ديوان الغائبين ديوان الغائبين : محمد منير رمزي - مصر - 1925 - 1945

محمد منير رمزي.
ولد في مدينة الإسكندرية، وفيها توفي.
تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمدارس الإسكندرية.
التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية.
مر بقصة حب فاشل لم يحتمله، فأطلق النار على نفسه وهو مازال طالبًا في الجامعة.
كان يكتب الشعر بالعربية والإنجليزية.

الإنتاج الشعري:
- له «بريق الرماد» - مجموعة شعرية - جمع وتحقيق: إدوار الخراط، ومحمد مصطفى بدوي، دار شرقيات - القاهرة 1997.
تتجلى في قصائده ظلال من الرومانسية والواقعية السريالية والرمزية تبدو بوضوح في صوره المجازية، كما تتجلى في عناوين قصائده وما تختار من لحظات ومضات لتصويرها، تعد ترجمة لثقافته الإنجليزية، التي تأثر خلالها بتوماس هاردي وجون كيتس، وشكلت إرهاصة مبكرة لما تعورف عليه بعده بقصيدة النثر.

مصادر الدراسة:
1 - إدوار الخراط، ومصطفى بدوي: مقدمة ديوان الشاعر.
2 - محمد مصطفى بدوي: مختارات من الشعر العربي الحديث - 1969.

* بريقُ الرماد

الأقصوصةُ التي لا تَنْتَهي
نَتلوها - فصلاً بعدَ فصلٍ - بين فجرٍ ومساءِ
الموجةُ الأولى على أول حبةٍ تحتضنُ منْ حباتِ الرِّمالِ
في جفونِ العيونِ زائفة البريقِ
الأقصوصةُ التي لا تنتهي
إنها لن تتمَّ فصولاً قبلَ الفجرِ ولا بعدَ المساءِ
خدعةُ الأبد
على شاطئ العيونِ زائفةِ البريقِ

نفوسٌ ضائعةٌ
تحيا على جمالِ عيونٍ زائفة البريقِ
إنها ضائعةٌ في خدعةِ الأبدِ
وما العيونُ بأقلَّ زيفًا
والأشلاءُ الممزّقةُ تحت الأرديةِ الجميلةِ
جميلةٌ تلكَ الأردية المنسّقةُ
ولم تكنْ أقلَّ منها جمالاً
أكفانُ موتى مئاتُ السنين
الأشلاءُ الممزقةُ
تضحك في جنونٍ لضرباتِ الموجةِ الأولى
في حرارةِ الأنفاسِ المتقدة
تحت ثقل الشفاهِ المسمّمةِ اللمساتِ
وما زالتْ نفسُ الموجةِ تذهبُ وتجيءُ
تتلو فصولَها على أولِ حبةٍ من حباتِ الرمالِ
إنه جميلٌ ككلِّ زائفٍ
ذلك البريقُ الذي أوقدتْهُ نارُ الفجرِ ولم تطفئْهُ ظلالُ السماءِ

***

آلام وأحلام

أنا ما أنا؟ لا شيءْ
مخلوقٌ تتجاذبهُ الأحزانُ وترتطمُ على صخرِ قلبهِ آلامٌ وأحلامٌ
أحيا لأستمع إلى ألحان قلبي
حينَ يهدأُ أو يثورْ
كانتْ لي الطبيعة الشاديةُ، أناجيها فتناجيني
ولكنْ ما بالُها اليومْ
إنها ميتةٌ، ميتةٌ أشيّعها كلَّ يومٍ بلْ كلَّ ساعةْ
إنني أفنى أفنى فناءً عنيفًا هادئًا
عنيفًا كاصطخابِ الأمواجِ فوقَ الصخورْ
هادئًا كالنسائم الناعسة في ليالي الصيفِ الحالمةْ
لقد صُهرت روحي على قالب الخيال والأحلامْ
فني جسدي وبقيتُ روحًا، روحًا، حالمةً متأملةً متألمة
روحٌ تجري وراءَ الحبِّ والجمالْ
شبحٌ يجري وراءَ سرابْ
إن يديّ مثلجتان ولكنَّ النارَ تندلعُ في رأسي
إنني أقومُ بدوري في مَهزلةِ الحياةِ ولكنه دورٌ طويلٌ مملّ
لكن لا لا ها هي خاتمةُ الروايةِ تقتربْ
ما أروعها وما ألذها كم أنتَ جميلٌ أيها الموت
ويلي
إني أخالُها تبعدُ كلمات اقتربتْ
إنني لا أستطيعُ الحياةَ ولكني لا أستطيعُ الموتْ
أيتها الأفكارُ السوداءُ التي تتدافعُ في رأسي
اهدئي اهدئي قليلاً
واتركي مجالاً، لأحلامي

***

الشاعر

في شعاعِ مصباحٍ
تلمعُ عبرات في عيونِ القدرِ قد جمدتْ
وتتنفسُ همساتٌ في آذانه ماتَتْ
عبراتُ التعساءِ وهمساتُ البائسين
في شعاعِ مصباحٍ
والمصباحُ ملكٌ لشاعر
يدفعُ بذبالته الصفراءِ الظلال
التي تترنّحُ في قلوبِ ليالٍ ترومُ الفجر يقبرها

أقاصيص كهلٍ لأحفادهِ
ونجوى حبيبٍ لمعشوقتهِ
ورودٌ قديمةٌ طواها العدم
تعود لتونعَ في بستانِ شاعرٍ
الأقاصيصُ لياليه وأحلامها
والنجوى عزاءٌ لآلامها
أسفارُ الضاربين بين مجاهل
وضحكات الأبطال في ساعات مجدٍ
زاخرةٍ بها كتبٌ
تختفي فيها بين رنين أقدامِهم وحفيفِ سيوفِهم
نبضاتٌ في قلوبهم
لكن أنّاتهم تنتفسُ في أبياتِ شاعرٍ
يبكي لياليهم في أحضانِ معبودٍ
وتتساقطُ من مآقيه
أشباحُ لياليه التي يهجرها على شفاهِ معبودهِ

على طُرُقاتهم التي يَصْقُلها المطر
تلمعُ بسماتٌ من شعاعٍ تصارعهُ الرياح
زيتُ المصباحِ بين شفاه معبود
مترعِ الجفنين تواقٍ إلى شمسه
والهمسُ بين شفاه شاعرٍ
ممزّقِ الأحلامِ توّاقٍ إلى دمعه
يبذلُ اللحظاتِ - التي تنساه - في عبراتِ
ويُرَصِّعُ أوراقَ الخريفِ المرحِ من أبياتهِ

أصداءُ أنّاتهم لا تنتهي
بعد انتهاءِ لحظاتِ المرح
أمواتٌ يمرون في الليل فُرادى
في ظلالِ مصباحه
إنه يضنُّ على أحلامه بضحكاتٍ لهم
ويحيكُ من آلامهم وترًا لقيثاره
ثم يرثي بلحنِ أنينهم أحلامًا ممزقة
كانتْ تلمّ شتاتها
ألوانُ فجرٍ وعبيرُ ذكرى


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...