........
دار فى ذھنھ حوار
ھل حب الزوج لزوجتھ وتفانیھ فى الحفاظ علیھا وأغلاق كل طرق تواصلھا مع المجتمع بھدف حمایتھا ممكن أن یكون سببا فى مشكلة مستقبلیة عند مواجھتھا للحیاة بمفردھا ؟؟! ..ھل عدم خبرتھا بمساوئ البشر فى الحیاة العملیة تجعلھا فریسة سھلة للذئاب البشریة؟؟!.... ھل القبضة الحدیدیة تخنق؟؟ ...ھل لا یجب أن یموت الزوج قبل زوجتھ ؟؟! ھل تتألم روحھ حین تراھا تتحدث مع الغرباء من بعده؟؟!.. ھل الزوج یمتلك مشاعر زوجتھ وجسدھا حتى بعد وفاتھ؟؟! أسئلة كثیرة جدا ربما تأخذنا إلى إجابات متعددة متضاربة متناقضة ولكنھا فى النھایة إنعكاس لما یدور بداخل نفوسنا...ھناك مقولة شھیرة ) لا تغلق یدك بقوة على العصفور فیموت ولا تبسطھا بالكامل فیطیر ( ............
4
5
أحترمت دلال رغبة أمین و طلبت منھ ألا یقطع عنھا سیل حكمھ ودعواتھ ووعدتھ أن تحافظ على نفسھا من أجل أولادھا ومن أجل روح زوجھا الھائمة فوقھا ترید أن تحتضنھا وتحرسھا و لكى یستریح جسده فى قبره وسیباركھا الله ھى وأولادھا....
ظل أمین المھدى أمینا كما كان وسیظل و غادر وھو مطمئنا بأنھ قد ) رد الجمیل (.. وائل رضوان ٢٧ یولیة ٢٠١٧
البلد
مصر
أعلى