أحمد بطاح

أحمد بطاح، من مواليد 1989 بجماعة عوينة يغمان أسا الزاك. أستاذ مادة الفلسفة بالثانوي. كاتب روائي وقاص. له روايتين منشورتين تحت عنوان سجن بلا جدران والحب الآتي من الشرق ورواية قيد الطبع تحت عنوان رجل لا أثر له يسكنني. والعديد من المقالات النقدية والسوسيولوجية والفلسفية المنشورة على الويب. حائز على جائزة دار حروف منشورة للنشر الإلكتروني وجائزة منف للرواية العربية الإلكترونية بجمهورية مصر العربية وجائزة ربيع القصة بجه الداخلة وادي الذهب.
الميلاد
Jul 16, 1989 (العمر: 35)
الإقامة
المغرب
نموذج من كتاباتك
مستويات اللغة في الرواية

إن الحديث عن اللغة في الرواية بشكل عام هو حديث عن مكون أساسي ومركزي لهذا الفن الجميل كما يسميه الفرنسيون، ذلك أن الرواية كشكل أدبي لا يمكن أن تكتب بمعزل عن اللغة، فهذه الأخيرة هي جوهر العمل الأدبي عموما، وأساس الرواية بشكل خاص. ومن هذا المنطلق تلعب اللغة دورا أساسيا في الرفع من جودة الرواية أو الخفض منها، تبعا للمستويات التي تصاغ بها، بحيث إن تجويد اللغة وتحسين توظيفها يقتضي لزاما تجويد العمل الروائي. وتبعا لهذه الأهمية يستند هذا المقال الذي يهدف إلى الوقوف على مسألة اللغة في الرواية ومستوياتها وطرق توظيفها.
لقد وضع الاتجاه البنيوي اللغة في صلب التفكير الفلسفي والأدبي، وبات ينظر إلى النص الأدبي على أنه بنية مكتفية بذاتها ومستقلة عن المؤلف، في سياق ما سمي بموت المؤلف، بحيث أصبح النص مادة حية تحمل توجهاتها الخاصة، وتحمل دلالتها بعيدا عن السياق التاريخي الذي أنشأها أو نشأت فيه، بحيث نجد نصا أدبيا قديما يقف بالموازاة مع نصوص حديثة العهد بعيدا عن التفاضل الزمني. وقد أورد المفكر زواوي بغورة نصا لنعموم تشومسكي في كتابه الفلسفة واللغة يقول فيه: "ركز تشومسكي على الوظيفة الإبداعية للغة، التي ترتبط أساسا بذات المتكلم، على خلاف الألسنية البنيوية، التي تهتم باللغة بعيدا عن ذات المتكلم، يقول: ما أصبح يمثل اليوم النقطة المركزية التي تدور حولها كل الدراسات اللغوية الحالية إنما هو المظهر الإبداعي للغة.. إن الظواهر لتوحي بأن الذات المتكلمة تخترع لغتها، بوجه من الوجوه كلما عمدة إلى التعبير عن نفسها" . وهكذا فإن الوقوف على اللغة هو بمثابة الوقوف على العمل الإبداعي ككل. وإذا كانت الرواية عالم متحرك في الزمن والمكان، بفعل قوى فاعلة، تختلف في توجهاتها وأفكارها وقناعاتها، فإن اللغة بدورها، والتي تؤطر هذا العالم، لا بد أن تتوازى في ديناميتها مع هذا الاختلاف، بحيث إن طغيان اللغة الواحدة على النص الأدبي هو بمثابة قتل له، وسلب لممكنات هذا النص من وقوف على طبائع الشخصيات، والتنوع والاختلاف الذي يبنى عليه العالم الإنساني. إن اللغة، منذ النظرية الروائية لميخائيل باختين، أصبحت تتخذ أنماطا متعددة يمكن أن نصطلح عليها بمستويات اللغة الرواية، وهكذا فإن الروائي يجب أن يخلق عالما روائيا متباينا لا يستوي فيه تعبير المثقف وغير المثقف، الرجل والمرأة، الطفل والراشد، الغني والفقير... إن لكل شخصية روائية أفكارها، قناعاتها، مرجعيتها... وبالتالي فلها لغتها الخاصة، وفي هذا الصدد يقول باختين: ".. إن تنوع اللغة وتنضيدها يصلحان قاعدة لأسلوب الرواية حتى في مثل هذه الحالة، حيث يبدو لأول وهلة لغة الكاتب وحيدة وأحادية الشكل...، مثقلة بالنوايا المباشرة والعاجلة، فإننا نكتشف وراء هذا المستوى الأملس، الأحادي اللغة، نثرا ثلاثي الأبعاد، متعدد اللسان بعمق، ويستجيب لمقتضيات الأسلوب ويحدده" .
إن فهم تموقع اللغة في النص الأدبي لا ينفصل عن فهم الإشكالية الفلسفية القائمة بين الفكر واللغة. إن اللغة ليست أداة للتعبير فقط، بل إنها أيضا أداة للتفكير، إذ لا يمكن للمرء أن يفكر خارج اللغة، بل إن هايدغر يرفعها لدرجة جعلها مثوى الوجود، وبالتالي فاللغة هي الرواية ذاتها، إنها ليست وسيلة في العمل الأدبي، بل وجب أن ينظر إليها كغاية، إذ لا يمكن فهم الشخصيات دون فهم لغتها. إن اللغة هي التبرير الوجودي للذات المنفلتة من سلطة الفكر، للذات التي تبحث عن وجودها داخل نطاق اللغة، تبحث عن أيديولوجيتها، تبحث عن تميزها.
بالإضافة إلى ذلك يقتضي الحديث عن الشخصيات داخل الرواية رصد أبعادها الثلاثة، البعد الحس حركي والبعد الانفعالي العاطفي والبعد الفكري والعقلي، ولا يتأتى رصد هذه الأبعاد دون وضعها في قالب لغوي يعبر عنها بدقة، وتبعا لاختلاف الأبعاد في الشخصية الواحدة وجب على الروائي أن يستحضر هذا التمايز، إذ لا يعني القول إن اللغة غاية هو جعلها لغة واحدة معيارية متعالية تسعى للمثالية من خلال الاستعارة والمجاز والتنميق اللفظي، بل إن الاشتغال على اللغة يجب أن يصب في إطار التنويع اللغوي، وأن يستحضر منطوق الشخصية بناء على مواقفها وأفكارها وأيديولوجيتها، وبالتالي الانتقال بالشخصية من وسيلة في يد المؤلف/الإله إلى أنا قائمة الذات، إنسان كموقف، لها إرادة وحرية وهوية. وخير تعبير عن ذلك ما أورده أحمد فارس الشدياق حيث يقول: "...إني إذا أوردت كلاما عن أحمق، انتقيت فيه له جميع الألفاظ السخيفة، وإذا نقلت عن أمير تأدبت معه في النقل ما أمكن، فكأني جالس بمجلسه، أو عن قسيس مثلا، أو عن مطران، أتحفته بجميع اللفظ الركيك والكلام المختل.." .
إن الروائي الذي يسعى إلى تحقيق تنوع لغوي داخل نصه الأدبي، لا بد له من أن يقف بعيدا عن لغته، وأن يجعل بينه وبين المنطوق الحواري مسافة كافية للتمييز بين لغة الروائي ولغة الشخصية، ذلك أن الروائي الذي يتحدث من خلال شخصيته ينطق هذه الشخصية ما لم تنطق به، ويلوي عنقها لتخدم قناعاته الخاصة، وبالتالي فهو يقحم ذاته بقوة في النص، مما يجعله عنيفا بخصوص الشخصيات، هاته الأخيرة التي تود أن تتمتع باستقلاليتها، وتود أن تعطى لها فرصة لتكون ذواتا تحمل هويتها الشخصية وليست هوية المؤلف. إن الذين استطاعوا أن يخلقوا عالما روائيا حقيقيا بشخصياته هم الذين استطاعوا أن يتحرروا من اللغة المصطنعة لصالح لغة تعبر عن الشخصيات تعبيرا حقيقيا. ولعل دوستويفسكي أو ماركيز أو غيرهما من كبار الروائيين استطاعوا أن يبصموا بصمتهم في صفحات الأدب لأنهم امتلكوا قدرة على جعل الشخصيات الهامشية، بكل تموقعاتها، تتحدث لغة تتماشى مع قدرتها الذاتية وخلفيتها الفكرية، أما أولئك الذين جعلوا من تنميق اللغة الغاية الكبرى في رواياتهم، سواء كانت هذه اللغة لغة حوار أو سرد أو وصف، فقد أخفقوا في بناء نصوص سردية خالدة تتمتع بتنوع لغوي وخطابي يكسر طابع الخطية اللغوية المعيارية.
البلد
المغرب
Gender
Male

الإتصال

Facebook
battah.tantan
أعلى