أكره يوم السبت.
أعرف أن هناك من يكره كل أيام الأسبوع ولا يشتكي. لكن بالنسبة لي الأمر مختلف، أو هذا على الأقل ما أعتقد.
كل يوم سبت يحضر أبي باكرا جدا، يجر قدميه الكبيرتين، بطنه جد منتفخة، لا تتناسب مع جسمه النحيل. وجهه مستطيل، جبهته بارزة بعروق نافرة. لا يبدو وسيما أبدا. كل يوم سبت تكون برفقته امرأة لا أعرفها، لاتشبه المرأة التي أحضرها في الأسبوع الفائت، ولن تشبه بالتأكيد المرأة التي سيحضرها في الأسبوع القادم. يرسلني إلى دكان “با ابراهيم”. دكانه معتم وتنبعث منه رائحة عطنة، منفرة، تبعث على القيء. لم أكن أشتري منه المواد الغذائية التي نحتاجها. عيناه حمراوان معمشتان. يتنشق “التنفيحة” وينخرط في نوبة عطس لا نهائية. يمسح أنفه بمنديل يبدو أنه قصه من كيس طحين مهترئ. يفتح المنديل ويتأمل للحظة ذلك المخاط ثم يعاود دسه في جيبه. يحاول أن يتفوه ببعض الكلمات اللطيفة. الإبتسامة لا تناسبه. تبدو أسنانه طويلة وغير متناسقة بلون الطحالب. أقول له جملة واحدة وأبتعد “عيشة الطويلة”. أضم ذراعي إلى صدري وأنتظر. تأتي جارتنا تحمل طفلها حديث الولادة بين ذراعيها. الطفل يصرخ باصرار، يمص رضاعته المملوءة بالكمون الصوفي والكروية. قالت ل”باابراهيم”: “هاد ولد الحرام ما بغاش يسكت”. يسكتها بإشارة غاضبة من يده “هذا غير ملائكة.. عندي دواه”. عاودت النظر إلى الطفل حتى أعرف عن قرب شكل الملائكة. كان وجهه بلا رموش ولا حواجب كأنه يعاني الثعلبة. يفتح فمه عن آخره وهو يصرخ بعنف. وجهه كله عبارة عن فم كبيرمفتوح، “حلق الموت” يرتعش كجرس صغير. ينفخ “با ابراهيم” دخان السبسي بوجه الرضيع، مرة، اثنتين، فيصمت، تتشقلب عيناه وينام. تمد المرأة يدها إلى صدرها، تنبعث منها رائحة الحموضة، تخرج بعض الدراهم تمدها للبقال، يضعها على جبهته ثم يقبلها. بالتأكيد رائحة المرأة الكريهة عالقة بالدراهم. تشكره المرأة بلطف يناسب امرأة في الأربعين تنبعث منها الخل. تنصرف المرأة، أكرر طلبي”عايشة الطويلة”. يتجه إلى الداخل. كنت أتوقع دائما أن يأتيني بامرأة طويلة وعملاقة، لكنه كان يمدني بزجاجتين ملفوفتين بورق الجرائد، ويقول بصوته الذي يشبه صوت النساء والذي لا يتناسب وشكله المخيف “ديريكت للدار”. ثم يعود إلى ركنه المعهود.
ذات يوم أغراني ذلك السائل الأحمر القاني. تجرعت ما تبقى في الكأس التي نسيها أبي دفعة واحدة. تقيأت كل ما في جوفي وظلت رائحة منفرة تشبه رائحة جوارب متعفنة عالقة بي تلازمني طيلة اليوم.
يقفل أبي علي باب غرفتي. يعطيني نصف خبزة بها بعض السمك المعلب. أرمي بها فور خروجه من النافذة. لن أقفل الباب بالمفتاح لكن لا تحاولي الخروج. من الغرفة الأخرى تنبعث رائحة الشواء، يتحلب ريقي. أفتح الباب قليلا. ضحكات خليعة، كلمات نابية، الرائحة الشهية تتسلل إلى أنفي. معدتي أصبحت في حالة هيجان قصوى، وأصبح من الصعب إسكات قرقرة مصاريني. أبتلع ريقي بصعوبة، أتحسس الدراهم القليلة في جيب بيجامتي، غدا سأشتري نصف خبزة ممتلئة بصلا وكفتة. “العربي” شكله مقرف، بطنه تمتد وتتدلى فوق العربة. يمسح مخاطه ويعاود قلب أصابع الكفتة والنقانق. لكن لا يهم. أكله لذيذ، وربما هذا “العفن” ما يزيد من لذة أكله. فالزبائن يتجمعون حول عربته أكثر من الذباب الذي يحط على البصل والطماطم المفرومة.
أبي، أريد أن أشاهد التلفاز. أريد أن أرى السندباد. لا أستطيع النوم. جدتي لأبي تقول إن الرسوم المتحركة مخلوقات حقيقية تعيش في مكان ما. تأخذ سبحتها وتظل تسبح. أصابع يدها الأخرى لا تفارق فتحة أنفها في محاولة يائسة لنزع بعض الشعيرات. السندباد على مركبه يجوب العالم. الجنية تخرج من عمق البحر. ينقلب المركب وأسقط من سريري. الغرفة مظلمة. علاقة الملابس تصبح جنيا فاردا ذراعيه. يتقدم نحوي. أخفي رأسي تحت الغطاء. أسمع دقات قلبي كأنه يضخ في أذني. أين هي أمي؟ على الحائط لا أجد صورة لها. صورة قرد كبير يلف ورق التواليت على جسمه الضخم المشعر، يفتح فكيه في بلاهة، تظهر أسنانه الصدئة بحجم حبات الفول. لماذا يصر أبي على وضع صورته وسط البهو؟ من ذاك الذي قال أن أصل الإنسان قرد؟ كيف هو شكل أمي؟ هل أحمل بعضا من ملامحها؟ سمينة؟ بيضاء؟ كنت أحمل كراستي وأتخيلها. كنت دائما أرسم امراة بلا ملامح. جدتي قالت لي يوم زرتها بالبادية “عيناك تشبهان عينا أمك”. فرحت. الآن أعرف شكل عيني أمي.
أردفت وهي تفلي القمل من رأسي “عيناك وقحتان ترمي عليهم كمشة الملح ما يرمشوا”. ينقبض قلبي، أنفلت من بين رجليها. كرهت جدتي وازددت حبا لأمي.
ذلك السبت ليلا. أحسست بآلام تفتك ببطني، وبسائل ساخن يتدفق من بين فخذي إلى ساقي السائل رائحته كريهة. فهمت. لكن لم أعرف ماذا أفعل. أضع يدي بين فخذي حتى أمنع ذلك السائل المهين والكريه. تمتلئ أصابعي بالدم. تنزل قطع حمراء داكنة كالكبد. أرتعش، السرير الحديدي يطقطق. أسناني تصطك. أحس بالمهانة. ماذا لو امتلات أرض الغرفة بالدم؟ السلالم؟ الحي؟ أصرخ. يأتي أبي. عيناه نصف مغمضتين: آش بيك؟ صوته يشبه الحشرجة. آش بيك؟ عيناه نصف مفتوحتين. آش بيك؟ وجهه مستطيل وجبهته أكثر بروزا. شعيرات مجعدة يحاول أن يخفي بها صلعه. آش بيك؟ صوته يزداد حدة. الدموع كحبات الرمل، كالإبر تنغرز في العيون. آش بيك؟ أريد أمي. ينزع عني الغطاء، يرى سوأتي. الإزار تشرب الدم حتى البلل. يدي بين فخذي، أحاول أن أمنع النزيف المهين.. يتسمر. عيناه كقطعتي زجاج، ينظر إلى الإزار الملوث بالفضيحة. ينظر إلى نهدي، إلى وجهي الذي امتلأ بثورا حمراء. تفاحة آدم تصعد وتنزل. يحك قفاه أهز رأسي من اليسار الى اليمين كأنني أدفع عني تهمة. يفتح خزانة الملابس، يمدني بفوطة كنا نمسح بها أرجلنا. يرميها بعنف باتجاهي. يبصق على الأرض. يخرج. لا أزال مكورة فوق السرير. أنظر إلى بقع الدم، إلى الفوطة الخشنة. تأتي المرأة التي تقاسم أبي مجونه إلي. تخفي عريها بإزار أبيض. تضحك ضحكة لزجة ماجنة بلا معنى. تقول بصوت خشن بفعل السجائر: “نوضي قفزي الله يمسخك، ها انت وليتي امرأة”. يومها، كرهت أبي، كرهت جسدي. وأحببت أمي.
صباحا أستفيق على صراخ المرأة التي أحضرها أبي .أفتح عيني المنتفختين، أوارب الباب.المرأة ترمي بورقة نقدية خضراء في وجه أبي, التفال يخرج من فمها, تنتفخ أوداجها، تبدو كضفدعة. “على هذا بهاد الثمن؟”، وتشير الى ما تحت بطنهاالأكرش في حركة وقحة. يعاود أبي دس الورقة النقدية في جيب سرواله القندريصي الذي يستر نصف مؤخرته فقط. يرفع رجله اليمنى ويصوبها نحو مؤخرتها “خرجي الق.. النسا حطب جهنم”. تنجح المرأة في الإفلات. يصفق الباب وراءها بعنف واضح. تستمر في الصراخ حتى وهي في الشارع “حرام عليك تاكل عرق الوليات، الله يدخلهم عليك بالحرام”. عيناه ضيقتان كثقبين صغيرين مظلمين، لاتنسجمان مع أنفه الضخم الممتلئ بآثار الجذري. يسند جبهته إلى الحائط, أستطيع أن أسمع أنفاسه المضطربة، يضرب الحائط بقبضة يده، يبصق على الأرض، أسمعه وهو يسب دين النساء. المرأة لا تزال تصرخ، تريد جلبابها وحقيبة يدها. يفتح حقيبتها ويرمي بها من النافذة. تنتشر محتوياتها على الإسفلت. يتسابق الأطفال لسرقة ما تقع عليه أيديهم. يمزق الجلباب ويعاود رميه من النافذة، يجلس على حافة الكرسي وهو يلهث، ثم يضحك في ارتياح.
أستطيع أن أخمن ما سيحدث بعد ذلك. سيدخل الحمام, يستحم, يستقبل القبلة, يقول: ” اللهم إني نويت صلاة ركعتين لوجه الله”. نفس الحكاية تتكرر كل يوم سبت مع اختلاف بسيط في التفاصيل.
مع اقتراب يوم السبت، يحط على صدري حجر ضخم لا يتزحزح. أصبحت أكره يوم السبت, وأصبحت أفهم لماذا يسمي الجيران أبي ب “ترانت سيس”.
أعرف أن هناك من يكره كل أيام الأسبوع ولا يشتكي. لكن بالنسبة لي الأمر مختلف، أو هذا على الأقل ما أعتقد.
كل يوم سبت يحضر أبي باكرا جدا، يجر قدميه الكبيرتين، بطنه جد منتفخة، لا تتناسب مع جسمه النحيل. وجهه مستطيل، جبهته بارزة بعروق نافرة. لا يبدو وسيما أبدا. كل يوم سبت تكون برفقته امرأة لا أعرفها، لاتشبه المرأة التي أحضرها في الأسبوع الفائت، ولن تشبه بالتأكيد المرأة التي سيحضرها في الأسبوع القادم. يرسلني إلى دكان “با ابراهيم”. دكانه معتم وتنبعث منه رائحة عطنة، منفرة، تبعث على القيء. لم أكن أشتري منه المواد الغذائية التي نحتاجها. عيناه حمراوان معمشتان. يتنشق “التنفيحة” وينخرط في نوبة عطس لا نهائية. يمسح أنفه بمنديل يبدو أنه قصه من كيس طحين مهترئ. يفتح المنديل ويتأمل للحظة ذلك المخاط ثم يعاود دسه في جيبه. يحاول أن يتفوه ببعض الكلمات اللطيفة. الإبتسامة لا تناسبه. تبدو أسنانه طويلة وغير متناسقة بلون الطحالب. أقول له جملة واحدة وأبتعد “عيشة الطويلة”. أضم ذراعي إلى صدري وأنتظر. تأتي جارتنا تحمل طفلها حديث الولادة بين ذراعيها. الطفل يصرخ باصرار، يمص رضاعته المملوءة بالكمون الصوفي والكروية. قالت ل”باابراهيم”: “هاد ولد الحرام ما بغاش يسكت”. يسكتها بإشارة غاضبة من يده “هذا غير ملائكة.. عندي دواه”. عاودت النظر إلى الطفل حتى أعرف عن قرب شكل الملائكة. كان وجهه بلا رموش ولا حواجب كأنه يعاني الثعلبة. يفتح فمه عن آخره وهو يصرخ بعنف. وجهه كله عبارة عن فم كبيرمفتوح، “حلق الموت” يرتعش كجرس صغير. ينفخ “با ابراهيم” دخان السبسي بوجه الرضيع، مرة، اثنتين، فيصمت، تتشقلب عيناه وينام. تمد المرأة يدها إلى صدرها، تنبعث منها رائحة الحموضة، تخرج بعض الدراهم تمدها للبقال، يضعها على جبهته ثم يقبلها. بالتأكيد رائحة المرأة الكريهة عالقة بالدراهم. تشكره المرأة بلطف يناسب امرأة في الأربعين تنبعث منها الخل. تنصرف المرأة، أكرر طلبي”عايشة الطويلة”. يتجه إلى الداخل. كنت أتوقع دائما أن يأتيني بامرأة طويلة وعملاقة، لكنه كان يمدني بزجاجتين ملفوفتين بورق الجرائد، ويقول بصوته الذي يشبه صوت النساء والذي لا يتناسب وشكله المخيف “ديريكت للدار”. ثم يعود إلى ركنه المعهود.
ذات يوم أغراني ذلك السائل الأحمر القاني. تجرعت ما تبقى في الكأس التي نسيها أبي دفعة واحدة. تقيأت كل ما في جوفي وظلت رائحة منفرة تشبه رائحة جوارب متعفنة عالقة بي تلازمني طيلة اليوم.
يقفل أبي علي باب غرفتي. يعطيني نصف خبزة بها بعض السمك المعلب. أرمي بها فور خروجه من النافذة. لن أقفل الباب بالمفتاح لكن لا تحاولي الخروج. من الغرفة الأخرى تنبعث رائحة الشواء، يتحلب ريقي. أفتح الباب قليلا. ضحكات خليعة، كلمات نابية، الرائحة الشهية تتسلل إلى أنفي. معدتي أصبحت في حالة هيجان قصوى، وأصبح من الصعب إسكات قرقرة مصاريني. أبتلع ريقي بصعوبة، أتحسس الدراهم القليلة في جيب بيجامتي، غدا سأشتري نصف خبزة ممتلئة بصلا وكفتة. “العربي” شكله مقرف، بطنه تمتد وتتدلى فوق العربة. يمسح مخاطه ويعاود قلب أصابع الكفتة والنقانق. لكن لا يهم. أكله لذيذ، وربما هذا “العفن” ما يزيد من لذة أكله. فالزبائن يتجمعون حول عربته أكثر من الذباب الذي يحط على البصل والطماطم المفرومة.
أبي، أريد أن أشاهد التلفاز. أريد أن أرى السندباد. لا أستطيع النوم. جدتي لأبي تقول إن الرسوم المتحركة مخلوقات حقيقية تعيش في مكان ما. تأخذ سبحتها وتظل تسبح. أصابع يدها الأخرى لا تفارق فتحة أنفها في محاولة يائسة لنزع بعض الشعيرات. السندباد على مركبه يجوب العالم. الجنية تخرج من عمق البحر. ينقلب المركب وأسقط من سريري. الغرفة مظلمة. علاقة الملابس تصبح جنيا فاردا ذراعيه. يتقدم نحوي. أخفي رأسي تحت الغطاء. أسمع دقات قلبي كأنه يضخ في أذني. أين هي أمي؟ على الحائط لا أجد صورة لها. صورة قرد كبير يلف ورق التواليت على جسمه الضخم المشعر، يفتح فكيه في بلاهة، تظهر أسنانه الصدئة بحجم حبات الفول. لماذا يصر أبي على وضع صورته وسط البهو؟ من ذاك الذي قال أن أصل الإنسان قرد؟ كيف هو شكل أمي؟ هل أحمل بعضا من ملامحها؟ سمينة؟ بيضاء؟ كنت أحمل كراستي وأتخيلها. كنت دائما أرسم امراة بلا ملامح. جدتي قالت لي يوم زرتها بالبادية “عيناك تشبهان عينا أمك”. فرحت. الآن أعرف شكل عيني أمي.
أردفت وهي تفلي القمل من رأسي “عيناك وقحتان ترمي عليهم كمشة الملح ما يرمشوا”. ينقبض قلبي، أنفلت من بين رجليها. كرهت جدتي وازددت حبا لأمي.
ذلك السبت ليلا. أحسست بآلام تفتك ببطني، وبسائل ساخن يتدفق من بين فخذي إلى ساقي السائل رائحته كريهة. فهمت. لكن لم أعرف ماذا أفعل. أضع يدي بين فخذي حتى أمنع ذلك السائل المهين والكريه. تمتلئ أصابعي بالدم. تنزل قطع حمراء داكنة كالكبد. أرتعش، السرير الحديدي يطقطق. أسناني تصطك. أحس بالمهانة. ماذا لو امتلات أرض الغرفة بالدم؟ السلالم؟ الحي؟ أصرخ. يأتي أبي. عيناه نصف مغمضتين: آش بيك؟ صوته يشبه الحشرجة. آش بيك؟ عيناه نصف مفتوحتين. آش بيك؟ وجهه مستطيل وجبهته أكثر بروزا. شعيرات مجعدة يحاول أن يخفي بها صلعه. آش بيك؟ صوته يزداد حدة. الدموع كحبات الرمل، كالإبر تنغرز في العيون. آش بيك؟ أريد أمي. ينزع عني الغطاء، يرى سوأتي. الإزار تشرب الدم حتى البلل. يدي بين فخذي، أحاول أن أمنع النزيف المهين.. يتسمر. عيناه كقطعتي زجاج، ينظر إلى الإزار الملوث بالفضيحة. ينظر إلى نهدي، إلى وجهي الذي امتلأ بثورا حمراء. تفاحة آدم تصعد وتنزل. يحك قفاه أهز رأسي من اليسار الى اليمين كأنني أدفع عني تهمة. يفتح خزانة الملابس، يمدني بفوطة كنا نمسح بها أرجلنا. يرميها بعنف باتجاهي. يبصق على الأرض. يخرج. لا أزال مكورة فوق السرير. أنظر إلى بقع الدم، إلى الفوطة الخشنة. تأتي المرأة التي تقاسم أبي مجونه إلي. تخفي عريها بإزار أبيض. تضحك ضحكة لزجة ماجنة بلا معنى. تقول بصوت خشن بفعل السجائر: “نوضي قفزي الله يمسخك، ها انت وليتي امرأة”. يومها، كرهت أبي، كرهت جسدي. وأحببت أمي.
صباحا أستفيق على صراخ المرأة التي أحضرها أبي .أفتح عيني المنتفختين، أوارب الباب.المرأة ترمي بورقة نقدية خضراء في وجه أبي, التفال يخرج من فمها, تنتفخ أوداجها، تبدو كضفدعة. “على هذا بهاد الثمن؟”، وتشير الى ما تحت بطنهاالأكرش في حركة وقحة. يعاود أبي دس الورقة النقدية في جيب سرواله القندريصي الذي يستر نصف مؤخرته فقط. يرفع رجله اليمنى ويصوبها نحو مؤخرتها “خرجي الق.. النسا حطب جهنم”. تنجح المرأة في الإفلات. يصفق الباب وراءها بعنف واضح. تستمر في الصراخ حتى وهي في الشارع “حرام عليك تاكل عرق الوليات، الله يدخلهم عليك بالحرام”. عيناه ضيقتان كثقبين صغيرين مظلمين، لاتنسجمان مع أنفه الضخم الممتلئ بآثار الجذري. يسند جبهته إلى الحائط, أستطيع أن أسمع أنفاسه المضطربة، يضرب الحائط بقبضة يده، يبصق على الأرض، أسمعه وهو يسب دين النساء. المرأة لا تزال تصرخ، تريد جلبابها وحقيبة يدها. يفتح حقيبتها ويرمي بها من النافذة. تنتشر محتوياتها على الإسفلت. يتسابق الأطفال لسرقة ما تقع عليه أيديهم. يمزق الجلباب ويعاود رميه من النافذة، يجلس على حافة الكرسي وهو يلهث، ثم يضحك في ارتياح.
أستطيع أن أخمن ما سيحدث بعد ذلك. سيدخل الحمام, يستحم, يستقبل القبلة, يقول: ” اللهم إني نويت صلاة ركعتين لوجه الله”. نفس الحكاية تتكرر كل يوم سبت مع اختلاف بسيط في التفاصيل.
مع اقتراب يوم السبت، يحط على صدري حجر ضخم لا يتزحزح. أصبحت أكره يوم السبت, وأصبحت أفهم لماذا يسمي الجيران أبي ب “ترانت سيس”.