بينما كانت الأناشيد تنسلُّ سحباً تومض وتختفي, والسموات تبتلع النور لتودعه ثقباً أسود حالكاً بلا بداية بلا أمد. في كوّةٍ ضائعة ضمن اتساع الوجود، و على سدنة المعبد. تبتعد الخطايا. تتسللُ خفيةً على أطراف أصابعها خلف أعمدته. تجفل أقدامها. تحترق لذةً وظمأ لماء الآلهة المقدسة. كان يضع رأسه على الوسادة كما كل مساء، والغفا يداعب أهدابه السمر. يتثاءب ملء كبريائه، وكأنه تلبَّس روح إيزيس العتيد. يفترّ مزهواً بشوكته الملحية صادحاً :
” أنتِ من ضلعي خُلِقْتِ ….فكفى “. وراح غافياً .
ابتسمتُ، معذورٌ هو، فقد كان نائماً تحت الشجرة التي كان يظنها تفاحاً حين كُنّا معاً قبل الأزل بجوار الرب. كنت أحيك خلايا جسده، وأنسج أطرافه شلواً شلواً بمسلات من غيم، كنت قد سرقتها من نول أحد الملائكة، وعلى تعجّل حارقٍ تربعت على عرش جريمتي، غير نادمةٍ، أحنو بأناملي على الغرزات. أستر تفتق الدم فيها بماء الشفاعة. أعطر به القرابين. وأشتري غفلة الملائكة. أتزلف لها. علّها تغضّ عن حقيقتي عينها. وبينما الأحلام تسكن مقلتيه، كنت أبرد من ريش الطواويس إزميلاً أنحت به عظامه، أُصيِّرهَا أقواساً من قوس قزح. أصبغ بحمرة الغسق أصابعه شموعاً من مطر، فيصير له من مائه ذاكرة، تنهض الخوابي، فينطق النبيذ بأبجدية السكب والانتماء لكأسي المقدسة في جوفه، أُعتِّق به مسارب قلبه والزمن، فيتنبه الوجود فيه. وعلى صهوة الريح، كنت أراهن على اتساعي وتعمقي في رحم الفضا. أمتطي السَّكر على جناح الشهوة بصنعتي الأبدية، أنتشل من أقاصي السموات السبع نفحةً من تراب خلقي. عاجلتها هرساً وطحناً في مدقات موشَّاة بعطر أنوثتي، وعلى تسرع ٍ أخرق أحييتُ فيه شهوة بنات جنسي..!
وقبل أن أسدل الستار على مسرحيتي، حرصت أن أخلصَ ذاكرته من فعلتي، فلفظتني التلافيف منها كفوهة كهف سفلي خلا من عفاريته، ولما انتهيت وضعت رأسي على الوسادة، ونمت. وحيث يرتحل النعاس، ويتمطى الشفق. تسكنني الحياة من جديد, وتنداح الأحلام عن أهدابي الشهل، فيسقط البصر عليه صاحياً، أراه يتسمّرُ مشدوهاً إلى يديّ المصبوغتين بألوان الخلق والبعث، والسؤال يتقافز شاهقاً
على شفتيه. لجمته بيدي الجميلة، وسألت:
” هل نمت ..؟”
أجاب:
” كما لم أنم من قبل … و هذا ؟؟
نظرت إلى يديّ المخضبتين به، و إلى أعالي السموات عينيّ استرقت. كان ثمّة وهج نور باسمٍ، حفنة أثرٍ من جناح ملاك يتنصّت إليّ إن كنت بفعلتي قد بُحْت؟