منصور محمد أحمد

الميلاد
Oct 15, 1951 (العمر: 72)
نموذج من كتاباتك
رسالة إلى نفيسة:

كم أفتقدك فكل شيء هنا يجري ويعوي، السيارات الدراجات الكلاب، تقريباً كل شيء. مسكين الإنسان وسط هذه الدوامة من العجلة غير المجدية والرتم غير الحميد. كم أشتاق لكم فالدنيا عندكم سكينة ورحمة، وطلب الخير عند أي حركة.

ولا زلت أذكر كيف يكون فرحك بشحنة الذرة في الموسم، وهي تعني الكثير من الجهد من غسل وطحن ومجاورة النار لساعات حتى تشبع البطون، ولكنك وفي وعي معرفي عميق تربطين كل ذلك بالبركة المصاحبة والخير العميم.

طوال يومي هنا وأنا أحلم بساعة بينكم نقطع فيها الوقت ملتمسين لمدارج السالكين ومقتفين مسارات النجوم الزواهر من العابدين، يا لها من حياة منتظمة لا تحتاج لأي تغيير على نحو ثوري، وكيف لا والطبيعة عندكم بكل إعجاز الخالق تلبس أحلى حللها.

ولا أخفيك سراً إن قلت لك إن ما شدني إلى العيش بينكم، هو الحياة البكر التي لسمتها في الإنسان والطبيعة من حوله في دياركم العامرة بكل جميل.

ثم رأيتك بعد ذلك فذهلت للتناغم الذي يثيره وجودك في المكان، ذلك التناغم الذي يحيل الدنيا إلى لوحة عامرة بالوجدان والشجن العلوي. أتدرين سر بقاء هذا التناغم - الذي تحدثينه - متحدياً للسنين وتبدل الحال بالزواج وقدوم الأولاد، يكمن السر في إنك لم تكوني يوماً بكاملك معنا، هناك جزء منك ظل شارداً تفضحه نظرات منك نحو العلى.

الزيف هنا يملأ المكان والأرواح مندسة تحت ستار كثيف من البهرج والألوان التي لا طائل منها، والذي يخفي أجمل ما حباه الخالق للإنسان وهي الروح المتجانسة مع الطبيعة، صعب هنا أن تصل إلى روح الشخص الماثل أمامك فهي ترقد جريحة تحت ركام هائل من الضجة والفوضى الحياتية.
كل شيء هنا فاقد للتناغم وللمنطق، فالدوامة قد لفت كل شيء وغلفته بقيود مادية صارمة، أجساد تسير في الحياة بلا منطق أو فكر أو بعد روحي يخفف عنها.

لا أدري كيف تحملت كل ذلك القبح في حياتي السابقة، ولا أخفيك سراً في أنني خشيت الملل ورأيت الرتابة تملأ المكان أول حضوري بينكم، ولكن مع تحرر روحي من السخام الذي ألم بها فوجئت بالجمال يلف كل شيء، أطلت عليك دمتي بخير.
البلد
السودان

متابع

أعلى