الحمد لله الواحد القهار، الذي نصرَنا في مواطنَ كثيرة على الفَجَرة الأشرار،
و بعد،
فقد بلغني أنك أمرتَ تَراجمتَك بنقل أشعار الأصمعيات و المفضليات إلى لغة الفرنجة. وإني لأعجبُ كيف سولتْ لك نفسك التفكيرَ في مثل هذا العمل المنكر، مع أنك تعلم حق العلم أن لغتكم الهجينة لا تتسع لأشعارنا ولا تستطيع التعبير عن أفكارنا، ولا تمتاز بتلك الموسيقى التي خصّنا بها الخالق، نحن أبناء الضاد، دون سائر العباد.
وإني أتساءل كيف تفكرون - يا معشر العلوج الكفرة - في ترجمة هذه القصائدالفريدة، دون أن تكون لكم بحور شعرية في سعة بحورنا ، أو صوَر فنية في مستوى صورنا، أو ألفاظ في غنى ألفاظنا؟
ولنأخذ - أيها الرومي الأثيم - القصيدةَ الأولى من الأصمعيات، وهي قصيدة سُحيم بن وثيل الرياحي، التي يقول في مطلعها:
أنا ابنُ جَلَا و طَلّاعُِ الثنايا = متى أضع العمامة تعرفوني
كيف يستطيع ترجمانك أن ينقل هذا المطلع إلى لغة الأعاجم؟ وأنّى له أن يجد مقابلا لعبارة ( ابن جَلَا )، التي تعني " ابن الواضح المكشوف "؟ وهل بوسعه أن يفهم أن العرَب تَقول للرجُل، إذا كان في مرتبة عليا من الشرف، بحيث لا يخفى مكانه: ( هو ابن جلا)، كما يقال للنافذ في الأمور: هو طلّاع ثنايا و طلاع أنْجُد؟ والثنايا جمع ثنِيَّة، وهي الطريق في الجبل .
ثم لنتأمل قول الشاعر سحيم في البيتين الثاني والثالث من هذه القصيدة الأصمعية:
و إنّ مكانَنا منْ حمْيَريٍّ = مكانُ الليثِ منْ وسط العَرينِ
و إني لا يَعُودُ إليّ قِرْني = غداة الغِبِّ إلا في قَرينِ
كيف سيدرك العلج المأبون أن ( الغبّ) هو أن تَشرب الإبلُ يوماً ثم تُترك يوما؟ وكيف سيستقيم له المعنى الذي يرمي إليه سحيم، وهو أنّ قِرْنَه لا يعود إليه في الغد إلا مستعيناً بغيره؟
ثم لنتأمل قول الشاعر :
عذرتُ البُزْل إن هي خاطرَتْني = فما بالي و بالُ ابْنَيْ لَبُونِ ؟
فالبزل جمع بازل، والبازل هو البعير المسن، أما ابن اللبون فهو ولد الناقة إذا استكمل الثانية ودخل في الثالثة، وكل هذا لا وجود له في بلادكم التي ( تموت من البرد حِيتَانُها). فكيف إذن ستنقلون المعنى الذي أراده الشاعر وهو: " إذا راهَنَني الشيوخ عذرْتُهُمْ لأنهم أقراني، وأما الشبان الصغار فلا مناسبة بيني وبينهم."
ثم لنتأمل قول سحيم بعد ذلك :
و ماذا يَدَّري الشعراءُ مني = و قد جاوزتُ رأسَ الأربعينِ ؟
أخو خمسينَ مُجتمعاً أشُدّي = و نجّذَني مداوَرَةُ الشؤونِ
هل هناك كلمات في لغتكم تقوى على نقل هذه المعاني إليها ؟
إنك ، يا ضخم اللغاديد ، تعرف الجواب على سؤالي هذا.
وإني آمرك أن تصرف النظر حالا عن هذه الترجمة، قبل أن أغضب وقبل أن أتمثل بقول الحارث بن عباد، في لاميته الأصمعية :
قَرّبا مربطَ النعامة مني = لقحَتْ حربُ وائلٍ عن حيال
وهذا بيت آخر، يستحيل نقله إلى لغتكم لأن الشاعر يستعمل فيه صيغة َ المثنى، وأنتم حُرمتم في لغتكم من نعمة المثنى، مثلما حُرمتم من أشياء كثيرة، لحكمة يعلمها الله تعالى.
أما إذا أنتَ تماديتَ في غيك، فسوف آتيك -بتأييد من الخالق سبحانه - بفرسان ينطبق عليهم قول أبي الطيب :
ثقالٍ إذا لاقَوا، خفافٍ إذا دُعوا = كثير إذا شَدّوا، قليلٍ إذا عُدّوا
و سألقاك بالطعن الذي وصفه هذا الشاعر بقوله:
و طعْنٍ كأن الطعن لا طعن عندهُ = و ضرب كأن النارَ من حَرّهِ بردُ
وإنك لن تستطيع أن تنكر أني من ذؤبان العرب وسباعها، وأني قد أرضعتني الحرب بلبانها. ولا تحسب أنك ستخيفني باجتماع حلفائك الفرنجة على حربي، فقد تعودتُ، حين أرى جحافل الأعداء قادمة إليّ أن أتمثل بقول جار الله الزمخشري:
لا أبالي بجمعهمْ = كلَُّ جَمْعٍ مؤنَّثُ
و بعد،
فقد بلغني أنك أمرتَ تَراجمتَك بنقل أشعار الأصمعيات و المفضليات إلى لغة الفرنجة. وإني لأعجبُ كيف سولتْ لك نفسك التفكيرَ في مثل هذا العمل المنكر، مع أنك تعلم حق العلم أن لغتكم الهجينة لا تتسع لأشعارنا ولا تستطيع التعبير عن أفكارنا، ولا تمتاز بتلك الموسيقى التي خصّنا بها الخالق، نحن أبناء الضاد، دون سائر العباد.
وإني أتساءل كيف تفكرون - يا معشر العلوج الكفرة - في ترجمة هذه القصائدالفريدة، دون أن تكون لكم بحور شعرية في سعة بحورنا ، أو صوَر فنية في مستوى صورنا، أو ألفاظ في غنى ألفاظنا؟
ولنأخذ - أيها الرومي الأثيم - القصيدةَ الأولى من الأصمعيات، وهي قصيدة سُحيم بن وثيل الرياحي، التي يقول في مطلعها:
أنا ابنُ جَلَا و طَلّاعُِ الثنايا = متى أضع العمامة تعرفوني
كيف يستطيع ترجمانك أن ينقل هذا المطلع إلى لغة الأعاجم؟ وأنّى له أن يجد مقابلا لعبارة ( ابن جَلَا )، التي تعني " ابن الواضح المكشوف "؟ وهل بوسعه أن يفهم أن العرَب تَقول للرجُل، إذا كان في مرتبة عليا من الشرف، بحيث لا يخفى مكانه: ( هو ابن جلا)، كما يقال للنافذ في الأمور: هو طلّاع ثنايا و طلاع أنْجُد؟ والثنايا جمع ثنِيَّة، وهي الطريق في الجبل .
ثم لنتأمل قول الشاعر سحيم في البيتين الثاني والثالث من هذه القصيدة الأصمعية:
و إنّ مكانَنا منْ حمْيَريٍّ = مكانُ الليثِ منْ وسط العَرينِ
و إني لا يَعُودُ إليّ قِرْني = غداة الغِبِّ إلا في قَرينِ
كيف سيدرك العلج المأبون أن ( الغبّ) هو أن تَشرب الإبلُ يوماً ثم تُترك يوما؟ وكيف سيستقيم له المعنى الذي يرمي إليه سحيم، وهو أنّ قِرْنَه لا يعود إليه في الغد إلا مستعيناً بغيره؟
ثم لنتأمل قول الشاعر :
عذرتُ البُزْل إن هي خاطرَتْني = فما بالي و بالُ ابْنَيْ لَبُونِ ؟
فالبزل جمع بازل، والبازل هو البعير المسن، أما ابن اللبون فهو ولد الناقة إذا استكمل الثانية ودخل في الثالثة، وكل هذا لا وجود له في بلادكم التي ( تموت من البرد حِيتَانُها). فكيف إذن ستنقلون المعنى الذي أراده الشاعر وهو: " إذا راهَنَني الشيوخ عذرْتُهُمْ لأنهم أقراني، وأما الشبان الصغار فلا مناسبة بيني وبينهم."
ثم لنتأمل قول سحيم بعد ذلك :
و ماذا يَدَّري الشعراءُ مني = و قد جاوزتُ رأسَ الأربعينِ ؟
أخو خمسينَ مُجتمعاً أشُدّي = و نجّذَني مداوَرَةُ الشؤونِ
هل هناك كلمات في لغتكم تقوى على نقل هذه المعاني إليها ؟
إنك ، يا ضخم اللغاديد ، تعرف الجواب على سؤالي هذا.
وإني آمرك أن تصرف النظر حالا عن هذه الترجمة، قبل أن أغضب وقبل أن أتمثل بقول الحارث بن عباد، في لاميته الأصمعية :
قَرّبا مربطَ النعامة مني = لقحَتْ حربُ وائلٍ عن حيال
وهذا بيت آخر، يستحيل نقله إلى لغتكم لأن الشاعر يستعمل فيه صيغة َ المثنى، وأنتم حُرمتم في لغتكم من نعمة المثنى، مثلما حُرمتم من أشياء كثيرة، لحكمة يعلمها الله تعالى.
أما إذا أنتَ تماديتَ في غيك، فسوف آتيك -بتأييد من الخالق سبحانه - بفرسان ينطبق عليهم قول أبي الطيب :
ثقالٍ إذا لاقَوا، خفافٍ إذا دُعوا = كثير إذا شَدّوا، قليلٍ إذا عُدّوا
و سألقاك بالطعن الذي وصفه هذا الشاعر بقوله:
و طعْنٍ كأن الطعن لا طعن عندهُ = و ضرب كأن النارَ من حَرّهِ بردُ
وإنك لن تستطيع أن تنكر أني من ذؤبان العرب وسباعها، وأني قد أرضعتني الحرب بلبانها. ولا تحسب أنك ستخيفني باجتماع حلفائك الفرنجة على حربي، فقد تعودتُ، حين أرى جحافل الأعداء قادمة إليّ أن أتمثل بقول جار الله الزمخشري:
لا أبالي بجمعهمْ = كلَُّ جَمْعٍ مؤنَّثُ