في بيتِ نزار قباني، حكى درويشُ عن قَمَرٍ ضمهما؛ ليتجادلا حكايةَ الشعرِ.. قال على لسانِ نزار:
منذُ تركتُ دمشقَ تدفّقَ في لغتي
بردى، واتسعتُ
أنا شاعرُ الضوءِ .. والفُلَّ
لا ظلّ .. لا ظلّ في لغتي
أنا العفويّ، البهيّ
أُرقِصُ خيلَ الحماسةِ فوقَ سطوح الغناء
وتكسرني غيمه.
صورتي كتبت سيرتي، ونفتني
إلى الغرف الساحليه.
فما حكايةُ الشعرِ؟ وحكايةُ الشعراء الذين يَعبدون عقلَ القصيدةِ؛ فينحتونها على صخرِ جبلِ الطور، وحكايةُ الشعراءِ الذين يجوبون الوديانَ والهضاب؛ لينثروا فطرةَ الإنسانِ في طينٍ لازب؟
كان النبيُّ يجلبُ الوحيَ متى أراد ..وكان الرسولُ ينتظرْ قدح الزناد.
كانَ الرسولُ يقول الحديثَ والحديث ولا يسكته إلا الموتُ، وكان النبيُّ يقول الطريقَ والطريق ويخلد إلى النوم. ذاك الفرقُ بين النبيّ والرسول؛ إذ لم يكن للعرب إلا النبي؛ حتى استولدوا الرسولَ؛ فدخل النبيُّ في رحِم الرسول؛ ومات الشعر، إلا في بقيّة آمنتْ بوحدةِ الوجود الشعري، ولم تكن تؤمن بمقول القائل : "هذا شاعرٌ مطبوعٌ، وذاكَ شاعرٌ مُتصنِّع".
إن ذاك الحوار الذي جرى في بيت نزار؛ كان بيانًا لكثرة الشعراء وقلةِ الشعر؛ حين يقفزُ الشعرُ حاملا معه الجبالَ والبحار بين البساتين! ليقارب خطاب الأزل والأبدِ، ويتجاوز الإنسانَ على مستوى الشكل والبنية وأدوات التعبير؛ فإن الشعراء كطيرٍ يرقصُ مذبوحًا من الألمِ حول جنةٍ تهاوى مخيالها.
وانتهى مطافُ نقادِ الزمان الماضي؛ بأن يصنعوا للشعرِ أحرارا وعبيدًا؛ فالأولُ مطبوعٌ وذاك مصنوع. فهل الطبعُ حالة ثابتةٌ تعبر عن المرحلة الفطرية منذ النشوء؟ والصنعةُ حالة مبتورة نُمّيت دون طَبعٍ يُبنى عليه، وهي تعبر عن تأسيسِ الشيءِ بإدراكٍ عقلي متصنع؟ فهل المتصنّعُ لا يمرُّ بمرحلةِ الطبعِ؟ وهل المطبوعُ لن يكونَ مُتَصنِّعا؟ وما المتصنعُ وما نوعُ قولِه؟ ليُحدّدَ المدى الذي تتحرك به استعدادات فطرته. وإذا اجتمع المعنيان فهل يعني أننا أمام لحظة مطلقة؟
سأسردُ الحكاية البائسة تلك:
بدأ الوجودُ بلا غايةٍ مرسومةٍ في عقلٍ مطلقٍ مُدرك، ونما الإنسانُ به؛ كفردٍ غريبٍ جاء إلى مدينةٍ نائية، حتى استفردَ- في قراراتِ نفسهِ العميقةِ- بمُلكِها، فظل يتحكم في غاياتها، ويقبضُ على محركاتِ فضائها، ويسجنُ اللغةَ في دهاليز حصونه، ويقسّمها على طريقين؛ طريق الكلام، وطريق الشعرِ؛ جذرهما: المطلق، الذي يغرفان منه . وكان للمطلقِ سحرٌ في الأذهانِ، يتصارعون ادعاءه، بنظمِ كلام الناس وللناسِ؛ في عِقْدٍ يوطّد أركانَ المدينة على بحرٍ واحدٍ، سواءً جاءَ البحرُ عذبا على قلوب سكان المدينة، أو شائبًا معقدًا. حتى خرجت وثيقةٌ من كهفٍ قديم في أحدِ جبال المدينةِ تذكرُ اسمَ من يملك الكلام المطلق، وليس لسكانِ المدينةِ إلا زيادة المعنى وإيضاحه، أو إسباغ الصور الجميلة على واجهته؛ والأول من كان مفطورا مطبوعًا ينطلقُ إلى غايته مسيّرا وديعًا، ينظم الكلام المتداول بين سكانِ المدينة، في لحظةِ فراغِ بالٍ، وبديهة حاضرة، والثاني من كان متصنِعًا يعيبُ المعاني ويدبج الألفاظ التي تخرقُ أذنَ سكانِ المدينةِ ولا تؤثر به. فنادى النقادُ من أعلى المنابرِ وفي رؤوس المنارات، بأن من له طبْعًا يميلُ به للشعرِ فلا يدع التماس البيان؛ فإن الإهمال يهدمُ القريحة. ونزلوا من المنابر إلى الميدان ليطردوا من كان يضم مع البيت الشعريِّ ابن عمّه وليس أخاه، ومن وجدوه في غرفته ينقح القصيدةَ ويحذف منها، ويفتّش عن ألفاظٍ بديلة لألفاظه، فهؤلاء عبيدٌ للقصيدةِ غير مفطورين. وانقسم النقادُ حيال هؤلاء العبيدِ الذين وجدوا في غرفهم عاكفين على قصائدهم؛ إلى فريقين: فريق اكتفى بطردِ مَنْ كانَ يعتصرُ المعنى؛ حتى إذا اعتصره جاء بابن عمه، وليس أخاه، وفريق ضمَّ معه مَنْ يجوّدُ القصيدةَ بتحكيكٍ وتنقيحٍ يصنعه صناعة، ويفتعل نظمَ عِقْدِه، بطول تفكرٍ، وشدة عناء، ورشح جبينٍ، وضروراتٍ ما لها في قلب الناس داعٍ، وحذف المعاني التي لا تتناسب مع بناء القصيدة، مع أنَّ الناسَ في المدينة يحتاجونها، ويزيدُ المعاني التي لا يحتاجونها. ثم خرجَ من هذين الفريقين فريق ثالثٌ قال: إن عبيدَ الشعر بفعلهم هذا كالمطبوعين، إلا أن المطبوعَ الحر لا يحتاجُ استعانة بعقله، والعبدُ يحتاجُ قلما يصحح به ويقوّمُ قصيدته بمعرفةِ العروضِ والحذق بها، ولهذا طالب بالصبر عليهم، ومعاملتهم كدرجة ثانية في المدينة. وتطور هذا الفريق لينتج فريقا رابعًا رأى أن الشعرَ كله صنعة، ولكن تتنوع إلى مسارين طبع وتكلف. ثم جاءت ثورة نقادٍ دفاعا عن العبيدِ رافعةً شعار: الطبيعة قوةٌ مطلقة تسري في الأشياء، وتعمل فيها بقدر القبول والاستحالة، وليس إلا صناعة تروّضُ تلك الطبيعة في أفقٍ غير مروّض، أو صناعة تروضها الطبيعةُ في أفق مروّض.
هنا نهاية الحكاية ..!
لكنَّ التجاربَ الإنسانية وغير الإنسانية في الإنسان، والإنسانية واللاإنسانية في غير الإنسان، والكونية في خارجِ إدراكِ الإنسانِ، التي تنفض الذاكرةَ في مسيرته منذ وجوده رضيعًا ؛ تجعل الشاعرَ النبيَّ؛ فلتةً من يدِ الكونِ، حين يموسق تفكيره وتمرده على نسيج المطلق، فلا إيقاعَ يحدّ القصيدةَ، لا الخليل ورقصاته، ولا التفاعيل ومكرراتها، ولا التناظر الموسيقي بقوافٍ واحدة، ولا السرد الملثّم برقصات الحكايات المسيّرة، ولا الحوار الدرامي المتقمّص شخوصَ التنوع الراقص، ولا التقفية الداخلية، والموسقة الحرفية، ولا هدوء الإيقاع والهمسات البحرية، ولا المقاربة النثرية بما يشبه الإيقاع ...
لكنَ الشاعر الرسولَ هو ذلك الذي ظل يتبعُ جنةَ النظرِ، ظلّ تحت ظلال القيدِ مادًا أجل الحياةِ البئيسة، بيدِ الناسِ.
من هنا خرج الشعراء الرسل، وانفلقوا فكان كُلُّ فِرْقٍ كالطودِ العظيمِ في حياة الناس وعاداتهم، ومنطلقاتِ ما تفرضه عليهم سياسة الوجود المادي المصنوعِ من عشوائية الطبيعة، وما تفرضه لغة الطبعِ من سيولة الأداء الشعري عند الشعراء الرسل.. وتختلف رسالة عن رسالة في مدى التداول البشري المتلائم مع انسجاماتهم في الوعي وضده.
من هنا أعلن درويشَ في نهاية اللقاء موتَ رسالةِ نزار؛ ذلك العفوي، البهيّ، لمّا ماتَ مُرسِلُها، ويعلنُ أنَّ موتَه هوَ مُرجأٌ إلى الأبدِ؛ مع أنهما ماتا معا:
قلت له حين متنا معًا،
وعلى حدة
أنتَ في حاجةٍ لهواء دمشق
فقالَ سأقفزُ، بعد قليل
لأرقد في حفرةٍ من سماء دمشقْ
فقلتُ انتظر ريثما أتعافى
لأحملَ عنك الكلام الأخير
قال انتظر أنتَ، عش أنتَ بعدي
فلابدَّ من شاعرٍ ينتظر
فانتظرتُ، وأرجأتُ موتي.
..
وستنتظرُ تنتظرْ، يا درويشُ
مادامت نبوّتك تشعل جذوة الشعر المطلق.
..
أنس الرشيد
25/ آذار/2019م
منذُ تركتُ دمشقَ تدفّقَ في لغتي
بردى، واتسعتُ
أنا شاعرُ الضوءِ .. والفُلَّ
لا ظلّ .. لا ظلّ في لغتي
أنا العفويّ، البهيّ
أُرقِصُ خيلَ الحماسةِ فوقَ سطوح الغناء
وتكسرني غيمه.
صورتي كتبت سيرتي، ونفتني
إلى الغرف الساحليه.
فما حكايةُ الشعرِ؟ وحكايةُ الشعراء الذين يَعبدون عقلَ القصيدةِ؛ فينحتونها على صخرِ جبلِ الطور، وحكايةُ الشعراءِ الذين يجوبون الوديانَ والهضاب؛ لينثروا فطرةَ الإنسانِ في طينٍ لازب؟
كان النبيُّ يجلبُ الوحيَ متى أراد ..وكان الرسولُ ينتظرْ قدح الزناد.
كانَ الرسولُ يقول الحديثَ والحديث ولا يسكته إلا الموتُ، وكان النبيُّ يقول الطريقَ والطريق ويخلد إلى النوم. ذاك الفرقُ بين النبيّ والرسول؛ إذ لم يكن للعرب إلا النبي؛ حتى استولدوا الرسولَ؛ فدخل النبيُّ في رحِم الرسول؛ ومات الشعر، إلا في بقيّة آمنتْ بوحدةِ الوجود الشعري، ولم تكن تؤمن بمقول القائل : "هذا شاعرٌ مطبوعٌ، وذاكَ شاعرٌ مُتصنِّع".
إن ذاك الحوار الذي جرى في بيت نزار؛ كان بيانًا لكثرة الشعراء وقلةِ الشعر؛ حين يقفزُ الشعرُ حاملا معه الجبالَ والبحار بين البساتين! ليقارب خطاب الأزل والأبدِ، ويتجاوز الإنسانَ على مستوى الشكل والبنية وأدوات التعبير؛ فإن الشعراء كطيرٍ يرقصُ مذبوحًا من الألمِ حول جنةٍ تهاوى مخيالها.
وانتهى مطافُ نقادِ الزمان الماضي؛ بأن يصنعوا للشعرِ أحرارا وعبيدًا؛ فالأولُ مطبوعٌ وذاك مصنوع. فهل الطبعُ حالة ثابتةٌ تعبر عن المرحلة الفطرية منذ النشوء؟ والصنعةُ حالة مبتورة نُمّيت دون طَبعٍ يُبنى عليه، وهي تعبر عن تأسيسِ الشيءِ بإدراكٍ عقلي متصنع؟ فهل المتصنّعُ لا يمرُّ بمرحلةِ الطبعِ؟ وهل المطبوعُ لن يكونَ مُتَصنِّعا؟ وما المتصنعُ وما نوعُ قولِه؟ ليُحدّدَ المدى الذي تتحرك به استعدادات فطرته. وإذا اجتمع المعنيان فهل يعني أننا أمام لحظة مطلقة؟
سأسردُ الحكاية البائسة تلك:
بدأ الوجودُ بلا غايةٍ مرسومةٍ في عقلٍ مطلقٍ مُدرك، ونما الإنسانُ به؛ كفردٍ غريبٍ جاء إلى مدينةٍ نائية، حتى استفردَ- في قراراتِ نفسهِ العميقةِ- بمُلكِها، فظل يتحكم في غاياتها، ويقبضُ على محركاتِ فضائها، ويسجنُ اللغةَ في دهاليز حصونه، ويقسّمها على طريقين؛ طريق الكلام، وطريق الشعرِ؛ جذرهما: المطلق، الذي يغرفان منه . وكان للمطلقِ سحرٌ في الأذهانِ، يتصارعون ادعاءه، بنظمِ كلام الناس وللناسِ؛ في عِقْدٍ يوطّد أركانَ المدينة على بحرٍ واحدٍ، سواءً جاءَ البحرُ عذبا على قلوب سكان المدينة، أو شائبًا معقدًا. حتى خرجت وثيقةٌ من كهفٍ قديم في أحدِ جبال المدينةِ تذكرُ اسمَ من يملك الكلام المطلق، وليس لسكانِ المدينةِ إلا زيادة المعنى وإيضاحه، أو إسباغ الصور الجميلة على واجهته؛ والأول من كان مفطورا مطبوعًا ينطلقُ إلى غايته مسيّرا وديعًا، ينظم الكلام المتداول بين سكانِ المدينة، في لحظةِ فراغِ بالٍ، وبديهة حاضرة، والثاني من كان متصنِعًا يعيبُ المعاني ويدبج الألفاظ التي تخرقُ أذنَ سكانِ المدينةِ ولا تؤثر به. فنادى النقادُ من أعلى المنابرِ وفي رؤوس المنارات، بأن من له طبْعًا يميلُ به للشعرِ فلا يدع التماس البيان؛ فإن الإهمال يهدمُ القريحة. ونزلوا من المنابر إلى الميدان ليطردوا من كان يضم مع البيت الشعريِّ ابن عمّه وليس أخاه، ومن وجدوه في غرفته ينقح القصيدةَ ويحذف منها، ويفتّش عن ألفاظٍ بديلة لألفاظه، فهؤلاء عبيدٌ للقصيدةِ غير مفطورين. وانقسم النقادُ حيال هؤلاء العبيدِ الذين وجدوا في غرفهم عاكفين على قصائدهم؛ إلى فريقين: فريق اكتفى بطردِ مَنْ كانَ يعتصرُ المعنى؛ حتى إذا اعتصره جاء بابن عمه، وليس أخاه، وفريق ضمَّ معه مَنْ يجوّدُ القصيدةَ بتحكيكٍ وتنقيحٍ يصنعه صناعة، ويفتعل نظمَ عِقْدِه، بطول تفكرٍ، وشدة عناء، ورشح جبينٍ، وضروراتٍ ما لها في قلب الناس داعٍ، وحذف المعاني التي لا تتناسب مع بناء القصيدة، مع أنَّ الناسَ في المدينة يحتاجونها، ويزيدُ المعاني التي لا يحتاجونها. ثم خرجَ من هذين الفريقين فريق ثالثٌ قال: إن عبيدَ الشعر بفعلهم هذا كالمطبوعين، إلا أن المطبوعَ الحر لا يحتاجُ استعانة بعقله، والعبدُ يحتاجُ قلما يصحح به ويقوّمُ قصيدته بمعرفةِ العروضِ والحذق بها، ولهذا طالب بالصبر عليهم، ومعاملتهم كدرجة ثانية في المدينة. وتطور هذا الفريق لينتج فريقا رابعًا رأى أن الشعرَ كله صنعة، ولكن تتنوع إلى مسارين طبع وتكلف. ثم جاءت ثورة نقادٍ دفاعا عن العبيدِ رافعةً شعار: الطبيعة قوةٌ مطلقة تسري في الأشياء، وتعمل فيها بقدر القبول والاستحالة، وليس إلا صناعة تروّضُ تلك الطبيعة في أفقٍ غير مروّض، أو صناعة تروضها الطبيعةُ في أفق مروّض.
هنا نهاية الحكاية ..!
لكنَّ التجاربَ الإنسانية وغير الإنسانية في الإنسان، والإنسانية واللاإنسانية في غير الإنسان، والكونية في خارجِ إدراكِ الإنسانِ، التي تنفض الذاكرةَ في مسيرته منذ وجوده رضيعًا ؛ تجعل الشاعرَ النبيَّ؛ فلتةً من يدِ الكونِ، حين يموسق تفكيره وتمرده على نسيج المطلق، فلا إيقاعَ يحدّ القصيدةَ، لا الخليل ورقصاته، ولا التفاعيل ومكرراتها، ولا التناظر الموسيقي بقوافٍ واحدة، ولا السرد الملثّم برقصات الحكايات المسيّرة، ولا الحوار الدرامي المتقمّص شخوصَ التنوع الراقص، ولا التقفية الداخلية، والموسقة الحرفية، ولا هدوء الإيقاع والهمسات البحرية، ولا المقاربة النثرية بما يشبه الإيقاع ...
لكنَ الشاعر الرسولَ هو ذلك الذي ظل يتبعُ جنةَ النظرِ، ظلّ تحت ظلال القيدِ مادًا أجل الحياةِ البئيسة، بيدِ الناسِ.
من هنا خرج الشعراء الرسل، وانفلقوا فكان كُلُّ فِرْقٍ كالطودِ العظيمِ في حياة الناس وعاداتهم، ومنطلقاتِ ما تفرضه عليهم سياسة الوجود المادي المصنوعِ من عشوائية الطبيعة، وما تفرضه لغة الطبعِ من سيولة الأداء الشعري عند الشعراء الرسل.. وتختلف رسالة عن رسالة في مدى التداول البشري المتلائم مع انسجاماتهم في الوعي وضده.
من هنا أعلن درويشَ في نهاية اللقاء موتَ رسالةِ نزار؛ ذلك العفوي، البهيّ، لمّا ماتَ مُرسِلُها، ويعلنُ أنَّ موتَه هوَ مُرجأٌ إلى الأبدِ؛ مع أنهما ماتا معا:
قلت له حين متنا معًا،
وعلى حدة
أنتَ في حاجةٍ لهواء دمشق
فقالَ سأقفزُ، بعد قليل
لأرقد في حفرةٍ من سماء دمشقْ
فقلتُ انتظر ريثما أتعافى
لأحملَ عنك الكلام الأخير
قال انتظر أنتَ، عش أنتَ بعدي
فلابدَّ من شاعرٍ ينتظر
فانتظرتُ، وأرجأتُ موتي.
..
وستنتظرُ تنتظرْ، يا درويشُ
مادامت نبوّتك تشعل جذوة الشعر المطلق.
..
أنس الرشيد
25/ آذار/2019م