إلى صديقي أحمد بوزفور
رأيت، فيما يرى النائم، أني على باب جامع البصرة مع أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وسمعته يحدثني عن الكاتب المتكلف، فكان مما قاله:
- والآفة الكبرى أن يكون هذا الكاتب رديءَ الطبع، بطيءَ اللفظ، كليلَ الحد، شديدَ العُجْب، ويَكون مع ذلك حريصاً على أن يُعَدَّ في البُلغاء.
ثم زاد فقال :
- واعلمْ أنَّ الفصيحَ لا يتفصَّح، لأن فصاحتَه تُغنيه عن ذلك. والاستكراه في كل شيء سمج، وحيثما وقعَ فهو مذموم.
ثم سألتُ الشيخ أباعثمان الجاحظ عن الترجمة فكان جوابه:
- متى تَكلمَ المرء بلسانَيْن علمْنا أنه قد أدخلَ الضيمَ عليهما،لأنَّ كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى وتَأخذ منها وتَعترض عليها.
قلتُ:
- يا شيخنا أبا عثمان، لقد كنتَ تَعجبُ من رجل عرفَ لغتين وكانَ مع ذلك إماما في البلاغة، هو موسى بن سيار الأسواري.
فأمسك الجاحظ طرف لحيته بيمناه - وكذلك يَفعل حين يمعن فكره في أمر ما - ثم قال :
- أما موسى بن سيار فقد كان من أعاجيب الدنيا، إذْ كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية. كانَ يَجلس في مجلسه المشهور به، فيَقعد العرَبُ عن يمينه والفُرْسُ عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله عز وجل، ويفسرها للعرب بالعربية ثم يُحَوّلُ وجهَه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية، فلا يُدرىٰ بأي لسان هو أبْيَن.
كنا قد ابتعدنا قليلا عن باب الجامع حين أمسكني شيخُنا أبو عثمان من ذراعي وقال لي:
- ليلة عودتي من بغداد إلى البصرة، رأيتُ فيما يرى النائم أني صبيّ صغير على ضفة سيحان، أبيع هنالك الخبز والسمك. فبينا أنا كذلك إذ تقدم نحوي رجل عليه لباس الإفرنج ونظر إلي مليا ثم قال لي:" يا فتى، هل يُتَرجَم الشعر؟ " فلحداثة سني لم أعرف كيف أجيبه ولكني سألته :" من تكون أيها الرجل المهيب ؟" فأجابني : " أنا أرسطاطاليس، أنا أرسطاطاليس" ثم انطلق، فصحوتُ وأنا أعجب مما رأيته في منامي ذاك .
رأيت، فيما يرى النائم، أني على باب جامع البصرة مع أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وسمعته يحدثني عن الكاتب المتكلف، فكان مما قاله:
- والآفة الكبرى أن يكون هذا الكاتب رديءَ الطبع، بطيءَ اللفظ، كليلَ الحد، شديدَ العُجْب، ويَكون مع ذلك حريصاً على أن يُعَدَّ في البُلغاء.
ثم زاد فقال :
- واعلمْ أنَّ الفصيحَ لا يتفصَّح، لأن فصاحتَه تُغنيه عن ذلك. والاستكراه في كل شيء سمج، وحيثما وقعَ فهو مذموم.
ثم سألتُ الشيخ أباعثمان الجاحظ عن الترجمة فكان جوابه:
- متى تَكلمَ المرء بلسانَيْن علمْنا أنه قد أدخلَ الضيمَ عليهما،لأنَّ كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى وتَأخذ منها وتَعترض عليها.
قلتُ:
- يا شيخنا أبا عثمان، لقد كنتَ تَعجبُ من رجل عرفَ لغتين وكانَ مع ذلك إماما في البلاغة، هو موسى بن سيار الأسواري.
فأمسك الجاحظ طرف لحيته بيمناه - وكذلك يَفعل حين يمعن فكره في أمر ما - ثم قال :
- أما موسى بن سيار فقد كان من أعاجيب الدنيا، إذْ كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية. كانَ يَجلس في مجلسه المشهور به، فيَقعد العرَبُ عن يمينه والفُرْسُ عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله عز وجل، ويفسرها للعرب بالعربية ثم يُحَوّلُ وجهَه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية، فلا يُدرىٰ بأي لسان هو أبْيَن.
كنا قد ابتعدنا قليلا عن باب الجامع حين أمسكني شيخُنا أبو عثمان من ذراعي وقال لي:
- ليلة عودتي من بغداد إلى البصرة، رأيتُ فيما يرى النائم أني صبيّ صغير على ضفة سيحان، أبيع هنالك الخبز والسمك. فبينا أنا كذلك إذ تقدم نحوي رجل عليه لباس الإفرنج ونظر إلي مليا ثم قال لي:" يا فتى، هل يُتَرجَم الشعر؟ " فلحداثة سني لم أعرف كيف أجيبه ولكني سألته :" من تكون أيها الرجل المهيب ؟" فأجابني : " أنا أرسطاطاليس، أنا أرسطاطاليس" ثم انطلق، فصحوتُ وأنا أعجب مما رأيته في منامي ذاك .