راشد العريفي: قبست لوني من مشكاة الأساطير والتعاويذ.. حوار مع فنان تشكيلي - أجراه: جعفر الديري

لا يمكنك الولوج الى عالم الفن والتشكيل في البحرين من دون العبور من بوابة التراث والموروث الحضاري الكبير لهذه البقعة من الأرض والتي كانت تسمى قديما بـ «ديلمون» أرض الخلود والتي شهدت حضارة عريقة قدمت في مجالات الفنون والابداع الشيء الكثير وساهمت في رفد الحضارات الانسانية الكبرى، وأمام هذا العطاء الكبير تقف الأساطير والتعاويذ والتماثيل الديلمونية محل اكبار واهتمام لأنها مثلت في وقت من الأوقات حسا فنيا معطاء، ولعل أبرز الفنانين البحرينيين الذين استلهموا هذا التراث الانساني العريق، مكونا مدرسة خاصة به عن طريقها هو الفنان راشد العريفي الذي أولع بتلك التماثيل منذ حداثة سنة محاولا الخروج بتوليفة قادرة على الخلق والتجدد...
يقول الفنان العريفي عن بواكير تفتحه على هذا الفن العريق «أيام كنت طالبا في الثانوية العامة، ذهبت في جولة الى قلعة البحرين، وهناك قابلت عالم آثار ومنقبا غربيا، اذ كان يضع آثارا على رفوف صنعت ضمن كوخ خشبي. كنت وقتها عضوا في جمعية الفنون بالمدرسة الثانوية، كنت مولعا بالرسم، لذلك جعل هذا المنقب يلاحظ اهتمامي وانصباب عيني على مجموعته من الأصنام، ومن يومها وأنا متيم بهذه الأصنام وباستحداثها واستحداث الرسم على شاكلتها على رغم أني لم أكن أعي وقتها تلك الخطوط المنحنية التي تميزها، حتى اتتني الفرصة للتعرف على فنون العالم فاكتشفت أن لدينا فنا حديثا قديما، حديثا بمكونات المدارس الغربية وقديما بالارث الثقافي الديلموني الذي يصل عمره الى أكثر من 3000 آلاف عام قبل الميلاد، لذلك اتخذت قراري بمتابعة الاهتمام بهذا الفن الديلموني، فأخذت برسم لوحات ذات ألوان مختلفة عن تلك الألوان الزاهية في الطبيعة اذ كنت مغرما برسم هذه المكونات التي تعبر عن حاجات وتقاليد مجتمع ديلمون».

الاختبار الحقيقي جائزة الدولة

«تمر السنون على هذا الحال وأنا عاكف في بيتنا القديم وفي أستوديو البيت في دار عتيقة مزخرفة ممتلئة بالأعمال الفنية التي كانت تستهوي السياح الأجانب الذين يبادرون الى شراء لوحاتي قبل أن تجف ألوانها، وتشاء الظروف أن تقيم الدولة أول معرض فني لها بصورة رسمية العام 1972 اذ كان أول معرض برعاية رئيس الوزراء، وبتنظيم من وزارة العدل والشئون الاسلامية لأن الفنون وقتها كانت تحت رعايتها، فتقيم أول مسابقة للفنون التشكيلية في فندق الخليج، بحيث شكلت لجنة من الأوروبيين لاختيار أحسن الأعمال التي تقدم بها الفنانون والتي كانت تحاكي البيئة البحرينية من بيوت قديمة وصخور وخيول وكل مفردات التراث البحريني ويشاء الفن أن أفوز أنا بالجائزة الأولى».

تعرف الناس على الفنان الديلموني

«وأعتقد أن فوزي بالجائزة الأولى هو الانطلاق الحقيقي في متابعة هذا الفن والاستمرار فيه ودراسة ماهيتة بعمق حتى عرفت في الأوساط التشكيلية (بالفنان الديلموني)، اذ تشاء الظروف لي أن أكون راعيا ومحافظا على الارث الثقافي الديلموني الذي وصفه أحد الكتاب الايطاليين في مجلة كينونة أنه فن عالمي انساني يقدم فنا مختلفا، وعلى المستوى المحلي أكدت ووثقت هذا الفن بكتب ومقالات في الصحف والمجلات حتى أصبح هذا الفن منتشرا بين البحرينيين والأجانب اذ شيدت متحفا خاصا به في المحرق عرف باسم متحف راشد العريفي حفاظا على هذا الارث الثقافي البحريني».

الأصنام والتعاويذ والأساطير

ويضيف العريفي موضحا مفردات هذا الفن الذي استأثر باهتمامه «كانت مفردات هذا الفن العظيم شغلي الشاغل، اذ كان للأصنام والتعاويذ والأساطير حضورها القوي في ذهني، فالتعويذات كانت تعكس عادات وطقوس كانت منتشرة في «باربار»، كذلك الأساطير المرتبطة باليوم السادس والسابع، وتلك التي تشير الى ديلمون على أنها الأرض المقدسة التي زارها جلجامش ليقدم لحبيبته زهرة الخلود، إذ رسمت كل ذلك في لوحات تعبر عن ماهية الثقافة الديلمونية».

اللون حال ابداعية

وعن الحالة الابداعية في اللون يقول «انها حالة خاصة تعتري الفنان، فاللون كما نعرف لغة صامتة، ولكنها تنبع من أحاسيس ومشاعر تنم عن حالة الفنان في وقت وزمان معينين، وقد كنت أتناول اللون الأسود لأنه كان غالبا على الأستوديو الذي كنت أعمل فيه بالمحرق، هذا فيما يخص البدايات، اذ بعد ذلك وعندما انتقلت من بيتنا القديم الى الحديث، أصبحت معطياتي تختلف في تناول اللون، لذلك استمريت محافظا على الشكل والخطوط لأنها موروث وان كنت قد استطعت كسر الخطوط وجعلها في حالة حداثية، وعندما انتقلت الى قرية الشاخورة وأحاطت بي أشجار متنوعة اللون والشكل في مكان فسيح في حديقة بها الورود والزهور أزرعها بنفسي، طرأت حالة فنية خاصة مختلفة انعكست في اللون والخط والشكل خاضعة لحالتي النفسية، فجاءت الألوان ألوان حديقة وزهور وأشكال، ألوانا زاهية وكأنها أهازيج تغني الفرح والابداع من حيث لا أدري».

حلم أتمنى تحقيقه

ومؤملا بمزيد من الاهتمام والتأصيل لطريقته الديلمونية يقول العريفي «أنا أستغرب حقيقة من الفنانين الذي يبتعدون عن هذا الفن العريق، فلكل أستاذ تلاميذ، ولو انهم أخذوا بطريقته لأصبحوا أفضل منه، فالأستاذ يبدأ والآخرون يتبعونه، فنحن الرواد نأخذ لنعطي، وأنا شخصيا استقيت هذا من الفنانين الديلمونيين اذ كونت مدرسة أتمنى أن يتبعها الآخرون، في تعاط مع الحداثة وتكوين لجزء مهم من العالم الحداثي، فبامكاننا الاستفادة من الفن الحديث كفن عالمي وانساني ولكن بتكوين أسلوب نابع منا ومن بلدنا، فالفنانون الآن في أنحاء العالم بالملايين واذ لم يكن الفنان يمتلك طريقتة الخاصة فسينظر إليه على أنه مقلد، فالفنان ليس مؤد فقط وانما هو مبدع وخلاق».
العريفي: قبست لوني من مشكاة الأساطير والتعويذ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...