اللقلاق ذو الساق الخشبية.
ذلك هو اسم الحانة التي رآها محمد خير الدين في الحلم، ذات ليلة صيفية.
رأى أنه يشرب الجعة، برفقة شخص أحدب، في تلك الحانة الباريسية الصغيرة، الواقعة قبالة كنيسة نوتردام.
كان ذلك الأحدب يُدعى كازيمودو. وكان يرتدي بدلة رمادية مع ربطة عنق حمراء، ويضع نظارتين طبيتين سميكتين.
في أقصى الحانة، كانت هناك فردة حذاء قديمة جدا، تتدلى من السقف.
كانت هي الفردة اليسرى من حذاء لوتريامون. ولم يكن أحد يَعرف من جاء بها إلى تلك الحانة بالذات، وعلقها في ذلك المكان.
قال محمد خير الدين للأحدب كازيمودو:
- هل تَعرف من هو لوتريامون؟
لم يكن الأحدب يعرف من هو لوتريامون.
بعد أن أفرغا عددا كبيرا من قناني الجعة، شرع محمد خير الدين يتفرس في الأحدب، كأنه يراه للمرة الأولى، ثم اقتربَ منه وانحنى قليلا وأثبتَ عينيه في عينيه، ثم أمسكه بعنف وحاول أن يخنقه بربطة عنقه، وهو يصرخ في وجهه:
- أنت لست كازيمودو الحقيقي!
كان الزبائن القليلون يتابعون المشهد في صمت. كان من بينهم جان بول سارتر، الذي كان واقفا في أقصى الحانة، موليا ظهره للباب، ومتكئا بمرفقيه على الكونطوار.
تخلصَ كازيمودو بصعوبة من قبضة محمد خير الدين، وحاول تهدئته ثم قال له وهو يلهث:
- كيف تزعم أني لست كازيمودو الحقيقي؟ ألستَ ترى حدبتي الفظيعة؟ ألا تراني مشوهاً وأعرجَ وشبه أصمّ؟ ماذا تريد أكثر من هذا؟
تناول الأحدب كأس الجعة وشربها دفعة واحدة، ثم قال للكاتب المغربي:
- يا صديقي محمد خير الدين، بعد قليل ستأتي حبيبتي الغجرية إيسمرالدا مع عنزتها دْجالي إلى هذه الحانة. ويمكنك أن تسألها عندئذ عني. سوف تؤكد لك أني أنا هو كازيمودو الحقيقي.
- أنتَ تكذب، قال محمد خير الدين. لكن أكاذيبك لا تنطلي علي لأني أعرف جيدا من تَكون. أنت حارس المرمى ألبير كومبيسكو. لقد كنتَ تحرس فيما مضى مرمى فريق أولمبيك مرسيليا، وكنتَ السببَ في هزائمه المتلاحقة. أنا قرأتُ كتابا للغيني باباكار تراوري، يتحدث فيه عنك وعن المآسي التي كنت سببا فيها، أيام كنتَ حارسا للمرمى.
ضحك الأحدب عاليا رغم ارتباكه، وبدأ يردد بطريقة آلية:
- حارس مرمى أحدب وأعرج وشبه أصم؟ هل هذا أمر ممكن؟
التفت محمد خير الدين إلى زبائن الحانة وصرخ فيهم قائلا:
- انظروا إلى هذا الأحدب. ألم تَعرفوه؟ أليس هو ألبير كومبيسكو، الحارس القديم لأولمبيك مرسيليا؟
كان هناك، أمام باب الحانة، حشد كبير من الباباراتزي.
قال الأحدب وهو يشير إليهم:
- وأنت؟ ألست ترى هؤلاء المصورين؟ إنهم ينتظرون وصولَ حبيبتي الغجرية إيسميرالدا مع عنزتها دجالي.
بعد ذلك نظر كازيمودو إلى ساعته اليدوية واستأذن صديقَه في الانصراف.
- سأمضي الآن لأقرع أجراسَ كنيسة نوتردام.
- بل أنا الذي سأمضي لأقرعها، أيها الحارس المنكود! ابق أنت هنا ريثما أعود.
مضى محمد خير الدين مسرعا باتجاه الباب.
كان جان بول سارتر يتابعه بنظراته، بينما الفردة اليسرى من حذاء لوتريامون تتأرجح فوق رأس الفيلسوف الفرنسي المشهور.
-----------------------------
( من كتاب: النمر العاشب)
ذلك هو اسم الحانة التي رآها محمد خير الدين في الحلم، ذات ليلة صيفية.
رأى أنه يشرب الجعة، برفقة شخص أحدب، في تلك الحانة الباريسية الصغيرة، الواقعة قبالة كنيسة نوتردام.
كان ذلك الأحدب يُدعى كازيمودو. وكان يرتدي بدلة رمادية مع ربطة عنق حمراء، ويضع نظارتين طبيتين سميكتين.
في أقصى الحانة، كانت هناك فردة حذاء قديمة جدا، تتدلى من السقف.
كانت هي الفردة اليسرى من حذاء لوتريامون. ولم يكن أحد يَعرف من جاء بها إلى تلك الحانة بالذات، وعلقها في ذلك المكان.
قال محمد خير الدين للأحدب كازيمودو:
- هل تَعرف من هو لوتريامون؟
لم يكن الأحدب يعرف من هو لوتريامون.
بعد أن أفرغا عددا كبيرا من قناني الجعة، شرع محمد خير الدين يتفرس في الأحدب، كأنه يراه للمرة الأولى، ثم اقتربَ منه وانحنى قليلا وأثبتَ عينيه في عينيه، ثم أمسكه بعنف وحاول أن يخنقه بربطة عنقه، وهو يصرخ في وجهه:
- أنت لست كازيمودو الحقيقي!
كان الزبائن القليلون يتابعون المشهد في صمت. كان من بينهم جان بول سارتر، الذي كان واقفا في أقصى الحانة، موليا ظهره للباب، ومتكئا بمرفقيه على الكونطوار.
تخلصَ كازيمودو بصعوبة من قبضة محمد خير الدين، وحاول تهدئته ثم قال له وهو يلهث:
- كيف تزعم أني لست كازيمودو الحقيقي؟ ألستَ ترى حدبتي الفظيعة؟ ألا تراني مشوهاً وأعرجَ وشبه أصمّ؟ ماذا تريد أكثر من هذا؟
تناول الأحدب كأس الجعة وشربها دفعة واحدة، ثم قال للكاتب المغربي:
- يا صديقي محمد خير الدين، بعد قليل ستأتي حبيبتي الغجرية إيسمرالدا مع عنزتها دْجالي إلى هذه الحانة. ويمكنك أن تسألها عندئذ عني. سوف تؤكد لك أني أنا هو كازيمودو الحقيقي.
- أنتَ تكذب، قال محمد خير الدين. لكن أكاذيبك لا تنطلي علي لأني أعرف جيدا من تَكون. أنت حارس المرمى ألبير كومبيسكو. لقد كنتَ تحرس فيما مضى مرمى فريق أولمبيك مرسيليا، وكنتَ السببَ في هزائمه المتلاحقة. أنا قرأتُ كتابا للغيني باباكار تراوري، يتحدث فيه عنك وعن المآسي التي كنت سببا فيها، أيام كنتَ حارسا للمرمى.
ضحك الأحدب عاليا رغم ارتباكه، وبدأ يردد بطريقة آلية:
- حارس مرمى أحدب وأعرج وشبه أصم؟ هل هذا أمر ممكن؟
التفت محمد خير الدين إلى زبائن الحانة وصرخ فيهم قائلا:
- انظروا إلى هذا الأحدب. ألم تَعرفوه؟ أليس هو ألبير كومبيسكو، الحارس القديم لأولمبيك مرسيليا؟
كان هناك، أمام باب الحانة، حشد كبير من الباباراتزي.
قال الأحدب وهو يشير إليهم:
- وأنت؟ ألست ترى هؤلاء المصورين؟ إنهم ينتظرون وصولَ حبيبتي الغجرية إيسميرالدا مع عنزتها دجالي.
بعد ذلك نظر كازيمودو إلى ساعته اليدوية واستأذن صديقَه في الانصراف.
- سأمضي الآن لأقرع أجراسَ كنيسة نوتردام.
- بل أنا الذي سأمضي لأقرعها، أيها الحارس المنكود! ابق أنت هنا ريثما أعود.
مضى محمد خير الدين مسرعا باتجاه الباب.
كان جان بول سارتر يتابعه بنظراته، بينما الفردة اليسرى من حذاء لوتريامون تتأرجح فوق رأس الفيلسوف الفرنسي المشهور.
-----------------------------
( من كتاب: النمر العاشب)