أدب أندلسي صلاح فضل - بنية الموشحات ومُلحها

بعث إليَّ القارئ الكريم الأستاذ مدحت الفيومى برسالة طيبة يعقب فيها على موضوع بنية الموشحات، كما وردت في هذه القراءات، ويرى أنها تختلف عما درسه من قبل على يد العالم الجليل الدكتور محمود علي مكي في بعض الاصطلاحات. ومع تقديرى البالغ لما تفضل بذكره الأخ الكريم فإنني آثرت اختزال بعض الكلمات التقنية ومطارحة النصوص الشعرية، مكتفياً بما أوردته فى صدر العمود الثانى من موشحة “حب المها عبادة”، حيث قلت بالنص: “ربما كان من المناسب اليوم أن نعرف أن الفقرة في الموشحة تسمى بيتاً، وأنها تتكون من أشطار عدة، وليست شطرين فحسب مثل البيت فى القصيدة العادية، وأشطار الفقرة تتوزع على جزأين؛ أولهما يسمى الغصن، وعلامته أنه يأتي على قافية موحدة، لكنها تختلف من فقرة إلى أخرى، والثاني يسمى قُفلاً، وعلامته أنه يأتي على قافية واحدة فيما بينه، ومتوافقة مع أقفال بقية الفقرات، والقفل الأخير في الموشحة، وهو الأساسي يسمى خرجة”، ثم انتقلت إلى الدراسة النصية، لأنها هي الكفيلة بتوضيح المفاهيم وتقريب الشعر الجميل.

ولا أحسب أن هذا يختلف عما يعرفه شيخ علماء الأندلسيات صديقي وزميلي في مجمع اللغة العربية الدكتور محمود مكي رده الله سالماً إلى أرض الوطن.

أما الموشح الذي أدعو القراء إلى التمعن فيه وتذوقه اليوم فهو للشاعر ابن رافع رأسه، وهو من عصر ملوك الطوائف
(400 م 484 هـ = 1009 هـ 1091 م)، وفيه يقول:
“قد كنت فى عَدْنِ / فاختلت والهفي
كأن إبليساً / قد وشى إلى إلفي
وأصل إيحاشى / من عهدته أنسي
بدر بدا ماشٍ / كي يكشف الشمسِ
فإن وشى واشٍ / يا حبيب النفسي
عودت من ظن / بخليلك المصَيْفي
من نعمة بوساً / وسعيت في حتفي”

ويصرّ الدكتور سيد غازي ناشر ديوان الموشحات على إخضاع هذه الموشحة لبحر المقتضب، لكن من الممكن قراءتها عروضيا بتصرف آخر يعدّل فى أطوال الأشطار، أو يعوض الكسور بالمدّ والوقف، والموشحة مثل غيرها تتكون من مطلع وخمس فقرات، وتوظف قصة غواية آدم فى الجنة، لكن الفقرة الثانية هي التي تتميز بالطرافة وملاحة الخاتمة إذ يقول فيها:ـ

“الخلف للوعد / ناقضْ عُرَى الودِّ
فاذكر على العهد / إذ بذلت للعبد
ألفا من العدّ / لمقبّل الشهد
حاشاك يا خِدني / أن تدين بالخلف
فبوسني بوسا / واحدة من الألف”

وهو يتوارى خلف خفة الظل ليطلب من محبوبه أن يفي بوعده، ويعطيه قبلة واحدة من الألف الموعود بها. اللافت للنظر أن الموشحة تحتفظ بعبق الحياة وعطر العادات، وتسمى القبلة منذ ألف عام باسمها اليوم “بوساً” فنلمس فيها حلاوة الدارجة الأندلسية التي لا تختلف كثيراً عن ملاحة اللهجات العامية اليوم.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...