هل هناك علاقة بين التحليل النفسي والأدب؟ رغم أن جاك لاكان قال بهذه العلاقة منذ عقود، وجاراه فيها العديد من النقاد الذين نظروا للنص الأدبي من منظور التحليل النفسي إلا أن هذا السؤال مثل هاجسا رئيسا للناقد الفرنسي جان بيلمان ـ نويل، وجاء كتابه "التحليل النفسي والأدب" كمحاولة جادة للبحث عن إجابة.
ويعتبر هذا الكتاب "العلامة الكبرى على التحول الجذري الذي شهده التحليل النفسي للنصوص الأدبية منذ بداية سبعينيات القرن العشرين إلى اليوم"، وفقا لما ورد في مقدمة مترجمه الناقد والأكاديمي المغربي حسن المودن (دار كنوز المعرفة بالأردن).
ويرى المترجم أيضا أن جان بيلمان ـ نويل في هذا الكتاب وضع اللبنة الأولى لمفهوم التحليل النصي كقراءة تقويمية نقدية في تاريخ العلاقة بين التحليل النفسي والأدب. فالمحلل النصي على العكس من الناقد النفسي التقليدي، يجعل من النص الأدبي وليس المؤلف موضوعا للتحليل، ويتم التحليل من التسليم بأن لكل نص أدبي له "لا وعيه" أي يكون معمولا نتيجة خطاب لا واع، لذلك فإن قراءات التحليل النصي تبدأ من اللاشعور وتنتهى بالنص.
ويرى جان بيلمان ـ نويل، أن التحليل النفسي والأدب يشتغلان بالطريقة نفسها، فهما يقرآن الإنسان في حياته اليومية وداخل قدره التاريخي، ويسعيان إلى بلوغ حقائق بالحديث عن الإنسان وهو يتحدث. ويقول جان بيلمان ـ نويل: إن التحليل النفسي ليس علما فقط، بل انه أفضل من العلم، لأنه فنّ تفكيك حقيقة ما في كل القطاعات الملغزة في التجربة الإنسانية، كما يعيشها الإنسان، أي كما يحكيها لنفسه أو للآخرين.
قراءة التخييل من المنظور النفسي فهي التي "تمنح النصوص بعدا آخر، وتتيح لنا أن نلاحظ الكتابة في تكوينها وفي إشتغالها
ويذهب المؤلف إلى أن أهمية التحليل النفسي تكمن في افتراضه أن "الأنا ليست سيدة بيتها"، بمعنى أن هناك أشياء تفكر بداخل الأنا وتوجه أفعالها دون حتى أن تحاط علما بحدوث بعض الظواهر. أما الأدب فعن طريقه نعي إنسانيتنا التي تفكر وتتكلم، كما أنه لا يحدثنا عن الآخرين فقط، بل وعن الآخر فينا.
قراءة الحلم
في الفصل الثاني "قراءة اللاشعور" يرى جان بيلمان ـ نويل أن فرويد أدرك مبكرا أن الحلم يمثل الطريق إلى اللاشعور، مع مراعاة أن الحلم محكي ينتجه الحالم عندما يسترد وعيه، أي أنه ملفوظ سردي. كذلك فالحلم يقدم نفسه باعتباره نصا تنسجه التمثيلات والانفعالات، لكنه ليس رسالة من أحد ما إلى أحد آخر، ذلك لأن الحلم لا يتكلم ولا يفكر، وفرويد يشدّد على أنه عمل يقع بين الرغبة والمحكي. والنص الأدبي يتكون من هذا العمل وبه، فهو نص أصيل يقدم للقراءة خطابا بدون عنوان ولا قصد سابق ولا مستوى محدد.
ويخلص المؤلف إلى ضرورة استثمار ما قاله فرويد عن الحلم في قراءة النص الأدبي، نظرا إلى التماثل القوي الموجود بين الاثنين. لذلك ينطلق الفصل الثالث من فكرة أن الإنسان عندما يقرأ العمل الأدبي فهو يقرأ فيه نفسه، ويحدث عبر القراءة تفاعل لاشعور القاريء مع لاشعور آخر، هنا يستحضر جان بيلمان ـ نويل مقالة مهمة لـفرويد عنوانها: "الشاعر والخيال"، وفيها يجيب فرويد عن سؤال أساس: لماذا ينجح الكاتب حيث يفشل الحالم اليقظ الذي يحكي لنا أحلامه؟ ويجيب فرويد بأن الكاتب يقوم بتلطيف ما في الحلم من تمركز على الذات، ويغري بالاستفادة من لذة شكلية خالصة، ويحقق لنفسيتنا متعة تجد معها الخلاص من بعض التوترات. فالكتابة "لا تشفي ولكنها تصون، فهي واحدة من آليات الدفاع النفسي، وهي أصلح من آليات كثيرة لكنها ليست الأكثر فعالية".
قراءة الإنسان
يواصل الكاتب إعادة قراءة فرويد في الفصل الرابع "قراءة الإنسان"، يبدأ بالنقل من كتاب فرويد "حياتي والتحليل النفسي" ملاحظته أن الخيال تشكل عند الانتقال الأليم من مبدأ اللذة إلى مبدأ الواقع، بحثا عن بديل للإشباع الغريزي الذي تفرض الحياة مفارقته، لذلك يبدو الفنان مثل العصابي في انصرافه عن الواقع إلى الخيال، لكنه يختلف عن العصابي في قدرته على العودة إلى الواقع، وهو يذهب إلى أن فرويد "دشن كل أنواع الأبحاث دون أن ينشغل بالتبعات الخاصة باستبصاراته" فإنتاجاته الموزعة على امتداد عشرين سنة لا تزعم تقديم فكرة مكتملة عن الفن.
ويرى الكاتب أن فرويد سار في مجال التحليل النفسي للأدب في محطات متتالية من قراءة الإنسان إلى قراءة العمل الأدبي أو الفني في حد ذاته إلى قراءة كاتب ما أو فنان ما، وقد انصب اهتمام فرويد في قراءته الإنسان على تحليل الركائز الأساس التي يستخدمها الكتّـاب والنصوص بطريقة جديدة في كل مرة، وهي ليست وقفا على عصر أو لغة أو فرد ولا أصل لها لأنها تنتمي إلى الرأسمال الرمزي للإنسانية، أي أنها "تقاليد غارقة في ليل الأزمنة، في ليل اللاوعي".
ويشير الكتاب إلى منهل فرويدي آخر نهلت منه الرواية يتمثل فيما يسميه بالغرابة المقلقة، أو الفانتازيا، حيث الغريب المقلق هو كل ما ينبغي له أن يبقى خفيا، لكنه يعرف الطريق إلى الظهور. فهو مكبوت يعود بطريقة فجائية داخل الحياة اليومية أو داخل أحد المشاهد الفنية.
قراءة النص
ينتهي الكتاب بفصل عن "قراءة النص"، ويقصد به المؤلف أن نقرأ النص الأدبي بعيدا عن مؤلفه. حيث النص هو هذا الشيء الذي بواسطته يكون الإنسان مختلفا، والاختلاف هنا يكون لا نهائيا حيث الكتابة غيرية وفي نفس الوقت ذاتية، أي تنطلق من الذات إلى الآخر، وقد أسس جان بيلمان ـ نويل فكرته على أساس أن النص الأدبي هو ذلك الشيء الذي لا يكون مطابقا، للذات أو للعالم، وبالتالي يجب قراءة النص بعيدا عن لا وعي المؤلف.
وكان فرويد قد دشن تلك القراءة في كتابه: "الهذيان والأحلام في غراديفا ينسن"، حيث قام منهجه على الملاحظة الواعية لتلك السيرورات النفسية غير السوية عند إنسان آخر، من أجل الكشف عن قوانينها وصياغتها، أما الروائي فبدلا من أن يمارس الكبت بواسطة النقد الواعي، نجده يركز انتباهه على لا وعي نفسيته بالذات، مستمعا لكل قواه المضمرة، مانحا لإياها تعبيره الفني، فهو يعرف من داخل نفسيته ما نعرفه نحن من خلال الآخرين، أي أنه يعرف القوانين الحاكمة للا وعي فتأتي مندمجة في إبداعاته.
ووفق هذه القراءة فاللاوعي هو "الحكم علينا بأن نكرر ماضينا، لا أن نتذكره، وبأن نأخذ في شكل ذكريات ما لن يتكرر أبدا في شكله الأول" بينما الأدب هو "تلك الكتابات التي تعيد صياغة هذا الماضي"، أما قراءة التخييل من المنظور النفسي فهي التي "تمنح النصوص بعدا آخر، وتتيح لنا أن نلاحظ الكتابة في تكوينها وفي إشتغالها".
ويعتبر هذا الكتاب "العلامة الكبرى على التحول الجذري الذي شهده التحليل النفسي للنصوص الأدبية منذ بداية سبعينيات القرن العشرين إلى اليوم"، وفقا لما ورد في مقدمة مترجمه الناقد والأكاديمي المغربي حسن المودن (دار كنوز المعرفة بالأردن).
ويرى المترجم أيضا أن جان بيلمان ـ نويل في هذا الكتاب وضع اللبنة الأولى لمفهوم التحليل النصي كقراءة تقويمية نقدية في تاريخ العلاقة بين التحليل النفسي والأدب. فالمحلل النصي على العكس من الناقد النفسي التقليدي، يجعل من النص الأدبي وليس المؤلف موضوعا للتحليل، ويتم التحليل من التسليم بأن لكل نص أدبي له "لا وعيه" أي يكون معمولا نتيجة خطاب لا واع، لذلك فإن قراءات التحليل النصي تبدأ من اللاشعور وتنتهى بالنص.
ويرى جان بيلمان ـ نويل، أن التحليل النفسي والأدب يشتغلان بالطريقة نفسها، فهما يقرآن الإنسان في حياته اليومية وداخل قدره التاريخي، ويسعيان إلى بلوغ حقائق بالحديث عن الإنسان وهو يتحدث. ويقول جان بيلمان ـ نويل: إن التحليل النفسي ليس علما فقط، بل انه أفضل من العلم، لأنه فنّ تفكيك حقيقة ما في كل القطاعات الملغزة في التجربة الإنسانية، كما يعيشها الإنسان، أي كما يحكيها لنفسه أو للآخرين.
قراءة التخييل من المنظور النفسي فهي التي "تمنح النصوص بعدا آخر، وتتيح لنا أن نلاحظ الكتابة في تكوينها وفي إشتغالها
ويذهب المؤلف إلى أن أهمية التحليل النفسي تكمن في افتراضه أن "الأنا ليست سيدة بيتها"، بمعنى أن هناك أشياء تفكر بداخل الأنا وتوجه أفعالها دون حتى أن تحاط علما بحدوث بعض الظواهر. أما الأدب فعن طريقه نعي إنسانيتنا التي تفكر وتتكلم، كما أنه لا يحدثنا عن الآخرين فقط، بل وعن الآخر فينا.
قراءة الحلم
في الفصل الثاني "قراءة اللاشعور" يرى جان بيلمان ـ نويل أن فرويد أدرك مبكرا أن الحلم يمثل الطريق إلى اللاشعور، مع مراعاة أن الحلم محكي ينتجه الحالم عندما يسترد وعيه، أي أنه ملفوظ سردي. كذلك فالحلم يقدم نفسه باعتباره نصا تنسجه التمثيلات والانفعالات، لكنه ليس رسالة من أحد ما إلى أحد آخر، ذلك لأن الحلم لا يتكلم ولا يفكر، وفرويد يشدّد على أنه عمل يقع بين الرغبة والمحكي. والنص الأدبي يتكون من هذا العمل وبه، فهو نص أصيل يقدم للقراءة خطابا بدون عنوان ولا قصد سابق ولا مستوى محدد.
ويخلص المؤلف إلى ضرورة استثمار ما قاله فرويد عن الحلم في قراءة النص الأدبي، نظرا إلى التماثل القوي الموجود بين الاثنين. لذلك ينطلق الفصل الثالث من فكرة أن الإنسان عندما يقرأ العمل الأدبي فهو يقرأ فيه نفسه، ويحدث عبر القراءة تفاعل لاشعور القاريء مع لاشعور آخر، هنا يستحضر جان بيلمان ـ نويل مقالة مهمة لـفرويد عنوانها: "الشاعر والخيال"، وفيها يجيب فرويد عن سؤال أساس: لماذا ينجح الكاتب حيث يفشل الحالم اليقظ الذي يحكي لنا أحلامه؟ ويجيب فرويد بأن الكاتب يقوم بتلطيف ما في الحلم من تمركز على الذات، ويغري بالاستفادة من لذة شكلية خالصة، ويحقق لنفسيتنا متعة تجد معها الخلاص من بعض التوترات. فالكتابة "لا تشفي ولكنها تصون، فهي واحدة من آليات الدفاع النفسي، وهي أصلح من آليات كثيرة لكنها ليست الأكثر فعالية".
قراءة الإنسان
يواصل الكاتب إعادة قراءة فرويد في الفصل الرابع "قراءة الإنسان"، يبدأ بالنقل من كتاب فرويد "حياتي والتحليل النفسي" ملاحظته أن الخيال تشكل عند الانتقال الأليم من مبدأ اللذة إلى مبدأ الواقع، بحثا عن بديل للإشباع الغريزي الذي تفرض الحياة مفارقته، لذلك يبدو الفنان مثل العصابي في انصرافه عن الواقع إلى الخيال، لكنه يختلف عن العصابي في قدرته على العودة إلى الواقع، وهو يذهب إلى أن فرويد "دشن كل أنواع الأبحاث دون أن ينشغل بالتبعات الخاصة باستبصاراته" فإنتاجاته الموزعة على امتداد عشرين سنة لا تزعم تقديم فكرة مكتملة عن الفن.
ويرى الكاتب أن فرويد سار في مجال التحليل النفسي للأدب في محطات متتالية من قراءة الإنسان إلى قراءة العمل الأدبي أو الفني في حد ذاته إلى قراءة كاتب ما أو فنان ما، وقد انصب اهتمام فرويد في قراءته الإنسان على تحليل الركائز الأساس التي يستخدمها الكتّـاب والنصوص بطريقة جديدة في كل مرة، وهي ليست وقفا على عصر أو لغة أو فرد ولا أصل لها لأنها تنتمي إلى الرأسمال الرمزي للإنسانية، أي أنها "تقاليد غارقة في ليل الأزمنة، في ليل اللاوعي".
ويشير الكتاب إلى منهل فرويدي آخر نهلت منه الرواية يتمثل فيما يسميه بالغرابة المقلقة، أو الفانتازيا، حيث الغريب المقلق هو كل ما ينبغي له أن يبقى خفيا، لكنه يعرف الطريق إلى الظهور. فهو مكبوت يعود بطريقة فجائية داخل الحياة اليومية أو داخل أحد المشاهد الفنية.
قراءة النص
ينتهي الكتاب بفصل عن "قراءة النص"، ويقصد به المؤلف أن نقرأ النص الأدبي بعيدا عن مؤلفه. حيث النص هو هذا الشيء الذي بواسطته يكون الإنسان مختلفا، والاختلاف هنا يكون لا نهائيا حيث الكتابة غيرية وفي نفس الوقت ذاتية، أي تنطلق من الذات إلى الآخر، وقد أسس جان بيلمان ـ نويل فكرته على أساس أن النص الأدبي هو ذلك الشيء الذي لا يكون مطابقا، للذات أو للعالم، وبالتالي يجب قراءة النص بعيدا عن لا وعي المؤلف.
وكان فرويد قد دشن تلك القراءة في كتابه: "الهذيان والأحلام في غراديفا ينسن"، حيث قام منهجه على الملاحظة الواعية لتلك السيرورات النفسية غير السوية عند إنسان آخر، من أجل الكشف عن قوانينها وصياغتها، أما الروائي فبدلا من أن يمارس الكبت بواسطة النقد الواعي، نجده يركز انتباهه على لا وعي نفسيته بالذات، مستمعا لكل قواه المضمرة، مانحا لإياها تعبيره الفني، فهو يعرف من داخل نفسيته ما نعرفه نحن من خلال الآخرين، أي أنه يعرف القوانين الحاكمة للا وعي فتأتي مندمجة في إبداعاته.
ووفق هذه القراءة فاللاوعي هو "الحكم علينا بأن نكرر ماضينا، لا أن نتذكره، وبأن نأخذ في شكل ذكريات ما لن يتكرر أبدا في شكله الأول" بينما الأدب هو "تلك الكتابات التي تعيد صياغة هذا الماضي"، أما قراءة التخييل من المنظور النفسي فهي التي "تمنح النصوص بعدا آخر، وتتيح لنا أن نلاحظ الكتابة في تكوينها وفي إشتغالها".