(إلى معتقلي الرأي في سجون القهر في مصر)
نظرتْ آية إلى الكيس الكبير في يدي، وحاولتْ أن تضبط انفعالها وهي تسأل: "إيه ده؟"
في الكيس ظرفان أبيضان كبيران، وكيسٌ آخر فيه أوانٍ بلاستيكيّة صغيرة فارغة للزراعة. أَرفقتُ، مع الأواني، كيسَ قمامة كبيرًا، وكيسًا آخرَ فيه تربة للزراعة، وفقًا لنصيحة الجنائنيّ. أرشدني الجنائنيّ إلى أن أُقسِّم التربة على الأواني الصغيرة، وأن أرطّبَها بقليل من الماء، ثمّ أضعَ فيها بذورَ الجوّافة التي جفّفتُها قبل شهر، لكلّ آنيّةٍ خمسُ بذور فقط، ثمّ أغطيها بكيسٍ بلاستيكيّ كبير لحماية النباتات الصغيرة حتّى تُنبت، وبعدها أنقل أقواها إلى الأرض. سألتُه إنْ كانت هذه الطريقة تصلح للورود أيضًا، فقال "نعم...الحماية مطلوبة للنبات في البداية."
غسلتُ الأواني البلاستيكيّة الصغيرة. نشّفتُها. فتحتُ كيسَ القمامة الأسود من أحد جوانبه بالمقصّ حتّى يَصْلح لبسطه فوق الأواني. طويتُ الكيس. راكمتُ الأواني الصغيرة بعضَها فوق بعض، ووضعتُ الكيس الأسود بداخلها، ثم وضعتُها كلّها مع التربة داخل كيسٍ منفصل. داخل أحد الظروف البيضاء وضعتُ قصّة تيستو والإبهام الأخضر، وعلبةً بلاستيكيّةً صغيرةً شفّافة فيها بذورُ الجوّافة المجفّفة، وعلبةً أخرى سوداء كرتونيّة فيها بذورُ قنبلة الورد (Bomb seed) التي اشترتها لي ميرا من الدنمارك. كتبتُ إرشادات الزراعة في ورقة، ووضعتُها داخل الظرف ثمّ أغلقته.
في الظرف الآخر وضعتُ رسالتي إلى عمر. شرحتُ له في آخرها أنّ التخصّص الذي يتمنّى دراسته لن يَقبل بتسجيل طلّاب معتقَلين، وسمّيتُ له التخصُّصات التي ربّما تقبل بتسجيله. والـ"ربّما" هذه تعتمد مبدئيًّا على التوجّه السياسيّ لرؤوساء الأقسام، الذين "ربّما" يمكنهم الدفاعُ عن حقّ معتقلٍ سياسيّ في إكمال دراسته العليا أمام إدارة الجامعة. أرفقتُ ورقًا مطبوعًا من موقع الجامعة، باللغة الإنجليزيّة، يشرح التخصّصات المختلفة، وقاموسَ جَيْبٍ صغيرًا إنجليزيًّا ــــــــ عربيًّا في حال احتياج عمر إلى ترجمة كلمةٍ لا يفهمها.
أربكني سؤالُ آية. أجبتُها بتمتمة غير مفهومة، وأنا أنظر إلى الكيس الكبير وأشيرُ إلى محتوياته كأنّني أنفي عنّي تهمةً ما. كنت خجِلةً قليلًا؛ فأنا لا أعرف كيف استقبلَت أنّني أبعثُ زرعًا لأخيها المعتقَل! ربّما ظنّتني مجنونةً أو "رايقة" على أحسن تقدير.
في الرسالة الثانية التي أرسلها عمر إليّ قال إنّه، حين تنتهي الزيارة، يبدأ المعتقلون في التفتيش عن الرسائل في الأماكن التي يبتكرها الأهلُ كلَّ مرّة لتخبئتها فيها. بعدها التزمتُ بأن أبعث له ظرفًا واحدًا صغيرًا حتّى تسهل تخبئته وتمريره إليه. رسالته التالية تأخّرتْ، وحين وصلتني كانت مكتوبةً بألوان حبرٍ مختلفة. شرح لي عمر، في آخرها، أنّ هذه النسخة ليست النسخة الأولى من رسالته إليّ؛ فقد حاول تمريرها أربعَ مرّات في أربع زيارات، لكنّ الحرّاس كانوا يصادرونها. وشرح لي أنّ الرسائل المهمّة يَكتب منها أكثر من نسخة، وأنّه كان يزيد على رسالته الأصليّة بعضَ الفقرات بلون حبرٍ جديد، أملًا في أن ينجح في تمريرها في الزيارة اللاحقة.
وصلتني النسخةُ الرابعة من الرسالة إذًا، وأرسلتُ الردّ في الأسبوع ذاته. ثمّ تأخّرتْ رسالتُه التالية شهرين... وربّما أكثر. وللمرّة الأولى وصلتني رسالة منه عن طريقِ آية، إذ إنّي كنتُ أستقبل الرسائل السابقة عن طريق أصدقاء مشتركين. اتّفقنا على أن نلتقي في مكان عملها. حين ذهبت، خمّنتُ لِمَ بعث عمر بالرسالة معها؛ فهي لم تكن رسالةً، بل شنطة كبيرة، فيها رسائلُ كثيرةـ وهدايا أعدّها لي من داخل السجن.
لم أكن أعرف عمر قبل اعتقاله. لم أقابله قطّ. ولا أعرف صوته، لكنّ لرسائله صوتًا داخليًّا كنتُ قادرة على سماعه، كأنْ أقرأ قصيدة باللغة الإنكليزيّة الصافية بينما أسمعها في داخلي بالعربيّة، وبصوت محمود درويش. كان عمر حاضرًا في رسائله، وكان ذا صوتٍ طيّبٍ ومتأمّلٍ وهادئ.
كانت آية صغيرةً، حجمًا وسنًّا. تضع نظارتين طبيّتين أمام عينين مرهقتين. ابتسامتُها، إنْ وُجِدتْ، مرهَقة. كانت عصبيّةً قليلًا. بيتها خارج المدينة، وعملُها داخلها. كنتُ أشفق على جسدها الصغير من تلك المشاوير البعيدة إلى مدينتنا الخانقة. انحنت على الكيس. نظرتْ إليّ بصمت، ثمّ قالت إنّها غير واثقة بدخول هذا الكيس الكبير لأخيها: فعمر الآن، كما قالت، يكتب إليهم رسائله على ورق المناديل لأنّ السجن الجديد بعيد وغير مزدحم، والتفتيش فيه دقيق، والزيارة لا تزيد عن خمس دقائق. خمس دقائق فقط هي المدة المسموحة لأهل السجين بأن يقضوها معه، بعد أن يكونوا قد أمضوْا أكثرَ من ساعتين للوصول إليه. خمس دقائق للزيارة، يطوف حولهم فيها الحراسُ.
خطّ عمر صغير أنيق. في رسالته الأخيرة لاحظتُ أنّه استخدم "الكوريكتور" لتصحيح بعض الأخطاء الصغيرة، ما دلّني على سهولة وصول الأدوات المكتبيّة له. ودلّتني الشنطةُ الكبيرة التي بعثها إلى أنّ عسكريًّا طيّب القلب (أو مرتشيًا) سمح لها بالمرور. شجّعني وجودُ هذا العسكريّ على إرسال شنطة كبيرة بدوري، لكنّني غفلت عن أنّ السطور الأخيرة في رسالة عمر الأخيرة كُتبِتْ بخطّ كبير متعجّل، وقال فيها إنّهم سيرحّلونه حالًا إلى سجنٍ آخر. طلب إليّ أن أدعو له، وتركني في أمان الله. سمعتُ في خطّه الكبير المتعجّل الجلبةَ التي أحدثها الحرّاسُ حين حضروا، وخوفَه الذي خبّأه في الكلمات المزدحمة آخر الرسالة.
انحنيتُ مع آية على الكيس. ارتبكتُ وأنا أفاضلُ بين الهدايا التي أردت إرسالها إليه. استبعدتُ الزرع، وقصّة الأطفال الفرنسيّة المترجمة، وبذورَ الجوّافة المجفّفة، وقنبلةَ الورد الجميلة من الدنمارك، وصورَ الجبال التي أراد تسلّقها. أبقيتُ المعجم، وأوراقَ الدراسة، ورسالتي التي حكيتُ فيها عن نفسي مطمئنّةً إلى أنّ الحارس الطيّب لن يقرأها. أمسكتُ الرسالة بيدي. تردّدتُ. تخيّلتُ خضوعي لقراءة دقيقة من حرّاس عديدين: لغتي العاميّة التي أحبّ أن أكلّمه بها، حكاياتي، امتناني لهداياه،... تسألني آية: "هو الجواب فيه حاجة تودّيه في داهية؟" أنفي ذلك بهزّات رأس سريعة. تضحك للمرّة الأولى كالمعتذرة، وتقترب منّي قائلةً بصوت خفيض: "أصل واحد من صحابه كان باعتله جواب لمّا كان عيّان، وقاله فيه إنْ شالله السيسي بدالك، فالحرّاس بهدلوه." أهزّ رأسي بالنفي مجدّدًا؛ بالطبع لن أسمح لكلمةٍ منّي بأن تؤذيه. لا أنتبه لأسأل: "هو عمر كان عيّان؟ ماله؟" لكنّ السؤال يقلقني الآن.
أغامر. أعطيها الرسالة. تخبرني أنّ أمّه ستقول غدًا للحرّاس إنّ هذا الظرف للدراسة. أشكرها. تلتفت عائدةً إلى عملها. آخذ زرعي وقصصي. أضعها على مقعد السيّارة بجانبي. وأعود إلى مدينتي القاهرة.
أين يمكن أن أزرع الآن؟ مَن سيبقى ليزرع كلّ هذا الجمال؟! ماذا عن هذا الحاجز الأمنيّ الآن؟ هل سيعرفون أنّ البذور كانت معدّةً لكي تُزهرَ في المعتقل، فيعتقلونها هي أيضًا؟
القاهرة
نظرتْ آية إلى الكيس الكبير في يدي، وحاولتْ أن تضبط انفعالها وهي تسأل: "إيه ده؟"
في الكيس ظرفان أبيضان كبيران، وكيسٌ آخر فيه أوانٍ بلاستيكيّة صغيرة فارغة للزراعة. أَرفقتُ، مع الأواني، كيسَ قمامة كبيرًا، وكيسًا آخرَ فيه تربة للزراعة، وفقًا لنصيحة الجنائنيّ. أرشدني الجنائنيّ إلى أن أُقسِّم التربة على الأواني الصغيرة، وأن أرطّبَها بقليل من الماء، ثمّ أضعَ فيها بذورَ الجوّافة التي جفّفتُها قبل شهر، لكلّ آنيّةٍ خمسُ بذور فقط، ثمّ أغطيها بكيسٍ بلاستيكيّ كبير لحماية النباتات الصغيرة حتّى تُنبت، وبعدها أنقل أقواها إلى الأرض. سألتُه إنْ كانت هذه الطريقة تصلح للورود أيضًا، فقال "نعم...الحماية مطلوبة للنبات في البداية."
غسلتُ الأواني البلاستيكيّة الصغيرة. نشّفتُها. فتحتُ كيسَ القمامة الأسود من أحد جوانبه بالمقصّ حتّى يَصْلح لبسطه فوق الأواني. طويتُ الكيس. راكمتُ الأواني الصغيرة بعضَها فوق بعض، ووضعتُ الكيس الأسود بداخلها، ثم وضعتُها كلّها مع التربة داخل كيسٍ منفصل. داخل أحد الظروف البيضاء وضعتُ قصّة تيستو والإبهام الأخضر، وعلبةً بلاستيكيّةً صغيرةً شفّافة فيها بذورُ الجوّافة المجفّفة، وعلبةً أخرى سوداء كرتونيّة فيها بذورُ قنبلة الورد (Bomb seed) التي اشترتها لي ميرا من الدنمارك. كتبتُ إرشادات الزراعة في ورقة، ووضعتُها داخل الظرف ثمّ أغلقته.
في الظرف الآخر وضعتُ رسالتي إلى عمر. شرحتُ له في آخرها أنّ التخصّص الذي يتمنّى دراسته لن يَقبل بتسجيل طلّاب معتقَلين، وسمّيتُ له التخصُّصات التي ربّما تقبل بتسجيله. والـ"ربّما" هذه تعتمد مبدئيًّا على التوجّه السياسيّ لرؤوساء الأقسام، الذين "ربّما" يمكنهم الدفاعُ عن حقّ معتقلٍ سياسيّ في إكمال دراسته العليا أمام إدارة الجامعة. أرفقتُ ورقًا مطبوعًا من موقع الجامعة، باللغة الإنجليزيّة، يشرح التخصّصات المختلفة، وقاموسَ جَيْبٍ صغيرًا إنجليزيًّا ــــــــ عربيًّا في حال احتياج عمر إلى ترجمة كلمةٍ لا يفهمها.
أربكني سؤالُ آية. أجبتُها بتمتمة غير مفهومة، وأنا أنظر إلى الكيس الكبير وأشيرُ إلى محتوياته كأنّني أنفي عنّي تهمةً ما. كنت خجِلةً قليلًا؛ فأنا لا أعرف كيف استقبلَت أنّني أبعثُ زرعًا لأخيها المعتقَل! ربّما ظنّتني مجنونةً أو "رايقة" على أحسن تقدير.
في الرسالة الثانية التي أرسلها عمر إليّ قال إنّه، حين تنتهي الزيارة، يبدأ المعتقلون في التفتيش عن الرسائل في الأماكن التي يبتكرها الأهلُ كلَّ مرّة لتخبئتها فيها. بعدها التزمتُ بأن أبعث له ظرفًا واحدًا صغيرًا حتّى تسهل تخبئته وتمريره إليه. رسالته التالية تأخّرتْ، وحين وصلتني كانت مكتوبةً بألوان حبرٍ مختلفة. شرح لي عمر، في آخرها، أنّ هذه النسخة ليست النسخة الأولى من رسالته إليّ؛ فقد حاول تمريرها أربعَ مرّات في أربع زيارات، لكنّ الحرّاس كانوا يصادرونها. وشرح لي أنّ الرسائل المهمّة يَكتب منها أكثر من نسخة، وأنّه كان يزيد على رسالته الأصليّة بعضَ الفقرات بلون حبرٍ جديد، أملًا في أن ينجح في تمريرها في الزيارة اللاحقة.
وصلتني النسخةُ الرابعة من الرسالة إذًا، وأرسلتُ الردّ في الأسبوع ذاته. ثمّ تأخّرتْ رسالتُه التالية شهرين... وربّما أكثر. وللمرّة الأولى وصلتني رسالة منه عن طريقِ آية، إذ إنّي كنتُ أستقبل الرسائل السابقة عن طريق أصدقاء مشتركين. اتّفقنا على أن نلتقي في مكان عملها. حين ذهبت، خمّنتُ لِمَ بعث عمر بالرسالة معها؛ فهي لم تكن رسالةً، بل شنطة كبيرة، فيها رسائلُ كثيرةـ وهدايا أعدّها لي من داخل السجن.
لم أكن أعرف عمر قبل اعتقاله. لم أقابله قطّ. ولا أعرف صوته، لكنّ لرسائله صوتًا داخليًّا كنتُ قادرة على سماعه، كأنْ أقرأ قصيدة باللغة الإنكليزيّة الصافية بينما أسمعها في داخلي بالعربيّة، وبصوت محمود درويش. كان عمر حاضرًا في رسائله، وكان ذا صوتٍ طيّبٍ ومتأمّلٍ وهادئ.
كانت آية صغيرةً، حجمًا وسنًّا. تضع نظارتين طبيّتين أمام عينين مرهقتين. ابتسامتُها، إنْ وُجِدتْ، مرهَقة. كانت عصبيّةً قليلًا. بيتها خارج المدينة، وعملُها داخلها. كنتُ أشفق على جسدها الصغير من تلك المشاوير البعيدة إلى مدينتنا الخانقة. انحنت على الكيس. نظرتْ إليّ بصمت، ثمّ قالت إنّها غير واثقة بدخول هذا الكيس الكبير لأخيها: فعمر الآن، كما قالت، يكتب إليهم رسائله على ورق المناديل لأنّ السجن الجديد بعيد وغير مزدحم، والتفتيش فيه دقيق، والزيارة لا تزيد عن خمس دقائق. خمس دقائق فقط هي المدة المسموحة لأهل السجين بأن يقضوها معه، بعد أن يكونوا قد أمضوْا أكثرَ من ساعتين للوصول إليه. خمس دقائق للزيارة، يطوف حولهم فيها الحراسُ.
خطّ عمر صغير أنيق. في رسالته الأخيرة لاحظتُ أنّه استخدم "الكوريكتور" لتصحيح بعض الأخطاء الصغيرة، ما دلّني على سهولة وصول الأدوات المكتبيّة له. ودلّتني الشنطةُ الكبيرة التي بعثها إلى أنّ عسكريًّا طيّب القلب (أو مرتشيًا) سمح لها بالمرور. شجّعني وجودُ هذا العسكريّ على إرسال شنطة كبيرة بدوري، لكنّني غفلت عن أنّ السطور الأخيرة في رسالة عمر الأخيرة كُتبِتْ بخطّ كبير متعجّل، وقال فيها إنّهم سيرحّلونه حالًا إلى سجنٍ آخر. طلب إليّ أن أدعو له، وتركني في أمان الله. سمعتُ في خطّه الكبير المتعجّل الجلبةَ التي أحدثها الحرّاسُ حين حضروا، وخوفَه الذي خبّأه في الكلمات المزدحمة آخر الرسالة.
انحنيتُ مع آية على الكيس. ارتبكتُ وأنا أفاضلُ بين الهدايا التي أردت إرسالها إليه. استبعدتُ الزرع، وقصّة الأطفال الفرنسيّة المترجمة، وبذورَ الجوّافة المجفّفة، وقنبلةَ الورد الجميلة من الدنمارك، وصورَ الجبال التي أراد تسلّقها. أبقيتُ المعجم، وأوراقَ الدراسة، ورسالتي التي حكيتُ فيها عن نفسي مطمئنّةً إلى أنّ الحارس الطيّب لن يقرأها. أمسكتُ الرسالة بيدي. تردّدتُ. تخيّلتُ خضوعي لقراءة دقيقة من حرّاس عديدين: لغتي العاميّة التي أحبّ أن أكلّمه بها، حكاياتي، امتناني لهداياه،... تسألني آية: "هو الجواب فيه حاجة تودّيه في داهية؟" أنفي ذلك بهزّات رأس سريعة. تضحك للمرّة الأولى كالمعتذرة، وتقترب منّي قائلةً بصوت خفيض: "أصل واحد من صحابه كان باعتله جواب لمّا كان عيّان، وقاله فيه إنْ شالله السيسي بدالك، فالحرّاس بهدلوه." أهزّ رأسي بالنفي مجدّدًا؛ بالطبع لن أسمح لكلمةٍ منّي بأن تؤذيه. لا أنتبه لأسأل: "هو عمر كان عيّان؟ ماله؟" لكنّ السؤال يقلقني الآن.
أغامر. أعطيها الرسالة. تخبرني أنّ أمّه ستقول غدًا للحرّاس إنّ هذا الظرف للدراسة. أشكرها. تلتفت عائدةً إلى عملها. آخذ زرعي وقصصي. أضعها على مقعد السيّارة بجانبي. وأعود إلى مدينتي القاهرة.
أين يمكن أن أزرع الآن؟ مَن سيبقى ليزرع كلّ هذا الجمال؟! ماذا عن هذا الحاجز الأمنيّ الآن؟ هل سيعرفون أنّ البذور كانت معدّةً لكي تُزهرَ في المعتقل، فيعتقلونها هي أيضًا؟
القاهرة