ربما يبدو عنوان المقال صادمًا لكثير من المتدينين، فهم يعتبرون أن الدين لازم بشكل دائم، وأن دوره لا يتغير بتغير الزمان أو المكان؛ بل يرى كثير منهم – أيا كان دينهم – أن العصر الذهبي دائماً جاء في الماضي، في الوقت الذي بُعث فيه الأنبياء والمرسلون، وأن الحاضر والمستقبل لا يمكن إلا أن يكون صورة باهتة لهذا الماضي السحيق. لكن ما نريد أن نؤكد عليه من البداية أننا لا نتحدث عن الدين بصفة عامة، ولكن عن الدور التنظيمي للدين، أي دور الدين في إدارة شؤون الدولة، كما كان الحال في فترات طويلة من التاريخ، حين كان الدين حاضرًا بقوة؛ بل كان محركًا للكثير من الصراعات والحروب، فالحروب الصليبية كانت أسبابها “الظاهرة” دينية، وكذلك الغزوات الإسلامية، وكل دين وضع منظومة من القوانين لضبط علاقات الأفراد داخل المجتمع، ولضبط علاقات المجتمعات بعضها ببعض، فكما ورد في القرآن: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا”. ودور رجال الدين في القرون الوسطى الأوروبية وفي ظل الدولة الإسلامية حتى هذه اللحظة لا يخفى على أحد؛ لدرجة أن سلطة رجال الدين المسيحي في القرون الوسطى فاقت سلطة الحكام، إذ كانت تُعرف سلطتهم باسم السلطة الروحية في مقابل سلطة الحاكم التي عُرفت حينها بالسلطة الزمنية.
لكن؛ بعد سقوط هذا الدور في الغرب الأوروبي، واستمراره بشكل أو بآخر في العالم الإسلامي، لا بد أن نسأل أنفسنا: هل البشر بالفعل ما زالوا بحاجة إلى مثل هذا الدور؟ وما النتائج المترتبة على استمرار الدين في أداء دوره في إدارة شؤون الدولة ؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تستوجب منا أن نضع في اعتبارنا عدة أمور، أهمها أن التاريخ الإنساني شبيه بشكل أو بآخر بتاريخ حياة الفرد، من حيث الطفولة والمراهقة والشباب والنضج .. الخ. فقد مرّت البشرية بهذه المراحل جميعها، مرحلة طفولة الجنس البشري حيث الإنسان البدائي الذي يتعرف بدهشة على العالم المحيط به، ثم مرحلة المراهقة حيث الصراعات لا ضابط لها ولا رابط، وصولاً للمراحل التالية على ذلك. ربما يردّ أحد القراء الأعزاء قائلاً إن المجتمعات ما زالت تعاني من الحروب والمجاعات والصراعات بكافة أشكالها، لكن ما يتجاهله من يطرح مثل هذا السؤال، أن نضج الإنسان / الفرد لا يعني ألا يقع في الخطأ، ولكن حين يقع في الخطأ تكون لديه آليات الخروج وحل المشكلات التي واجهته بنفسه، بخلاف الطفل الذي ربما قضى الخطأ البسيط على حياته.
هنا بُعد آخر لمسألة دور الدين وضرورة تجاوزه مع تطور الوعي الإنساني، ألا وهو أن حضور الدين في إدارة شؤون الدولة على مدار التاريخ، قد جاء بنتائج كارثية لم تكن هي المقصود الأول من وجود الدين، فمن المفترض أن تحث الأديان على التعاون وحب الآخر واحترام آدميته، لكن باستقراء بسيط للتاريخ سنجد أن قتلى الحروب الدينية شرقاً وغرباً ربما تفوق غيرها من الحروب، فقد تقاتل المسلمون مع المسيحيين، وتقاتل المسلمون مع بعضهم بعضًا، فصراعُ السنة والشيعة عمره مئات السنين، وقد بدأت هذه الصراعات منذ الصدر الأول؛ فقد تقاتل الصحابة أنفسهم، وضاع الآلاف في هذه الحروب الدامية، في وقتٍ كان الجميع فيه يرفعون رايات الدين في حروبهم.
وكذا الأمر في المسيحية؛ فقد تقاتلت المذاهب المسيحية المختلفة، واستمرت هذه المجازر في الغرب إلى حين نشأة الدولة الحديثة التي أبعدت الدين عن السياسة وإدارة شؤون الحكم. فقامت حرب الثلاثين عامًا بين الكاثوليك والبروتستانت، التي قضت على حوالي 40 % من البروتستانت، وقيل إن ألمانيا قد فقدت في هذه الحرب حوالي نصف سكانها، وقد اشتركت في هذه الحرب الوحشية معظم القوى الأوروبية الموجودة فيما عدا إنجلترا وروسيا.
ونجد من خلال طرفي الصراع أن الأمر قد تجاوز صراع الأديان، ووصل إلى صراع المذاهب التي تنتمي إلى الدين نفسه، وإذا كان بعضهم يرى أن هذه عيوب تطبيق، فعيوب التطبيق لا يمكن التغافل عنها، والتاريخ يؤكد ذلك، ومن ثم فإنه طالما أن البشر غير قادرين على تجاوز عيوب التطبيق، فعليهم تجاوز هذا الشكل من إدارة العلاقات القائم على أساس ديني، خاصة أن ثمة أشكالاً جديدة أثبتت جدارتها، وأنها قادرة على إدارة شؤون البشر دون التورط في صراعات الانتماء الديني والاختلاف المذهبي.
لكن؛ بعد سقوط هذا الدور في الغرب الأوروبي، واستمراره بشكل أو بآخر في العالم الإسلامي، لا بد أن نسأل أنفسنا: هل البشر بالفعل ما زالوا بحاجة إلى مثل هذا الدور؟ وما النتائج المترتبة على استمرار الدين في أداء دوره في إدارة شؤون الدولة ؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تستوجب منا أن نضع في اعتبارنا عدة أمور، أهمها أن التاريخ الإنساني شبيه بشكل أو بآخر بتاريخ حياة الفرد، من حيث الطفولة والمراهقة والشباب والنضج .. الخ. فقد مرّت البشرية بهذه المراحل جميعها، مرحلة طفولة الجنس البشري حيث الإنسان البدائي الذي يتعرف بدهشة على العالم المحيط به، ثم مرحلة المراهقة حيث الصراعات لا ضابط لها ولا رابط، وصولاً للمراحل التالية على ذلك. ربما يردّ أحد القراء الأعزاء قائلاً إن المجتمعات ما زالت تعاني من الحروب والمجاعات والصراعات بكافة أشكالها، لكن ما يتجاهله من يطرح مثل هذا السؤال، أن نضج الإنسان / الفرد لا يعني ألا يقع في الخطأ، ولكن حين يقع في الخطأ تكون لديه آليات الخروج وحل المشكلات التي واجهته بنفسه، بخلاف الطفل الذي ربما قضى الخطأ البسيط على حياته.
هنا بُعد آخر لمسألة دور الدين وضرورة تجاوزه مع تطور الوعي الإنساني، ألا وهو أن حضور الدين في إدارة شؤون الدولة على مدار التاريخ، قد جاء بنتائج كارثية لم تكن هي المقصود الأول من وجود الدين، فمن المفترض أن تحث الأديان على التعاون وحب الآخر واحترام آدميته، لكن باستقراء بسيط للتاريخ سنجد أن قتلى الحروب الدينية شرقاً وغرباً ربما تفوق غيرها من الحروب، فقد تقاتل المسلمون مع المسيحيين، وتقاتل المسلمون مع بعضهم بعضًا، فصراعُ السنة والشيعة عمره مئات السنين، وقد بدأت هذه الصراعات منذ الصدر الأول؛ فقد تقاتل الصحابة أنفسهم، وضاع الآلاف في هذه الحروب الدامية، في وقتٍ كان الجميع فيه يرفعون رايات الدين في حروبهم.
وكذا الأمر في المسيحية؛ فقد تقاتلت المذاهب المسيحية المختلفة، واستمرت هذه المجازر في الغرب إلى حين نشأة الدولة الحديثة التي أبعدت الدين عن السياسة وإدارة شؤون الحكم. فقامت حرب الثلاثين عامًا بين الكاثوليك والبروتستانت، التي قضت على حوالي 40 % من البروتستانت، وقيل إن ألمانيا قد فقدت في هذه الحرب حوالي نصف سكانها، وقد اشتركت في هذه الحرب الوحشية معظم القوى الأوروبية الموجودة فيما عدا إنجلترا وروسيا.
ونجد من خلال طرفي الصراع أن الأمر قد تجاوز صراع الأديان، ووصل إلى صراع المذاهب التي تنتمي إلى الدين نفسه، وإذا كان بعضهم يرى أن هذه عيوب تطبيق، فعيوب التطبيق لا يمكن التغافل عنها، والتاريخ يؤكد ذلك، ومن ثم فإنه طالما أن البشر غير قادرين على تجاوز عيوب التطبيق، فعليهم تجاوز هذا الشكل من إدارة العلاقات القائم على أساس ديني، خاصة أن ثمة أشكالاً جديدة أثبتت جدارتها، وأنها قادرة على إدارة شؤون البشر دون التورط في صراعات الانتماء الديني والاختلاف المذهبي.