* عبد القادر وساط
وهذا البيت المنسوب لأخت يزيد بن الطثرية
و كنتُ أعيرُ الدمع قبلك مَنْ بكى = فأنتَ على من ماتَ بعدكَ شاغلُهْ
وجدته في كتاب ( المراثي) لمحمد بن عباس اليزيدي منسوباً للشّمَرْدل بن شريك في رثاء أخيه وائل من قصيدة مطلعها:
لعَمْري لئنْ غالت أخي دارُ غربةٍ = و آبَ إلينا سيفهُ و حمائلُهْ
ومن أبياتها البديعة :
إلى الله أشكو لا إلى الناس فقْدَهُ = و لوعةَ حزنٍ أوجعَ القلبَ داخلُهْ
و تحقيق رؤيا في منامي رأيتُها = فكان أخي رمحي ترَفَّضَ عاملُهْ
لعمرك إن الموتَ منّا لَمُولَعٌ = بمنْ كان يُرجى نصره و نوافلهْ
***
وأما البيت الرائع لأبي نواس:
( لئن عمرت دور بمن لا أحبهم = لقد عمرت ممن أحب المقابر)
فيذكرني من حيث بناؤه بقول القائل:
( كأن لم يمتْ حيٌّ سواك و لم تقم = على أحد إلا عليك النوائح)
( لئن حسنت فيك المراثي و ذكْرُها = لقد حسنت من قبل فيك المدائحُ)
***
ومن المراثي التي كنت دائما أعجب بها تلك التي نظمها شعراء في رثاء زوجاتهم مثل رائية جرير:
( لولا الحياء لهاجني استعبار = و لزرت قبرك و الحبيب يزار)
وفيها هذا البيت عن أخلاق الراحلة:
( كانت إذا هجر الحليل فراشها = كُتمَ الحديث و عفّت الأسرارُ )
وإن كنت لا أدري هل كان من اللائق ذكر هذا في المرثية .
ثم مرثية مُوَيلك المزموم لزوجته:
امْرُرْ على الجدث الذي حلت به = أم العلاء فنادها لو تَسمعُ
أنّى حللْتِ و كنتِ جدّ فروقةٍ = بلداً يمر به الشجاع فيفزعُ
صلى عليك الله من مفقودةٍ = إذْ لا يلائمك المكان البلقعُ
فلقد تركتِ صغيرة مرحومةً = لم تدر ما جزع عليك فتجزع
فقدتْ شمائلَ من لزامك حلْوةً = فتبيت تُسْهر أهلها و تُفَجّعُ
فإذا سمعتُ أنينَها في ليلها = طفقَتْ عليك شؤونُ عيني تَدمعُ
***
هل كان جرير يستحي من القبيلة التي تفرض على الرجال ألا يجزعوا وألا يبكوا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بموت الزوجة؟
علي أية حال ليسمح لي الأصدقاء أن أورد هنا بعض الأبيات الجميلة من مرثية جرير هذه والتي يظهر فيها الفرق الشاسع بينه وبين الفرزدق:
ولَّهتِ قلبي إذ علتنيَ كَبْرَةٌ = وذوو التمائم من بنيك صغارُ
ولقد أراكِ كُسيت أجملَ منظرٍ = ومعَ الجمالِِ سكينةٌ و وقار
صلَّى الملائكة الذينَ تُخُيّروا = والصالحونَ عليكِ والأبرارُ
وعليكِ من صلواتِ ربك كلما = نصبَ الحجيجُ ملبدين وغاروا
****
لا تكثرنَ إذا جعلت تلومني = لا يذهبنَّ بحِــــلمكَ الإكثــارُ
كان الخليطُ هم الخليطَ فأصبحوا = متبدلينَ ، وبالديار ديارُ
لا يلبثُ القرناءُ أن يتفـــرقوا = ليـــــلٌ يكرُ عليـهـــمُ ونهـارُ
أفأمَّ حرزةَ ، يا فرزدقُ عبتمُِ = غَضِبَ المليكُ عليكمُ القهارُ
كانت إذا هجرَ الحليلُ فراشُها = خُزِنَ الحديـثُ وعفًّتِ الأسرارُ
=====
* احمد بوزفور
وكنت أعير الدمع قبلك من بكى = فأنت على من مات بعدك شاغل...
هذه الموضوعة ( موت الشخص العزيز يهون كل مصيبة بعده ) تداولها الشعراء منذ قال ذلك الأعرابي القديم:
( وبعدك لا آسى لعُظم رزية = قضيتَ فهوّنتَ المصائب أجمعا )
وقال أعرابي آخر في بنين فقدهم:
( يُذكّرُنيهم كلُّ خير رأيتُه = وشر، فما أنفكّ منهم على ذكر )
وقال صريع الغواني في أعزة فقدهم:
( فإن أغشَ قوما بعدهم أو أزورهم = فكالوحش يُدنيها من الأَنَس المَحْلُ )
ونختم بقول أبي نواس:
( طوى الموتُ ما بيني وبين محمد = وليس لما تَطوي المنيةُ ناشرُ
لئن عَمِرَت دورٌ بمن لا أحبهم= لقد عَمِرَت ممن أُحب المقابرُ
وكنتُ عليه أحذر الموت وحده = فلم يبق لي شيء عليه أُحاذرُ )
***
ويذكرني بيت أبي نواس ومُثاره بيت:
( كأن لم يمت حي سواك...) المبنيان بميزان الشعرة، ببيت عمرو بن معديكرب الشهير:
( ذهب الذي أحبهم= وبقيتُ مثل السيف فردا )
وهذا بدوره يثير من الذاكرة بيت لبيد:
( ذهب الذي يُعاشُ في أكنافهم= وبقيتُ في خَلْفٍ كجلد الأجربِ ).
***
قارن مرثية جرير في زوجته.. جرير الرقيق الذي يغرف من بحر. بما قاله الفرزدق الذي ينحت من صخر، حين ماتت زوجته وهي تضع. قال:
( وجفن سلاح قد رُزيتُ فلم أنح = عليه، ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة = لو ان المنايا أرجأته لياليا )
كأن الذي رُزئ فيه ليس زوجته شريكة حياته، بل هو فقط ولده منها الذي كان سيعتمد عليه كسلاح، أما المرأة فهي بالنسبة له مجرد غمد للسيف الذي هو ابنه ( وجفن سلاح ). هل هو الطبع والشخصية والمزاج الفردي أو هو العرف والثقافة والمرحلة؟ أقول هذا وأنا أتأمل قول جرير ( لولا الحياء... لزرت قبرك.. )
ممن يستحي جرير إذا زار قبر حبيبته؟
وهذا البيت المنسوب لأخت يزيد بن الطثرية
و كنتُ أعيرُ الدمع قبلك مَنْ بكى = فأنتَ على من ماتَ بعدكَ شاغلُهْ
وجدته في كتاب ( المراثي) لمحمد بن عباس اليزيدي منسوباً للشّمَرْدل بن شريك في رثاء أخيه وائل من قصيدة مطلعها:
لعَمْري لئنْ غالت أخي دارُ غربةٍ = و آبَ إلينا سيفهُ و حمائلُهْ
ومن أبياتها البديعة :
إلى الله أشكو لا إلى الناس فقْدَهُ = و لوعةَ حزنٍ أوجعَ القلبَ داخلُهْ
و تحقيق رؤيا في منامي رأيتُها = فكان أخي رمحي ترَفَّضَ عاملُهْ
لعمرك إن الموتَ منّا لَمُولَعٌ = بمنْ كان يُرجى نصره و نوافلهْ
***
وأما البيت الرائع لأبي نواس:
( لئن عمرت دور بمن لا أحبهم = لقد عمرت ممن أحب المقابر)
فيذكرني من حيث بناؤه بقول القائل:
( كأن لم يمتْ حيٌّ سواك و لم تقم = على أحد إلا عليك النوائح)
( لئن حسنت فيك المراثي و ذكْرُها = لقد حسنت من قبل فيك المدائحُ)
***
ومن المراثي التي كنت دائما أعجب بها تلك التي نظمها شعراء في رثاء زوجاتهم مثل رائية جرير:
( لولا الحياء لهاجني استعبار = و لزرت قبرك و الحبيب يزار)
وفيها هذا البيت عن أخلاق الراحلة:
( كانت إذا هجر الحليل فراشها = كُتمَ الحديث و عفّت الأسرارُ )
وإن كنت لا أدري هل كان من اللائق ذكر هذا في المرثية .
ثم مرثية مُوَيلك المزموم لزوجته:
امْرُرْ على الجدث الذي حلت به = أم العلاء فنادها لو تَسمعُ
أنّى حللْتِ و كنتِ جدّ فروقةٍ = بلداً يمر به الشجاع فيفزعُ
صلى عليك الله من مفقودةٍ = إذْ لا يلائمك المكان البلقعُ
فلقد تركتِ صغيرة مرحومةً = لم تدر ما جزع عليك فتجزع
فقدتْ شمائلَ من لزامك حلْوةً = فتبيت تُسْهر أهلها و تُفَجّعُ
فإذا سمعتُ أنينَها في ليلها = طفقَتْ عليك شؤونُ عيني تَدمعُ
***
هل كان جرير يستحي من القبيلة التي تفرض على الرجال ألا يجزعوا وألا يبكوا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بموت الزوجة؟
علي أية حال ليسمح لي الأصدقاء أن أورد هنا بعض الأبيات الجميلة من مرثية جرير هذه والتي يظهر فيها الفرق الشاسع بينه وبين الفرزدق:
ولَّهتِ قلبي إذ علتنيَ كَبْرَةٌ = وذوو التمائم من بنيك صغارُ
ولقد أراكِ كُسيت أجملَ منظرٍ = ومعَ الجمالِِ سكينةٌ و وقار
صلَّى الملائكة الذينَ تُخُيّروا = والصالحونَ عليكِ والأبرارُ
وعليكِ من صلواتِ ربك كلما = نصبَ الحجيجُ ملبدين وغاروا
****
لا تكثرنَ إذا جعلت تلومني = لا يذهبنَّ بحِــــلمكَ الإكثــارُ
كان الخليطُ هم الخليطَ فأصبحوا = متبدلينَ ، وبالديار ديارُ
لا يلبثُ القرناءُ أن يتفـــرقوا = ليـــــلٌ يكرُ عليـهـــمُ ونهـارُ
أفأمَّ حرزةَ ، يا فرزدقُ عبتمُِ = غَضِبَ المليكُ عليكمُ القهارُ
كانت إذا هجرَ الحليلُ فراشُها = خُزِنَ الحديـثُ وعفًّتِ الأسرارُ
=====
* احمد بوزفور
وكنت أعير الدمع قبلك من بكى = فأنت على من مات بعدك شاغل...
هذه الموضوعة ( موت الشخص العزيز يهون كل مصيبة بعده ) تداولها الشعراء منذ قال ذلك الأعرابي القديم:
( وبعدك لا آسى لعُظم رزية = قضيتَ فهوّنتَ المصائب أجمعا )
وقال أعرابي آخر في بنين فقدهم:
( يُذكّرُنيهم كلُّ خير رأيتُه = وشر، فما أنفكّ منهم على ذكر )
وقال صريع الغواني في أعزة فقدهم:
( فإن أغشَ قوما بعدهم أو أزورهم = فكالوحش يُدنيها من الأَنَس المَحْلُ )
ونختم بقول أبي نواس:
( طوى الموتُ ما بيني وبين محمد = وليس لما تَطوي المنيةُ ناشرُ
لئن عَمِرَت دورٌ بمن لا أحبهم= لقد عَمِرَت ممن أُحب المقابرُ
وكنتُ عليه أحذر الموت وحده = فلم يبق لي شيء عليه أُحاذرُ )
***
ويذكرني بيت أبي نواس ومُثاره بيت:
( كأن لم يمت حي سواك...) المبنيان بميزان الشعرة، ببيت عمرو بن معديكرب الشهير:
( ذهب الذي أحبهم= وبقيتُ مثل السيف فردا )
وهذا بدوره يثير من الذاكرة بيت لبيد:
( ذهب الذي يُعاشُ في أكنافهم= وبقيتُ في خَلْفٍ كجلد الأجربِ ).
***
قارن مرثية جرير في زوجته.. جرير الرقيق الذي يغرف من بحر. بما قاله الفرزدق الذي ينحت من صخر، حين ماتت زوجته وهي تضع. قال:
( وجفن سلاح قد رُزيتُ فلم أنح = عليه، ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة = لو ان المنايا أرجأته لياليا )
كأن الذي رُزئ فيه ليس زوجته شريكة حياته، بل هو فقط ولده منها الذي كان سيعتمد عليه كسلاح، أما المرأة فهي بالنسبة له مجرد غمد للسيف الذي هو ابنه ( وجفن سلاح ). هل هو الطبع والشخصية والمزاج الفردي أو هو العرف والثقافة والمرحلة؟ أقول هذا وأنا أتأمل قول جرير ( لولا الحياء... لزرت قبرك.. )
ممن يستحي جرير إذا زار قبر حبيبته؟