ينظم كرسي معهد العالم العربي اليوم الجمعة لقاءً فكرياً بعنوان: «ثلاثون عاماً من الفكر العربي: معطيات وآفاق»، ويستضيف باحثين من تخصصات واتجاهات فكرية متعددة لتعميق البحث ومناقشة الفكر العربي وتحولاته عبر ثلاثين عاماً وسبل مواجهته لمعطيات العصر وآفاق المستقبل، واللقاء يتم بمناسبة احتفال المعهد بثلاثينيته وانطلاقة الكرسي الجديد.
وفي ختام اللقاء الذي يمتد طول اليوم يكرم الكرسي الباحث والمترجم والمستشرق الكبير أندريه ميكيل الذي أغنت دراساته الرصينة وكتاباته الأصيلة الثقافة العربية وساهمت في إثراء الحوار بين ضفتي المتوسط منذ نحو نصف قرن.
يكرّم معهد العالم العربي شخصيات فكرية أغنت الفكر الانساني وأسهمت في شكل مميز في الحوار الخلاق بين الثقافات والمجتمعات.
اما البرنامج فيضم:
1-جلسة نقاش مع البروفسور محمّد شحرور، المعروف بقراءاته الجديدة الجريئة للنص القرآني بعنوان: «تطور التأويلات للرسالة النبوية خلال العقود الثلاثة الأخيرة» يشارك فيها: بيار لوري، مدير الدراسات في «المدرسة التطبيقية للدراسات العليا» والمشرف العام على كرسي الدراسات الإسلامية في كلية العلوم الدينية - باريس، الأكاديمية عائدة فرحات، محمد العربي حوات، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية في العالمين العربي والإسلامي.
2- ندوة فكرية بعنوان «ثلاثون عاماً من الفكر العربي: معطيات وآفاق» يشارك فيها: علي حرب، الكاتب الفيلسوف لبناني، كريستيان لوشون، المستعرب والأستاذ الجامعي المتخصص في الشرق الأوسط، جوزيف يعقوب، رئيس كرسي اليونسكو لـ «الذاكرة، الثقافة، التفاعل الثقافي»، سعيد بنسعيد العلوي، المفكر والأكاديمي المغربي، محمد الجويلي، الباحث والأكاديمي.
3- ندوة فكرية عن المؤرخ والمستعرب أندريه ميكيل، بحضوره يشارك فيها: فاروق مردم بك، المؤرخ والناشر، كاظم جهاد، الباحث والمترجم والأستاذ الجامعي، بطرس حلاق، الناقد والمترجم والأكاديمي، بيار لافرانس، الباحث والمترجم،، إيزابيل صياح بوديس، الكاتبة، بيار لارشر، الأستاذ الفخري في اللسانيات العربية. ويختتم الكرسي ندواته بتكريم إندريه ميكيل.
هنا مقالة الناقد والروائي محمد برادة عن المستشرق ميكيل، وقد توجه فيها إليه.
?محمد برادة?
< الــعــــزيـز أســـــتـــاذي وصــديقي أنــدريه ميـكيــل، إنّ «الـثـمـانيـنَ وقـدْ بُـلـّـغــتُــها»، لا تمـنـعني من أن أحتـفظ في ذاكـرتي بِـلحظات مشرقات عن علاقة بيـننا، نسـجت خـيوطها التـلـمذة وحبّ المعرفة والمـراهنة عـلى ثقافة عـربية تسعى إلى تجديد حواشيها وجـوهـرها.
بدأت تلك اللحظات في العام 1970 عـندما تـرددتُ لأول مرة على حـلقتك الدراسية في كلية «سانسيـي» متـرجياً أن تـقبـل الإشـراف على أطـروحتي عن «مـحمد مـنـدور وتـنـظــير الـنقد الـعربي». ما أثــار انتباهي وأثـار دهـشتي في الآن نفسه، هو حـرصك في حصص التدريس على أن تفتح نصوص الأدب العربي، قـديمَــها وحديثها، على مناهج النـقد الصاعدة آنـذاك في فرنسا، مثل الـبـنيوية والسيميائية والألسنية، مؤكداً ضـرورة تجديد المصطلحات وطـرائق التناول، من أجـل تـمـلـّك أعمق للدلالة والمعنى وَفـق مقاييس تـنأى عن الـتأثـرية والاحتكام إلى الـذوق الشخصي... وجدتُ في هذا التـوجه لـديك ما كنت أتطلـع إليه، لأنني بعد دراستي في جامعة القاهرة وعودتي إلى المغرب، أدركت أن الجامعة المصرية ظلت متـشـبثـة بمناهج ومفاهيم موروثة عن الجامعة الفرنسية خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشريـن؛ ولـم تـنــتـبه إلى التجديد الـذي قـلـّـب التربة في الحقل الثقافي الفرنسي منذ خمسينات القرن الماضي.
لكن ما وطــد إعجابي بك، أيها الأستاذ الكريم، هو مُعاملتك للطلاب والباحـثين ومعــدّي الأطروحات. بقلب مفتوح وطول بـال، كان تـعامـلك معهم يكـتسي سمتَ الأخ الأكبـر، الناصحِ والـمُجيدِ للإصغاء. لم تكن من الأساتذة الذين يسـتفيدون لحسابهم الخاص من جَـهد طلبتهم في البحث والتـنقيب، ليعمدوا إلى استثـماره في أبحاثهم الخاصة. بل كنت تـتـرك للطلاب حـرية اختيار موضوعاتهم، وتكتفي بأن تكون الحادي الـيقـظ، الموجّه لخطواتهم طالما أن اخـتياراتهم تـتوافـر على الحد الأدنى من المعقولية والتماسك. ولعلها الصدفة الجميلة التي جعلت كوكبة من الباحثين العرب الشباب آنـذاك، تلتف حولك لتـستفيد مـــن علمك ورحابة صدرك، فـتنـجز منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، أطروحات جريئة في رؤيتها إلى الأدب العربي وتأويـله.
غيـر أن ما جعلني أعـتـز دوماً بصداقتك، أستاذي العزيز، هو تـمـسـّكـنا معا بـحبل الكلمات، نَـغزِلـُها بموازاةٍ مع التدريس والبحث الجامعي. حـبل الكلمات ذاك الذي التجأتَ إليه في لحظات اليأس والألم، أولاً عندما اعتقلوك زوراً وبهتاناً في مصر مطلع الستينات، فكتبت روايتك الأسيانة «وجبة المساء»، ثم في ما بعد حين مرض ابنك العزيز، ورافقتَ رحلتـه الموقوفة بـيوميات امتدت سنة كاملة، نشرتها تحت عنوان «الابن الموقوف عن الحياة» كاشفاً لوعة الفـقدان ووجع المأساة.
لقد وجدت في إبداعك بالعربية تأكيداً لتلك الصداقة السـريّة التي تنسجها الكلمات ويمليها الوجدان، لتصبح أقوى من كل أشكال التعبير الأخرى، لأن صداقة الكلمات تضعنا معاً أمام لـُغـزية العالم وأسئلته المُحيّـرة. وما كنتَ لـتبدع بالعربية لولا أن حبك لهذه اللغة أقنعكَ بأنها قادرة على استيعاب بعض من همومك وعواطفك. وهو نفس الحب الذي أعربـتَ عنه من خلال تـرجمتك لكليلة ودمنة، وأشعار شاكـر السيّاب ومجنون ليلى، ثم قصص ألف ليلة وليلة التي أعـدت ترجمتها صحبة صديقنا المشتـرك الراحل جمال الدين بن الشيخ.
وفي ختام اللقاء الذي يمتد طول اليوم يكرم الكرسي الباحث والمترجم والمستشرق الكبير أندريه ميكيل الذي أغنت دراساته الرصينة وكتاباته الأصيلة الثقافة العربية وساهمت في إثراء الحوار بين ضفتي المتوسط منذ نحو نصف قرن.
يكرّم معهد العالم العربي شخصيات فكرية أغنت الفكر الانساني وأسهمت في شكل مميز في الحوار الخلاق بين الثقافات والمجتمعات.
اما البرنامج فيضم:
1-جلسة نقاش مع البروفسور محمّد شحرور، المعروف بقراءاته الجديدة الجريئة للنص القرآني بعنوان: «تطور التأويلات للرسالة النبوية خلال العقود الثلاثة الأخيرة» يشارك فيها: بيار لوري، مدير الدراسات في «المدرسة التطبيقية للدراسات العليا» والمشرف العام على كرسي الدراسات الإسلامية في كلية العلوم الدينية - باريس، الأكاديمية عائدة فرحات، محمد العربي حوات، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية في العالمين العربي والإسلامي.
2- ندوة فكرية بعنوان «ثلاثون عاماً من الفكر العربي: معطيات وآفاق» يشارك فيها: علي حرب، الكاتب الفيلسوف لبناني، كريستيان لوشون، المستعرب والأستاذ الجامعي المتخصص في الشرق الأوسط، جوزيف يعقوب، رئيس كرسي اليونسكو لـ «الذاكرة، الثقافة، التفاعل الثقافي»، سعيد بنسعيد العلوي، المفكر والأكاديمي المغربي، محمد الجويلي، الباحث والأكاديمي.
3- ندوة فكرية عن المؤرخ والمستعرب أندريه ميكيل، بحضوره يشارك فيها: فاروق مردم بك، المؤرخ والناشر، كاظم جهاد، الباحث والمترجم والأستاذ الجامعي، بطرس حلاق، الناقد والمترجم والأكاديمي، بيار لافرانس، الباحث والمترجم،، إيزابيل صياح بوديس، الكاتبة، بيار لارشر، الأستاذ الفخري في اللسانيات العربية. ويختتم الكرسي ندواته بتكريم إندريه ميكيل.
هنا مقالة الناقد والروائي محمد برادة عن المستشرق ميكيل، وقد توجه فيها إليه.
?محمد برادة?
< الــعــــزيـز أســـــتـــاذي وصــديقي أنــدريه ميـكيــل، إنّ «الـثـمـانيـنَ وقـدْ بُـلـّـغــتُــها»، لا تمـنـعني من أن أحتـفظ في ذاكـرتي بِـلحظات مشرقات عن علاقة بيـننا، نسـجت خـيوطها التـلـمذة وحبّ المعرفة والمـراهنة عـلى ثقافة عـربية تسعى إلى تجديد حواشيها وجـوهـرها.
بدأت تلك اللحظات في العام 1970 عـندما تـرددتُ لأول مرة على حـلقتك الدراسية في كلية «سانسيـي» متـرجياً أن تـقبـل الإشـراف على أطـروحتي عن «مـحمد مـنـدور وتـنـظــير الـنقد الـعربي». ما أثــار انتباهي وأثـار دهـشتي في الآن نفسه، هو حـرصك في حصص التدريس على أن تفتح نصوص الأدب العربي، قـديمَــها وحديثها، على مناهج النـقد الصاعدة آنـذاك في فرنسا، مثل الـبـنيوية والسيميائية والألسنية، مؤكداً ضـرورة تجديد المصطلحات وطـرائق التناول، من أجـل تـمـلـّك أعمق للدلالة والمعنى وَفـق مقاييس تـنأى عن الـتأثـرية والاحتكام إلى الـذوق الشخصي... وجدتُ في هذا التـوجه لـديك ما كنت أتطلـع إليه، لأنني بعد دراستي في جامعة القاهرة وعودتي إلى المغرب، أدركت أن الجامعة المصرية ظلت متـشـبثـة بمناهج ومفاهيم موروثة عن الجامعة الفرنسية خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشريـن؛ ولـم تـنــتـبه إلى التجديد الـذي قـلـّـب التربة في الحقل الثقافي الفرنسي منذ خمسينات القرن الماضي.
لكن ما وطــد إعجابي بك، أيها الأستاذ الكريم، هو مُعاملتك للطلاب والباحـثين ومعــدّي الأطروحات. بقلب مفتوح وطول بـال، كان تـعامـلك معهم يكـتسي سمتَ الأخ الأكبـر، الناصحِ والـمُجيدِ للإصغاء. لم تكن من الأساتذة الذين يسـتفيدون لحسابهم الخاص من جَـهد طلبتهم في البحث والتـنقيب، ليعمدوا إلى استثـماره في أبحاثهم الخاصة. بل كنت تـتـرك للطلاب حـرية اختيار موضوعاتهم، وتكتفي بأن تكون الحادي الـيقـظ، الموجّه لخطواتهم طالما أن اخـتياراتهم تـتوافـر على الحد الأدنى من المعقولية والتماسك. ولعلها الصدفة الجميلة التي جعلت كوكبة من الباحثين العرب الشباب آنـذاك، تلتف حولك لتـستفيد مـــن علمك ورحابة صدرك، فـتنـجز منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، أطروحات جريئة في رؤيتها إلى الأدب العربي وتأويـله.
غيـر أن ما جعلني أعـتـز دوماً بصداقتك، أستاذي العزيز، هو تـمـسـّكـنا معا بـحبل الكلمات، نَـغزِلـُها بموازاةٍ مع التدريس والبحث الجامعي. حـبل الكلمات ذاك الذي التجأتَ إليه في لحظات اليأس والألم، أولاً عندما اعتقلوك زوراً وبهتاناً في مصر مطلع الستينات، فكتبت روايتك الأسيانة «وجبة المساء»، ثم في ما بعد حين مرض ابنك العزيز، ورافقتَ رحلتـه الموقوفة بـيوميات امتدت سنة كاملة، نشرتها تحت عنوان «الابن الموقوف عن الحياة» كاشفاً لوعة الفـقدان ووجع المأساة.
لقد وجدت في إبداعك بالعربية تأكيداً لتلك الصداقة السـريّة التي تنسجها الكلمات ويمليها الوجدان، لتصبح أقوى من كل أشكال التعبير الأخرى، لأن صداقة الكلمات تضعنا معاً أمام لـُغـزية العالم وأسئلته المُحيّـرة. وما كنتَ لـتبدع بالعربية لولا أن حبك لهذه اللغة أقنعكَ بأنها قادرة على استيعاب بعض من همومك وعواطفك. وهو نفس الحب الذي أعربـتَ عنه من خلال تـرجمتك لكليلة ودمنة، وأشعار شاكـر السيّاب ومجنون ليلى، ثم قصص ألف ليلة وليلة التي أعـدت ترجمتها صحبة صديقنا المشتـرك الراحل جمال الدين بن الشيخ.