إبراهيم توري

شاعر وكاتب، متخصص في الفقه والأصول..
الميلاد
Nov 30, 1998 (العمر: 25)
نموذج من كتاباتك
"والحق أن من يحب جبران.. ينبغي أن يحبه لما كان ممكنا أن يبدعه، لا لما أبدعه"

قرأت هذا الكلام لأدونيس، فاستوعبتُه من أعماقي.. ذلك أنّه ذكّرني بأشخاص كُنْتُ أشيم فيهم بروقَ الأمل في مستهلّ أمرهم، إما في ساحة العلوم أو فضاء الإبداع أو منبر الثقافة أو أية حرفة نبيلة.. فأحببتُهم، وراهنتُ عليهم..

مرّ الزمن.. فسبرتُ أغوارَهم، وتفقّدتُهم من جديد، فوجدتُهم حيث تركتُهم.. في عتَبة القفص.. لم يطيروا رغم خفَقان الأجنحة وتوق القلوب إلى معانقة الأثير والسماء..

يَا لخيبة الفأل !

كثيرون هم أولئك.. تضع إنجازاتهم في ميزان كفاءاتهم فترثى لحالهم، ولا تجد فيهم أصدَق من قول المتنبي:
"ولم أرَ في عيوب الناس عيبا *** كنقص القادرين على التمام"

والمشكلة -غالبا- تكمن في خميرة الإعجاب التي استضافت في عجين مواهبهم.. كان من المفترض أن تشكّل منه فطيرةً شهية، فإذا هي تحوّله إلى حَجر ملموم..

حِينَ يُعجب بك الناس وأنت في نقطة البداية.. فلأنهم يرون فيك خيرَ الساعين.. يثقون في قدراتك على الوصول، لا أنّك وصلت.. وهذه الثقة، يجب أن تجعلك أكثرَ حذرا من السقوط، لأن صدمة الانهيار تكون أقوى حين تطلّ من الشرفات والقمم.. وتعني هذه الثقة كذلك، أن رحلتَك ستكون أطول من المعتاد العادي، ومن يسافر مسافات طويلة يجب أن يحافظ على حذائه.. هكذا يقول الحكيم!

لا يجعلنّك إعجابُ الناس بك، و أنت زهرةٌ لم تتفتّق بعد، من مواعدة نسيم الاعتلاء.. الطبيعة تقسو حين تؤدّب.. فادعاء الكمال والثقة الزائدة بالذات انتحار لذوي المواهب، ومقبرة يلجونها وهم في عِزّ الحياة..

أن يراهنوا عليك يعني أن طاقتك فوق المعيار.. بمعنى يجب أن تبذل أكثر، وتشقى أكثر، وتحيى حياة الشّمع، تحترق كي تستمرّ في إفراز الضوء..

ومن قبيل مخّ البعوض، أن ترى شخصا ملَك نواصي العظمة دون أن يكتويَ بنارها، ويعانيَ في سبيلها كل صعب ومرّ.. فسجّادة المجد حمراء بدماء السالكين.. (وحفّت الجنّة بالمكاره)..

عندما طلب ملك مصر من إقليدس أن يعلّمه الهندسة في دروس قليلة سهلة، كان ردّ هذا الأخير صارما ودقيقا: "لا يوجد طريق ملكيّ إلى الرياضيات"..
"أ أبيتُ سهران الدّجى وتبيته ** نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي؟!"

فالذي يريد أن يصل، مهما أوتي من موهبة وذكاء وفطنة، يجب أن يخضع لسلطان العظمة.. يرضيه على مضض، ولا يرضخ للمغريات وبنيّات الطريق.. يجب أن يشقى أكثرَ من غيره، ويبتسم لوخز الأشواك، ويلعق الصَّبِر حين يلتهم غيرُه العسل، ويُدلج حين يسير الناس.. (أشدّ الناس بلاء الأنبياء)..

أحبّ كريستيانو.. لا لأنه تشكّل من الأنقاض، وتكوّن من عدم، واستهدف أحلاما طوباوية فحققها، وخلق من الصعوبات فرصا، ومن أحجار المناوئين له سلاحا.. ولكن لأنه بطل لا يشبع أبدًا، ومحارب لا يصدأ ولا يهزم.. اللعنة، ما أشدّ فطام الكبير.. ترى الرجلَ يتميّز من الغيظ على ضياع فرصة تهديف وهو الهداف التاريخي للمستديرة، برصيد 833 هدفا.. يحضر في حصة التدريبات قبل أي واحد، ويكون آخر المغادرين.. يحرم نفسه كثيرا من الشهوات ليحافظ على لياقته البدنية.. وكلما حدّثتْه نفسه أنه امتلأ، يقول: "هل من مزيد؟".. وتقض مضجعه الشكوك حين يصادق عليه الجميع.. هذا.. لأنه يحب أن يكون على مستوى التطلعات.. أن يبقى كريستيانو!!

هذه الروح.. هي التي يجب أن تسكن كلَّ ذي موهبة، وكلَّ من يخطب سيّدة النجاح، لأنها عنيدة، ولا ترضى بغير الكُفء.. فإذا آمن الناس بك، فلا تطرْ قبل أن تريش.. كافح وجِدَّ وثابر من أجل هذا الإيمان، واحرص على أن تحوّله إلى واقع يتجاوز أفق توقّعاتهم، وسقف تطلّعاتهم.. وما الأسد إلا مجموعة خرافٍ مهضومة، كما يقول بول فاليري..
البلد
دولة غير عربية
أعلى