ما الذي يستحق النظر فيه في المثل السائر " المعنى في قلب الشاعر "، وما الذي ربط المعنى بالشاعر حصراً، وهل صلاحية هذا المعنى مؤقتة، محدودة، أم قابلة للتعميم ؟
وعلى مستوى الكلام الذي نتكلمه، هل يُجاز لنا تحويل هذا المعنى إلينا في حياتنا اليومية، أم تُراه خطراً في الإزاحة وفي التحوير، أم ذا جدوى في إضاءة الكثير مما يستبطننا ؟
لقد قيلَ الكثير في هذا المعنى، وما زال، وتراوح بين رافض له وقابض، بين مشدّد عليه ومبدّد، بين مستأنس به ومتوجس، بين مستهلك له ومجدّد فيه...الخ، وكل ذلك يمكن أن يؤخَذ به بوصفه استدعاء المعنى أو لتلويناته حرفياً، وهو شاهد عيان على ما يبقيه خاصاً وعاماً ومختزلاً .
لكن الممكن قوله هنا، كما هو الممكن التنقيب في بنيته، ومن وجهة نظري، هو أن القول أمثولي، وصالح للتداول بأكثر من معنى، حيث إنه يصل المجرَّد بالحسّي.
إن كل معنى جنس، وثمة أنواع، وهذه تتوقف في محتواها الصنافي على مقدرة الكاتب أو الناظر فيها على مخْض غمار القول، وأهليته في التحرّي وتدبير الخفي وتنويره .
نعم، إن المثل يمضي بنا إلى عالم الشاعر، ويمضي بنا صحبة الشاعر إلى نقطة حيوية في تكوينه العضوي: البطن، والبطن يتضمن أعضاء ومسرح " عمليات " حيوية ، لكن لخصوص القول عمومه، وقد يخرج القول من محيطه البيئي ليكتسب طابعاً مجازياً لمن يصرّفه .
لقد كان الشعر ذات يوم ديوان العرب، وأظنه كان محل اعتبار لدى أمم الأرض قاطبة، لأنه كان يمثّل ثقافتها، ولسان الشاعر كان مرجعها، ولازال الشعر، رغم كل المثار " ضده " ذا مكانة، ولم ينفد رصيده، ولا كان بمطرود من " سوق " الأدب قطعياً . وبذلك يصلح هذا القول أن يكون مثلاً متجدداً، وأن يؤخَذ به، أما عن صلاحية الاستخدام فتلك متوقفة على بنية الثقافة التي تتضمنه، والجهة المقبِلة للقول، ففي كل استخدام ثمة إساءة وثمة وعي معين له.
ماالذي يُتحفَّظ عليه في المثل الآنف الذكر: الشاعر وبطنه، وليس شيئاً آخر، حيث أرادها البعض: قلبه، نفسه، لما في محورة " البطن " من استثارة تحط من قيمة الكلام .
ذلك تخوُّف في غير محله، ولعله يستند إلى حساسية معينة مأخوذة بوعي ناقص للقول.
لنحاول تنويره، استناداً إلى المعتبَر قاراً فيه:
إننا كائنات غريزية قبل أي شيء آخر، وأن نأكل فإنما استجابة لدافع الجوع، وهو غريزي بداهة، وأن تأتي الغريزة في البداية، فلأن إدخالها في عالم الضبط والتهذيب، يتطلب الحديث عما هو غضبي وعما هو عقلي، وفي كل مستوىً درجات، لكن الدافع الغريزي يظل في ديمومته صالحاً للتداول، وأن مقدرة التعامل به تتوقف على حسن إدارته وتعميق أثره .
ألسنا نربط الكلام بالطعام ؟ فنقول: كلام مهضوم، كلام يُسمّم البدن، كلام يهز البدن، كلام ينقّط عسلاً، كلام ثقيل على المعدة، كلام حلو، كلام باهت، كلام حامض، أو مر...؟
ألا نرتد من حيث الأصل إلى كوننا كائنات بطنية، وأن البدء يكون من هنا؟ كيف نحوّل ما هضمناه إلى " عصارات " هاضمة، أي ما يجعل الكلام مستساغاً، والاستساغة استمراء ما، وليس منا أو فينا، من لا يشعر بطعم معين، أو نكهة معينة، جهة الكلام المقروء أو المسموع.
أين المحك/ الرهان؟ بالنسبة للكلام، وما يؤدي إليه من دلالات أو علامة، يتساوى مع المأكول حين يستقر في المعدة، وهي بطنية، حيث إن ما في البطن ليس أحادي الاتجاه في طريقة هضم الطعام وإفرازاته، فثمة عمليات كاملة على مستوى " الهضم " ونتائجه وتداعيات النتائج .
في كل كلام نسبة لا تصلح للأخذ به، أو نقص معين لا يُتجاوَز، وهو ما يقدّم أي كلام أو نص ذا ثغرات وهي لن تُردَم أبداً، وليس من كلام يمكن اعتباره مفهوماً ويعطى له معنى هو حقيقته، وإلا لما رأينا كل أوجه الاختلاف على ما نقرأ ونسمع تفسيراً وتأويلاً وما بينهما .
في البطن، جهة الطعام، ما يتحول إلى طاقة يتطلبها الجسم، وسياسة الطعام، بالنسبة لمن يأكل ونوع المأكول أو المطعوم، ذات صلة بوعي العلاقة معه، وطريقة إعداده.
ثمة ما يسهل هضمه، وثمة ما يعسر هضمه، وثمة ما يحدث " انقلابات " في المعدة، أو ما يأتي خفيفاً وثقيلاً على المعدة، وما ينجم عنه من غازات وحالات مغص، أو ارتياح...
وإذا كان الشاعر في يومه السالف سلف قول أو كلام، وأرشيف قومه، فما الذي يمنع من النظر فيه وقد جُدّد في معناه، حيث إن الجاري في البطن، كما هو مجرى الكلام وكيفية تلقيّه؟ حيث يمكن لنا أن نتحدث عن " معدة " للكلام بالذات.
أما عن جهة التحديد، فقد يكون الشاعر نفسه مستغرباً مما يقول في المحصّلة، لأن هناك قوى فاعلة فيما يقول، تكون لاواعية. ولكم نتنبه إلى خطورة ما نقول أو ما قلناه بعد فوات الأوان، أو حين نسمع رأي المقابل، أو نتعرف على رد فعله، كما لو أن أذنه " معدة " تهضم أو ترفض أو تختار، وربما يحدث إقلاق من هذا الكلام ونوعية هضمه وتداعيات الأثر.
بين الشاعر وبطنه ما هو معتَّم عليه، ولكم نسخط على بطننا أحياناً كم لو أن ليس من صلة بينية، وما في ذلك من قابلية لأن نوسّع في حدود القول أو مستويات المعنى .
الآخرون هم محك لنا، وهم قابعون داخلنا، من خلال بنية الكلام المحال على لغة هي اجتماعية، وأن نتكلم هو أن نعرف حقيقة جلية وهي أن ليس من كلمة نتفوه بها، أو نقرأها، إلا ويكون لها صدى ما، يستند إلى كونها متعددة الدلالات.
إن رفضنا للشاعر أحياناً، ناجم بالمقابل عن سوء علاقة، وليس عن تفهُّم، فليس فينا من ليس شاعراً بطريقة ما، أنّى كان موقعه، حسَبه ونسبه، والشاعر لا يخفي صلاته بالشعور، وهو التفاعل مع عالم كامل، ولو بصورة نسبية، والعالم بأشيائه أشياء متلقاة بالتوازي مع الطعام الذي نأكله نيئاً أومطبوغاً، وما في ذلك من سهولة هضم أو تفنن في الطبخ وتناول المعَد .
ما أكبر غبن الشاعر حين نسيء فهم اسمه ودلالته، وما أكبر غبن أنفسنا، حين نسيء إليها باعتبارها: أمّارة بالسوء، قبل كل شيء، كما هو أكثر حالات التشدد من الشاعر و" بضاعته " استناداً إلى غواية الشعر: والشعراء يتبعهم الغاوون ! كما لو أن كلامهم مسموم، وفاسد.
ولقد بقي الشعر محل استقطاب، ولا زال الشاعر يحتفظ بموقعه مهما اختلِف الموقف منه.
حسبنا أن نتأمل علاقاتنا ببطوننا، وبطوننا بمجتمعاتنا، وكيف تُعَد علاقاته، وتُهضَم، لندرك، ولو قليلاً جمالية : المعنى في بطن الشاعر، وهي جمالية معانقة لنا وليست مفارِقة!
وعلى مستوى الكلام الذي نتكلمه، هل يُجاز لنا تحويل هذا المعنى إلينا في حياتنا اليومية، أم تُراه خطراً في الإزاحة وفي التحوير، أم ذا جدوى في إضاءة الكثير مما يستبطننا ؟
لقد قيلَ الكثير في هذا المعنى، وما زال، وتراوح بين رافض له وقابض، بين مشدّد عليه ومبدّد، بين مستأنس به ومتوجس، بين مستهلك له ومجدّد فيه...الخ، وكل ذلك يمكن أن يؤخَذ به بوصفه استدعاء المعنى أو لتلويناته حرفياً، وهو شاهد عيان على ما يبقيه خاصاً وعاماً ومختزلاً .
لكن الممكن قوله هنا، كما هو الممكن التنقيب في بنيته، ومن وجهة نظري، هو أن القول أمثولي، وصالح للتداول بأكثر من معنى، حيث إنه يصل المجرَّد بالحسّي.
إن كل معنى جنس، وثمة أنواع، وهذه تتوقف في محتواها الصنافي على مقدرة الكاتب أو الناظر فيها على مخْض غمار القول، وأهليته في التحرّي وتدبير الخفي وتنويره .
نعم، إن المثل يمضي بنا إلى عالم الشاعر، ويمضي بنا صحبة الشاعر إلى نقطة حيوية في تكوينه العضوي: البطن، والبطن يتضمن أعضاء ومسرح " عمليات " حيوية ، لكن لخصوص القول عمومه، وقد يخرج القول من محيطه البيئي ليكتسب طابعاً مجازياً لمن يصرّفه .
لقد كان الشعر ذات يوم ديوان العرب، وأظنه كان محل اعتبار لدى أمم الأرض قاطبة، لأنه كان يمثّل ثقافتها، ولسان الشاعر كان مرجعها، ولازال الشعر، رغم كل المثار " ضده " ذا مكانة، ولم ينفد رصيده، ولا كان بمطرود من " سوق " الأدب قطعياً . وبذلك يصلح هذا القول أن يكون مثلاً متجدداً، وأن يؤخَذ به، أما عن صلاحية الاستخدام فتلك متوقفة على بنية الثقافة التي تتضمنه، والجهة المقبِلة للقول، ففي كل استخدام ثمة إساءة وثمة وعي معين له.
ماالذي يُتحفَّظ عليه في المثل الآنف الذكر: الشاعر وبطنه، وليس شيئاً آخر، حيث أرادها البعض: قلبه، نفسه، لما في محورة " البطن " من استثارة تحط من قيمة الكلام .
ذلك تخوُّف في غير محله، ولعله يستند إلى حساسية معينة مأخوذة بوعي ناقص للقول.
لنحاول تنويره، استناداً إلى المعتبَر قاراً فيه:
إننا كائنات غريزية قبل أي شيء آخر، وأن نأكل فإنما استجابة لدافع الجوع، وهو غريزي بداهة، وأن تأتي الغريزة في البداية، فلأن إدخالها في عالم الضبط والتهذيب، يتطلب الحديث عما هو غضبي وعما هو عقلي، وفي كل مستوىً درجات، لكن الدافع الغريزي يظل في ديمومته صالحاً للتداول، وأن مقدرة التعامل به تتوقف على حسن إدارته وتعميق أثره .
ألسنا نربط الكلام بالطعام ؟ فنقول: كلام مهضوم، كلام يُسمّم البدن، كلام يهز البدن، كلام ينقّط عسلاً، كلام ثقيل على المعدة، كلام حلو، كلام باهت، كلام حامض، أو مر...؟
ألا نرتد من حيث الأصل إلى كوننا كائنات بطنية، وأن البدء يكون من هنا؟ كيف نحوّل ما هضمناه إلى " عصارات " هاضمة، أي ما يجعل الكلام مستساغاً، والاستساغة استمراء ما، وليس منا أو فينا، من لا يشعر بطعم معين، أو نكهة معينة، جهة الكلام المقروء أو المسموع.
أين المحك/ الرهان؟ بالنسبة للكلام، وما يؤدي إليه من دلالات أو علامة، يتساوى مع المأكول حين يستقر في المعدة، وهي بطنية، حيث إن ما في البطن ليس أحادي الاتجاه في طريقة هضم الطعام وإفرازاته، فثمة عمليات كاملة على مستوى " الهضم " ونتائجه وتداعيات النتائج .
في كل كلام نسبة لا تصلح للأخذ به، أو نقص معين لا يُتجاوَز، وهو ما يقدّم أي كلام أو نص ذا ثغرات وهي لن تُردَم أبداً، وليس من كلام يمكن اعتباره مفهوماً ويعطى له معنى هو حقيقته، وإلا لما رأينا كل أوجه الاختلاف على ما نقرأ ونسمع تفسيراً وتأويلاً وما بينهما .
في البطن، جهة الطعام، ما يتحول إلى طاقة يتطلبها الجسم، وسياسة الطعام، بالنسبة لمن يأكل ونوع المأكول أو المطعوم، ذات صلة بوعي العلاقة معه، وطريقة إعداده.
ثمة ما يسهل هضمه، وثمة ما يعسر هضمه، وثمة ما يحدث " انقلابات " في المعدة، أو ما يأتي خفيفاً وثقيلاً على المعدة، وما ينجم عنه من غازات وحالات مغص، أو ارتياح...
وإذا كان الشاعر في يومه السالف سلف قول أو كلام، وأرشيف قومه، فما الذي يمنع من النظر فيه وقد جُدّد في معناه، حيث إن الجاري في البطن، كما هو مجرى الكلام وكيفية تلقيّه؟ حيث يمكن لنا أن نتحدث عن " معدة " للكلام بالذات.
أما عن جهة التحديد، فقد يكون الشاعر نفسه مستغرباً مما يقول في المحصّلة، لأن هناك قوى فاعلة فيما يقول، تكون لاواعية. ولكم نتنبه إلى خطورة ما نقول أو ما قلناه بعد فوات الأوان، أو حين نسمع رأي المقابل، أو نتعرف على رد فعله، كما لو أن أذنه " معدة " تهضم أو ترفض أو تختار، وربما يحدث إقلاق من هذا الكلام ونوعية هضمه وتداعيات الأثر.
بين الشاعر وبطنه ما هو معتَّم عليه، ولكم نسخط على بطننا أحياناً كم لو أن ليس من صلة بينية، وما في ذلك من قابلية لأن نوسّع في حدود القول أو مستويات المعنى .
الآخرون هم محك لنا، وهم قابعون داخلنا، من خلال بنية الكلام المحال على لغة هي اجتماعية، وأن نتكلم هو أن نعرف حقيقة جلية وهي أن ليس من كلمة نتفوه بها، أو نقرأها، إلا ويكون لها صدى ما، يستند إلى كونها متعددة الدلالات.
إن رفضنا للشاعر أحياناً، ناجم بالمقابل عن سوء علاقة، وليس عن تفهُّم، فليس فينا من ليس شاعراً بطريقة ما، أنّى كان موقعه، حسَبه ونسبه، والشاعر لا يخفي صلاته بالشعور، وهو التفاعل مع عالم كامل، ولو بصورة نسبية، والعالم بأشيائه أشياء متلقاة بالتوازي مع الطعام الذي نأكله نيئاً أومطبوغاً، وما في ذلك من سهولة هضم أو تفنن في الطبخ وتناول المعَد .
ما أكبر غبن الشاعر حين نسيء فهم اسمه ودلالته، وما أكبر غبن أنفسنا، حين نسيء إليها باعتبارها: أمّارة بالسوء، قبل كل شيء، كما هو أكثر حالات التشدد من الشاعر و" بضاعته " استناداً إلى غواية الشعر: والشعراء يتبعهم الغاوون ! كما لو أن كلامهم مسموم، وفاسد.
ولقد بقي الشعر محل استقطاب، ولا زال الشاعر يحتفظ بموقعه مهما اختلِف الموقف منه.
حسبنا أن نتأمل علاقاتنا ببطوننا، وبطوننا بمجتمعاتنا، وكيف تُعَد علاقاته، وتُهضَم، لندرك، ولو قليلاً جمالية : المعنى في بطن الشاعر، وهي جمالية معانقة لنا وليست مفارِقة!