عزمي العفّاس

نموذج من كتاباتك
اللّيلُ مرآة الأجساد، وجسدي ملطّخ بندوب النّجمات. تنفق الأحداثُ فوق سماءِ العُشّاقِ، وأشربُ نخب أجسادهم في أكواب النّسيان: تُنزِلُ حوّاءُ غشاء اللّيلِ عن حُلمِ آدمَ، ويحتويها الأخيرُ بضلعهِ. اللّيلُ شاهدٌ على تفتّحِ الأزهارِ نهارا، والنّهارُ يُكذِّبُ نزوات اللّيلِ أو يؤكّدها. على قارعة البحرِ تنفضُ حوّاء دَمَ ابنها وتنامُ على ضلعها: سوفَ يَنبتُ منّي قلبٌ آخر. وآدمُ يصطادُ قلبها من ذاكرة اللّيل. عدنُ صارتْ ذاكرةَ الخطايا، والخطايا صارتْ منسيّة: هابيلُ ذبيحةُ الغفران. قابيلُ ينسجُ فوقَ الأرضِ تاريخَها القادمَ، والطّوفانُ لا يأتي على أثر الدّماء. آدمُ يختبئ وراء سياج من التّين: هل أضعُ جلدَ ابني كي أنجو؟ وحوّاءُ تعانقُ الأفعى كي لا تخدعها، والأفعى تُحاولُ الهروبَ من الخطيئة. اللّيلُ بينَ هذا وذاك يضيء درب المقاومة: السّقوطُ من علٍ بدايةُ الصّعودِ نحو الأرضِ، والأرضُ ملاذُ العاشقين.
-لنا اليومَ بيتٌ، فلما لا نسكنهُ؟
-هذا البيتُ ليسَ لنَا، فيهِ سريرُ القلوب.
-ونحنُ؟
-يتامى..
-واللّيلُ؟
-نديمُ العُشّاقِ.
-والبحرُ؟
-خمرهم.
وأرتمي في أحضانِ البحرِ: ربّما كانَ لي أنا أيضا نصيبٌ منهُ كي أرتوي، واُنسى. وكلّ قلب يرشحُ بما يحتويه، ليست الأجسادُ سوى قلوبٍ تتقارب وتتباعدُ. اللّيلُ كالبحرِ، أسود: تتعاقبُ الأمواجُ على شطآنه وكلّما أمسكَ بواحدة إلّا انفلتت؛ كقلبي. ينامُ آدمُ يحتضنُ ضلعهُ، وحوّاءُ تتغزّلُ بِلَيْلِ اليتامى واللّيلُ أبعدُ من قلبها: هجرت الجبلَ كي تصعدَ نحوهُ ثانية وتُمسكَ النّجومَ من قلبها. العودةُ ممكنةٌ إذا سرنا نحوَ الأمام، وشلّالاتُ التّاريخِ تحفرُ في قلبي سماءها. أضعُ على قلبي ورقة التّينِ: ليسَ خطيئة كي أغطّيه، فلمَ لا أسيرُ عاريا منهُ. وأقدّمُهُ ذبيحة على بابِ العطاشى: اشربوا كي تتذكّروا شظايا اللّيلِ الأوّلِ، وصيروا عشّاقا على ناصية الحرمان. الخطايا نحنُ، ولا تاريخَ إن لم نخطئ ونلبس أوراق التّين، ولا تاريخَ دونَ أن يصير الفردُ جماعة تحملُ في دمها ثمار الأفعى. يصطادُ اللّيلُ خيباتنا، ويُطهّرنا.
-أليسَ لنا ليل أيضا؟
-لنا خيالهُ، أو بقاياهُ، أو لنا ظلّهُ.
-ونحنُ؟
-نهارهُ.
والنّهارُ يكذّب نزوات اللّيل أو يؤكّدها.
-ألا دخلنا المضجع؟
-ليسَ لنَا، وليسَ هُنا.
-أينَ إذن؟
-في السّماءِ.
-والسّماءُ؟
-ظلّ مكسور آخر، ظلّ القمر أو قرينه.
-ونحنُ؟
-يتامى..
البلد
تونس
Gender
Male
أعلى