(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)
هذا النص القرآني من أرق وألطف ما سمع البشر على مر العصور, يحمل دلالات أدبية وقانونية عظيمة, ويرسم, برفق, الحدود الشائكة في علاقة آدم وحواء. فما نوع العلاقة بينهما؟ هل هي مجرد علاقة جسدية مشبوبة بالحب المتوقد؟ أم هي علاقة تماثل ولياذ, تتماهى بالسكينة والمودة والرحمة, يتآلف فيها آدم وحواء, يلوذ بها وتلوذ به من وحشة الطريق, وقلة الزاد, وبعد السفر. ويكون كلاهما عوناً لصاحبه على مصاعب ومتاعب الحياة؟
1
استلهم الساخر العظيم مارك توين ما ورد في الكتب السماوية عن قصة آدم وحواء, فكتب رواية ساحرة حملت عنواناً لافتاً: يوميات آدم وحواء. ترجمها فرج جبران عام 1960 في القاهرة وأصدرتها مكتبة النهضة المصرية و قدم لها الأديب الكبير محمود تيمور ورسم لوحاتها الأستاذ الفنان كمال أمين, فجاءت مكتملة التأليف, ممتعة في رقة حواشيها ومنخول عبارتها وظرف معانيها وتصوير محتواها. حيث اتخذ مارك توين من تلك القصة السماوية محوراً عاماً في بناء فكرته عن تلك الأيام التي عاش فيها الزوجين الرائعين. والحق أن قصة آدم وحواء في نطاق الأديان هي حكاية البشرية جمعاء, وأنها لمتعددة الأوجه. ومارك توين أظهر وجهين عظيمين منهما الأول: خلق حواء من ضلع آدم, فهذه الصورة تختزن لنا فلسفة الرجل والمرأة على وجه البسيطة منذ الأزل إلى الأبد, تلك الفلسفة التي قوامها وحدة الروح بين الذكر والأنثى ووحدتهما في الخلق, ووحدتهما في دروب الشقاء وعمارة الكون, فكل منهما يكمل صاحبه. والوجه الثاني: خطيئة آدم وحواء وهي خطيئة ملائكية تجمع بين السمو وعمق القصد, وما هي إلا حجر الأساس في عمران الوجود, وبفضل تلك الخطيئة ظفرت الدنيا من الجنة بتلك البذرة التي أنبتت على وجه الأرض شجرة الحياة.
2
وفي مديح مارك توين كتب محمود تيمور يقول: عانى مارك توين طفولة عسرة من جراء اليتم واضطر أن يتقلب في مختلف المهن, من عامل في باخرة, إلى بائع صحف. ولعل القساوة التي شنتها عليه حياته هي التي ولدت فيه حرارة كامنة تسري في تعبيره عن المجتمع والحياة وهي التي أذكت فيه نزعة اللمز والتهكم في تحليل الشخصيات وسرد الأحداث. فأصبح بفضل ذلك إماماً في أدب السخرية في القرن التاسع عشر. ولكأن ذلك الساخر العظيم إنما ينتقم بملاحظاته الهازئة من مجتمعه, إذ يجد قراءه يضحكون من شخصياته, وما يضحكون إلا من أنفسهم لو كانوا يفطنون, فيضحك هو بدوره مما تزخر به الحياة من غفلة وبلاهة وغباء.
3
ومما يسترعى الانتباه في يوميات آدم وحواء أن الكاتب رسم فيها صورة حية للرجل والمرأة المعاصرين بكل ما جبلا عليه من خصائص ومشاعر , فالطبائع الإنسانية باقية ما تزال مهما امتد الزمان وتعاقبت الأجيال. ها هي حواء مولعة بالجمال والزينة وجموح العاطفة ويقظة الاحساس بالطبيعة وما حوت من مفاتن. أما آدم ففيه الصرامة والجد وفيه التوحد والانفراد وفيه الخلو إلى التأمل والتفكير فيما يحيط بكونه من أعماق وآفاق. وقد صور مارك توين ضيق آدم بصحبة حواء وتبرمه من محاولاتها اجتذابه إلى عالمها, وضجره من تلك الأنثى التي تهيم عشقاً بالكلام والمحاورة والاستطلاع, ضاق آدم بذلك كله وحاول الهرب ولكن أين المفر وحواء تلتصق به ليل نهار؟ ثم فجأة تنقلب حياة آدم وحواء وتصبح أكثر متعة ومودة ورحمة حين خرج ذلك الجنين من رحم حواء. ولم يدر آدم أمن صيد البحر هو أو من صيد البر؟ ذلك الوليد الذي استطاع أن يوقظ في آدم و حواء شعوراً لم يكن له ولا لها عهد به من قبل. هذا الصغير فتح باب الحياة على مصراعيه أمام البشرية كي تتقدم نحو مصيرها المشرق الزاهي. ووطد أواصر الصداقة بين هذين المخلوقين وأظلهما بسعادة زوجية تذوقا رحيقها الصافي فيما استقبلا من أيام. ومن طريف ما ختم به مارك توين روايته الشيقة هذه أن آدم حين يتكلم يوجز أما حواء فتتكلم في مدار الأيام. ولكنها, و يا للأسف, ماتت أولاً ,فأوصى أن يكتب على شاهد قبرها: أينما وجدت حواء وجدت الجنة.
عبدالرزاق دحنون - يوميات آدم وحواء
هذا النص القرآني من أرق وألطف ما سمع البشر على مر العصور, يحمل دلالات أدبية وقانونية عظيمة, ويرسم, برفق, الحدود الشائكة في علاقة آدم وحواء. فما نوع العلاقة بينهما؟ هل هي مجرد علاقة جسدية مشبوبة بالحب المتوقد؟ أم هي علاقة تماثل ولياذ, تتماهى بالسكينة والمودة والرحمة, يتآلف فيها آدم وحواء, يلوذ بها وتلوذ به من وحشة الطريق, وقلة الزاد, وبعد السفر. ويكون كلاهما عوناً لصاحبه على مصاعب ومتاعب الحياة؟
1
استلهم الساخر العظيم مارك توين ما ورد في الكتب السماوية عن قصة آدم وحواء, فكتب رواية ساحرة حملت عنواناً لافتاً: يوميات آدم وحواء. ترجمها فرج جبران عام 1960 في القاهرة وأصدرتها مكتبة النهضة المصرية و قدم لها الأديب الكبير محمود تيمور ورسم لوحاتها الأستاذ الفنان كمال أمين, فجاءت مكتملة التأليف, ممتعة في رقة حواشيها ومنخول عبارتها وظرف معانيها وتصوير محتواها. حيث اتخذ مارك توين من تلك القصة السماوية محوراً عاماً في بناء فكرته عن تلك الأيام التي عاش فيها الزوجين الرائعين. والحق أن قصة آدم وحواء في نطاق الأديان هي حكاية البشرية جمعاء, وأنها لمتعددة الأوجه. ومارك توين أظهر وجهين عظيمين منهما الأول: خلق حواء من ضلع آدم, فهذه الصورة تختزن لنا فلسفة الرجل والمرأة على وجه البسيطة منذ الأزل إلى الأبد, تلك الفلسفة التي قوامها وحدة الروح بين الذكر والأنثى ووحدتهما في الخلق, ووحدتهما في دروب الشقاء وعمارة الكون, فكل منهما يكمل صاحبه. والوجه الثاني: خطيئة آدم وحواء وهي خطيئة ملائكية تجمع بين السمو وعمق القصد, وما هي إلا حجر الأساس في عمران الوجود, وبفضل تلك الخطيئة ظفرت الدنيا من الجنة بتلك البذرة التي أنبتت على وجه الأرض شجرة الحياة.
2
وفي مديح مارك توين كتب محمود تيمور يقول: عانى مارك توين طفولة عسرة من جراء اليتم واضطر أن يتقلب في مختلف المهن, من عامل في باخرة, إلى بائع صحف. ولعل القساوة التي شنتها عليه حياته هي التي ولدت فيه حرارة كامنة تسري في تعبيره عن المجتمع والحياة وهي التي أذكت فيه نزعة اللمز والتهكم في تحليل الشخصيات وسرد الأحداث. فأصبح بفضل ذلك إماماً في أدب السخرية في القرن التاسع عشر. ولكأن ذلك الساخر العظيم إنما ينتقم بملاحظاته الهازئة من مجتمعه, إذ يجد قراءه يضحكون من شخصياته, وما يضحكون إلا من أنفسهم لو كانوا يفطنون, فيضحك هو بدوره مما تزخر به الحياة من غفلة وبلاهة وغباء.
3
ومما يسترعى الانتباه في يوميات آدم وحواء أن الكاتب رسم فيها صورة حية للرجل والمرأة المعاصرين بكل ما جبلا عليه من خصائص ومشاعر , فالطبائع الإنسانية باقية ما تزال مهما امتد الزمان وتعاقبت الأجيال. ها هي حواء مولعة بالجمال والزينة وجموح العاطفة ويقظة الاحساس بالطبيعة وما حوت من مفاتن. أما آدم ففيه الصرامة والجد وفيه التوحد والانفراد وفيه الخلو إلى التأمل والتفكير فيما يحيط بكونه من أعماق وآفاق. وقد صور مارك توين ضيق آدم بصحبة حواء وتبرمه من محاولاتها اجتذابه إلى عالمها, وضجره من تلك الأنثى التي تهيم عشقاً بالكلام والمحاورة والاستطلاع, ضاق آدم بذلك كله وحاول الهرب ولكن أين المفر وحواء تلتصق به ليل نهار؟ ثم فجأة تنقلب حياة آدم وحواء وتصبح أكثر متعة ومودة ورحمة حين خرج ذلك الجنين من رحم حواء. ولم يدر آدم أمن صيد البحر هو أو من صيد البر؟ ذلك الوليد الذي استطاع أن يوقظ في آدم و حواء شعوراً لم يكن له ولا لها عهد به من قبل. هذا الصغير فتح باب الحياة على مصراعيه أمام البشرية كي تتقدم نحو مصيرها المشرق الزاهي. ووطد أواصر الصداقة بين هذين المخلوقين وأظلهما بسعادة زوجية تذوقا رحيقها الصافي فيما استقبلا من أيام. ومن طريف ما ختم به مارك توين روايته الشيقة هذه أن آدم حين يتكلم يوجز أما حواء فتتكلم في مدار الأيام. ولكنها, و يا للأسف, ماتت أولاً ,فأوصى أن يكتب على شاهد قبرها: أينما وجدت حواء وجدت الجنة.
عبدالرزاق دحنون - يوميات آدم وحواء