فنون بصرية محمد علي ناصف - السينما والأدب..

في عامي 1932، 33 كان الفلم البوليسي أكثر أنواع الأفلام شيوعاً وأوفرها غلة على أصحاب الشركات.

وفي عام 1934 اختص بمرتبة النجاح الأولى الفلم الموسيقي، وجاء دور الفلم التاريخي في الموسم التالي.

ثم كان الطابع المميز لإنتاج الموسم الماضي إقدام الشركات على إخراج الأعمال الأدبية الكبرى؛ فشهدنا (حلم منتصف ليلة صيف) و (روميو وجوليت) لشكسبير و (البعث) و (أنا كارنينا) لتولستوي و (دافيد كوبرفيلد) و (قصة مدينتين) لديكنز و (مونت كريستو) و (الفرسان الثلاثة) لاسكندر دوماس الأب، و (غادة الكاميليا) لدوماس الابن. و (جحيم دانتي) وغير ذلك من الأفلام التي لم تعرض للآن في بلادنا مثل (الجريمة والعقاب) لدستويفسكي و (كما تشتهي) لشكسبير.

إذا تتبع القارئ هذا البيان المجمل تبين حقيقة ناصعة: تلك أن السينما تتطور من حين لآخر، وأنها تأخذ في تطورها اتجاهاً ثقافياً يقرب إلينا معنى السينما وما تستطيع أن تحققه من آمال كبار.

لقد كان كثير من الأدباء والفنانين في أول عهود السينما يترفعون عن العمل من أجلها ويحسبونها سلعة ذات بهرج لا صلة لها بالفن، حتى صرح بعض كبار الكتاب ومنهم الكاتب الإنكليزي جورج برناردشو بأنهم لم يسمحوا بإخراج كتبهم على الشاشة. وقد كتب لويجي بيرانديللو مقالاً في إحدى المجلات الأدبية عام 1927 يحاول فيه الإقناع بفشل الفلم الناطق.

واليوم يتهافت كل كاتب وفنان على السينما، ولا نستثني أشدهم غلواً في المحافظة والاتزان. فبرنارد شو نفسه لا يشغله الآن شاغل أكثر من إعداد مسرحيتيه (جان دارك) و (بيجماليون) للسينما. فإذا علمت أنه قد أُخرج له قبل ذلك مؤلفان ولم يلقيا نجاحاً يذكر، إذا علمت ذلك، أدركت قوة إيمان الكاتب الساخر بما كان يسخر منه.

ولقد يعجب القارئ كذلك لو علم أن برنارد شو قد ظهر في فلم طويل مع زميله جون درنكوتر وسير أوستن تشمبرلن لمناسبة حفلات تتويج ملك الإنجليز.

ولقد أذيع أخيراً أن مستر ونستن تشرشل قد كلفه ألكسندر كوردا بعمل سيناريو عن حياة لورنس المعروف باتصاله بقضية العرب.

ويُعد هـ. ج. ولز الكاتب الإنجليزي المبتدع في طليعة الكتاب اهتماماً بالسينما؛ فقد أخرج له ثلاثة كتب في العامين الأخيرين كتب هو بقلمه سيناريو أحدهما

ومثله نويل كوارد وإن كان هذا الأخير قد انفرد بتمثيل دور البطولة في فلم أمريكي لم يعرض إلى الآن كل من الفيلم وممثله نجاحاً كبيراً.

ولقد شاهدنا أخيراً الموسيقار ليو بولدستكوفسكي وأوركستراه الشهير في أحد الأفلام، كما أن شركات السينما لا تدع جهداً في سبيل التعاقد مع كل فنان يصلح مادة للسينما. وقلما يظهر في عالم الفن كتاب أو مسرحية ناجحة دون أن تلقى اهتماماً من أحد الرواد. حتى لقد قيل إن إحدى الشركات راقها عنوان مسرحية فدفعت من أجل العنوان أربعة آلاف جنيه ولم تحفل بالموضوع.

ولا أنسى في هذا المجال الكاتب الفرنسي مارسيل بانيول صاحب (توباز) الذي ألف شركة سينمائية لإخراج كتبه.

كل هذه أمثلة أسوقها للتدليل على أن السينما قد أخذت تمتزج بالأدب وتتصل به اتصالاً وثيقاً وإنها كانت متعة الجماهير، فهي كذلك متعة للخاصة لا يعدلها شئ.

والسؤال الذي قد يتردد هنا: (ما مصير المسرح الآن؟).

محمد علي ناصف


بتاريخ: 17 - 01 - 1938
مجلة الرسالة - العدد 237

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...