لم يفت الأوان بعد ياصديقي. وأنت في رسالتك التي تشبه عندي مائدة الحواريين، قد بدأت. لابد أنك انتبهت إلى قيمة الراء في الشعر العربي. إذ يخيل لي أنها الصوت الأكثر ترددا في قوافي هذا الشعر منذ الجاهلية إلى اليوم. هل ذلك لأنه صوت تكراري لا ينتهي حين ينتهي، إذ تحس له في نفسك بأصداء تنداح كما تنداح دائرة ( من الماء يُلقى فيه بالحجر ). أنا معجب كل الإعجاب بالقصائد التي أشرت إليها، وهي من عيون الشعر العربي النجلاء. وقد ذكرتني ببيتين مؤثرين لذي الإصبع العدواني على نفس النمط يقول فيهما:
( أصبحتُ شيخا أرى الشخصين أربعةً = والشخصَ شخصين لما مسني الكِبَرُ
لا أسمع الصوتَ حتى أستدير له = ليلا وإن هو ناغاني به القمرُ )
وبأبيات لكعب بن زهير يقول فيها:
( لو كنتُ أعجب من شيء لأعجبني = سعي الفتى وهو مخبوء له القدرُ
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها = فالنفس واحدة والهم منتشرُ
والمرء ما عاش ممدود له أمل = لا تنتهي العينُ حتى ينتهي الأثرُ ).
***
ولصاحب العقد الفريد ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد، وكان المتنبي يسميه ( مليح الأندلس )، شعر جميل في اللهو أيام شبابه، فلما شاخ عاد إلى تلك القصائد فعارضها بأخرى في الزهد وسماها ( الممحصات ). فمن قصائد شبابه قصيدة يقول في مطلعها:
( هلا ابتكرت لبين أنت مبتكرُ = هيهات يأبى عليك اللهُ والقدرُ
ما زلتُ أبكي حذار البين ملتهفا = حتى رثى ليَ فيك الريحُ والمطرُ
يابردة من حيا مزن على كبد = نيرانها بغليل الشوق تستعرُ
آليتُ أن لا أرى شمسا ولا قمرا = حتى أراكِ فأنتِ الشمسُ والقمرُ )
وحين كبر عاد فمحص هذه القصيدة بأخرى في الزهد يقول في آخرها
لو لم يكن لك غيرُ الموت موعظة = لكان فيه عن اللذات مزجرُ
أنت المقول له ما قلتُ مبتدئا = هلّا ابتكرت لبين أنت مبتكرُ )
فما رأيك في هذه الحياة المستديرة؟ وهذا الشعر المستدير؟
( أصبحتُ شيخا أرى الشخصين أربعةً = والشخصَ شخصين لما مسني الكِبَرُ
لا أسمع الصوتَ حتى أستدير له = ليلا وإن هو ناغاني به القمرُ )
وبأبيات لكعب بن زهير يقول فيها:
( لو كنتُ أعجب من شيء لأعجبني = سعي الفتى وهو مخبوء له القدرُ
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها = فالنفس واحدة والهم منتشرُ
والمرء ما عاش ممدود له أمل = لا تنتهي العينُ حتى ينتهي الأثرُ ).
***
ولصاحب العقد الفريد ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد، وكان المتنبي يسميه ( مليح الأندلس )، شعر جميل في اللهو أيام شبابه، فلما شاخ عاد إلى تلك القصائد فعارضها بأخرى في الزهد وسماها ( الممحصات ). فمن قصائد شبابه قصيدة يقول في مطلعها:
( هلا ابتكرت لبين أنت مبتكرُ = هيهات يأبى عليك اللهُ والقدرُ
ما زلتُ أبكي حذار البين ملتهفا = حتى رثى ليَ فيك الريحُ والمطرُ
يابردة من حيا مزن على كبد = نيرانها بغليل الشوق تستعرُ
آليتُ أن لا أرى شمسا ولا قمرا = حتى أراكِ فأنتِ الشمسُ والقمرُ )
وحين كبر عاد فمحص هذه القصيدة بأخرى في الزهد يقول في آخرها
لو لم يكن لك غيرُ الموت موعظة = لكان فيه عن اللذات مزجرُ
أنت المقول له ما قلتُ مبتدئا = هلّا ابتكرت لبين أنت مبتكرُ )
فما رأيك في هذه الحياة المستديرة؟ وهذا الشعر المستدير؟