حدثنا حكيم بن عبدالله بن وهب، قال:
كنا يوما في مجلس ابن علي، فأنشدَ أحدُنا قولَ ذي الإصبع العَدْواني:
أزْرى بنا أننا شالتْ نَعامتُنا = فخالَني دُونَهُ بلْ خلْتُهُ دُوني
فلما سمعَ الطاغية ذلك، اعتدل في جلسته ثم سألَنا عن معنى كلمة ( نعامة ) في هذا البيت، فقال أبو عمرو:
- النعامة هنا، يا سيدي الحاكم المستبد، هي جماعةُ القوم. ومنه قيل: شالَتْ نعامتُهُمْ، أي تفرقتْ كلمتُهم وذهبَ عزهم، وقيل: قلَّ خيرهم. وقيل: ارتحلوا عن ديارهم.
وكان الشيخ أبو عثمان القيسي جالساً عن يمين أبي عمرو، فأنشدَ من شعر حسان بن ثابت:
اشربْ هنيئاً فقد شالتْ نعامتهمْ = و أسبل اليوم في برديك إسبالا
فنظر إليه ابن علي نظرة منكرة وقال له:
- يا أبا عثمان، هذا البيت لأمية بن أبي الصلت وليس لحسان بن ثابت....
ثم إنه أشار بعد ذلك إلى أبي رزْمة الفَزاري وقال له:
- وأنت يا أبا رزمة، أما لديك أشعار ترويها في هذا الباب؟
قال الشيخ الفزاري:
- اعلم أيها الطاغية - أعزك الله - أنه كانت امرأة من عبدالقيس، لها ابنٌ شرير عاقّ، فقال يهجوها:
يالَيْتَما أمّنا شالتْ نعامتها = إِيما إلى جنة إيما إلى نارِ
خرقاءُ بالخير لا تُهدى لوجْهتهِ = و هْي صَناع الأذى في الأهل و الجارِ
فقال ابن علي:
- يا أبا رزمة، أرى أن (النعامة ) في بيت هذا الابن العاق هي عظم الساق أو لعلها باطن القدم. وصاحب البيتين يدعو على أمه بالموت، لأن منْ مات انتكسَ رأسُه وشالت نعامته، أي ارتفعت رجلاه.
فحرك علقمة بن المعلّى رأسه موافقا على قول الحاكم ثم قال:
- وفي هذا المعنى يقول الأخطل:
إن الفرَزْدقَ قد شالتْ نعامتُهُ = و عضّهُ حيّةٌ منْ قومهِ ذَكَرُ
قال حكيم بن عبدالله بن وهب:
ثم اختلف الحاضرون في ذلك الذي هجا أمه، من يكون، فمنا من قال إنه سعد بن قرط، ومنا من زعم أنه يدعى نحيت الخدري أو العجيف، ومنا من ادعى أنه الأحوص.
إثر ذلك دعا الطاغية صاحب شرطته فجاء وحيّاه بتحية الطغاة، ثم وقف ينتظر أوامره. وعندئذ، أملى عليه البيتين:
( يا ليتما أمنا شالت نعامتها = إيما إلى جنة إيما إلى نار )
( خرقاء بالخير لا تهدى لوجهته = و هْي صَناع الأذى في الأهل و الجار )
ثم قال له:
- إذا لم يبتْ قائلُ هذا الشعر في السجن، فإنك أنت الذي ستبيت فيه.
فقال صاحب الشرطة:
- السمع والطاعة أيها المستبد الهمام
ثم انصرفَ وقد تغير لونه مما سمع.
كنا يوما في مجلس ابن علي، فأنشدَ أحدُنا قولَ ذي الإصبع العَدْواني:
أزْرى بنا أننا شالتْ نَعامتُنا = فخالَني دُونَهُ بلْ خلْتُهُ دُوني
فلما سمعَ الطاغية ذلك، اعتدل في جلسته ثم سألَنا عن معنى كلمة ( نعامة ) في هذا البيت، فقال أبو عمرو:
- النعامة هنا، يا سيدي الحاكم المستبد، هي جماعةُ القوم. ومنه قيل: شالَتْ نعامتُهُمْ، أي تفرقتْ كلمتُهم وذهبَ عزهم، وقيل: قلَّ خيرهم. وقيل: ارتحلوا عن ديارهم.
وكان الشيخ أبو عثمان القيسي جالساً عن يمين أبي عمرو، فأنشدَ من شعر حسان بن ثابت:
اشربْ هنيئاً فقد شالتْ نعامتهمْ = و أسبل اليوم في برديك إسبالا
فنظر إليه ابن علي نظرة منكرة وقال له:
- يا أبا عثمان، هذا البيت لأمية بن أبي الصلت وليس لحسان بن ثابت....
ثم إنه أشار بعد ذلك إلى أبي رزْمة الفَزاري وقال له:
- وأنت يا أبا رزمة، أما لديك أشعار ترويها في هذا الباب؟
قال الشيخ الفزاري:
- اعلم أيها الطاغية - أعزك الله - أنه كانت امرأة من عبدالقيس، لها ابنٌ شرير عاقّ، فقال يهجوها:
يالَيْتَما أمّنا شالتْ نعامتها = إِيما إلى جنة إيما إلى نارِ
خرقاءُ بالخير لا تُهدى لوجْهتهِ = و هْي صَناع الأذى في الأهل و الجارِ
فقال ابن علي:
- يا أبا رزمة، أرى أن (النعامة ) في بيت هذا الابن العاق هي عظم الساق أو لعلها باطن القدم. وصاحب البيتين يدعو على أمه بالموت، لأن منْ مات انتكسَ رأسُه وشالت نعامته، أي ارتفعت رجلاه.
فحرك علقمة بن المعلّى رأسه موافقا على قول الحاكم ثم قال:
- وفي هذا المعنى يقول الأخطل:
إن الفرَزْدقَ قد شالتْ نعامتُهُ = و عضّهُ حيّةٌ منْ قومهِ ذَكَرُ
قال حكيم بن عبدالله بن وهب:
ثم اختلف الحاضرون في ذلك الذي هجا أمه، من يكون، فمنا من قال إنه سعد بن قرط، ومنا من زعم أنه يدعى نحيت الخدري أو العجيف، ومنا من ادعى أنه الأحوص.
إثر ذلك دعا الطاغية صاحب شرطته فجاء وحيّاه بتحية الطغاة، ثم وقف ينتظر أوامره. وعندئذ، أملى عليه البيتين:
( يا ليتما أمنا شالت نعامتها = إيما إلى جنة إيما إلى نار )
( خرقاء بالخير لا تهدى لوجهته = و هْي صَناع الأذى في الأهل و الجار )
ثم قال له:
- إذا لم يبتْ قائلُ هذا الشعر في السجن، فإنك أنت الذي ستبيت فيه.
فقال صاحب الشرطة:
- السمع والطاعة أيها المستبد الهمام
ثم انصرفَ وقد تغير لونه مما سمع.