الجمع بين التراث والأسطورة معادلة سهلة فالأسطورة تشكل جانباً مهماً من تراث الشعوب. فلكل شعب أساطير تكونت بفعل مؤثرات أخرى درج عليها أبناؤها فأحالوها خلقا من كثرة تردادهم. والتراث الذي يحفظ كل شيء لابد من أنه جعل للأسطورة مكانة كبيرة وحيزاً واضحاً فيه. حيز لم يقف عند حدود الترداد فقط وانما استحضار هذه الأسطورة في أعمال أخرى ربما توجهت للبالغين أحياناً وربما توجهت للأطفال تارة أخرى. وبما أن الكتابة للطفل في الوطن العربي جاءت متأخرة عن نظيراتها من الدول الغربية فمن الطبيعي أن يكون استلهامها للأسطورة وللتراث الشعبي متأخراً هو الآخر مع أنه تراث غني بالحكايات والأساطير.
الآن يقف هذا السؤال يلتمس اجابة شافيه عليه؟ ما هو حظ الأطفال في البحرين من هذا الاستلهام؟ هل سعى كتابنا الى استلهام الأسطورة والموروث الشعبي في نتاجهم للأطفال؟ وهذا التراث نفسه هل عني بالطفل وأفرد له أهمية في التخاطب معه؟ نحن في الاستطلاع الآتي نبحث عن تلك الاجابة؟
تناول جديد
كاتب أدب الأطفال ابراهيم سند يؤكد أن الأسطورة والتراث حاضران ضمن اهتمام الكاتب البحريني وأن التراث بما فيه من أساطير وحكايات جزء لا يتجزأ من اهتماماته ولكن بلحاظ أن يكون هذا التناول ملائما لروح العصر وللجوانب التربوية.
يقول سند: «تناول التراث أو الاسطورة موجود لدى الكتاب البحرينيين فهم يعلمون أن الحكايات الشعبية تنتقل بشكل شفاهي وتستخدم كوظائف تربوية ودينية واجتماعية لكن ككتابة متخصصة لم تستغل بشكل واضح على مستوى الوطن العربي وانما جاءت من فترة قريبة نسبياً. لكن من المهم الالتفات هنا الى أن هذا التراث والأسطورة يحتاج الى تناول تقنى حديث يختلف عن العناصر السابقة فتناول الخرافة اليوم يجب أن يكون بلحاظ القضايا التربوية فمن الصعب أن أقدم الأسطورة كما كانت تقدم بالأمس أو كما هي عليه في جو خرافي مليء بالعنف مع أن هناك بعض الكتاب ينادي بتقديم الخرافات كما هي من دون أي تغيير وهذه مدرسة من مدارس التراث ولكنني أختلف مع هذا التوجه لأن الطفل عقله وتفكيره يستقبل كل المؤثرات ومن الممكن أن يعيش في جو من الخوف والقلق تضر بنموه وتفكيره. فلابد اذاً من استيعاب هذا التراث وتلك الأسطورة حتى يكون الكاتب قادراً على كتابته بشكل جيد. كما نلمحه في بعض قصص خلف أحمد خلف وفي استخدم المسرح الشعبي لدى مسرح علي الشرقاوي وعبدالقادر عقيل».
ومقارناً بين التناول الحديث للتراث والأسطورة وبين اهتمام هذا التراث بالطفل ومراعاته لمراحله المختلفة يقول سند: «لو رجعنا الى التراث الشعبي البحريني لوجدناه اهتم بصورة كبيرة بموضوع الطفل منذ التنشئة ويتمثل ذلك في الكثير من الموروثات في الألعاب في أغنيات الطفل الشعبية في أغنيات المهد والترقيص وتم توزيعها ضمن منظومة زمنية لحياة الطفل فكل فترة لها حاجات تربوية ونفسية. ولو لاحظنا من يقوم بتأليف تلك الأغنيات فسنجد أنه كان يهتم بصوغ واختيار هذه النوعية المميزة من الأغنيات. ولو انتقلنا الى الأغنيات الخاصة بالطفل لوجدناها ترد لتعبر عن حاجات للأطفال وتعبر عن مكنوناتهم واحتياجاتهم الاجتماعية. ولا ننسى تأثير قصص ألف ليلة فهو كتاب مشهود له بالتأثير على مستوى التراث العربي غير أنه تظل هناك مادة صعبة حين نتناول هذه الحكايات الشعبية على مستوى الكتابة كقصة.
ما يشغل الكاتب
من جهته يرى الأديب خلف أحمد خلف أن التعاطي مع التراث والأسطورة وتوظيفهما في أدب الأطفال يأتي عن قناعة من الأفكار التي تشغل الكاتب. كما حدث له من اهتمام جدي بموضوع القيم.
يوضح خلف وجهة نظره بقوله: «عندما بدأت الكتابة للطفل لم أبدأها بشكل منهجي وانما كنت أكتب بوحي من فكرة قصة أو موضوع . وأتذكر اني كتبت مسرحية في ضوء حكاية مصباح علاء الدين في ألف ليلة وليلة وهي موجودة ضمن كتب اتحاد الكتاب العرب وهي تعالج موضوع الأسطورة. وما بين كتابتي لتلك المسرحية وبين اليوم تغيرت رؤاي الى ضرورة انتهاج العلم والتعامل بصورة مختلفة مع الأسطورة في إعادة صوغها وكتابتها. فأنا أرى أن القصص التراثية والخرافية ذات منبع واحد ولكنها تختلف من بلد الى آخر بحسب ظروف ومعتقدات كل شعب؛ سندريلا مثلاً تقابلها حكاية سويرة ولها الحكاية نفسها من ايذاء زوجة الأب فهي موجودة بصيغ مختلفة وكل ذلك يقدم وحدة للفكر الإنساني.
ومنوها بالجهود الكبيرة التي قام بها كتاب الطفل في البحرين بهذا الخصوص يضيف خلف: «الحقيقة أن الكتاب البحرينيين كانت لهم اسهامات بارزة في هذا المجال. وأتذكر أنه في العام تمت طباعة مجموعة من قصص الأطفال من قبل وزارة الإعلام في قطر إذ تمت الاشادة بها من كتاب خارج المنطقة واعتبروها من أجمل ما كتب. الى درجة تعليق بعض الأساتذة بقوله إن البحرين تكتب وقطر تنشر والخليج يقرأ. وتلك التجارب بحاجة ماسة إلى تسليط الأضواء النقدية عليها في وقت كان يشهد فيه مسرح أوال موسماً حافلاً بالأعمال الخاصة بالطفل بالتعاون بين الكتاب مثل خلف أحمد خلف والفنان خالد الشيخ والشاعر علي الشرقاوي
تنمية خيال الطفل
بينما ترجع المعنية بالطفولة بهيجة الديلمي هذا الموضع الى غياب أو قلة الكتاب المختصين بالكتابة عن أدب الطفل فهي ترى أن التراث الشعبي والأسطورة غنيان بما هو قادر على إثارة خيال الطفل لولا أن وجود المختصين قليل في هذا الباب.
تقول الديلمي: «هناك قصور واضح في المكتبة العربية فضلاً عن البحرينية بشأن أدب الأطفال. فهي ليست بمستوى الطموح، إذ لا يوجد ليدنا متخصصون في الكتابة للطفل عدا عدد محدود. وليس كل من يكتب للأطفال هو بالضرورة متخصص في أدب الأطفال وذو إلمام بعلم الطفل نفسه فالكتابة للطفل ليس سهلة وهي أصعب بكثير من الكتابة للبالغين. الأمر الآخر أنه لا توجد لدينا مؤسسات خاصة بالكتابة للطفل أسوة بتلك المؤسسات الموجودة في الدول المتقدمة فالكتابة للطفل لم تعد جهوداً فردية وانما هي تخصص مؤسسي يلزم أن يكون كاتب الطفل يمتلك رؤية في التربية والتكنولوجيا، بحيث يكون ما يكتبه محببا للطفل».
وتضيف الديلمي: «أن مجال الأسطورة مجال غني لأن الأسطورة فيها جوانب مثيرة للخيال وتنمي ملكات الطفل وبالتالي القدرة على الابداع فالخيال مهم في تهيئة التعليم. ولكنه مفقود لدينا مع أنه في الدول المتقدمة هناك اهتمام كبير به وبتنميته. أتذكر أني في احدى رحلاتي الى أميركا وجدت مدرسة في إحدى الصفوف وأعطت كل واحد من التلاميذ أوراق كارتون بلون كحلي وأعطت كل واحد منهم كأسا من الحليب وطلبت منهم سكب الحليب على الورق. فسألتها عن سبب ذلك فقالت: ان هدف ذلك هو تنمية خيال الأطفال بسؤالهم عما يتصورونه من أشكال. ان ما قامت به المدرسة لا أجده لدينا فهو شيء مفقود فيجب علينا استثمار الأسطورة في اثارة الخيال مع الاحتفاظ بالقيم الاجتماعية التي يجب أن نعرضها بشكلها المباشر وانما عن طريق غير مباشر. فالتراث الشعبي ثروة ولكنها ثروة خام هي الأخرى لذلك لا يمكننا تقديمها بشكلها المباشر البسيط مع وجود الأفلام والمثيرات وانما يجب تقديمها بصورة عصرية مقبولة للطفل.
: http://alwasatnews.com/news/578040.html
الآن يقف هذا السؤال يلتمس اجابة شافيه عليه؟ ما هو حظ الأطفال في البحرين من هذا الاستلهام؟ هل سعى كتابنا الى استلهام الأسطورة والموروث الشعبي في نتاجهم للأطفال؟ وهذا التراث نفسه هل عني بالطفل وأفرد له أهمية في التخاطب معه؟ نحن في الاستطلاع الآتي نبحث عن تلك الاجابة؟
تناول جديد
كاتب أدب الأطفال ابراهيم سند يؤكد أن الأسطورة والتراث حاضران ضمن اهتمام الكاتب البحريني وأن التراث بما فيه من أساطير وحكايات جزء لا يتجزأ من اهتماماته ولكن بلحاظ أن يكون هذا التناول ملائما لروح العصر وللجوانب التربوية.
يقول سند: «تناول التراث أو الاسطورة موجود لدى الكتاب البحرينيين فهم يعلمون أن الحكايات الشعبية تنتقل بشكل شفاهي وتستخدم كوظائف تربوية ودينية واجتماعية لكن ككتابة متخصصة لم تستغل بشكل واضح على مستوى الوطن العربي وانما جاءت من فترة قريبة نسبياً. لكن من المهم الالتفات هنا الى أن هذا التراث والأسطورة يحتاج الى تناول تقنى حديث يختلف عن العناصر السابقة فتناول الخرافة اليوم يجب أن يكون بلحاظ القضايا التربوية فمن الصعب أن أقدم الأسطورة كما كانت تقدم بالأمس أو كما هي عليه في جو خرافي مليء بالعنف مع أن هناك بعض الكتاب ينادي بتقديم الخرافات كما هي من دون أي تغيير وهذه مدرسة من مدارس التراث ولكنني أختلف مع هذا التوجه لأن الطفل عقله وتفكيره يستقبل كل المؤثرات ومن الممكن أن يعيش في جو من الخوف والقلق تضر بنموه وتفكيره. فلابد اذاً من استيعاب هذا التراث وتلك الأسطورة حتى يكون الكاتب قادراً على كتابته بشكل جيد. كما نلمحه في بعض قصص خلف أحمد خلف وفي استخدم المسرح الشعبي لدى مسرح علي الشرقاوي وعبدالقادر عقيل».
ومقارناً بين التناول الحديث للتراث والأسطورة وبين اهتمام هذا التراث بالطفل ومراعاته لمراحله المختلفة يقول سند: «لو رجعنا الى التراث الشعبي البحريني لوجدناه اهتم بصورة كبيرة بموضوع الطفل منذ التنشئة ويتمثل ذلك في الكثير من الموروثات في الألعاب في أغنيات الطفل الشعبية في أغنيات المهد والترقيص وتم توزيعها ضمن منظومة زمنية لحياة الطفل فكل فترة لها حاجات تربوية ونفسية. ولو لاحظنا من يقوم بتأليف تلك الأغنيات فسنجد أنه كان يهتم بصوغ واختيار هذه النوعية المميزة من الأغنيات. ولو انتقلنا الى الأغنيات الخاصة بالطفل لوجدناها ترد لتعبر عن حاجات للأطفال وتعبر عن مكنوناتهم واحتياجاتهم الاجتماعية. ولا ننسى تأثير قصص ألف ليلة فهو كتاب مشهود له بالتأثير على مستوى التراث العربي غير أنه تظل هناك مادة صعبة حين نتناول هذه الحكايات الشعبية على مستوى الكتابة كقصة.
ما يشغل الكاتب
من جهته يرى الأديب خلف أحمد خلف أن التعاطي مع التراث والأسطورة وتوظيفهما في أدب الأطفال يأتي عن قناعة من الأفكار التي تشغل الكاتب. كما حدث له من اهتمام جدي بموضوع القيم.
يوضح خلف وجهة نظره بقوله: «عندما بدأت الكتابة للطفل لم أبدأها بشكل منهجي وانما كنت أكتب بوحي من فكرة قصة أو موضوع . وأتذكر اني كتبت مسرحية في ضوء حكاية مصباح علاء الدين في ألف ليلة وليلة وهي موجودة ضمن كتب اتحاد الكتاب العرب وهي تعالج موضوع الأسطورة. وما بين كتابتي لتلك المسرحية وبين اليوم تغيرت رؤاي الى ضرورة انتهاج العلم والتعامل بصورة مختلفة مع الأسطورة في إعادة صوغها وكتابتها. فأنا أرى أن القصص التراثية والخرافية ذات منبع واحد ولكنها تختلف من بلد الى آخر بحسب ظروف ومعتقدات كل شعب؛ سندريلا مثلاً تقابلها حكاية سويرة ولها الحكاية نفسها من ايذاء زوجة الأب فهي موجودة بصيغ مختلفة وكل ذلك يقدم وحدة للفكر الإنساني.
ومنوها بالجهود الكبيرة التي قام بها كتاب الطفل في البحرين بهذا الخصوص يضيف خلف: «الحقيقة أن الكتاب البحرينيين كانت لهم اسهامات بارزة في هذا المجال. وأتذكر أنه في العام تمت طباعة مجموعة من قصص الأطفال من قبل وزارة الإعلام في قطر إذ تمت الاشادة بها من كتاب خارج المنطقة واعتبروها من أجمل ما كتب. الى درجة تعليق بعض الأساتذة بقوله إن البحرين تكتب وقطر تنشر والخليج يقرأ. وتلك التجارب بحاجة ماسة إلى تسليط الأضواء النقدية عليها في وقت كان يشهد فيه مسرح أوال موسماً حافلاً بالأعمال الخاصة بالطفل بالتعاون بين الكتاب مثل خلف أحمد خلف والفنان خالد الشيخ والشاعر علي الشرقاوي
تنمية خيال الطفل
بينما ترجع المعنية بالطفولة بهيجة الديلمي هذا الموضع الى غياب أو قلة الكتاب المختصين بالكتابة عن أدب الطفل فهي ترى أن التراث الشعبي والأسطورة غنيان بما هو قادر على إثارة خيال الطفل لولا أن وجود المختصين قليل في هذا الباب.
تقول الديلمي: «هناك قصور واضح في المكتبة العربية فضلاً عن البحرينية بشأن أدب الأطفال. فهي ليست بمستوى الطموح، إذ لا يوجد ليدنا متخصصون في الكتابة للطفل عدا عدد محدود. وليس كل من يكتب للأطفال هو بالضرورة متخصص في أدب الأطفال وذو إلمام بعلم الطفل نفسه فالكتابة للطفل ليس سهلة وهي أصعب بكثير من الكتابة للبالغين. الأمر الآخر أنه لا توجد لدينا مؤسسات خاصة بالكتابة للطفل أسوة بتلك المؤسسات الموجودة في الدول المتقدمة فالكتابة للطفل لم تعد جهوداً فردية وانما هي تخصص مؤسسي يلزم أن يكون كاتب الطفل يمتلك رؤية في التربية والتكنولوجيا، بحيث يكون ما يكتبه محببا للطفل».
وتضيف الديلمي: «أن مجال الأسطورة مجال غني لأن الأسطورة فيها جوانب مثيرة للخيال وتنمي ملكات الطفل وبالتالي القدرة على الابداع فالخيال مهم في تهيئة التعليم. ولكنه مفقود لدينا مع أنه في الدول المتقدمة هناك اهتمام كبير به وبتنميته. أتذكر أني في احدى رحلاتي الى أميركا وجدت مدرسة في إحدى الصفوف وأعطت كل واحد من التلاميذ أوراق كارتون بلون كحلي وأعطت كل واحد منهم كأسا من الحليب وطلبت منهم سكب الحليب على الورق. فسألتها عن سبب ذلك فقالت: ان هدف ذلك هو تنمية خيال الأطفال بسؤالهم عما يتصورونه من أشكال. ان ما قامت به المدرسة لا أجده لدينا فهو شيء مفقود فيجب علينا استثمار الأسطورة في اثارة الخيال مع الاحتفاظ بالقيم الاجتماعية التي يجب أن نعرضها بشكلها المباشر وانما عن طريق غير مباشر. فالتراث الشعبي ثروة ولكنها ثروة خام هي الأخرى لذلك لا يمكننا تقديمها بشكلها المباشر البسيط مع وجود الأفلام والمثيرات وانما يجب تقديمها بصورة عصرية مقبولة للطفل.
: http://alwasatnews.com/news/578040.html