مجلة الرسالة - العدد 881
بتاريخ: 22 - 05 - 1950
(مهداة إلى صاحب إحياء النحو الأستاذ الصديق إبراهيم بك مصطفى عميد كلية دار العلوم)
في الحق أن النحاة يكلفون أنفسهم شططاً ويرهقونها عسراً حينما يريدون أن يحللوا كل شيء، فلا ينتهي بهم التحليل والتعليل إلى التعريف والتقريب، وإنما ينتهي بهم إلى التجهيل والتضليل.
ولم أر النحاة قد ضلوا في باب من أبواب النحو ضلالهم في باب التعجب. وأكون مقرراً للواقع حين أقول: أن واحداً منهم لم يفهم من قريب أو بعيد صيغتي التعجب، ولم يتصل بهما بسبب ظاهر أو خفي. وليس ذلكلأن صيغتي التعجب صيغتان عميقتان تدقان على الإفهام، أو تستعصيان على العقول، وإنمالأن هاتين الصيغتين لم تخضعا للقواعد التي أثبتها النحاة وقرروها، والنحاة لا يطيقون أن يروا شيئاً في اللغة العربية لا يخضع لقواعدهم وقوانينهم، لأنهم لم يضعوا قواعدهم وقوانينهم لتهمل وتنبذ، وإنما وضعوها لتطبق وتنفذ، وإذن فليخترقوا كل طريق، وليشقوا كل سبيل، حتى يخضعوا الجامح ويذللوا النافر، فإن جاءوا بعد هذا كله بما يحزن طوراً، ويضحك طوراً آخر، فليس الذنب ذنبك أنت لأنك لم تفهم ما قالوا، أو لأنك لم تؤت هذه القريحة النفاذة التي تستطيع بها أن تستسيغ هذا الغثاء، وأن نفهم هذا الهراء
رأى النحاة هاتين الصيغتين في اللغة العربية (ما أجمل الورد، وأجمل بالورد) ولا أريد بادئ ذي بدء أن أفزعك بما قال النحاة فيها، وإنما أريد أن أسألك أنت عما تفهم إذا قلت لك - ونحن سائران في الحديقة - (ما أجمل الورد) أو قلت لك (أجمل بالورد) ستفهم من غير شك أني أريد أن أقول لك: إن الورد جميل جداً، وستلمح من كلامي أني معجب بجمال الورد، لا متعجب من جماله، فجمال الورد لا يثير تعجبي لأنه ليس أمراً غريباً، وإنما يثير إعجابي، لأنه فاتن خلاب.
ولا تظن أني أريد من هذا أن أسمي باب التعجب باب الإعجاب، وإلا، فماذا تقول إذا قلت ما أقبح الشر، أو أقبح بالشر؟ أتظن أني معجب بقبح الشر أو متعجب من قبحه؟ كلا، فما أنا معجب ولا أنا متعجب لأن قبح الشر لا يثير عجباً ولا تعجباً، وإنما هو أمر طبيعي؛ ولكنك ستفهم من غير ما شك أني أريد أن أقول إن الشر قبيح جداً، وستلمح من كلامي أني ساخط عليه مشمئز منه.
ولا تقل: إن الأمر لا يخلو من إعجاب أو اشمئزاز، فلا مناص لك من أن تسمى باب التعجب باب الإعجاب والاشمئزاز، وإلا فماذا تقول في قولي لك: ما أكثر الورد في الربيع وما أعظم النزهة في الحدائق، وأنا لم أقصد إلى الإعجاب ولا اشمئزاز. ولم أقصد في الوقت نفسه إلى تعجب، وإنما أقصد إلى أن الورد في الربيع كثير جداً، وأن النزهة في الحدائق عظيمة جداً.
وأظنك قد لمحت من هذا كله أن هاتين الصيغتين إنما تدلان على الكثرة والمبالغة، فالورد جميل جداً، والشر قبيح جداً، والورد في الربيع كثير جداً، والنزهة في الحدائق عظيمة جداً، وعلى هذا النحو. وأظن أني وفقت في هذا الكلام إلى أن أنبهك إلى أن تسمية هذا الباب بباب التعجب تسمية غير سديدة، وأظنكأيضاًقد لمحت من هذا الكلام معنى هاتين الصيغتين.
واسمع بعد هذا ما يقول النحاة في معناهما، وتمالك نفسك أن تقهقه واكظم الضحك في قلبك أن ينفجر.
لم يتفق النحاة على معنى (ما أجمل الورد) والعجب أنهم بعد اختلافهم هذا لم يفهموا معنى هذه الجملة، ولم يمنعهم من فهمها إلا أنهم أرادوا أن يطبقوا عليها القواعد النحوية التي وضعوها.
لقد أنفقوا على اسمية (ما) وابتدائيتها، ثم اختلفوا: فقال الفريق الأول إن (ما) في ما أجمل الورد نكرة تامة بمعنى شيء والجملة بعدها خبر، والتقدير شيء أجمل الورد أي جعله جميلاً. وقال الفريق الثاني: إن (ما) استفهامية مشوبة بتعجب، وما بعدها خبر أيضاً، والتقدير أي شيء اجمل الورد؟ وقال الفريق الثالث: (ما) معرفة ناقصة أي أسم موصول بمعنى الذي والجملة بعدها صلة والخبر محذوف (والتقدير الذي أجمل الورد شيء عظيم.
وقال الفريق الرابع: (ما) نكرة ناقصة والجملة بعدها صفة والخبر محذوفأيضاً والتقدير شيء أجمل الورد عظيم، هذا ولم أتجاوز (ما) إلى (أجمل الورد).
واختلفوا أيضاً في (اجمل الورد) فقال بعضهم: إن (أجمل) فعل للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية نحو ما أفقرني إلى عفو الله، ففتحته فتحة بناء كالفتحة في نحو على أكرم محمداً، (والورد) مفعول به. وقال الفريق الآخر إن (أجمل أسم لمجيئه مصغراً في نحو قول الشاعر (ياما أميلح غزلانا شدن لنا) ففتحته فتحة إعراب كالفتحة في نحو (على عندك) (والورد) مشبه بالمفعول به لوقوعه بعد ما يشبه الفعل في الصورة.
هذا ما قاله النحاة في (ما أجمل بالورد) فإذا كنت قد فهمت من هذا الكلام كله معنى هذه الجملة فأنت موفق سعيد، أما أنا فلم أفهم من هذا الكلام إلا أنه لغو من القول يجب أن تنزه عنه الأسماع والعقول تنزيها.
أما ما قاله النحاة في (أجمل بالورد) فقد اتفقوا على فعلية أجمل، ثم اختلفوا فقال بعضهم لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، وهو في الأصل فعل ماض على صيغة افعل بمعنى صار ذا كذا، فأصل (أجمل بالورد) أجمل الورد أي صار ذا جمال ثم نقل إلى إنشاء التعجب فغيرت الصيغة من الماضي إلى الأمر ليكون بصورة الإنشاء، ثم زيدت الباء في الفاعل، وعلى هذا فأجمل مبني على فتحة مقدرة منع من ظهورها مجيئه على صورة الأمر، وقال البعض الآخر (أجمل) لفظه ومعناه الأمر، وفيه ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية والباء للتعدية داخلة على المفعول به، ثم اختلفوا في مرجع الضمير المستتر فقيل الضمير للجمال المدلول عليه بأجمل، وقيل الضمير للمخاطب.
أرأيت إلى أني لم أكن مخطئاً حين خفت عليك أن تضحك أو أن تقهقه حين تسمع هذا الكلام - أستغفر الله - وكنت خليقاً أن تحزن وأن تتألم حين تعلم أن شيوخ النحو في مصر ما زالوا يلوكون هذه السخافات، وما زالوا يخدعون الطلاب بهذا الدجل العلمي، وما زالوا يفسدون العقول والأذواق، ويميعون الملكات الأدبية في نفوس الشباب، وما أسرع ما ينخدع الشباب بهذا التخريف، فيظن حين يعلك هذه الألفاظ أنه قد فهم قواعد العربية، وهو لم يفهم إلا قواعد الجهل إن كان للجهل قواعد يتسنى للمرء أن يفهمها.
إن من يريد أن يدرس قواعد اللغة العربية يجب أن يستلهم الذوق العربي والبيان العربي حين يدرس هذه القواعد، لا أن يستلهم القواعد ويحكمها في الذوق والبيان العربيين. ومن ذا يستطيع أن يقول إن معنى (ما أجمل الورد) شيء أجمل الورد أو أي شيء أجمل الورد؟ أو الذي أجمل الورد شيء عظيم أو شيء أجمل الورد عظيم - من ذا يستطيع أن يقول هذا؟ ما ضر هؤلاء القوم لو فهموا الأساليب العربية أولا ثم حاولوا على ضوء هذا الفهم أن يطبقوا ما شاءوا من القواعد بشرط أن تكون هذه القواعد موضحة للمعنى المقصود لا مخفية له، فأنا لا أفهم إلا أن (الورد) في كل من المثالين السابقين مسند إليه، وكل من (ما أجمل) في المثال الأول وأجمل في المثال الثاني بمعنى جميل جداً مسند، أما كيف نعرب (ما) وهل أجمل أسم أو فعل وهل فتحتها فتحة إعراب أو بناء، وبماذا انتصبت كلمة (الورد) في المثال الأول وهل (أجمل) في المثال الثاني فعل ماض جاء على صيغة الأمر أو فعل أمر صيغة ومعنى، وهل الباء داخلة على الفاعل أو الفاعل محذوف والباء للتعددية داخلة على المفعول - كل هذا لا يعنيني أن أعرفه بل لعل من الجهل أن أعرفه إن صح أن تسمى المعرفة جهلاً.
إن المقصود من علم النحو إنما هو تقويم اللسان والتحرز من اللحن والخطأ، وأنا ما دمت أنطق هذه الجملة (ما أجمل الورد) صحيحة هكذا، وأعرف معناها سليماًأيضاً هكذا فماذا على بعد ذلك؟
وبعد: فهذا نقد سريع لبعض ما قاله النحاة في هذا الباب الذي سموه باب التعجب وهو في الوقت نفسه نوع جديد من البحث العلمي الصحيح لو تأثره القائمون بأمر النحو في مصر لكان ذلك إيذانا بانبثاق فجر جديد لقواعد العربية، ولكانت نهضة نحوية مباركة كهذه النهضة الأدبية المباركة التي تعم مصر الآن.
كمال بسيوني
بتاريخ: 22 - 05 - 1950
(مهداة إلى صاحب إحياء النحو الأستاذ الصديق إبراهيم بك مصطفى عميد كلية دار العلوم)
في الحق أن النحاة يكلفون أنفسهم شططاً ويرهقونها عسراً حينما يريدون أن يحللوا كل شيء، فلا ينتهي بهم التحليل والتعليل إلى التعريف والتقريب، وإنما ينتهي بهم إلى التجهيل والتضليل.
ولم أر النحاة قد ضلوا في باب من أبواب النحو ضلالهم في باب التعجب. وأكون مقرراً للواقع حين أقول: أن واحداً منهم لم يفهم من قريب أو بعيد صيغتي التعجب، ولم يتصل بهما بسبب ظاهر أو خفي. وليس ذلكلأن صيغتي التعجب صيغتان عميقتان تدقان على الإفهام، أو تستعصيان على العقول، وإنمالأن هاتين الصيغتين لم تخضعا للقواعد التي أثبتها النحاة وقرروها، والنحاة لا يطيقون أن يروا شيئاً في اللغة العربية لا يخضع لقواعدهم وقوانينهم، لأنهم لم يضعوا قواعدهم وقوانينهم لتهمل وتنبذ، وإنما وضعوها لتطبق وتنفذ، وإذن فليخترقوا كل طريق، وليشقوا كل سبيل، حتى يخضعوا الجامح ويذللوا النافر، فإن جاءوا بعد هذا كله بما يحزن طوراً، ويضحك طوراً آخر، فليس الذنب ذنبك أنت لأنك لم تفهم ما قالوا، أو لأنك لم تؤت هذه القريحة النفاذة التي تستطيع بها أن تستسيغ هذا الغثاء، وأن نفهم هذا الهراء
رأى النحاة هاتين الصيغتين في اللغة العربية (ما أجمل الورد، وأجمل بالورد) ولا أريد بادئ ذي بدء أن أفزعك بما قال النحاة فيها، وإنما أريد أن أسألك أنت عما تفهم إذا قلت لك - ونحن سائران في الحديقة - (ما أجمل الورد) أو قلت لك (أجمل بالورد) ستفهم من غير شك أني أريد أن أقول لك: إن الورد جميل جداً، وستلمح من كلامي أني معجب بجمال الورد، لا متعجب من جماله، فجمال الورد لا يثير تعجبي لأنه ليس أمراً غريباً، وإنما يثير إعجابي، لأنه فاتن خلاب.
ولا تظن أني أريد من هذا أن أسمي باب التعجب باب الإعجاب، وإلا، فماذا تقول إذا قلت ما أقبح الشر، أو أقبح بالشر؟ أتظن أني معجب بقبح الشر أو متعجب من قبحه؟ كلا، فما أنا معجب ولا أنا متعجب لأن قبح الشر لا يثير عجباً ولا تعجباً، وإنما هو أمر طبيعي؛ ولكنك ستفهم من غير ما شك أني أريد أن أقول إن الشر قبيح جداً، وستلمح من كلامي أني ساخط عليه مشمئز منه.
ولا تقل: إن الأمر لا يخلو من إعجاب أو اشمئزاز، فلا مناص لك من أن تسمى باب التعجب باب الإعجاب والاشمئزاز، وإلا فماذا تقول في قولي لك: ما أكثر الورد في الربيع وما أعظم النزهة في الحدائق، وأنا لم أقصد إلى الإعجاب ولا اشمئزاز. ولم أقصد في الوقت نفسه إلى تعجب، وإنما أقصد إلى أن الورد في الربيع كثير جداً، وأن النزهة في الحدائق عظيمة جداً.
وأظنك قد لمحت من هذا كله أن هاتين الصيغتين إنما تدلان على الكثرة والمبالغة، فالورد جميل جداً، والشر قبيح جداً، والورد في الربيع كثير جداً، والنزهة في الحدائق عظيمة جداً، وعلى هذا النحو. وأظن أني وفقت في هذا الكلام إلى أن أنبهك إلى أن تسمية هذا الباب بباب التعجب تسمية غير سديدة، وأظنكأيضاًقد لمحت من هذا الكلام معنى هاتين الصيغتين.
واسمع بعد هذا ما يقول النحاة في معناهما، وتمالك نفسك أن تقهقه واكظم الضحك في قلبك أن ينفجر.
لم يتفق النحاة على معنى (ما أجمل الورد) والعجب أنهم بعد اختلافهم هذا لم يفهموا معنى هذه الجملة، ولم يمنعهم من فهمها إلا أنهم أرادوا أن يطبقوا عليها القواعد النحوية التي وضعوها.
لقد أنفقوا على اسمية (ما) وابتدائيتها، ثم اختلفوا: فقال الفريق الأول إن (ما) في ما أجمل الورد نكرة تامة بمعنى شيء والجملة بعدها خبر، والتقدير شيء أجمل الورد أي جعله جميلاً. وقال الفريق الثاني: إن (ما) استفهامية مشوبة بتعجب، وما بعدها خبر أيضاً، والتقدير أي شيء اجمل الورد؟ وقال الفريق الثالث: (ما) معرفة ناقصة أي أسم موصول بمعنى الذي والجملة بعدها صلة والخبر محذوف (والتقدير الذي أجمل الورد شيء عظيم.
وقال الفريق الرابع: (ما) نكرة ناقصة والجملة بعدها صفة والخبر محذوفأيضاً والتقدير شيء أجمل الورد عظيم، هذا ولم أتجاوز (ما) إلى (أجمل الورد).
واختلفوا أيضاً في (اجمل الورد) فقال بعضهم: إن (أجمل) فعل للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية نحو ما أفقرني إلى عفو الله، ففتحته فتحة بناء كالفتحة في نحو على أكرم محمداً، (والورد) مفعول به. وقال الفريق الآخر إن (أجمل أسم لمجيئه مصغراً في نحو قول الشاعر (ياما أميلح غزلانا شدن لنا) ففتحته فتحة إعراب كالفتحة في نحو (على عندك) (والورد) مشبه بالمفعول به لوقوعه بعد ما يشبه الفعل في الصورة.
هذا ما قاله النحاة في (ما أجمل بالورد) فإذا كنت قد فهمت من هذا الكلام كله معنى هذه الجملة فأنت موفق سعيد، أما أنا فلم أفهم من هذا الكلام إلا أنه لغو من القول يجب أن تنزه عنه الأسماع والعقول تنزيها.
أما ما قاله النحاة في (أجمل بالورد) فقد اتفقوا على فعلية أجمل، ثم اختلفوا فقال بعضهم لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، وهو في الأصل فعل ماض على صيغة افعل بمعنى صار ذا كذا، فأصل (أجمل بالورد) أجمل الورد أي صار ذا جمال ثم نقل إلى إنشاء التعجب فغيرت الصيغة من الماضي إلى الأمر ليكون بصورة الإنشاء، ثم زيدت الباء في الفاعل، وعلى هذا فأجمل مبني على فتحة مقدرة منع من ظهورها مجيئه على صورة الأمر، وقال البعض الآخر (أجمل) لفظه ومعناه الأمر، وفيه ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية والباء للتعدية داخلة على المفعول به، ثم اختلفوا في مرجع الضمير المستتر فقيل الضمير للجمال المدلول عليه بأجمل، وقيل الضمير للمخاطب.
أرأيت إلى أني لم أكن مخطئاً حين خفت عليك أن تضحك أو أن تقهقه حين تسمع هذا الكلام - أستغفر الله - وكنت خليقاً أن تحزن وأن تتألم حين تعلم أن شيوخ النحو في مصر ما زالوا يلوكون هذه السخافات، وما زالوا يخدعون الطلاب بهذا الدجل العلمي، وما زالوا يفسدون العقول والأذواق، ويميعون الملكات الأدبية في نفوس الشباب، وما أسرع ما ينخدع الشباب بهذا التخريف، فيظن حين يعلك هذه الألفاظ أنه قد فهم قواعد العربية، وهو لم يفهم إلا قواعد الجهل إن كان للجهل قواعد يتسنى للمرء أن يفهمها.
إن من يريد أن يدرس قواعد اللغة العربية يجب أن يستلهم الذوق العربي والبيان العربي حين يدرس هذه القواعد، لا أن يستلهم القواعد ويحكمها في الذوق والبيان العربيين. ومن ذا يستطيع أن يقول إن معنى (ما أجمل الورد) شيء أجمل الورد أو أي شيء أجمل الورد؟ أو الذي أجمل الورد شيء عظيم أو شيء أجمل الورد عظيم - من ذا يستطيع أن يقول هذا؟ ما ضر هؤلاء القوم لو فهموا الأساليب العربية أولا ثم حاولوا على ضوء هذا الفهم أن يطبقوا ما شاءوا من القواعد بشرط أن تكون هذه القواعد موضحة للمعنى المقصود لا مخفية له، فأنا لا أفهم إلا أن (الورد) في كل من المثالين السابقين مسند إليه، وكل من (ما أجمل) في المثال الأول وأجمل في المثال الثاني بمعنى جميل جداً مسند، أما كيف نعرب (ما) وهل أجمل أسم أو فعل وهل فتحتها فتحة إعراب أو بناء، وبماذا انتصبت كلمة (الورد) في المثال الأول وهل (أجمل) في المثال الثاني فعل ماض جاء على صيغة الأمر أو فعل أمر صيغة ومعنى، وهل الباء داخلة على الفاعل أو الفاعل محذوف والباء للتعددية داخلة على المفعول - كل هذا لا يعنيني أن أعرفه بل لعل من الجهل أن أعرفه إن صح أن تسمى المعرفة جهلاً.
إن المقصود من علم النحو إنما هو تقويم اللسان والتحرز من اللحن والخطأ، وأنا ما دمت أنطق هذه الجملة (ما أجمل الورد) صحيحة هكذا، وأعرف معناها سليماًأيضاً هكذا فماذا على بعد ذلك؟
وبعد: فهذا نقد سريع لبعض ما قاله النحاة في هذا الباب الذي سموه باب التعجب وهو في الوقت نفسه نوع جديد من البحث العلمي الصحيح لو تأثره القائمون بأمر النحو في مصر لكان ذلك إيذانا بانبثاق فجر جديد لقواعد العربية، ولكانت نهضة نحوية مباركة كهذه النهضة الأدبية المباركة التي تعم مصر الآن.
كمال بسيوني